على هَدْيٍ من احتفاء محرك البحث جوجل
ثلاث مقالات بمناسبة يوم الطفولة العالمي
فراس حج محمد
(1)
جوجل والطفولة أين أطفال غزة أيها العالم الحر؟
21/11/2012
زينت شركة جوجل صفحتها الرئيسية لهذا اليوم بصورة معبرة عن احتفالها بيوم الطفولة العالمي الذي يصادف هذا اليوم العشرين من شهر تشرين الثاني من كل عام، وهي عادة تنتهجها شركة جوجل في إحياء المناسبات العالمية وتحيي ذكرى المشاهير في الفن والأدب والرياضة وغيرها.
ومن حقنا أن نسأل ليس شركة جوجل بطبيعة الحال، ولكن نسأل العالم الحر الذي يدعي حرصه على أطفال العالم وتنص الاتفاقيات الدولية بهذا الخصوص على حماية الأطفال وتجريم كل من يتعرض لهم، فأين أطفال غزة أيها المفكرون؟ أم أن أطفالنا لم يرتقوا في عرفكم لمرتبة الطفولة التي تتباكون على انتهاكها في بلاد ليست كبلادنا؟
تحل هذه المناسبة وزهور غزة تقطف يوميا، وتحرق أجسادهم بأفتك الأسلحة، والعالم الحر وضميره في غيبوبة، فلم يرتفع ولو صوتا خجولا يذكر بأطفال غزة ومآسي أطفال غزة؟
متى سنظل نصدق اتفاقياتهم وعهودهم ومواثيقهم؟ متى سنظل نكتب عن الفكر التقدمي ونمدح أبطاله الأشاوس؟ متى نأخذ زمام المبادرة ونحدد نحن أحداثنا المهمة وعهودنا ومواثيقنا؟ إلى متى سنظل نرزح تحت نير الوهم والوهن لنحتفل متى يحتفلون ونهلل متى يهللون ونصلي ونسجد متى وأين يصلون ويسجدون؟ يا لخراب الأرواح ويا لعفن الأفكار ويا لهذا الهذيان!!
لا تنتظروا أحدا يا أطفال غزة، لا تنتظروا الأمم المتحدة، ولا تقرؤوا في أسفار حملتها الحمير، ولهثت بها الكلاب المسعورة الضالة، فلن تكونوا إلا المتن الساطع بالفجر الآتي إن رفضتم هراءهم وضحكهم على ذقوننا!!
لا تصدقوا إلا دماءكم، وأنين مواجعكم! لا تصدقوا إلا هدير الطائرات التي تغتال فرحكم وتمنعكم عن ملاعبكم ومدارسكم، ولا تصدقوا إلا الموت الذي يحملكم على أجنحته بعيدا عن أمهاتكم وآبائكم وإخوتكم، لا تصدقوا إلا سطرا مكتوبا على جبين الشهداء الذين سقطوا في ميادين العزة والشرف، ولتحي طفولتهم في أودية الرخاء المهووس ولتتحولوا أنتم أيقونات خالدة في آيات المصاحف المرتلة.
هنيئا لكم شهادتكم واقفين زنابق يفوح منها عبق السنا والحب، ويكفيكم فخرا أنكم من أقلقتم منام قادة الأعداء، وجعلتم غدهم أسود، فالقادم أشد، إنهم يحاولون اغتيال مستقبلنا بقتلكم ولكن هيهات أن يموت الزيتون في بلاد الزيتون.
(2)
الطفولة الغائبة في عيدها
21 نوفمبر، 2013
احتفى موقع غوغل، كعادته إحياءً للمناسبات المهمة باليوم العالمي للطفولة الذي يصادف يوم 20 نوفمبر من كلّ سنة، وكانت الأمم المتحدة قد أقرت يوما للاحتفال بالطفل عام 1954، فغدا يوما عالميا لتقدير موقع الطفل في الحياة الإنسانية، فالأطفال هم زينة الحياة وسرها وبهجتها، وهم المستقبل والغد الآتي، وانبثق عن ذلك فيما بعد الإعلان العالمي لحقوق الطفل عام 1959، واتفاقية حقوق الطفل عام 1989، وأنشئت للغرض نفسه منظمة اليونيسيف التي تعنى أساسا بالرعاية الصحية للأطفال.
فهل ستتذكر الأمم المتحدة والعالم وشركة غوغل ملايين الأطفال على امتداد البقعة الجغرافية ممن يعانون من ويلات الحروب والقتل اليومي والتشريد؟ وهل سيتذكر العالم ملايين الأطفال ممن لم يعيشوا طفولتهم نتيجة ظروف أهلهم الاقتصادية والاجتماعية المزرية؟
وهل ستتذكر الدول الصديقة الغنية أن هناك أطفالا يقتاتون على ما يلقى في حاويات الزبالة من بقايا طعام المترفين؟ وهل ستتذكر الدول الوطنية وصانعو السياسات أن هناك جيلا قادما عليهم رعايته وتوفير الحقوق الأساسية له من مأكل وملبس وتعليم وترفيه وأمن؟
هل سيتذكر العالم جيل المستقبل أم أنهم قد انشغلوا بما يسد الأفق والتفكير، فلا خطط ولا استراتيجيات ولا أفق مفتوحا لهؤلاء الذين ليسوا أبناءنا فقط، بل هم صانعو حياتنا؟
وهل سيلتفت المفكرون ممن غاصوا في شؤون عامة وخاصة إلى ضرورة العمل على هذه الفئة التي هي ضعيفة بحكم المرحلة والتركيبة البيولوجية والنفسية؟
لعل هذا الموضوع من الأهمية بمكان لأن يتحدث فيه كل ذي فكر، وأن يوليه كل صاحب مسؤولية الاهتمام المرجو، فكل ما في هذه الحياة يدور في فلك الطفولة، ليس من أجل الطفولة في حد ذاتها، بل لأنها تمثل تلك المرحلة التي يجب أن تكون في بؤرة كل دولة وصانع قرار، فإذا ما أردنا حياة حرة وكريمة وخالية من العطب فلا بد من الاهتمام بالأم والأب وكل العناصر البشرية الأخرى المشكلة للحياة الإنسانية، لتهيئة المناخ الفكري والنفسي للطفل ليعيش حياته مستقرا بعيدا عن أية خلافات أو منغصات، و"حماية الطفل من أي إيذاء أو سوء معاملة في جميع أنحاء العالم".
إن مما يؤسف له حقا، تخلي بعض الحكومات عن واجبها الأخلاقي والإنساني في رعاية الطفولة، لتترك الأمر بأيدي الجمعيات والمراكز غير الوطنية، ظنا منها أنها تساهم معها في تحمل أعباء البناء والتوجيه، ونسيت تلك الحكومات أو تناست ما تجره تلك المؤسسات المدعومة بالدولار الأميركي أنها توجه البلاد بكاملها إلى الوجهة غير الصحيحة، فماذا على تلك الحكومات لو اقتطعت من نثريات الوزراء المتكاثرين في حكوماتها القليل من تلك المخصصات لتصب في برامج رعاية الطفولة بفكر يرعاه المخلصون والواعون في هذه الدولة أو تلك؟
علينا أن نتذكر جميعا ما جاء في تقرير الجمعية العامة للأمم المتحدة للدورة الاستثنائية السابعة والعشرين المعنية بالطفولة والتي عقدت عام 2001، "لقد كنا جميعا أطفالا في يوم ما. ونحن نتقاسم جميعا الرغبة في تحقيق رفاه أطفالنا، ذلك الرفاه الذي لم ينفك أبدا، وسيظل يشكل الطموح الذي تتعلق به البشرية قاطبة أكثر من أي طموح آخر".
(3)
نحن وجوجل والأطفال
21/11/2019
تحتفل جوجل اليوم (العشرين من نوفمبر) بيوم الطفل العالمي، وبهذه المناسبة أقول كل سنة وشهر ويوم وأطفال العالم بخير ولكن:
هل حمت الأمم المتحدة الأطفال من الحروب والتنمر والأمية، وهل وفّرت لهم من خلال حكومات بلادهم بيئات عيش مناسبة؟ ماذا عن الأطفال المشردين حول العالم؟ وماذا عن الأطفال المتسربين من المدارس؟ وماذا عن الأطفال الذين يعانون من التفكك الأسري؟ وماذا عن الأطفال غير الشرعيين الذين يتخلى آباؤهم وأمهاتهم عنهم ليكونوا في حاويات النفايات أو على أبواب البيوت أو المساجد أو الكنائس؟ وماذا عن الأطفال الذين يتعرضون للاستغلال في السينما وفي الإعلانات وفي الأعمال الفنية عموما؟ وماذا عن الأطفال الذين يعانون من التحرش الجنسي من الكبار ذكورا وإناثا متحرشين ومتحرَش بهم؟ وماذا عن عمالة الأطفال؟
ماذا عن أطفال فلسطين الجرحى والمعتقلين لدى الاحتلال الذين قتلوا ويقتلون يوميا، ويتعرضون لإرهاب جيش الاحتلال في بيوتهم وحاراتهم ومدنهم وقراهم ومخيماتهم، ويعاملون معاملة غير لائقة في المعتقلات، وبأحكام عالية؟ وماذا فعلت لهم السلطة الفلسطينية بوصفها دولة تحت احتلال لقضيتهم تحديدا؟ وماذا عن الأطفال القتلى والجرحى واللاجئين بفعل حروب العبث في سوريا واليمن؟
قضايا كثيرة يعاني منها الأطفال، نستذكرها كل عام في يوم الطفل العالمي، ولكن يمر اليوم كأنه لم يكن، ويظل الأطفال يعانون مما يعانون منه من مشاكل، وهي في ازدياد مضطرد نتيجة تكاثر الحروب في المنطقة العربية المنكوبة بأنظمة قمعية مجرمة وأحزاب سياسية لا برامج تنموية لها، ومفكرين ومثقفين مشغولين بالتوافه من الأفكار وصنع العلاقات البائسة.
من لأطفال العالم لينقذهم من هذا المصير الأسود الذي ينتظرهم ويهدد وجودهم في مستقبل لا يبشر بخير؟ مستقبل مليء بالتشيؤ والعزلة، حيث يترك الأطفال نهبا لأجهزة الهواتف الخلوية الذكية، وما تبثه في وعيهم من أفكار وسلوكيات التي تشجعهم على العنف والتهوين من القيم العامة الإنسانية. فأين حقوقهم في العيش بأمان أولا مع متطلبات العيش الآمن من مأكل صحي ومشرب صحي ومسكن صحي وحمايتهم من الأمراض؟
أين حقوقهم في التعليم والمساواة في هذا الحق في توفير البيئة المدرسية الآمنة وتوفير مناهج تعليمية توفر للأطفال فرصة التطور العقلي وتراعي مواهبهم وتأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات الثقافية على شتى تنوعها، وتربي فيهم الذوق السليم، والنفسية السويّة، وتراعي أيضا ذوي الاختياجات الخاصة للمعاقين الذين يحرمون في المدارس من حقوق إنسانية كثيرة؟ وأين العدالة في توفير معلمين أكفاء لكل الطلاب في المدارس، وعدم التمييز بين الأطفال في منحهم فرصا أفضل في جودة التعليم بناء على البيئة أو الحزب أو الطائفة أو المنطقة؟ وأين حقوق الأطفال في اللعب والترفيه، وتوفير الأندية الخاصة بهم، سواء في ذلك الألعاب العقلية أو الجسمية؟
أسئلة وراء أسئلة لن تنتهي والمسؤول عن ذلك ليس الحكومات فقط، بل الأم مسؤولة، والأب مسؤول، والمعلم مسؤول، وإمام المسجد مسؤول، والكاهن والقسيس مسؤولان، والبابا والكاردينال كذلك، فكلنا مسؤولون عن أطفالنا مسؤولية قانونية وأخلاقية ومجتمعية واجتماعية واقتصادية وتربوية وسياسية ودينية وثقافية، مسؤولية مباشرة وحقيقية حماية للمستقبل من أجيال مرتدة عن مسؤوليتها في التنمية المجتمعية والمدنية والعلمية. فالأطفال هم المستقبل، ومن يريد أن يوجّه المستقبل عليه أن يعمل على الأطفال ومعهم ولهم ليكونوا هم المستقبل المنشود، فإذا لم نخطّط للمستقبل القادم بالاهتمام بحاضر الأطفال، سيولد مستقبل مشوه بكل تأكيد، ولن يكون إلا أشد سوادا وقتامة مما هو عليه الحاضر الآن. فمن البيت الذي ولد فيه الطفل يولد المستقبل، فنحن من يصنع هذا المستقبل فلنعمل على أن يكون كما نحب ونرغب، ولنتذكر قول الشاعر:
ليس اليتيم من انتهى أبواه من هم الحياة وخلّياه ذليلا
إن اليتيم هو الذي تلقى له أمّا تخلّت أو أبا مشغولا