رؤية مصر 2030
عيوب هذه الرؤية
رغم مزاياها إلا أن هذه الاستراتيجية تشوبها كثير من العيوب ومنها :
1- الافتقار إلى نظريات التنمية
<!--غالبا ما تتناول استراتيجيات التنمية عدة عناصر أساسية في التنمية المستدامة وأهم هذه العناصر هو شرح كيفية تنمية واستغلال رأس المال البشرى ورصيد المجتمع من المعرفة لتحقيق كفاءات خاصة كما يجب أن تعرض الاستراتيجية بدائل وأولويات للاستثمارات والنفقات العامة، وهو ما لم يتوفر في الاستراتيجية التي بين يدينا.
<!--كما أنه من الشائع في مثل هذه الاستراتيجيات أن تكون تشاركية وتتبنى مبادرات وبرامج لها علاقة بظروف كل منطقة، ورغم إشراك عدد كبير من المؤسسات والهيئات والخبراء في صياغة هذه الرؤية إلا أن هناك غياب لكيانات مهمة مثل الأحزاب السياسية وعدم عرضها على مجلس الشعب والنقابات والجامعات والاتحادات العمالية، فمن أهم أسباب نجاح الاستراتيجيات التنموية وجود تعاون بين الهيئات الحكومية وممثلي الشعب ووحدات الحكم المحلى والمجتمع المدني والقطاع الخاص والجامعات والغرف التجارية والاتحادات العمالية وغيرها من الكيانات المهمة.
ومن المتغيرات التي يجب أن تناقشها الاستراتيجية أثر النمو السكاني والتغيرات الديموغرافية، فالنمو السكاني يدفع الطلب على الغذاء والعمل والبنية الأساسية والتعليم والصحة وغيرها، فرؤية مصر لــ 2030 لم تضع النمو السكاني وزيادة الطلب على الخدمات الحكومية والمرافق والغذاء في الحسبان كما أنها لم تشرح كيفية تحقيق مزايا تنافسية أو تنمية الكفاءات الأساسية في كل قطاع بهدف تحقيق ميزة تنافسية على مستوى الاقتصاد العالمي.
2- ليست استراتيجية
<!--من عيوب هذا العمل أنه مجرد رؤية ومجموعة من الأهداف ولا يوجد آلية لتطبيقها، فمراحل التخطيط الاستراتيجي تشمل التحليل الاستراتيجي ثم مرحلة تحديد الأهداف ثم صياغة الخطة والمرحلة الأخيرة هي تنفيذ الخطة، ففي المرحلة الأولى يتم تحليل الموارد والإمكانيات الداخلية وتحليل البيئة الخارجية، وفى هذه المرحلة يتم تحليل المخاطر والفرص وأماكن القوة والضعف فيما يعرف بتحليل SWOT كما يتم تحليل البيئة الاقتصادية والسياسية والقانونية والتقنية .
حيث لا يوجد أي معلومات عن التحيل الاستراتيجي ، فهي لم تشر إلى المخاطر التي تواجهها مصر مثل مخاطر سد النهضة وتحول السفن إلى طريق رأس الرجاء الصالح وتفاقم الهجمات الإرهابية وانهيار السياحة وتفاقم الدين العام الداخلي والخارجي ، ومن الشائع في الخطط الاستراتيجية أن تناقش مثل هذه المخاطر والتحديات وتضع حلولاً لمواجهتها قبل الشروع في تحقيق أهداف تنموية طموحة.
<!--ومن عيوب هذه الاستراتيجية عدم تبنيها لقيم معينة، فمن الشائع أن تتضمن الخطط الاستراتيجية مجموعة من القيم التي تصف المعايير والمبادئ التي تلبى طموح المواطنين وتشجعهم على التفاني والتآزر لتحقيق الرؤية، فالقيم التي تتبناها الشركات تشمل الأمانة والعدالة والنزاهة، والمهنية وغيرها. أما القيم التي تتبناها الولايات المتحدة الأمريكية فتشمل الديمقراطية والحرية والعلم، وتكافؤ الفرص، والمساواة، والعمل، وقبول الآخر، والرأسمالية، والاعتماد على النفس، والخصوصية، وما أحوجنا نحن المصريين إلى بعض القيم التي يتفق عليها الجميع وتوفر الحريات والحقوق الأساسية للمواطنين.
<!--كما لم تشرح رؤية 2030 كيفية تحديد الخيارات المتاحة ومقارنتها ببعضها البعض وشرح آلية ومعايير اختيار بعضها دون الآخر. والأهم من ذلك غياب الآليات والسياسات والمبادرات اللازمة لتنفيذ الخطة أو تحقيق الأهداف الاستراتيجية، فمن السهل وضع أهداف لكن من الصعب توفير موارد وإمكانيات وآليات لتحقيقها، فكثير من الاستراتيجيات تفشل رغم توفير الميزانية والآليات اللازمة لتحقيق الأهداف فما بالك باستراتيجية لا يوجد فيها آلية لتحقيق الأهداف ولا طريقة للمراقبة والتحكم ولا الميزانية المطلوبة.
3-المبالغة في الأهداف
<!--من أهم عيوب هذه الرؤية المبالغة في الأهداف ولاسيما في ظل غياب وجود آليات وميزانية لتحقيق هذه الأهداف. فالأهداف الاستراتيجية يجب أن تكون ذكية SMART أي يجب أن تكون محددة وقابلة للقياس ويمكن تحقيقها، وواقعية ومحددة بوقت معين. ويعتقد الخبراء التخطيط الاستراتيجي أن أهم أسباب فشل الخطط الاستخراجية هو المبالغة في الأهداف.
<!--فهناك مبالغة كبيرة في كثير من الأهداف. فعلى سيل المثال، تهدف هذه الرؤية إلى أن تكون مصر من أكبر 30 دولة في العالم في حجم الاقتصاد والتنافسية والسعادة والأسواق المالية وفى ذلك مبالغة شديدة ، ومن الأهداف المبالغ فيها والتي يصعب تحقيقها أيضاً هدف وصول نسبة الشيكات والمدفوعات إلكترونية إلى 100%بحلول 2020.
<!--وهناك هدف آخر مبالغ فيه وهو تقديم كافة الخدمات الحكومية عن طريق الإنترنت والهاتف ومقدمي الخدمة بحلول عام 2020. وكذلك هدف أن تكون مصر ضمن أفضل 50 دولة في جودة التعليم العالي والتدريب في مؤشر التنافسية العالمية بحلول عام 2018 كما تهدف أن تنضم 10 جامعات مصرية إلى قائمة أفضل 500 جامعة على مستوى العالم بحلول عام 2018 هل يعقل أن نحقق مثل هذه الأهداف الطموحة في أقل من ثلاث سنوات وفى هذه الظروف الاقتصادية والسياسية الصعبة؟
<!--كما أن هناك عدد كبير من الأهداف غير محددة وغير واقعية ويصعب قياسها فمثلاً، فيما يخص الشفافية والخدمات الحكومية، تهدف هذه الرؤية إلى زيادة الخدمات الحكومية التي تقدم عن طريق أساليب جديدة بنسبة 20% فلم يذكر فريق صياغة الاستراتيجية هذه الخدمات ولم يحددوا تلك الأساليب الجديدة. ومن الأهداف الغامضة والغير محددة هدف إنشاء خريطة عمرانية ديناميكية مترابطة .
4- لا علاقة لها بما يسمي بمشروعات قومية
<!--من أهم عيوب هذه الاستراتيجية أنها لا علاقة لها بالمشروعات التي يطرحها النظام الحالي، فعلى سبيل المثال، لم تتضمن مشروع استصلاح مليون ونصف مليون فدان ولا مشروع العاصمة الجديدة ولا تطوير شبكة الطرق. كما أنها لم تتطرق إلى عدد من المشروعات التنموية التي ذكرها أركان النظام مثل مشاريع الاستزراع السمكي وبناء بعض المطارات والموانئ وتنمية سيناء والمدينة المليونيه شرق بورسعيد ، ويدل هذه على عدم وجود تنسيق بين رئاسة الجمهورية ووزارة التخطيط، كما يلقي هذا ظلالا من الشك حول جدية ومصداقية هذه الخطط أصلا.
<!--وذكرت الاستراتيجية ظهور لاعبين جدد على الساحة الدولية مثل البرازيل وجنوب أفريقيا وروسيا والهند والصين، لكنها تجاهلت الفاعليين الدوليين المؤثرين على الوضع المصري وهم دول الخليج تحديداً وإيران وإثيوبيا وتركيا ودولة جنوب السودان وليبيا وقطاع غزة. فسيطرة إيران على سوريا سيمكنها هي والعراق من مد خطوط لنقل البترول والغاز عبر سوريا مما يزيد الوضع سوءاً بالنسبة لقناة السويس.
5-العملية التعليمية
- إذ اعتبرت مصر قطاع التعليم قطاعًا ذا أولوية، وبذلت من هذا المنطلق جهودًا كبيرة لتطويره وقد ارتفع إجمالي الإنفاق العام على قطاع التعليم إلى 474.986 مليار جنيه خلال 5 سنوات وذلك تنفيذًا للاستحقاقات الدستورية بعد اعتماد مخصصات مالية للقطاع بموازنة العام المالي الحالي 2017/2018 بنحو 129.6 مليار جنيه بنسبة نمو 54% عن الإنفاق الفعلي على القطاع عام 2013/2014 والذي بلغ نحو 84.067 مليار جنيه. ويبقى الإنفاق مهم إلّا أن الأهم منه برأي الباحث هو مكونات هذا الإنفاق، والتي يجب التعامل معها بتوجيه الجزء الأكبر منها إلى تنمية قدرات ومهارات أطراف العملية التعليمية برمتها. مما يعني إتاحة المزيد من المرونة فيما يتعلق بالمهارات المستدامة وتطوير العنصر البشري
- وفى مجال السياق الفكري، ألم يستحق البعد الديني إشارة، مع أنه أقوى وأقدم وأوسع المؤثرات في التعليم المصري؟ وإذا كانت خبرتنا المعاصرة قد أفرزت ممارسات خاطئة، بحيث شاع القول بألا دين في السياسة، فهل امتد هذا إلى القول أيضا بألا دين في التعليم؟ إن هذا لا ينبغ أن يصرف نظرنا عن هذا المؤثر الذي يمتد تأثيره إلى آلاف السنين الماضية.
- بخصوص تأهيل المعلمين وضح أهمية مشاركة كليات التربية في التفكير الاستراتيجي لوزارة التربية، وخاصة في الخطة، فلسنا في حاجة إلى مزيد بيان أن كل ما تستهدفه الخطة يمكن أن يصبح أثرا بعد عين، ما لم يتوافر المعلم المؤهل تأهيلا جيدا. والمسألة ليست مقصورة على أن يحمل المعلمون مؤهلا من كليات التربية، بل إن نظام هذه الكليات وبرامجها، وأعضاء هيئة التدريس فيها، وسائر جوانبها بحاجة إلى هزة عنيفة، ، فإن هذا شرط أساسي في جودة الخطة أولا، وإمكان السير الصحيح نحو المأمول منها..
- والاعتماد الرئيسي على الكتاب المدرسي بصفة عامة، والكتاب الخارجي بصفة خاصة، مرجعه أساسا إلى اعتماد التعليم في مصر على الامتحان، ومجموع الدرجات وأسلوب المسابقة، بحيث يكون هناك طلب متزايد على التعليم العالي، لا تتكافا معه الأماكن المتاحة في هذا التعليم، وهذه مناسبة أخرى لتكرار دعوانا أنه لا يصح تطوير استراتيجى للتعليم ما قبل العالي، بمعزل عن العالي.
- لم يشر الجزء الخاص بنظم المعلومات، ما عليه قوانين تداول المعلومات، المتوارث منذ عشرات السنين، والتعامل معها وكأنها من الأسرار العسكرية، حيث طلاب الماجستير والدكتوراه، كثيرا ما كانوا يعانون معاناة مخجلة ومؤسفة في المرور بخطوات متعددة ومتكررة لمجرد تطبيق استبيان أو الحصول على إحصاءات معينة تخص جانبا ما من جوانب التعليم، ونظرة إلى ملاحق مثل هذه الرسائل تؤكد لنا هذا حيث صوّر باحثون موافقات عديدة أمنية بالنسبة لمسائل تافهة .
- الأرقام الواردة عن الإنفاق على التعليم، تغفل بعدا مهما قد يشير إلى تراجع في قيمة ما ينفق على التعليم، حيث لا يتم الحساب في ضوء نسبة التضخم، والأسعار القياسية، والقيمة الشرائية للجنيه المصري، والتزايد المستمر المتضخم لأعداد الطلاب، فمثل هذه الأبعاد هي التي تفصل مقدار التقدم أو التأخر، وليس مجرد أرقام مالية في الميزانية فقط .
- وردت مقارنة غير عادلة بين ما ينفق على التعليم الجامعي، وما قبله، قياسا إلى أعداد الطلاب في كل منهما، وهذا معيار غير دقيق، فأساتذة الجامعات لهم مستويات مختلفة في المرتبات، وكذلك المعامل ، والمكتبات، والأنشطة، إلى غير هذا وذاك من عناصر المنظومة الجامعية، ومن ثم فمن غير العلمي الاقتصار في المقارنة على بعد واحد بعيدا عن بقية الأبعاد، حيث يمكن للحكم أن يتغير كثيرا .
- من الغريب أن تذكر الخطة بمؤشر من مؤشرات الجودة ألا وهو دعم تعليم اللغة العربية، في الوقت الذى تبذل الوزارة فيه جهدا كبيرا لتحويل بعض مدارسها التي يتم التعليم فيها باللغة العربية إلى مدارس للتعليم باللغة الأجنبية، وهو الأمر الفريد حقا بين دول العالم المتقدم، من حيث الحرص على التعليم باللغة الوطنية في المدارس الرسمية العامة، ولسنا بحاجة إلى التنبه إلى أن تعلم لغة أجنبية فريضة واجبة، لكن التعليم بها، وخاصة في مدارس الدولة، أمر يؤسف له .
- ما جاء خاصا بالتنمية المهنية لمعلمي التعليم الفني، نتساءل: ألم يكن الأجدر النظر إلى خلو مصر على وجه التقريب من كليات لإعداد التعليم الزراعي، وكذلك التجاري، وعدد قليل من كليات التعليم الصناعي، وانعدام تام لأنوع أخرى متخصصة؟!
- وصف قطاع التعليم قبل الجامعي في مصر بأنه أحد أكبر نظم التعليم في العالم، ولا ندرى بأي مقياس صدر هذا الحكم؟ وفقا لأعداد الطلاب؟ أم لما ينفق عليهم؟، أم بالنسبة للفاعلية والكفاءة، وهو الاحتمال الأهم، وفى
الوقت نفسه غير القائم .