منهج الوحدة الموضوعية في السورة القرآنية
سورة الكهف أنموذجًا
إعداد الدكتور/صبري فوزي أبو حسين
أستاذ ورئيس قسم الأدب والنقد بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بمدينة السادات
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجًا، والذي جعله كتابًا أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير، والذي حثنا على تدبر القرآن فقال: ﴿أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرًا﴾، والصلاة والسلام على سول الله القائل: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه"، والقائل: " فضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه"، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهو كتاب الله المتين المُحكَم الذي لا تنقضي عجائبه، و لا يخلق من كثرة الرد!
وبعد:
فكثيرة هي المناهج التي تناولت النص القرآني الكريم بالدرس والتحليل والتدبر، حسب توجه كل دارس ومحلل ومتدبر وثقافته وقدر معايشته النص الكريم، فمنا من يدرس أصواته، ومنا من يدرس ألفاظه، ومنا من يدرس جمله، ومنا من يدرس أساليبه، ومنا من يدرس قصصه، ومنا من يدرس محتواه من آداب أو أحكام، أو أفكار علمية، ومنا... ومنا... ومنا...هذا مع تنوع هذه المناهج في مشاربها: لغويًّا وبلاغيًّا، وفقهيًّا وحديثيًّا سلفيًّا، وإشاريًّا صوفيًّا تأويليًّا، واجتماعيًّا واقتصاديًّا وتاريخيًّا وإعلاميًّا وثقافيًّا وتربويًّا، وعلميًّا....إلى غير ذلك من مجالات الحياة والأحياء ومناهجهم.... وهكذا فإن القرآن الكريم، ذلكم النص الإلهي المعجز الذي يمثل الخطاب الأخير من الله -تعالى- إلى الكون وما فيه، حَمَّال أوجه متساندة مترادفة متآخذة، يضيف بعضها إلى بعض، وينبني بعضها على بعض، وإنه لكتاب معجز أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير، كتاب قيم، لا تنقضي عجائبه، ولا تنتهي أسراره، ولا تنفد عطاياه لمن ألقى إليه السمع، وقَلَّب فيه البصر وهو شهيد!
وقد فتح الله تعالى لي وعليَّ بدرس السورة القرآنية من خلال منهج(الوحدة الموضوعية) في غير سورة قرآنية كريمة، وجاء درسًا أوليًّا من شأنه أن يُعلن –لو طُبِّق تطبيقًا تامًّا مؤسسيًّا-عن وجه من وجوه إعجاز القرآن الكريم، وهو التماسك بين كل عناصر القرآن الكريم صوتيًّا ولفظيًّا وجُمَليًّا وسُوَرِيًّا وفكريًّا، بدءًا سورة الفاتحة، وانتهاءً بسورة الناس، إن شاء الله وبحوله وطوله وفتحه تعالى.
وأرى أن هذا المنهج من شأنه أن يعلن عن بعد مهم في القرآن الكريم، وهو بعد التماسك بين أجزائه، وأنه نص واحد كالكلمة الواحدة!
كما أنه يمكن أن يكون مفيدًا للدعاة والإعلاميين في تجديد الخطاب الدعوي والإعلامي عندما يعرض القرآن الكريم هذا العرض الحي والحيوي والمؤثر الجذاب.
كما أنه منهج سهل التطبيق أمام الباحثين الذين يريدون أن يتخصصوا في تحليل الخطاب القرآني الكريم.
ومن ثم كانت هذه الورقة البحثية: (منهج الوحدة الموضوعية في السورة القرآنية سورة الكهف أنموذجًا)، المقدمة إلى المؤتمر الدولي الرابع لكلية الآداب بجامعة دمنهور(ترجمات معاني القرآن العظيم: دراسات منهجية)، والمنعقد في10-12 من مايو سنة 2022م.
والتي جاءت في مبحثين، هما:
المبحث الأول: التعريف بمنهج الوحدة الموضوعية للسورة القرآنية.
المبحث الثاني: تطبيق منهج الوحدة الموضوعية على سورة الكهف.
وإنما اخترت سورة الكهف للأسباب الآتية:
-أن مقصد السورة الرئيس يناسب فترتنا الحالية، حيث حاجتنا إلى العواصم من الفتن وما أكثرها في زمننا!
-أن السورة نزلت جملة واحدة؛ إذ أنزل الله -تعالى- جبريل بسورة الكهف، متضمّنة لجواب سؤالهم عن أمر الفتية وذي القرنين. وهذا يجعلها يسيرة في التدبر وتطبيق المنهج عليها!
- أن للسورة فضلًا في السنّة النبوية، حيث قال النبي-صلى الله عليه وسلم-: "مَن حَفِظَ عَشْرَ آياتٍ مِن أوَّلِ سُورَةِ الكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ"، وقال: "كانَ رَجُلٌ يَقْرَأُ سُورَةَ الكَهْفِ، وإلَى جانِبِهِ حِصانٌ مَرْبُوطٌ بشَطَنَيْنِ، فَتَغَشَّتْهُ سَحابَةٌ، فَجَعَلَتْ تَدْنُو وتَدْنُو وجَعَلَ فَرَسُهُ يَنْفِرُ، فَلَمَّا أصْبَحَ أتَى النبيَّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- فَذَكَرَ ذلكَ له فقالَ: تِلكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ بالقُرْآنِ"؛ فقراءة الكهف كلّها أو قراءة آيات منها سببٌ في العصمة من فتنة الدجال، وسببٌ لتنزّل السكينة، كما أن قراءتها تجعل لصاحبها نورًا. قال رسول الله -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- : "من قرأ سورةَ الكهفِ في يومِ الجمعةِ؛ أضاء له من النورِ ما بين الجمُعتَينِ".
أسأل الله الهداية والتوفيق والسداد.
المبحث الأول: التعريف بمنهج الوحدة الموضوعية للسورة القرآنية.
في البدء لابد أن أقرر أن لمنهج (الوحدة الموضوعية) جذورًا عند السلَف والخلَف، فيما يُسمَّى (التناسب أو علم المناسبة)، ويقصد به العلم الذي يبحث في المعاني الرابطة بين الآيات وبين السور؛ كي تُعرَف الحكمة من ترتيب آيات القرآن الكريم وسوره، وكي نوقن أن ارتباط آي القرآن بعضها ببعض، كالكلمة الواحدة، وأن آيات القرآن متسعة المعاني، منتظمة المباني؛ فالآيات القرآنية على حسب الوقائع تنزيلًا، وعلى حسب الحكمة ترتيبًا وتأصيلًا، فالمصحف على وفق ما في اللوح المحفوظ مُرتَّبة سورُه كلُّها وآياتُه بالتوقيف، كما أنزله الله جُملة إلى بيت العزة، ومن المعجز البيِّن أسلوبُه ونظمُه الباهر، والذي ينبغي في كل آية أن يبحث أولُ كل شيء عن كونها مكملةً لما قبلها أو مستقلةً، ثم المستقلة ما وجه مناسبتها لما قبلها؟ ففي ذلك علم جم. وهكذا في السور يطلب وجه اتصالها بما قبلها وما سيقت له( ). وقد عرفه الإمام البقاعي بقوله: علم تُعرَف منه عِلَل ترتيب أجزاء القرآن الكريم( ).
وعلينا أن نعلم أن أول من تكلم في علم المناسبة، هو الإمام أبو بكر النيسابوري(241-318هـ)، الذي كان يقول إذا قرئت عليه آية: لم جعلت هذه الآية جنب هذه ؟، وما الحكمة من جعل هذه السورة إلى جنب هذه السورة، وكان يزري على علماء بغداد لعدم علمهم بالمناسبة...( )، ثم نجد هذا العلم مطبقًا في كتاب "البرهان في تناسب سور القرآن" لأبي جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير(ت708هـ)، وكتاب "نظم الدرر في تناسب الآيات والسور" لبرهان الدين البقاعي(809-885هـ)، و"تناسق الدرر في تناسب السور" لجلال الدين السيوطي(ت911هـ)، و"ربط السور والآيات لمحمد بن المبارك المعروف بحكيم شاه القزويني(ت928هـ)، عند السلف. ومن كتب الخلف "جواهر البيان في تناسب سور القرآن" لعبد الله محمد بن صديق الغماري(1901-1961م)، و"سمط الدرر في ربط الآيات والسور" لمحمد ظاهر بن غلام من علماء الهند (ت 1407هـ)، و"النبأ العظيم" للدكتور محمد عبد الله دراز(ت1958هـ)، و"نظرة العجلان في أغراض القرآن لابن شهيد ميسلون محمد بن كمال الخطيب(1913-2000م)، وفي هذا الكتاب ذهب مؤلفه إلى أن سورة الفاتحة محور للقرآن الكريم كله.
وقد طبق هذا المنهج كثير من السادة العلماء المتخصصين في التفسير وعلوم القرآن الكريم، أولهم أستاذنا الدكتور محمد محمود حجازي(1914-1972م)، رحمه الله، في كتابه (الوحدة الموضوعية في القرآن الكريم المطبوع سنة 1970م) ( )....وغيرهم ممن يسيرون سير الإمام البقاعي، وغيره ممن طبقوا علم المناسبة في القرآن الكريم .
ومن أبرز الجهود التطبيقية لهذا المنهج في مجال الدراسات الأدبية والبلاغية رسالة (علاقة المطالع بالمقاصد في القرآن الكريم: دراسة بلاغية نظرية، تطبيقية) للأستاذ الدكتور إبراهيم صلاح الهدهد، رئيس جامعة الأزهر السابق. كما طُبِّق هذا المنهج في رسالة ماجستير بإشرافي والحبيب الدكتور حسن سليم على سورة الأعراف للباحث عماد ناصر، في قسم الأدب والنقد بكلية اللغة العربية بالزقازيق، نوقشت سنة 2018م.
ولا ريب في أنه يوجد فارق بين مصطلح (الوحدة الموضوعية) ومصطلح(وحدة الغرض أو المقصد أو المغزى كما يقول سلفنا)، ويتمثل في علاقة العموم والخصوص؛ فـ(الوحدة الموضوعية) منهج، و(وحدة المقصد أو الغرض) إجراء أول من إجراءات تطبيقها. كما أن بين (الوحدة الموضوعية) و(الوحدة البيانية) فارقًا في أن الوحدة الموضوعية ناظرة نظرة كلية إلى السورة القرآنية، أما مصطلح (الوحدة البيانية) فخاص بالجملة القرآنية، والآية القرآنية، والنظم القرآني، ومصطلح (الوحدة العضوية) يحتوي مفهومه على ما لا يليق بجلال القرآن وقدسيته وإلهيته، مثل العنصر الذي يُسمى (وحدة الشعور أو الجو النفسي بين المبدع والمتلقي)! ...
وبعد قراءات عديدة ومتنوعة، في هذا المجال خلصت إلى خطوط عريضة تمثل هذا المنهج: مفهومًا وإجراءات على النحو الآتي:
مفهوم الوحدة الموضوعية في السورة القرآنية:
مصطلح (الْوَحْدَةُ الْمَوْضُوعِيّةُ) مركب وصفي، استخدم في الدرس النقدي الأدبي الحديث بمفهوم خاص بالنص الأدبي البشري شعرًا ونثرًا وطرائق إبداعه. أما استخدامه في مجال قراءة النص القرآني الكريم فلا ريب أنه ينبغي أن يكون استخدامًا خاصًّا له آدابه وضوابطه التي تناسب جلال القرآن الكريم وقدسيته.
إن مصطلح (الوَحْدَة الْمَوْضُوعِية في السورة القرآنية) جملة اسمية، تمثل مركبًا اسميًّا من مبتدأ وخبر، وفيه ثلاثة ألفاظ بارزة، هي:
- لفظة(الوَحْدَة) التي تشير إلى البناء الشكلي للسورة المُتَدَبَّرة. والمتمثل في العناصر(العنوان، المطلع، التخلص، الختام).
- لفظة(الْمَوْضُوْعِية) التي تشير إلى البناء الفكري للسورة المُتَدَبَّرة. والمتمثل في العناصر(المقصد الأسمى، والأفكار الرئيسة، والعلاقة بسورة الفاتحة وبقية السور القرآنية.
- لفظة(السورة القرآنية) التي تشير إلى حدود النص القرآني المقروء والمدروس والمحلل؛ وهو السورة القرآنية فقط؛ لأنها مناسبة لهذا المنهج، وهذا المنهج يلائمها. أما إذا أدخلنا الموضوعات في هذا المنهج، وجعلناها مادة للتطبيق، فسيتحول إلى تفسير موضوعي!
والوحدة الموضوعية في السورة القرآنية تعني أن تكون السورة القرآنية بناءً حيًّا متكاملاً متناسقًا متلاحمًا، ينقسم إلى وحدات مترابطة شكليًّا وفكريًّا، تؤدي في النهاية إلى وجه من وجوه إعجاز نظم القرآن الكريم، وهو تعدد موضوعات مع وحدة المغزى واتساق الأسلوب وانسجامه ومقصد واحد، له صلة بما قبله من سور وما بعده من سور مصحفيًّا ونزوليًّا....
إجراءات تطبيق الوحدة الموضوعية في السورة القرآنية:
لكي نطبق الوحدة الموضوعية في السورة القرآنية ينبغي لنا-بعد التسلح بآداب وعلوم القرآن الكريم- أن نتدرج مع السورة القرآنية الكريمة من خلال العناصر الآتية:
- أن ندرس عنوان السورة لغويًّا ودلاليًّا.
- أن نتبين المقصد الأسمى من السورة.
- أن نتبين الأجزاء الرئيسة المُكوِّنة للسورة القرآنية.
- أن نتبين علاقة السورة بما قبلها وما بعدها مصحفيًّا ونزوليًّا.
- أن نتبين العلاقة بين عنوان السورة وأجزائها.
- أن نتبين العلاقة بين مطلع السورة وختامها.
- أن نتبين علاقة السورة بسورة الفاتحة الأم.
- أن نقسم تطبيق الوحدة الموضوعية في السورة القرآنية إلى مرحلتين:
1- مرحلة عناصر الوحدة الموضوعية البارزة:
وهي: العنوان، المطلع، التخلص، والختام، والعلاقة بالسابق واللاحق من السور.
2- مرحلة عناصر الوحدة الموضوعية الداخلية:
وهي: المقصد الأسمى للسورة، والأفكار الرئيسة للسورة، التناسب بين السورة وسورة الفاتحة.
المبحث الثاني: تطبيق منهج الوحدة الموضوعية على سورة الكهف.
قبل تطبيق المنهج لابد من التعريف الكلي بالسورة، من حيث العددُ، ومكانُ النزول وتاريخُه، وترتيبُ السورة مصحفيًّا ونزوليًّا، على النحو الذي نجده عند كبار مفسري القرآن الكريم عند بدئهم تفسير السورة القرآنية؛ حيث نجدهم يقررون أن سورة الكهف مائة وإحدى عشرة آية مكية في قول جميع المفسرين. وأنه قد رُوي عن فرقة أن أول السورة نزل بالمدينة إلى قوله:" جرزا"، والأول أصح. وقال ابن عباس: إنها مكية غير آيتين منها فيهما ذكر عيينة بن حصن الفزاري، وعن قتادة: أنها مكية. و رقمها مصحفيًّا(الثامنة عشرة)، وهي من السورة المتأخرة في النزول؛ إذ إن ترتيب نزولها التاسع والستون. وهي تتوسط القرآن الكريم؛ فهي تقع في الجزأين الخامس عشر والسادس عشر( ).
وفي بيان سبب النزول أورد الإمام البقاعي قول ابن الزبير في برهانه: من الثابت المشهور أن قريشًا بعثوا إلى اليهود بالمدينة يسألونهم في أمر رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فأجابت يهود بسؤاله عن ثلاثة أشياء، قالوا: فإن أجابهم فهو نبي، وإن عجز فالرجل متقول فرُؤُا فيه رأيكم، وهي الروح، وفتية ذهبوا في الدهر الأول وهم أهل الكهف، وعن رجل طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها، فأنزل الله عليه جواب ما سألوه، وبعضه في سورة الإسراء {ويسئلونك عن الروح} [الإسراء: 85] الآية، واستفتح سبحانه وتعالى سورة الكهف بحمده، وذكر نعمة الكتاب الذاريات: 50] ثم أعقب ذلك بضرب مثل الحياة الدنيا لمن اعتبر واستبصر، وعقب تلك الآيات بقصة موسى والخضر عليها السلام إلى تمامها، وفي كل ذلك من تأديب بني إسرائيل وتقريعهم وتوبيخ مرتكبهم في توقفهم عن الإيمان وتعنيفهم في توهمهم عند فتواهم لكفار قريش بسؤاله- عليه السلام- عن القصص الثلاث أن قد حازوا العلم وانفردوا بالوقوف على ما لا يعلمه غيرهم، فجاء جواب قريش بما يرغم الجميع ويقطع دابرهم، وفي ذكر قصة موسى والخضر إشارة لهم لو عقلوا، وتحريك لمن سبقت له منهم السعادة، وتنبيه لكل موفق في تسليم الإحاطة لمن هو العليم الخبير، وبعد تقريعهم وتوبيخهم بما أشير إليه عاد الكلام إلى بقية سؤالهم فقال تعالى {يسئلونك عن ذي القرنين} إلى آخر القصة، وليس بسط هذه القصص من مقصودنا وقد حصل، ولم يبق إلا السؤال عن وجه انفصال جوابهم ووقوعه في السورتين مع أن السؤال واحد، وهذا ليس من شرطنا فلننسأه بحول الله إلى موضعه إن قدر به ..
وقد تقدم في سورة الإسراء من الجواب عن هذا أن الروح ضمت إليها؛ لأنه من سر الملكوت كالإسراء، وبقي أنه لما أجمل -سبحانه- أمرها لما ذكر من عظيم السر، وعيب عليهم اشتغالهم بالسؤال وترك ما هو من عالمها، وهو أعظم منها ومن كل ما برز إلى الوجود من ذلك العالم( ).
وهاك تطبيقًا موجزًا أوليًّا لعناصر الوحدة الموضوعية الستة عليها، وفيها:
أولاً: عناصر الوحدة الموضوعية البارزة:
1- علاقة عنوان السورة بمضمونها الكلي:
عنوان السورة(الكهف)، يدل جذره اللغوي على هذا المكان المعروف جغرافيًّا؛ فـ"الكاف والهاء والفاء كلمة واحدة، وهي غار في جبل، وجمعه كهوف"؛ فالكَهْفُ: كالبَيْتِ المَنْقُور فِي الجَبلِ ج: كُهُوفٌ، أَو هُوَ كالغَارِ أو المَغارِ فِي الجَبَلِ، إِلَّا أَنَّه واسِعٌ، وَمن المجازِ: الكَهْفُ: الوَزَرُ والمَلْجَأُ. يُقال: هُوَ كَهْفُ قَوْمِه: أَي مَلْجَؤهم، وأُولئكَ معاقِلُهُم وكُهُوفُهم، وإِلَيْهِم يَأْوِي ملْهُوفُهم، كَمَا فِي الأَساسِ للزمخشري، وَفِي التهذيبِ للأزهري: فلانٌ كهْفُ أَهْلِ الرِّيَبِ: إِذا كانُوا يلُوذُونَ بِهِ، فيكُونُ وَزَراً ومَلْجأً لَهُم، وأَنشَد الصّاغانِيُّ:
وكنتَ لَهُمْ كَهْفاً حصِيناً وجُنَّةً يَؤُولُ إِلَيْها كَهْلُها وولِيدُها
فـ(الكهف) هو العاصم من الفتن أو القواصم الأربع(الشرك/الفتنة بالمال البخل/الغرور بالعلم/الكبر بالملك)، قال الله تعالى: ﴿فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا﴾؛ فهذه الآية هي المفتاح للسورة الكريمة، والدالة على الهدف الأسمى منها، وهو أن يبحث كل مؤمن ومؤمنة عن (الكهف) المحقق للرحمة والرفق والرشاد والسداد. وهذا (الكهف) العاصم هو الإيمان بالله الواحد القادر الحكيم: ففي الفتنة في العقيدة بقصة أصحاب الكهف، نجد قول الله تعالى: ﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى﴾، وفي الفتنة في المال بقصة صاحب الجنتين، نجد قول الله تعالى: ﴿لَّٰكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا*وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ﴾، وفي الفتنة في العلم وبه بقصة موسى والعبد الصالح، نجد قول الله تعالى: ﴿آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا﴾، وفي الفتنة في الملك بقصة ذي القرنين، نجد قول الله تعالى:﴿إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا﴾؛ ففي هذه القصص الأربع دعوة إلى حتمية التمسك الإيمان وتنفير من الشرك، فهو الكهف العاصم. ومن ثم كان ختام السورة الكريم مقررًا هذا الكهف العاصم، حيث يقول الله تعالى: ﴿فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾، فالعواصم الأربع هي التوحيد، والإنفاق، والعلم، والتعمير بالقوة.
2- العلاقة بين مطلع السورة وختامها:
تكونت السورة الكريمة من مطلع وختام بينهما أربعة مقاطع فكرية، بيانها على النحو الآتي:
جاء مطلع السورة ثماني آيات، (الآيات ١ : ٨)، وفيه الحمد لله على نعمة الكتاب الكريم الموصوف بصفتين، هما: ﴿لَمْ يَجْعلْ لهُ عِوَجًا*قَيِّمًا﴾، والغرض من السورة، مع التخفيف عن النبي –صلى الله عليه وسلم-والدعوة إلى إحسان العمل في هذه الدنيا الفانية.
قال الإمام سعد الدين التفتازاني الشافعي -رحمه الله- أن كل سورة افتتحت بالحمد فللإشارة إلى نعمة من أمهات النعم التي هي إيجاد وإبقاء أولاً، وإيجاد وإبقاء ثانيًا، وأنه أشير في الفاتحة لكونها أم الكتاب إلى الأربع، وفي الأنعام إلى الإيجاد الأول وهو ظاهر، وفي هذه السورة إلى الإبقاء الأول؛ فإن نظام العالم وبقاء النوع الإنساني يكون بالنبي والكتاب. ويؤيده أنه في هذه السورة ذكر أنه انتظم بأهل الكهف أمر من اطلع عليهم من أهل زمانهم ثم بالخضر -عليه السلام- كثير من الأحوال، ثم بذي القرنين أمر جميع أهل الأرض بما يسر له من الأسباب التي منها السد الذي بيننا وبين يأجوج ومأجوج الذين يكون بهم. إذا أخرجهم الله -تعالى- فساد الأرض كلها، ثم ذكر في التي تليهما من أهل ودِّه واصطفائه من اتبعهم لنظام العالم بما وفقهم له من طاعته، وبصرهم به من معرفته، واستمر كذلك في أكثر السور حتى ذكر السورة التي أشار فيها إلى الإيجاد الثاني، وأتبعها بالتي أشار فيها إلى الإبقاء الثاني، ولما كان إبقاء الأول يقتضي مهلة لبلوغ حد التكليف وإجراء القلم( ) ...
وقد خُتمت هذه السورة الكريمة بما بُدئت به؛ ففي الختام والمطلع حديث عن الصالحين والطالحين، وحديث عن القرآن القيم الذي لا عوج له أو فيه والذي كلماته الإلهية لا تنفد ولو كان البحر مدادًا لهذه الكلمات المعجزة، وإشارة إلى من نسبوا الولد لله عز وجل، وخطاب للنبي الخاتم﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ.. ﴾، و﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مثلُكُمْ﴾، وحديث عن ضرورة الإيمان وعمل الصالحات....
3- علاقة السورة بسابقها ولاحقها:
سورة الكهف نزوليًّا هي التاسعة والستون وقبلها في الترتيب النزولي سورة الغاشية، وبعدها سورة النحل. والعلاقة بين السور الثلاثة(الغاشية/الكهف/النحل) جلية؛ ففي الغاشية خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ﴾، وفي سورة الكهف: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا﴾، ويختم الله سورة الكهف بقوله: ﴿فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾، ويبدأ سورة النحل بالحديث عن لقاء الله بقوله: ﴿أَتَىٰ أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾. وفي هذه السور الثلاث تقرير لأهم ركنين وأهم عاصمين، وهما(الإيمان بالله تعالى واليوم الآخر)، وحديث عن دلائل قدرة الله -عز وجل- في كونه ومخلوقاته.
وسورة الكهف مصحفيًّا هي الثامنة عشرة، وقبلها سورة الإسراء، وبعدها سورة مريم، والعلاقة بين السور الثلاثة بادية؛ ففي ختام سورة الإسراء نجد أمرًا ، نصه: ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا﴾، وفي سورة الكهف نجد تنفيذًا لهذا الأمر من قبل قراء السورة الكريمة: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا﴾. قال الإمام البقاعي: "لما ختمت تلك بأمر الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالحمد عن التنزه عن صفات النقص لكونه أعلم الخلق بذلك، بدئت هذه بالإخبار باستحقاقه سبحانه الحمد على صفات الكمال التي منها البراءة عن كل نقص، منبها بذلك على وجوب حمده بما شرع من الدين على هذا الوجه الأحكم بهذا الكتاب القيم الذي خضعت لجلاله العلماء الأقدمون، وعجز عن معارضته الأولون والآخرون، الذي هو الدليل على ما ختمت به تلك من العظمة والكمال، والتنزه والجلال، فقال ملقنا لعباده حمده، معلما لهم كيف يثنون عليه، مفقها لهم في اختلاف العبارات باختلاف المقامات( )"، كما يرى بعض دراسي السورتين الكريمتين أن سورة الإسراء إعلان عن انتقال القيادة الدينية العالمية لسيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم- بعد فشل بني إسرائيل في هذه القيادة، وفي سورة الكهف دعوة إلى الإيمان بهذه الرسالة الخاتمة القائدة والقيام بواجب الخلافة وإعمار الكون.
أما عن العلاقة بين سورتي الكهف ومريم فهي علاقة استمرار السرد القرآني العجائبي الطريف الممتع الدال على الإيمان بوحدانية الله تعالى وقدرته وعلمه. وأضاف الإمام البقاعي قائلا:" ولما كانت هذه السورة تالية للسورة الواصفة للكتاب - الذي به نعمة الإبقاء الأول - بالاستقامة البالغة، افتتحها بالأحرف المقطعة، كما افتتح السورة التي تلي أم الكتاب، الداعيةَ إلى الصراط المستقيم، الواصفةَ الكتابَ بالهدى الضامن للاستقامة، والتي تلي واصفته، والتي تلي الأنعام المشيرة إلى نعمة الإيجاد الأول( )،
أما العلاقة بين الكهف وسابقتها نزوليًّا فقبلها سورة الغاشية وبعدها سورة النحل. أما سورة الغاشية ففي ختامها خطاب إلى النبي –صلى الله عليه وسلم-﴿ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ ﴾، مثل خطاب سورة الكهف﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا﴾أي: فلعلك يا محمد قاتلٌ نفسك ومهلكها على آثار قومك، وقوله في ختامها﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِد﴾... وتنتهي الغاشية بالحديث عن الآخرة ولقاء الله بقول الله تعالى: ﴿إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ* ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُم﴾، وكذا تنتهي سورة الكهف بقوله تعالى: ﴿فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾.
أما عن العلاقة بين الكهف والنحل فبادية في الحديث عن الله تعالى وعدم الشرك به، في ختام الكهف ومطلع النحل، ففي النحل قوله تعالى ﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُون﴾،َ وفي الكهف قوله تعالى: ﴿لا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ .
ثانيًا: عناصر الوحدة الموضوعية الداخلية في سورة الكهف:
1- المقصد الأسمى:
بتدبر سورة الكهف أرى أن المقصد الأسمى منها باد في قوله تعالى في مطلعها: ﴿لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا﴾؛ فهي إنذار للعاصين الخارجين على منهج الله تعالى الواقعين في الفتن، وتبشير للصالحين المصلحين المعصومين من الفتن...
2- : الأفكار الرئيسة في السورة:
تكونت السورة الكريمة من ستة أفكار، بيانها على النحو الآتي:
أ- حمد الله تعالى (الآيات ١ : ٨)، والدعوة إلى الإحسان:
وفيه الحمد لله على نعمة الكتاب الكريم الموصوف بصفتين، هما: ﴿لَمْ يَجْعلْ لهُ عِوَجًا*قَيِّمًا﴾، والغرض من السورة، مع التخفيف عن النبي –صلى الله عليه وسلم-والدعوة إلى إحسان العمل في هذه الدنيا الفانية.
ب- قصة أصحاب الكهف(الآيات 9-31):
وفيه سرد لهذه القصة الشبابية الطريفة والتي جاءت في إحدى وعشرين آية، والتي تمثل حالة عبادية خاصة، وعرض للدروس المستفادة منها، حيث استمرار الصراع بين الموحدين والمشركين، ونصرة الله تعالى أهل الحق والتوحيد بعد معاناة وصبر، ثم دعوة إلى الصبر مع الدعاة والداعين، ثم بيان عقاب الظالمين وثواب الصالحين.
ت- قصة صاحب الجنتين(الآيات 32-59):
وفيه سرد لهذه القصة الاجتماعية الحياتية، والتي جاءت في سبع وعشرين آية، والتي بطلاها يمثلان نموذجين بشريين موجودين في كل زمان ومكان، ثم بيان الدرس المستفاد منها وهو أن الولاية لله الحق، وأن الدنيا هشيم، وأن الصالحات هي الخير والأمل، وأن المجرمين في حق المال والأحياء سيرون عاقبة أمرهم في الآخرة، وأنهم اتبعوا إبليس، المحكوم عليه وعليهم هذا الحكم القرآني: ﴿بئس للظالمين بدلاً﴾.
ث- قصة سيدنا موسى والعبد الصالح(الآيات 60-82):
وهي قصة طريفة خاصة بسورة الكهف، جاءت في اثنتين وعشرين آية، ولم تذكر في قصة موسى القرآنية على امتداد حضورها بسور القرآن الكريم، ولم تتبع بدروس؛ نظرًا لأنها قصة في مجال طلب العلم تعليمًا وتعلمًا، فكل عبارة منها، وكل مشهد فيها، وكل شخصية فيها تقدم دروسًا وعبرًا...
ج- قصة ذي القرنين(الآيات83-99):
وهي قصة طريفة تحكي لنا قصة ذلك الحاكم المُمَكَّن له إلهيًّا والآخذ بالأسباب، والتي جاءت في ستَ عشرةَ آيةً، واصفة انتقالاته من مطلع الشمس إلى مغربها إلى ما بين السدين، حاكمًا ومعمرًا ومصلحًا ومتسببًا في الرحمة الإلهية للكون حتى يجيء وعد ربنا الحق، وينفخ في الصور، ونجمع جمعًا ...
وهكذا ننتقل مع السورة الكريمة خلال رباعية قصصية متوالية، من قصة التوحيد، إلى قصة المال، إلى قصة العلم، إلى قصة الملك، وهذه الرباعية تمثل أنواع الصراعات الكونية في كل زمان ومكان. ومن ثم فالترابط بين هذه المقاطع الفكرية باد ومهيمن...
ح- يوم القيامة وحال الناس فيه (الآيات 100-110):
جاء ختام هذه السورة مصورًا يوم القيامة، وحال طرفي المعادلة البشرية: الأخسرين أعمالاً، والصالحين أعمالاً، وأن الخلاص والكهف والملاذ في أن نعمل عملا صالحًا ولا نشرك بعبادة ربنا أحدًا...
3- علاقة السورة بسورة الفاتحة:
لا ريب في الصلة بين سورة الكهف وبين سورة القرآن الأم(الفاتحة) فكلتاهما تبدأ بالحمد لله، وكلتاهما تشير إلى فريقي الصلاح والطلاح، وكلتاهما تدعو إلى الهداية، قال الله تعالى في الفاتحة: ﴿اهدنا الصراط المستقيم﴾، وقال في الكهف ﴿مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا﴾، وكلتاهما تنفر من الضالين والمغضوب عليهم....
الخاتمة:
وهكذا تعرفنا على منهج(الوحدة الموضوعية في السورة القرآنية) مفهومًا وإجراءات، وتبينًّا مدى الترابط والانسجام والتراحم في السورة الكريمة المدروسة، عبر عناصر الوحدة الموضوعية البارزة: من العنوان، والمطلع والختام، والعلاقة بالسابق واللاحق. وفي عناصر الوحدة الموضوعية الداخلية: من المقصد الأسمى، والأجزاء الرئيسة للسورة، والتناسب بين السورة وسورة الفاتحة. وهذا وجه من وجوه إعجاز القرآن الإلهي الكريم المجيد المتين.
• إن هذا المنهج منهج طيب شريف، بسبب انتسابه إلى علم تفسير القرآن الكريم وتدبره.
• إن هذا المنهج من شأنه أن يجعل أجزاء القرآن بعضهًا آخذًا بأعناق بعض، فيقوي بذلك الإيمان بنظم القرآن الكريم وتناسب أجزائه وتلاحمها.
• بهذا المنهج نتيقن أن للإعجاز القرآني طريقين، أحدهما: نظم كل جملة على حيالها بحسب التركيب، والثاني: نظم الآية مع أختها، والسورة مع أختها، بالنظر إلى الترتيب.
• إنه منهج عظيم من شأنه أن يطلعنا على كثير من لطائف القرآن وروائعه، وهو يحتاج إلى مجهود تدبري كبير.
• هذا المنهج يساعد في تجديد الخطاب الدعوي والخطاب الفقهي والخطاب التفسيري، وأدعو إلى أن يكون له حضور في الإعلام الديني وأن تزداد مساحته.
• لسورة الكهف أهداف أساسيةً تتمثل في تقرير توحيد الله تعالى ودعوة البشر إلى ذلك، والدعوة إلى الإيمان بالآخرة، وبيان أحداث يوم القيامة ومواقف الناس فيها. ووجوب الإيمان بدعوة محمد - صلى الله عليه وسلم- وبيان صدقها، والتأكيد على بشريّته -عليه السلام- وأنّه مبعوثٌ للبشر كافّة، بيان الفتن المحيطة بالإنسان، وهي: فتنة العقيدة، وفتنة المال، وفتنة العلم، وفتنة المُلك والسلطان، وأن الكهف العاصم من هذه الفتن هو الإيمان، فعلينا أن نأوي إلى الكهف لينشر لنا ربنا من رحمته ويجعل لنا من أمرنا مرفقًا .
والله أعلى وأعلم.