كلمة بمناسبة بلوغ المجلة عددها 36
"الليبي" بوصفها الفاعل الثقافي القوي
فراس حج محمد/ فلسطين
تواصل مجلة الليبي ارتقاءها درجات الفعل الثقافي، لتكون علامة بارزة على الساحة الثقافية الليبية والعربية، فها هي تمتد إلى ثلاث سنوات، بإصرار على العمل والإنجاز غير هيّابة ولا متردّدة، تواصل البحث في التاريخ الليبي وإبراز معالم العراقة الليبية والتاريخ الليبي المكتنز، لتكوّن من خلال ذلك إجابتها الخاصة في وجه الواقع المفتت على موائد سياسية متنوعة المشارب والآفاق والأجندات. تقدم إجابتها البلاغية في أن "ليبيا" أرض حضارة، وأرض علم وأرض صناعة أمجاد وعزّ، وكأنها تقول لكل ذلك الصراع الذي يجعل من ليبيا الموحدة "ليبيّات" غير متجانسة أن هناك قاعدة مشتركة لنا جميعا أبناء هذه البقعة المميزة من العالم، فتعالوا أيها الفرقاء إلى "كلمة سواء بيننا" ألا ننتمي إلا إلى ليبيا الوحدة الواحدة ذات التاريخ العريق والمجد السامي الرفيع.
لعلّ "مجلة الليبي" وهي تبتعد عن الإجابة المباشرة عن السؤال السياسي المعاصر، تقدم هذه الإجابة الثقافية الشافية الوافية التي تجعل من أهل "القُطْر الليبي" واقفين على صعيد واحد، مشتركين في الماضي، ليكونوا أيضا مشتركين بلُحْمة واحدة في صناعة الحاضر والامتداد نحو آفاق المستقبل الزاهر بعون الله، لينعم الجميع بالعدل والأمان والخير والحب، بعيدا عن التعصب والكراهية.
فالثقافة لها وجه سياسي بلا شك، فلا معنى لأي ثقافة إن لم تكن ذات روح سياسية وإلا لكانت ضربا من اللهو،- أو كانت نوعا من العبث، وعليه فإنني- وبشكل شخصي، ومن حكم انتمائي العربي لثقافة عربية وإسلامية- أجد نفسي جزءا من هذا النسيج الثقافي الليبي- العربي الذي يبسط أجنحته ليشمل فلسطين المحتلة المبتلاة باحتلال لا يرحم. فقد أحببتُ هذه التجربة، ولها في نفسي القدر الكبير من الاحترام والتقدير، ليس لأنها توفر لي مساحة دورية للنشر، وليس لأنني مسؤول مكتب فلسطين التابع للمجلة فقط، وإنما لأن المجلة بحد ذاتها، ذات قدرة ثقافية فاعلة في المشهد الثقافي، بفضل الإصرار على الصدور والبحث عن الانتشار والتمدد في العواصم العربية، وعقد الندوات، وتوفر نسخ من أعداد المجلة في مكتبات الوطن الليبي وفي غيرها. عدا ما تقدّمه من مادة ثقافية وازنة داعمة للمشهد الثقافي العربي.
إنه لمن دواعي فخري واعتزازي أن أكون ابنا لهذا الوسط الثقافي التي تضعني فيه "مجلة الليبي" وزملائي الكتاب العرب والليبيين لنكوّن سويّاً دون أن نلتفت إلى شيء غير الثقافة لنقدم مع "الليبي" أيضا إجابتنا الخاصة في قضايا الثقافة بامتداداتها المعرفية، وتفتح لنا صفحاتها بكل احترام وتقدير لتجعل من أفكارنا مادة للتفاعل الثقافي ضمن هذا النسيج المعرفي المفتوح التي تصر المجلة، بنشاط القائمين عليها، على صنعه ببلاغة مشهدية واضحة.
لعلّ أهمّ ما يجدر بي الإشارة إليه، وأنا بصدد الحديث عن مجلة الليبي، والاحتفال بها منجزا ثقافيا عربيا، ذلك الحوار الذي أجراه معي- خلال عامها الثالث هذا- رئيس تحرير المجلة الدكتور الصديق بودوارة، فكان حوارا شاملا، ثقافيا وطنيا فكريا، سررت به أيما سرور، فعلى الرغم من أنه أجريت معي عدة حوارات مكتوبة ومتلفزة وإذاعية، إلا أن هذا الحوار كان بالنسبة لي مهمّا، لما له من أهمية ضمن سياق الفعل الثقافي الليبي، إذ كنت حريصا على ألا أكون منغرسا بذاتي ومنغلقا عليها، بل توخيت أن أكون- مثل المجلة ذاتها- مفتوحا على الأفقين العربي والفلسطيني من وجهتيها الثقافية والسياسية، بحيث وفرت ليَ الأسئلة هذه الفرصة لأبتعد قليلا عن الذاتي لمصلحة ما هو أهم وأولى.
كما ينبغي أن أشيد بحرص المجلة ممثلة برئيس التحرير الدكتور الصديق بودوارة، ومديرة التحرير الأستاذة سارة الشريف على أن تكون قضايا الأسرى الفلسطينيين وإبداعاتهم حاضرة في المجلة، فتم نشر جميع التقارير الخاصة بمبادرة "أسرى يكتبون"، وإن دل هذا الحرص على شيء فإنما يدل على هذه الفاعلية الثقافية ذات التوجه السياسي في مناصرة القضايا السياسية العادلة للشعب الفلسطيني.
وفي ختام هذه الوقفة ضيقة المساحة، أتمنى لمجلة الليبي دوام العطاء والاستمرار، ومعاً وسويّاً من أجل الحق والعدل والإنسانية والفاعلية الثقافية، وكل عام ونحن جميعا بخير؛ المجلةُ، وطاقمها، وكتّابها، وقراؤها.