"لسان العرب" يستقرّ في مكتبتي أخيراً
فراس حج محمد/ فلسطين
سؤال محرج لمتخصصي اللغة العربية، وأول هؤلاء صاحب هذه "الكتابة"؛ إذ كيف تكون متخصصا في اللغة العربية وآدابها، وليس عندك هذه الموسوعة المهمة "لسان العرب". أخيراً حصلت على هذه الموسوعة. أيعقل في حالتي هذه أن أقول: "بعد ما شاب ودوه الكتّاب". المهم أن "لسان العرب" أصبح كتاباً بين يديّ وها هو يستقر في مكتبتي العامرة المضطربة المنتفخة بالكتب.
لا توجد مكتبة فوضوية مثل مكتبتي، يا إلهي كم أعاني وأنا أبحث عن المراجع اللازمة، أمكث ساعات وأبا أبحث، لأنها فوضوية، فلو كانت مرتبة على منطق ما، فإنني سرعان ما أستل الكتاب المقصود دون أن أحتاج إلى كل هذا الجهد والوقت والتوتر. أحياناً أصاب بالملل فلا أبحث، لأعاود الكرة في يوم آخر.
بطبيعتي منذ كنت صغيرا وأحب الكتب، وأجمعها، و"لسان العرب"، منذ درست عنه في مساق المعاجم العربية مع أستاذنا الفاضل الدكتور محمد جواد النوري وهو مطمحي ومطمعي، لكنّ طالباً فقيراً مثلي كيف له أن يقتني هذا الكتاب الموسوعة وهو يتألف من ثمانية عشر مجلدا؟ ظل في النفس شيء من "لسان العرب" حتى أتت هدية صديقي حسن عبادي الذي قال لا أحد يستحق هذه الموسوعة سواك، لقد مرّت فترة في حياة صديقي حسن كان مغرما فيها بجمع الموسوعات، فاقتنى هذه الموسوعة وغيرها الكثير، اليوم حسن ذو اهتمامات أكثر جدوى من جمع الموسوعات، فأحب أن ينحلني هذه الهدية الرائعة،فتخرج من مكتبة بيته لتسافر من حيفا إلى تلفيت، لتستقر في مكتبتي. فيا أهلا وسهلا بها، فلها صدر المكتبة.
لقد شرّفني حسن عبادي بزيارتي أمس، الجمعة (15/10/2021)، قبيل المشاركة بتوقيع كتاب صديقنا المشترك قتيبة مسلم، وكان في الحضرة رفيق دربه الفنان جميل عمرية الذي منح مطبخنا هدية مميزة أيضا، ثلاثة قوالب للكعك، صنعها بيديه من المعدن، لم تكن مجرد قوالب وحسب، بل إنها ثلاث تحف فنية، وقال إنها ستعيش مائة عام. بل ستعيش أكثر.
الموسوعة أيضا عاشت عشرات السنوات عند صديقي حسن، وها هي تنتقل إلى مسكنها الجديد لتحتل مكانها في أرفف المكنبة. حسن يطالبني أن أعقم الكتب تحسبا لما قد يعلق بها. رفضت طلبه إذ لا يحسن بي فعل ذلك، أريد أن تظل رائحة صديقي وبيته عليها، إنها ليست مجرد كتاب مهم معرفياً، إنها هدية من صديقي الأقرب والأعز إلى نفسي.
كان يوم توقيع كتاب قتيبة مسلم "حروف من ذهب" يوما مميزا في كل شيء، بمن شرفني وزارني حسن عبادي ورفيق دربه جميل عمرية، والصديق الكاتب أكرم مسلم الذي لبّى دعوتي مشكورا على الرغم من ارتباطاته العائلية. ولا أنسى أيضا صديقيّ إسماعيل حج محمد وابن خالته محمود حج محمد اللذين انضما إلينا، على الرغم من ارتباطاتهما الاجتماعية أيضاً.
بهذه الممكنات العرَضية تحلو الحياة، ويكسر روتينها، والفضل كل الفضل للأسير قتيبة مسلم الذي وفّر الأجواء عن بعد لمثل هذا اللقاء مع الأصدقاء من حيفا في الشمال لتتصافح الأيادي في تلفيت.
بالتأكيد لم يكن الوقت كافياً، أكثر من ساعتين، مرّتا كلمح البصر، وخشينا أن يدركنا موعد التوقيع وإشهار الكتاب، فعاجلنا الوقت ورشفنا القهوة متعجلين. لم ينتهِ البرنامج ولم يُنفّذ كما كنّا خططنا له، كنا نريد الاحتفال بعيد ميلاد حسن عبادي الذي صادف يوم الخميس 14/10/2021، فقد أعددنا له الكعكة لنقول له: كل عام وأنت بخير، فرجل مثله وصديق على شاكلته، لهو أمر نادر في هذا الزمان الصعب.
شكرا لكم أيها الرائعون: حسن وجميل وأكرم وإسماعيل ومحمود أنْ شرفتموني في بيتي، ليحتضن أشخاصكم الكريمة، وتؤثثون المكان بأحاديث الثقافة والشعر والأدب والأخوة الصادقة والمحبة العميقة.