الرسالة السبعون:
ها هي الدنيا قد أمطرت بالفعل وأنت لست معي
عزيزتي وغاليتي وشهيّتي المنتظرة، أسعدت أوقاتاً، أما بعد:
فها هو المطر نازل سحٌّ مدار، يشجي صوته أذني ويثير شهيتي للقائك. لا أدرِ كم ستمكثين في سفرتك هذه، سأنتظر على أي حال، صديقي يشاكسني ويكتب ردا على الرسالة السابقة "يا طول مشيك في البراري حافي"، عندما أنهيت الرسالة السابقة بأنني سأنتظرك. صديقي يتابعني ويتشفى بي، فأنا صرت أثير شهية الشفقة لديه، على طول رسائلي السابقة، وأنا أقول سأنتظر. صار الأمر مثيرا للشفقة فعلا. لكن لا بأس، فهو لا يعرف يقيني بك، ولا حبي لك، فأنا مستعد أن أنتظر أكثر مما انتظرت أضعافا، ما دام آخر العطش ريّ ووصال. أنا على يقين من هذا، ولعلمي أنك لست مراوغة، ومقدر ما أنت فيه من شغل وانشغالات.
حبيبتي القريبة مني والأقرب من روحي إليّ، هل تصدقين أنني أشعر بالدفء وبحرارة الدم تتدفق في شراييني وأنا أكتب لك على وقع المطر في الخارج، صوت الماء يشعرني بالسعادة، الجو لطيف نوعا ما وهو شاعري، يجعل وجودك ضروريا ولو بصيغة هذا التخيل الجميل. إنها حالة شبيهة بحالة "برد ورياح ومطر، تكتك على الشباك" لكن دون البرد والرياح، مطر فقط، نازل بهدوء وحنان ورقة كأنه ذلك الوصال المتدفق الجامع بين السناء وبين الأرض، التقاء محبين، وليس عنف محاربين. هذه هي الحالة في الخارج الآن. إنها حالة من الجمال الكوني التي تفيض نشوة في الروح.
أتمنى أن تكون أمورك بخير كلها، إلى الآن لم تتحدثي معي، عسى المانع خيرا، أخبريني إن استطعت ولو شيئا قليلا عن أحوالك، أنتظر كل شيء منك وأي شيء، وأرجو أن تكون صور المواد والقصائد التي أرسلتها لك نافعة، إلى الآن لم أستطع الحصول على ما وعدتك به، ووعدني أحدهم به. لم يعد الاتصال بي، ولم يرسل لي رسالة على الفيسبوك، يبدو أنه لم يتمكن من الحصول على المطلوب. لا تقلقي، الكتاب الأصلي بحوزتي، وسأزودك به في لقائنا المرتقب. فلعله قريب.
غدا بعون الله سألتقي ببعض الأصدقاء، لنذهب سويا لتقديم واجب العزاء في صديقنا المرحوم، أبو رأفت، لقد عانى كثيرا رحمه الله في الفترة الأخيرة وتألم، لكنه لم يضعف، نابلس في الفترة الأخيرة خسرت كثيرا من أعلامها. يا لها من مدينة مستنزفة في كل شيء!
لا تنسي أن تتكرمي عليّ ببعض الصور من هذا السفر. أتدري ماذا فعلت اليوم؟ لقد جمعت كل صورك على الحاسوب في مجلد واحد، وأخذت بتأملها واحدة واحدة، صور وملامح تقول ما تعجز اللغة أن تقول، ليست صامتة إلا لأنني عاجز عن الكلام وعن تفسيرها، إنما هي صور ناطقات بليغات، أقصى ما تكون البلاغة والفصاحة.
الساعة عندي الآن تعدت الحادية عشرة ليلاً، مستأنس وأنا أكتب إليك، كأنك هنا. وضعت اليوم اللمسات الأخيرة على ديواني الجديد "على حافة الشعر: ثمة موت وثمة عشق"، وقد قدمته بحب وجمال فارهين الصديقة العزيزة هند زيتوني. إنها كاتبة وشاعرة رائعة بحق. سأعمل على نشر الديوان في السنة القادمة (2022) إن بقينا من أهل الحياة والشعر والحب والجمال والحيوية.
الحبيبة الغافية بعيدا هناك في بلاد البرد والبعد، أراك بقلبي، دمت لي روحا لا تنقطع عن بث الحب والحياة، وإلى لقاء قريب أيتها المغردة في قلبي كعصفور دوريّ.
المنتظر بحب ولهفة: فراس حج محمد
الجمعة 19/11/2021