انخفض معدل النمو الحقيقي العالمي في سنة 2008، وهي السنة التي تلت ما يعرف بأزمة الرهون العقارية في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أدى تشديد شروط الائتمان في الدول المتقدمة إلى حدوث كساد معتدل في دول العالم المتقدم، في الوقت الذي استمرت فيه معدلات النمو مرتفعة في الاقتصادات الناشئة. غير أن توابع الأزمة بدأت في التعمق في الربع الأخير من عام 2008 على الرغم من الجهود التي بذلتها الولايات المتحدة، مركز الأزمة، ودول العالم الأخرى للتأكد من توافر السيولة في اقتصادياتها المحلية وإعادة رسملة مؤسساتها المالية بسبب ارتفاع حجم الديون المسمومة فيها، ومن ثم أخذ الموقف في التدهور بشكل سريع بعد اشتعال الأزمة المالية في أيلول (سبتمبر) 2008 نتيجة إفلاس بنك ليمان براذرز والمحاولات المتتالية لإنقاذ أكبر شركات التأمين في الولايات المتحدة "المجموعة الأمريكية الدولية AIG"، وهو ما أدى إلى تصاعد سريع في حجم المخاطر التي تواجه المصارف وجعل من قضية إعسار أعتى البنوك العالمية محل اهتمام محليا وعالميا، الأمر الذي أدى إلى حدوث اضطراب شديد انعكس على البورصات كافة في العالم، حيث بدأت عمليات البيع تأخذ شكل أسعار الحرق، وبدأت تدفقات الاستثمار والتجارة ورؤوس الأموال في التدهور بشكل كبير على المستوى العالمي، وأخذت عمليات إصدار الأدوات المالية الجديدة في التوقف تماما والمعاملات المصرفية في الانخفاض الحاد ومن ثم معدلات الفائدة، الأمر الذي وضع أسواق العملات أيضا تحت ضغوط شديدة. هذه المؤشرات كافة توحي بوجود ركود من الدرجة الأولى.
وقد كثر الحديث عن الأزمة الاقتصادية العالمية وهل ستتحول إلى ركود اقتصادي عظيم مثل ذلك الذي حدث في عام 1929، وما جلبه من مآس في كافة أنحاء البسيطة، أم أن العالم سيواجه كسادا عنيفا ولكنه سريع ومن ثم تحدث نقطة التحول في غضون أشهر؟ للأسف ما زالت الأزمة الاقتصادية العالمية دون قاع حتى الآن، وليس من المتوقع أن تبدأ نقطة التحول للدورة الاقتصادية العالمية قريبا، بمعنى أنه مازال أمام العالم مزيد من الوقت حتى يصل إلى قاع الأزمة، لتستمر بذلك معاناة الجميع نتيجة الآثار السيئة للازمة في صورة انخفاض معدلات النمو وارتفاع مستويات البطالة وانخفاض مستويات الدخول وتراجع أسعار الأصول، بصفة خاصة المالية.
وفقا لأفضل التوقعات التي توصل إليها صندوق النقد الدولي في تقريره الأخير "آفاق الاقتصاد العالمي: الأزمة والتعافي" الذي أصدره الأسبوع الماضي، فإن قاع الأزمة من المحتمل أن يتحقق في عام 2010، بعدها تبدأ نقطة التحول ليأخذ العالم في الخروج ببطء من الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2011. وعادة ما يتم تحديد نقطة التحول أو قاع الأزمة من خلال حساب مؤشر مركب موزون يتكون من مجموعة متغيرات اقتصادية كلية مثل متوسط نصيب الفرد من الناتج وحجم الإنتاج الصناعي وحجم التجارة وتدفقات رؤوس الأموال واستهلاك النفط ومعدلات البطالة.. إلخ، الذي من خلال تطوراته يمكن الحكم على بلوغ قاع الأزمة أم لا.
هذه التوقعات لتوقيت القاع الحالي للأزمة قائمة على استمرار اتباع سياسات اقتصادية كلية تدعم النمو في المجموعات المختلفة من العالم، بصفة خاصة في الدول الصناعية، واستمرار انخفاض معدل الفائدة إلى مستويات تقترب من الصفر، بينما تستمر البنوك المركزية في دول العالم في اتباع سياسات غير تقليدية في التعامل مع الأزمة بهدف تيسير الشروط الائتمانية لتوفير سيولة كافية، وكذلك استمرار العجز المالي في التفاقم بصورة حادة في الدول الصناعية أو الناشئة، بصفة خاصة في مجموعة العشرين التي يتوقع أن تصل خطط التحفيز المالي فيها إلى نحو 2 في المائة من الناتج المحلي خلال العامين الحالي والمقبل، وكذلك في ظل افتراض أن سعر النفط خلال 2009 سيكون نحو 52 دولارا، وفي عام 2010 نحو 62.5 دولار للبرميل.
وفقًا لهذه الفروض فإن سيناريوهات النمو تشير إلى تراجع معدلات النمو الاقتصادي على المستوى العالمي إلى معدلات سالبة تصل إلى 1.3 في المائة في عام 2009، وهو ما يجعل من الركود الاقتصادي الحالي الأكثر عمقا منذ الحرب العالمية الثانية.
النتيجة المثيرة للاهتمام في تقرير صندوق النقد الدولي هي توقيت قاع الأزمة، وبدء نقطة التحول في العمل، وقدر التحول في النمو الاقتصادي العالمي للتعافي من الأزمة، حيث من المتوقع أن يصل معدل النمو العالمي إلى مستويات موجبة (1.9 في المائة) في عام 2010، وهو أقل من معدلات التعافي في كافة أزمات الركود السابقة. ثم تأخذ معدلات النمو العالمي في الارتفاع بشكل حثيث حتى تصل إلى نحو 5 في المائة في عام 2014. هذا الاتجاه في النمو الحقيقي ليس على الوتيرة نفسها في دول العالم كافة، فمن المتوقع أن يصل معدل نمو الناتج الحقيقي في مجموعة السبع إلى سالب 3 في المائة، ثم يصل معدل النمو إلى الصفر في سنة القاع، قبل أن تأخذ معدلات النمو منحاها الموجب في عام 2011، لتصل إلى نحو 2 في المائة في عام 2014.
غير أن الصورة تبدو أكثر قتامة في دول الاتحاد الأوروبي، حيث يصل معدل النمو في عام 2009 إلى سالب 4 في المائة، وفي عام 2010 إلى سالب 0.3 في المائة، قبل أن تتحول معدلات النمو إلى مستويات موجبة في عام 2011، أما بالنسبة للاقتصادات الناشئة حيث تم تحقيق معدلات نمو حقيقي مرتفعة قبل حدوث الأزمة بلغت 8.3 في المائة في عام 2007، فمن المتوقع أن تنخفض معدلات النمو إلى 1.6 في المائة فقط عام 2009، ثم تعاود بعد ذلك الارتفاع لتصل إلى 6.8 في المائة في عام 2014. النتائج التفصيلية لسيناريو النمو العالمي تحمل بعض الأخبار السيئة للاقتصاد الكويتي والسعودي والإماراتي، فوفقا للشكل رقم (1) الذي يوضح معدلات النمو الحقيقي في دول مجلس التعاون خلال الفترة 2008 - 2014، من المتوقع أن تكون الكويت أكثر دول المجلس تضررا من الأزمة في عام 2009، حيث ستحقق الكويت، وفقا للتقرير، معدلات نمو سالب تصل إلى 1.1 في المائة في عام 2009، قبل أن تأخذ معدلات النمو الحقيقي في الصعود إلى نحو 2.4 في المائة في سنة القاع 2010، ومن ثم تستمر معدلات النمو الحقيقي في الصعود إلى 4.6 في المائة عام 2014، مقارنة بمعدل نمو متوسط بلغ 8.7 في المائة خلال السنوات الست التي سبقت الأزمة. تلي الكويت المملكة العربية السعودية التي يتوقع أن تواجه معدل نمو حقيقي سالب يصل إلى 0.9 في المائة، والإمارات بمعدل نمو سالب 0.6 في المائة على التوالي في عام 2009. أما بالنسبة لقطر، فستستمر معدلات النمو الحقيقي قوية رغم الأزمة، لتحقق معدل نمو مبهر يصل إلى 16.5 في المائة في سنة القاع، وهي الدولة الوحيدة في العالم التي تحقق مثل هذه المعدلات من النمو في سنوات الأزمة، وبشكل عام من المتوقع أن تتراوح معدلات النمو الحقيقي في عام 2014 في دول المجلس من 3.3 في المائة في قطر إلى 6.5 في المائة في عمان. الشكل رقم (1) معدلات النمو الحقيقي المتوقعة في دول مجلس التعاون المصدر: صندوق النقد الدولي: http://www.imf.org/external/datamapper/index.php
========================
أما عن اتجاهات التضخم المتوقعة في العالم، فإن الأزمة ستؤدي بمعدلات التضخم العالمي إلى الانخفاض من 6 في المائة عام 2008 إلى 2.4 في المائة في سنة القاع، ثم تأخذ معدلات التضخم في الارتفاع بشكل ضئيل حتى تصل إلى 3 في المائة عام 2014، وهو ما يحمل أخبارا سارة للمواطنين في دول المجلس، بمعنى أننا مقبلون على ارتفاع في دخولنا الحقيقية على المدى المتوسط إذا صحت توقعات صندوق النقد الدولي. غير أن معدلات التضخم ستستمر مرتفعة بعض الشيء في قطر بفعل ارتفاع معدلات النمو الحقيقي، قبل أن تأخذ بعد ذلك في التراجع إلى 3 في المائة عام 2014، مقارنة بـ 15 في المائة في عام 2008. وعموما فإنه من المتوقع أن تراوح معدلات التضخم في عام 2014 من 2 في المائة (البحرين) إلى 4.5 في المائة (عمان)، وهو تطور أقل ما يوصف بأنه إيجابي بالنظر إلى الاتجاهات العامة لمعدلات التضخم في دول مجلس التعاون خلال الفترة التي سبقت الأزمة. أما بالنسبة لمتوسط دخل الفرد فيتوقع أن ينخفض نصيب الفرد من الناتج في الولايات المتحدة من 46859 دولارا عام 2008، إلى 45254 دولارا في سنة القاع، بينما ينخفض متوسط نصيب الفرد من الناتج في أوروبا من 29732 دولارا إلى 24682 دولارا على التوالي، وكذلك في اليابان من 38559 دولارا إلى 37052 دولارا على التوالي. أما بالنسبة لدول مجلس التعاون، فإن متوسط نصيب الفرد من الناتج سينخفض في عام 2009، نتيجة لاتجاهات النمو السيئة التي تمت الإشارة إليها، ثم يأخذ بعد ذلك في الزيادة بشكل مستمر حتى عام 2014. إلا أنه من الأمور اللافتة للنظر أن متوسط نصيب الفرد من الناتج في قطر سيستمر خلال المدى المتوسط في الارتفاع بشكل عام ليصل في عام 2011 إلى نحو 105 آلاف دولار أمريكي، وهو ما يجعل المواطن القطري صاحب أعلى مستوى دخل في العالم ليتفوق بذلك على لوكسمبورج صاحبة أعلى متوسط دخل للفرد في العالم. هذه هي أهم المؤشرات المتوقعة خلال السنوات الخمس القادمة وفقا لسيناريوهات النمو الحالي لصندوق النقد الدولي. غير أنه تنبغي الإشارة إلى أن هذه النتائج، على الرغم من أهميتها، يحيط بها قدر كبير من عدم التأكد، بصفة خاصة بالنسبة لمخاطر استمرار الأزمة ومن ثم ابتعاد سنة القاع عما هو متوقع. حيث ما زال هناك احتمال عدم قدرة السياسات المتبعة في دول العالم على محاصرة النتائج السلبية للأزمة، وبصفة خاصة في ظل المعارضة الشعبية لإجراءات السياسة للتعامل مع الأزمة، لما تسببه من نتائج سلبية على مستويات دخول ومعيشة ورفاهية الجماهير.
من ناحية أخرى فإن استمرار تعامل كل دولة على حدة مع تداعيات الأزمة لن يعطي الزخم اللازم للخروج من الأزمة على المستوى العالمي، ما لم يتم تنسيق التعاون الدولي في مكافحة الأزمة من قبل دول العالم أجمع. من ناحية أخرى فإن تعرض العالم لأي مفاجآت غير سارة، مثل انهيار المجموعة المالية الدولية أو انهيار "جنرال موتورز" أو أجزاء من النظام المصرفي الأوروبي، قد يدفع بعوامل فقدان الثقة إلى الحضيض لتشتد معها مخاطر أن تمتد سنة القاع إلى مستوى أبعد من 2010، ولتزداد بذلك معاناة كافة دول العالم من الأزمة، بصفة خاصة في دول الخليج. الشكل رقم (2) معدلات التضخم المتوقعة في دول مجلس التعاون حقائق وأرقام عن الأزمة المالية
* وفقاً لتقرير الآفاق الاقتصادية العالمية 2010 الصادر عن البنك الدولي، من المُتوقع أن يشهد الاقتصاد العالمي نمواً نسبته 2.7 في المائة في عام 2010 و 3.2 في المائة في عام 2011.
* تشير التوقعات الخاصة بالبلدان النامية إلى تحقق تعافٍ قوي نسبياً، حيث ستنمو بنسبة 5.2 في المائة في عام 2010، و 5.8 في المائة في عام 2011 ـ وذلك مقابل 1.2 في المائة في عام 2009.
* من المُتوقع أن يرتفع إجمالي الناتج المحلي في البلدان الغنية، الذي تقلص بنسبة 3.3 في المائة في عام 2009، بوتيرة أقل سرعة ـ بواقع 1.8 في المائة في عام 2010 و 2.3 في المائة في عام 2011.
* تشير التوقعات إلى نمو حجم التجارة العالمية بنسبة 4.3 في المائة في عام 2010، و6.2 في المائة في عام 2011 (وهو تناقض صارخ مع الهبوط الهائل بنسبة 14.4 في المائة في عام 2009).
* تشير التقديرات إلى الأزمة المالية تؤدي إلى سقوط ما يُقدر بنحو 64 مليون شخص في براثن الفقر المدقع على مستوى العالم في عام 2010 ـ وفقاً لتعريفه بأنه العيش على أقل من 1.25 دولار أمريكي في اليوم للفرد الواحد
* إن البلدان الأكثر فقراً في العالم ـ أي تلك التي تعتمد على المنح أو الإقراض المدعوم ـ قد تحتاج إلى ما يتراوح بين 30 و 50 مليار دولار من التمويل الإضافي حتى تتمكن فقط من الحفاظ على برامجها الاجتماعية التي كانت قائمة قبل الأزمة".
جستين لين رئيس الخبراء الاقتصاديين والنائب الأول لرئيس البنك الدولي لشؤون اقتصاديات التنمية
==============
أحدث دراسة تحليلية للبنك الدولي: الأزمة والتمويل والنمو 1 يناير/كانون الثاني 2010 - نيت بونباينغبا، أرملة وجدة، تعمل في أحد المنتجعات كأخصائية تدليك بمدينة بانكوك. تعرضت نيت العام الماضي لخفض أجرها بواقع الثلث. وبعد بحث مضن، وجدت فرصة عمل جديدة، وابتسمت لها الحياة وتحسنت أحوالها مرة أخرى. وهي تعمل الآن تحت الطلب ثلاث مرات في الأسبوع لدى إحدى العميلات السابقات، وتحصل على عائد مالي مجزٍ يُمكّنها من تحمل أعباء الحياة ودفع الرسوم المدرسية لحفيدها، كما أن لديها وقتاً للعمل مع عملاء آخرين. تقول هذه الجدة التي بلغت الخمسين من عمرها، وهي تتذكر المصاعب التي عاشتها عندما تم خفض أجرها قبل أن تجد عملها الجديد، "لقد كان صعباً حقاً أن أعيش على 200 باهت في اليوم (نحو 6 دولارات أمريكية تقريباً) في وقت تعين علي شراء الطعام والحليب لطفل، ودفع إيجار المسكن، ناهيك عن المصروفات الأخرى. لم تكن لدي أية مدخرات آنذاك. والآن، يمكنني أن أستريح بعض الشيء وأن أدخر قليلاً من المال كل شهر". وللأسف، فإن هذا الوضع ليس دائماً، فدوام الحال من المحال. فقد أبلغتها صاحبة العمل الجديدة إنها ستضطر قريباً إلى تقليل خدماتها وخفض أجرها، مما يعني انخفاض دخلها بصورة كبيرة إن تقرر ذلك فعلاً. لكن نيت التي دخلت العِقد السادس من عمرها لا تستطيع المنافسة في سوق العمل، ومازالت أمامها عشرة أعوام حتى تتأهل للحصول على مزايا التقاعد. لقد بات المستقبل مليئاً بالمخاطر أمام هذه الجدة وحفيدها الصغير. ارتفاع معدلات الفقر وانكماش رؤوس الأموال يحفل العالم بعشرات الملايين من القصص المشابهة لقصة نيت ـ بل إن بعضها أسوأ بكثير ـ يعكس كل منها الآلام الناجمة عن حالة كساد حاد متزامن لم يسبقه مثيل، لم ينجو أي بلد تقريباً من آثاره عندما اندلعت الأزمة المالية العالمية. ومازالت الشرائح الأكثر فقراً هي الأكثر معاناة. يقول تقرير البنك الدولي الصادر بعنوان "الآفاق الاقتصادية العالمية 2010: الأزمة والتمويل والنمو " إن هذه الأزمة أدت إلى آثار تراكمية خطيرة على أوضاع الفقر، إذ من المتوقع وفقاً لأحدث البيانات التحليلية التي أوردها التقرير أن يسقط 64 مليون شخص آخر في براثن الفقر المدقع بنهاية عام 2010 مقارنة بما سيكون عليه الحال لو لم تقع الأزمة. ووفقاً لأندرو برنز، المؤلف الرئيسي لهذا التقرير، فإن "أية زيادة في معدلات الفقر تؤدي إلى آثار خطيرة بالنسبة لحكومات البلدان الفقيرة التي تواجه حالياً انكماشاً في الإيرادات في وقت تزداد فيه الحاجة إلى تلك الإيرادات. ففي الوقت الذي يتعين فيه زيادة الجهود لحماية الشرائح المعرضة للمعاناة، قد تضطر بعض الحكومات إلى خفض مستوى البرامج الاجتماعية القائمة". وفي معرض حديثه عن هذا التقرير، قال جستين لين رئيس الخبراء الاقتصاديين والنائب الأول لرئيس البنك الدولي لشؤون اقتصاديات التنمية، إن البلدان الأكثر فقراً في العالم ـ أي تلك التي تعتمد على المنح أو الإقراض المدعوم ـ قد تحتاج إلى ما يتراوح بين 30 و 50 مليار دولار من التمويل الإضافي حتى تتمكن فقط من الحفاظ على برامجها الاجتماعية التي كانت قائمة قبل الأزمة. وباتت التكلفة البشرية المأساوية للأزمة المالية بالفعل واضحة لا لبس فيها. إذ يقدر باحثون، أمثال جد فريدمان ونوبرت شادي، على سبيل المثال، أن ما بين 30 - 50 ألف طفل آخر يمكن أن يكونوا قد ماتوا في عام 2009 بسبب سوء التغذية في أفريقيا نتيجة لهذه الأزمة. استمرار التعافي الاقتصادي، لكن الطريق مازالت طويلةً يحذر التقرير من أنه بينما أخذ الاقتصاد العالمي حالياً في الخروج من براثن هذه الأزمة، وبدأت معدلات نمو إجمالي الناتج المحلي في التحسن، فإن النمو قد يتباطأ بالفعل في وقت لاحق من هذا العام، وذلك مع انحسار تأثير برامج التحفيز الاقتصادي على النمو. ويمضي في القول بأن استرجاع فرص العمل التي تم الاستغناء عنها وإعادة استيعاب الطاقة الإنتاجية الفائضة سيستغرقان أعواماً. ووفقاً لهذا التقرير، من المتوقع أن ينمو إجمالي الناتج المحلي العالمي، الذي تقلص بواقع 2.2 في المائة في عام 2009، بنسبة 2.7 في المائة هذا العام، و 3.2 في المائة في عام 2011 . كما سينمو حجم التجارة العالمية، الذي تراجع بدرجة كبيرة بلغت 14.4 في المائة في عام 2009، بنسبة 4.3 في المائة هذا العام و 6.2 في المائة في عام 2011. وأضاف برنز، " أن قوة تعافي الاقتصاد العالمي ستتوقف على تحسن الطلب في قطاعي المستهلكين والشركات، وكذلك وتيرة قيام الحكومات بسحب برامج التحفيز الاقتصادي والنقدي. فإذا تم ذلك قبل أوانه، فمن الممكن أن يؤدي إلى وأد التعافي الاقتصادي؛ لكن الانتظار أطول مما ينبغي يمكن أن يؤدي أيضاً إلى عودة بعض الفقاعات التي عجلت بحدوث هذه الأزمة إلى التضخم". وعلى صعيد البلدان النامية، فمن المتوقع أن تشهد تعافياً قوياً نسبياً حيث سيبلغ نمو إجمالي الناتج المحلي 5.2 في المائة في عام 2010، و 5.8 في المائة في عام 2011 ـ وذلك مقابل 1.2 في المائة في عام 2009. أما البلدان الغنية، التي تقلص إجمالي الناتج المحلي فيها بنسبة 3.3 في المائة في عام 2009، فمن المتوقع أن تشهد معدل نمو أقل سرعة ـ بواقع 1.8 في المائة و 2.3 في المائة في عامي 2010 و 2011 على التوالي. ويتباين مستوى الأداء في مناطق العالم النامية من منطقة إلى آخري. فالكساد الاقتصادي كان شديداً في منطقة أوروبا وآسيا الوسطى، في حين استمرت معدلات النمو القوي نسبياً في منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ. وأفلتت منطقتا جنوب آسيا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا من الآثار الأسوأ للأزمة الاقتصادية العالمية، بينما تضررت منطقة أفريقيا جنوب الصحراء تضرراً شديداً، ومازال عدم اليقين يحيط بآفاقها المستقبلية. وفي منطقة أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، حيث ساعدت الأساسيات الاقتصادية الأكثر قوة على الصمود أمام هذه الأزمة على نحو أفضل بكثير من الأزمات السابقة، من المؤكد أن تكون للهزة الأرضية المدمرة التي ضربت هايتي تكاليف اقتصادية هائلة على هذا البلد، بالرغم من أنه من السابق لأوانه إعطاء تقديرات محددة. عرض كامل للآفاق المستقبلية الإقليمية * الانتعاش والأزمة وما بعدهما: الآثار بالنسبة للبلدان النامية يخلص هذا التقرير إلى أن الأوضاع المالية الدولية المتساهلة للغاية خلال السنوات 2003-2007 أسهمت في زيادة توافر التمويل وارتفاع معدلات النمو في البلدان النامية قبل اندلاع الأزمة مباشرة. واستطاعت البلدان النامية آنذاك بفضل توافر رؤوس الأموال غير المكلفة الحفاظ على معدلات نمو عالية دون التسبب في زيادة كبيرة في معدلات التضخم. ومن المتوقع أن تهبط تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر من مستويات الذروة البالغة 3.9 في المائة من إجمالي الناتج المحلي للبلدان النامية التي بلغتها في عام 2007 إلى نحو 2.8 إلى 3 في المائة في الأمد المتوسط. وستكون لهذا الهبوط عواقب خطيرة نظراً لأن الاستثمارات الأجنبية المباشرة تمثل ما يصل إلى 20 في المائة من مجموع الاستثمارات في مناطق أفريقيا جنوب الصحراء وأوروبا وآسيا الوسطى وأمريكا اللاتينية. وقال هانز تيمر، مدير مجموعة آفاق التنمية في البنك الدولي، "نظراً لأن شح رؤوس الأموال وارتفاع تكلفة الحصول عليها باتا أمراً لا مفر منه في المستقبل المنظور، فمن المفيد للغاية أن تقوم البلدان النامية في الأمد الطويل بتخفيض تكلفة أسعار الاقتراض المحلية، وتشجيع أسواق رؤوس الأموال المحلية عن طريق توسيع نطاق المراكز المالية الإقليمية وتحسين المنافسة واللوائح التنظيمية في القطاعات المصرفية المحلية". وعلى الرغم من أن إصلاحات كهذه قد تستغرق وقتاً حتى تؤتي ثمارها، فإن بوسعها أن تضع البلدان النامية ثانية على مسار معدلات النمو الأعلى. التدابير التي يقوم بها البنك الدولي رغم انتهاء أكثر المراحل حدة للأزمة المالية العالمية، فإن تعافي الاقتصاد العالمي مازال هشاً. وتشمل المخاطر التي مازالت تهدد سلامة الاقتصاد: ارتفاع معدلات البطالة، وانخفاض معدلات النمو في البلدان المتقدمة، وشّح تدفقات التمويل الدولي إلى البلدان النامية. كما أن البلدان الأكثر فقراً مازالت في حاجة إلى المساعدة حتى تتمكن من تجاوز هذه الأزمة. وبوسع هذه البلدان أن تلعب دوراً أساسياً في إعطاء دفعة قوية للطلب دعماً للتعافي العالمي، لكنها في حاجة للحصول على التمويل في السنوات المقبلة. إن الطلب على المساعدة التي يقدمها البنك مازال مرتفعاً. ففي السنة المالية 2009، شهد ما تقدمه مجموعة البنك الدولي من قروض ومنح واستثمارات في أسهم رأس المال وضمانات ارتفاعاً غير مسبوق بلغت نسبته 54 في المائة مقارنة بمستواه في السنة المالية 2008. وركزت هذه المساعدات على الحفاظ على الاستثمارات في البنية الأساسية في الأمد الطويل، واستدامة إمكانات تحقيق النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل التي يتصدرها القطاع الخاص . وطوال هذه الأزمة، ساعد البنك على إبقاء الأطفال في المدارس، واستمرار فتح العيادات الصحية، وتدفق قروض التمويل الأصغر إلى النساء. وخلال الفترة بين يوليو/تموز 2008 ويناير/كانون الثاني 2010، قدم البنك الدولي موارد قياسية بلغت 89 مليار دولار أمريكي دعماً للبلدان النامية والمتوسطة الدخل. وشمل ذلك: 53.1 مليار دولار من البنك الدولي للإنشاء والتعمير الذي قدم موارد تمويلية ومساعدات فنية إلى البلدان المتوسطة الدخل حيث يعيش 70 في المائة من فقراء العالم. 18.3 مليار دولار في شكل ارتباطات من المؤسسة الدولية للتنمية التي تقدم قروضاً بدون فوائد ومنحاً لحكومات أشدّ بلدان العالم فقراً البالغ عددها 79 بلداً. 15.5 مليار دولار من مؤسسة التمويل الدولية، وهي ذراع مجموعة البنك الدولي المعني بتنمية القطاع الخاص، التي أطلقت أيضاً طائفة متنوعة من مبادرات التصدي لهذه الأزمة، منها صندوق بمبلغ 3 مليارات دولار لتدعيم البنوك، وبرنامج توفير السيولة للتجارة العالمية بمبلغ 5 مليارات دولار، وبرنامج تسهيلات التصدّي لأزمة البنية الأساسية بمبلغ 2.4 مليار دولار. 1.9 مليار دولار في شكل ضمانات من الوكالة الدولية لضمان الاستثمار *، وهي ذراع مجموعة البنك الدولي المعني بالتأمين ضد المخاطر السياسية. وتساند غالبية هذه الضمانات استمرار قيام البنوك بتقديم القروض للتصدي للأزمة المالية الراهنة. تستهدف المساعدات التي قدمها البنك: الحفاظ على الاستثمارات في البنية الأساسية في الأمد الطويل، واستدامة إمكانات تحقيق النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل التي يتصدرها القطاع الخاص . زيادة المساندة لبرامج شبكات الأمان بواقع ثلاثة أضعاف (برامج التغذية المدرسية، والتغذية، والتحويلات النقدية المشروطة، والنقد مقابل العمل). إنشاء برنامج جديد للتصدي لأزمة الغذاء العالمية وافق بالفعل على تقديم 710 ملايين دولار إلى 21 بلداً أفريقياً واستجابة لهذه الأزمة، ولزيادة كفاءة عمله ومرونته، أعد البنك مجموعة متنوعة من أدوات التمويل المبتكرة لتلبية الأولويات الأكثر إلحاحاً في مجال التنمية في عام 2010 وما بعده. ويشمل ذلك على سبيل المثال: صندوقا الاستثمار في الأنشطة المناخية (CIFs). عبأ البنك نحو 6 مليارات دولار لمساندة جهود التنمية في مجالات إعادة التشجير، وكفاءة استخدام الطاقة، والتكنولوجيا، واستقطبت هذه الأموال موارد تمويلية من مصادر أخرى تزيد قيمتها بنحو 10 أمثال. صناديق الاستثمار في أسهم الشركات غير المدرجة في البورصة. في مارس/آذار 2010، من المتوقع إقفال الجولة الأولى لأحد صناديق الاستثمار في أسهم الشركات غير المدرجة في البورصة قيمته 500 مليون دولار. وقد جرى إطلاق هذا الصندوق بالتعاون مع مستثمرين آخرين من بعض الصناديق السيادية وأحد صناديق المعاشات التقاعدية، وذلك من خلال مؤسسة التمويل الدولية، وهي ذراع البنك الدولي المعني بالتعامل مع القطاع الخاص.