من المنشورات:
الفرق الواضح بين النص الديني والفكر الديني*
فراس حج محمد
مما لا شك فيه عند من يتعمق في دراسة النصوص الدينية الإسلامية سيلاحظ أن ثمة فرقا كبيرا بين النص وتأويلاته الفكرية، وإن كان الفكر الديني مبنيا على النص إلا أنه يبقى فهما بشريا تحكمه عقليات مختلفة اختلافا بينا تبعا لاعتبارات الفهم المتباين بطبيعته في تلقي النص نظرا لما تستند عليه تلك العقليات من نوازع وأفكار ومواضعات شخصية وثقافية وحتى بيئية، ليست واحدة عند أبناء الدين الواحد، ومن هنا نجد اختلافا واضحا عند الفقهاء الذين قدموا تفسيراتهم المختلفة للنص وبنوا أفكارهم تبعا لكل تلك العناصر التي ستؤدي في النهاية إلى التضارب أو التناقض بين المذاهب السنية فيما بينها أولا واختلافها بالضرورة عن المذاهب الشيعية أو المذاهب العقلانية غير الدينية أو الموصوفة بالفكر أنها علمانية أو إلحادية.
من بين كل تلك الاختلافات والتي تعطي أحقية النظر في المسألة وزادت من ابتعاد النص عن الفكر قضايا التعامل مع النفس الإنسانية وخاصة موضوع القتل وممارسته ضد كل من يخالف من بيده سلطة دينية معينة حزبية أو تنفيذية دستورية كالقتل بناء على اختلاف سياسي أو مذهبي ناهيك عن الاختلاف الديني المبني أصلا على أساس التكفير. فمن يحق له إزهاق الروح؟ ومن ذاك الذي منح شخصا ليقتل شخصا آخر؟
لقد تسرب إلى الفكر الديني كثير من العناصر غير النصية، فبنيت بعض جوانب من الفكر الديني على أساس غير نصي، فتسربت مثلا إلى الفكر الإسلامي قضايا التشيع وقضايا التصوف وفكرة المخلص والمهدي وكلها غير موجودة في النص الديني المعتبر وغير المختلف عليه أو على فهمه، وتتناقض أحيانا وبشكل صريح مع منطوق النص ومدلوله.
لقد ابتعد الفكر الديني وشط بعيدا في التأويل وتصريف المعنى، وهذا الأمر منح النص بمجمله ومنظومة الدين الفكرية والعقدية والتشريعية صورة مشوهة وغير حقيقية، فهل يعقل أن يكون هذا هو الإسلام الذي يبيح كل تلك الجرائم في حق البشرية؟ وهو الدين الذي عصم المال والدم والعرض والدين وشدد تشديدا لا لبس فيه على احترام إنسانية الإنسان مهما كان جنسه أو دينه أو مذهبه، وأعطى لكل البشر حق الاختلاف وممارسة الحرية كاملة غير منقوصة بما يليق باحترام ذلك العقل المودع في نفوس الناس ليكونوا قادرين على تحمل مسؤولياتهم كاملة أمام من خلقهم وأعطاهم كل تلك الملكات العقلية والروحية، ولم يمنح أحدا من خلقه حق الوصاية على أحد، فالناس كل الناس سواسية أمام الله.
لقد بات لازما على كل من وعى حقيقة الدين كما تبينها النصوص أن يتحدث فيها ويبثها في الناس ويوظف كل الإمكانيات لمحاربة تلك السلوكيات الفكرية الشاذة التي تسلب البشرية حقها، وأن يتم التشديد على أن الدين احترم التنوع العقدي في المجتمع فلم يلجأ الإسلام في عصوره الزاهية إلى اضطهاد أي طائفة أو مذهب، وما حدث بعد ذلك كان نتيجة التفكير المغلوط في التفسير البشري للنص لدواع قد تكون غير بريئة من النوازع الشخصية وحب السيطرة والزعامة. وصار الفكر البشري هو المرجع وابتعد الجميع عن النص وتراجع لتنحصر مهمة النص في التلاوات التعبدية التي لم تحفز القرّاء على التفكير والفهم واتخاذ موقف حقيقي تجاه كل ما يحدث من عنف طائفي ومذهبي وعقائدي وسياسي حزبي مبني على فهم هو بالتأكيد مغلوط وجلب الدمار للجميع ليعيش الناس في هذه الدوامة من الحيرة والشك والكفر بكل قيم المحبة والإنسانية. فعلى الجميع التفكير بما يرجع الأمور إلى نصابها الصحيح؛ لأن ذلك الفهم البشري للنص كان بهذا الاعوجاج الضالّ والمضلّ دون أدنى ريب، إذ يحمل الناس إلى المقاصل دون دليل، ولا حتى شبهة دليل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* نشر المقال في مجلة الإسراء، عدد (144)، الصادر في كانون الثاني، 2019.