فراس حج محمد

موقع يختص بمنشورات صاحبه: مقالات، قصائد، أخبار

لماذا لم نكن نعرف الشاعر حسب الشيخ جعفر؟

(1942-2022)

فراس حج محمد| فلسطين

الشاعر حسب الشيخ جعفر من الشعراء العرب العراقيين الذين لم أعرفهم- ولم يعرفهم على الأغلب كل أبناء جيلي، إلا أنه قد حالفني الحظ أن أتعرف إليه بديوان واحد بعنوان "رباعيات العزلة الطيبة"، وذلك بفضل من كورونا والحجر المنزلي. استشهدت بشعر هذا الشاعر المولود في العمارة عام 1942 عندما كتبت عن قصيدة للشاعرة العراقية ابنة العمارة أيضا الراحلة "لميعة عباس". قصيدة لميعة كانت عن الوحدة أو العزلة. صادفت القصيدة بقصاصة من إحدى الصحف منشورة على تويتير، فصادفت هوى في نفسي لاتفاق موضوعها مع الظرف الذي وضع فيه العالم آنذاك أيام اشتداد الجائحة.

ليس فقط هذا الشاعر الذي كان غائبا عنا بل هناك شعراء وشاعرات أخريات لم أعرفهم أو أعرفهن إلا بسبب "الاجتهاد الشخصي للمعرفة" من أمثال سركون بولص وفاضل العزاوي ولميعة عباس وعاتكة الخزرجي.

ديوان حسب الشيخ جعفر الذي قرأته "رباعيات العزلة الطيبة" لم يذكره أحد ممن قرأت مقالاتهم في الحديث عن الشاعر، وركزوا كثيرا على التدوير في شعره، لعله لا يدلّ على عمق تجربة الشاعر الإبداعية، وفي الحقيقة لم يسترعِ انتباهي هذا العمل لأبحث عن مؤلفات الشاعر المتاحة بنسخ إلكترونية على شبكة الإنترنت. كل ما خرجت به عن الشاعر هذه الرباعيات لا غير.

حسب الشيخ جعفر كتب السيرة الذاتية، وكتب أيضا الرواية، كما كتب القصيدة الديوان وكتب النص القصير وكتب القصائد المطولة، كما أنه كان مترجماً، فقد اكتسب معرفة باللغة الروسية بحكم دراسته في روسيا، فترجم مجموعة من القصائد الشعرية لمجموعة من الشعراء الروس، ضمها كتابه الضخم "مختارات من الشعر الروسي"، تجاوزت (800) صفحة لخمسة من الشعراء؛ بوشكين، إلكساندر بلوك، ويسنين، ومايكوفسكي، ورسول حمزاتوف، وشاعرة واحدة هي آنا أخماتوفا.

خسارة كبيرة أن لا يذكر هذا الشاعر في الصحف وفي المجلات قبل رحيله- فيما اطلعت عليه- ولم يكن له ذكر أيضا في مقرراتنا الدراسية الفلسطينية في اللغة العربية، فأغلب الشعراء العراقيين الحاضرين في مقرراتنا المدرسية السياب ونازك الملائكة، ويذكر عرضا أحيانا الجواهري والبياتي وسعدي يوسف. فهؤلاء الشعراء على ما يبدو غير معروفين لطلاب المدارس والمعلمين وواضعي الكتب المدرسية. ومثل حسب الشيخ جعفر والشعراء العراقيين مئات- إن لم يكن آلاف-  الشعراء العرب الذين يستحقون الدراسة لم يمنحهم النظام التعليمي فرصة التكوّن الوجودي على شفاه التلاميذ وأفكارهم، فحسب الشيخ جعفر- كأدونيس- من جملة الشعراء غير المدرسيين، ربما لأن شعرهما يتخطى الكلاسيكية في الكتابة الشعرية وخاصة شعر التفعيلة، وتصل إلى آفاق أبعد مما يحق لطلاب المدارس أن يعرفوه.

وحتى لا يتحمل النظام التعليمي كل التبعات في هذا التقصير، يتوجب أن يكون معروفا أن النظام التعليمي يتوجه نحو الظواهر العامة البارزة التي تشكل جزءا من الذاكرة الجمعية العامة، ولا تبحث عن الفرادة الخاصة لدى أحاد المبدعين بل تسعى إلى ترسيخ نمط ما يتماشى مع صناعة شخصية الفرد ليكون جزءا من المشتركات الثقافية العامة، ولعل هذا التوجه في النظام هو أبرز عيوبه، وليس محمدة فيه.

ما الحل- إذاً- مع هذه المشكلة الحقيقية التي تخلف في عقول الطلاب فجوة معرفية هائلة في الشعر العربي ومذاهبه بل في صنوف المعرفة كافة، والأدبية منها على وجه الخصوص؟

ثمة شعراء غير المتنبي وأحمد شوقي والسياب جديرون بأن يتعلم الطلاب قصائدهم ويتذوقوا جمالياتهم كأمين نخلة اللبناني، وجريس سماوي الأردني، وأحمد محرم المصري، وكثيرون آخرون في سوريا وليبيا والجزائر والمغرب وأقطار العرب كافّة. ربما يكمن الحل في انفتاح التعليم وحريته بمنهجية جديدة، تطلق للطلاب حرية تربية أذواقهم بهذه الأنهار العذبة الدفاقة، وليكن هناك تكامل معرفي بين الجامعة وبين المدرسة لتعريف الطلاب بتلك المنارات المميزة، ليتعرف الطالب على مئة شاعر عربي معاصر على أقل تقدير قبل مرحلة الجامعة، يكون هؤلاء من ذوي الإنجازات التي أسهمت في إحداث تغيير وبصمة في مسيرة الشعر العربي.

وفي الجامعة، كما في المدرسة، لم أسمع بحسب الشيخ جعفر لا في مساق الأدب الحديث ولا في مساق علم العروض والقافية، على الرغم من أننا درسنا "ظاهرة التدوير" في شعر التفعيلة التي تميز بها حسب الشيخ جعفر ولا أذكر أن له نموذجا واحدا في الكتاب الذي كان مقررا لدراسته، فالمساق لم يكن مفتوحا لنبحث عن شعراء تميزوا بهذه الظاهرة، بل كان يعرف بالظاهرة وبنماذج لها فقط. وعلى العموم أيضا لم تكن مرحلة الدراسة الجامعية أحسن حالا من التعليم المدرسي، فلم تكن تعتمد في أغلب مساقاتها على البحث العلمي، ما خلا مساقا أو مساقين، إنما كانت المساقات مغلقة بكتب مقررة، ندرسها ونستظهر أفكارها، لنجيب عن أسئلة الحفظ والتذكر التي نعيد فيها ما هو مسطور في تلك الكتب حرفيا، وكلما كنت متقنا لتلك الحرفية كنت متفوقا، وتحتل مراتب الشرف الجامعية.

فمن ذا الذي سينقذ طلابنا من هذا الجهل المعرفي الذين هم غارقون فيه؟ لاسيما أن مرحلة الدراسات العليا في الماجستير أخذت تنحو منحى الدراسة الجامعية الأولى في الحفظ والاستظهار، وأخذت مساحة البحوث تقلّ وتصغر وتتضاءل، ربما لعدد الطلاب الكبير في قاعات الدرس، ما يعني أن اعتماد استراتيجيات عمل البحوث ستكلف المحاضر وقتاً طويلا لعملية المتابعة والتصحيح، ولذلك فأسلم طريقة هي: احفظ للإجابة عن أسئلة الامتحان للمساقات الفصلية، وللامتحان الشامل واحصل على الماجستير، وهكذا تذهب فرص كثيرة في البحث عن الشعراء وفرادة الإنتاج الإبداعي لدى المبدعين العرب، من أجل كل هذا، ولغيرها من الأسباب ضاعت علينا نحن الطلاب فرصة معرفة الشاعر والمترجم حسب الشيخ جعفر، وكثيرين غيره من المبدعين العرب الأفذاذ.

المصدر: فراس حج محمد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 381 مشاهدة

فراس عمر حج محمد

ferasomar
الموقع الخاص بــ "فراس حج محمد" »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

742,892

فراس حج محمد

نتيجة بحث الصور عن فراس حج محمد كنانة أون لاين

من مواليد مدينة نابلس في فــلسطين عــام 1973م، حاصل على درجة الماجستير في الأدب الفلسطيني الحديث من جامعة النجاح الوطنية. عمل معلما ومشرفا تربويا ومحاضرا غير متفرغ في جامعة القدس المفتوحة. 

عمل محررا لغويا في مجلتي الزيزفونة للأطفال/ رام الله، وشارك في إعداد مواد تدريبية في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، وكان عضوا في هيئة تحرير مجلة القانون الدولي الإنساني/ الإصدار الثاني الصادرة عن وزارة التربية والتعليم في فلسطين.

نشر العديد من المـقالات والقـصائد في مـجالات النشر المختلفة الإلـكترونية والصحف والمجلات في فلسطين والوطن العربي وبريطانيا وأمريكا وكندا والمكسيك. وشارك في ندوات وأمسيات شعرية ومؤتمرات في فلسطين.

الكتب المطبوعة: 

رسائــل إلى شهرزاد، ومــن طقوس القهوة المرة، صادران عن دار غُراب للنشر والتوزيع في القاهرة/ 2013، ومجموعة أناشيد وقصائد/ 2013، وكتاب ديوان أميرة الوجد/ 2014، الصادران عن جمعية الزيزفونة لتنمية ثقافة الطفل/ رام الله، وكتاب "دوائر العطش" عن دار غراب للنشر والتوزيع. وديوان "مزاج غزة العاصف، 2014، وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في القصة القصيرة جدا- دار موزييك/ الأردن وديوان "وأنت وحدك أغنية" عن دار ليبرتي/ القدس وبالتعاون مع بيت الشعر في فلسطين، وكتاب "يوميات كاتب يدعى X"، وكتاب "كأنها نصف الحقيقية" /الرقمية/ فلسطين، وكتاب "في ذكرى محمود درويش"، الزيزفونة 2016، وكتاب "شهرزاد ما زالت تروي- مقالات في المرأة والإبداع النسائي"، الرقمية، 2017، وديوان "الحب أن"، دار الأمل، الأردن، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في الرواية"، مكتبة كل شي، حيفا، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في متنوع السرد"، مؤسسة أنصار الضاد، أم الفحم، 2018، وديوان "ما يشبه الرثاء"، دار طباق للنشر والتوزيع، رام الله، 2019، وكتاب "بلاغة الصنعة الشعرية"، دار روافد للنشر والتوزيع، القاهرة، 2020. وكتاب "نِسوة في المدينة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2020. وكتاب "الإصحاح الأوّل لحرف الفاء- أسعدتِ صباحاً يا سيدتي"، دار الفاروق للنشر والتوزيع، نابلس، 2021. وكتاب "استعادة غسان كنفاني"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2021، وكتيّب "من قتل مدرّس التاريخ؟"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2021. وديوان "وشيء من سردٍ قليل"، وزارة الثقافة الفلسطينية، رام الله، 2021. وديوان "على حافّة الشعر: ثمّة عشق وثمّة موت"، دار البدوي، ألمانيا، 2022. وكتاب "الكتابة في الوجه والمواجهة"، الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمان، 2023. وكتاب "متلازمة ديسمبر"، دار بدوي، ألمانيا، 2023. وكتاب "في رحاب اللغة العربية"، دار بدوي، ألمانيا، 2023، وكتاب "سرّ الجملة الاسميّة"، دار الرقمية، فلسطين، 2023. وكتاب "تصدّع الجدران- عن دور الأدب في مقاومة العتمة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمّان، 2023، وديوان "في أعالي المعركة"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2023، وكتاب "مساحة شخصية- من يوميات الحروب على فلسطين"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "الثرثرات المحببة- الرسائل"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "فتنة الحاسة السادسة- تأملات حول الصور"، دار الفاروق للثقافة، نابلس، 2025. 

حررت العديد من الكتب، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب والدواوين المخطوطة. 

كتب عن هذه التجربة الإبداعية العديد من الكتاب الفلسطينيين والعرب، وأجريت معي عدة حوارات ولقاءات تلفزيونية.