"كبدة وكفتة وحواوشى" من نفايات حيوانية مستوردة
«عماد»: اللحوم المفرومة المغشوشة غزت الأسواق.. و«المفارم» تستخدم توابل ومكسبات طعم لإخفاء رائحة العفن
مواطنون يتجمعون أمام عربة كبدةفى الوقت الذى تعتبر فيه الكبدة المستوردة مخلفات للدول التى تبيعها لمصر، فإنها تجد لنفسها سوقاً رائجة فى المناطق الشعبية وأمام كثير من الحدائق العامة، تضاف إليها عربات «حواوشى» تحوى هى الأخرى أرغفة خبز محشوة بلحوم لا يعرف أحد مصدرها، ومع العيد تنتشر هذه العربات ليجتمع حولها الأطفال فى الحدائق العامة و«فتارين» لبيع الكفتة فى المناطق الشعبية بأسعار متدنية، مما يثير شكوكاً حول ماهية اللحوم التى تباع للمواطنين، فى الوقت الذى يحذر فيه مراقبون على المجازر من اللحوم المفرومة التى يصفونها دائماً بكونها «زبالة محال الجزارة والمجازر».
إذا مررت من أسفل سينما الزيتون ستشاهده أمام كتلة كبيرة من اللحم الأحمر المفروم، يقبض بيديه الغليظتين على اللحم ثم يضعها على سيخ من الحديد القاتم، محركاً يديه التى لا تتوقف عن الانقباض والانبساط ليفترش اللحم على السيخ، ثم يرميه على الفحم المتوهج عن يمينه داخل المدخنة.. هى المهنة التى ورثها عماد علام صاحب مطعم كبابجى بالزيتون، عن جده الذى افتتح المطعم قبل نحو 60 عاماً مضت، وحظى بشهرة واسعة فى حى الزيتون، حيث كان يأتى إليه الناس من كل حدب وصوب، لا سيما المشاهير من الرياضيين والفنانين الذين اعتادوا أن يترددوا على أولى حفلات السينما التى تعلوه لمشاهدة أول عروضهم السينمائية.
«إحنا هنا كان بيجى لنا الفنانين والمشاهير، وكانت مهنة الكبابجية مهنة تقيلة ليها ناسها، إنما دلوقتى انضربت»، بهذه الكلمات يصف «عماد»، ما آلت إليه المهنة التى ورثها عن جده، بسبب الغش فى اللحوم التى تطهى وتباع للزبائن.. فى السنوات القليلة الماضية، غزا سوق المهنة شريحة تعتمد على اللحوم المفرومة غير الصالحة للاستهلاك، وطهيها وبيعها للمواطنين «كفتة» و«حواوشى» بأسعار متدنية، ويشير «علام» إلى أن هذه الفئة تعتمد على اللحوم المفرومة الرخيصة التى يشترونها بـ15 جنيهاً فقط للكيلو، على عكس اللحوم الصالحة التى يبلغ ثمنها 55 أو 60 جنيهاً.
يضيف «علام»: «اللحمة الرخيصة دى بتبقى عبارة عن شغت ودوش وبواقى الجزارين، وكمان ساعات بتبقى لحوم بايظة وعفنت وبتتفرم معاها»، مشيراً إلى أن اللحوم يتم إضافة التوابل ومكسبات الطعم والرائحة لتغطى على عفونة اللحم ومخلفات الجزارين، لافتاً إلى أن هناك الكثير من المفارم الصغيرة التى تقوم بجمع مخلفات اللحوم والدهون وفرمها مع وضع توابل، ثم بيعها لعدد من محلات أو «فتارين» الكفتة التى تبيع بأسعار متدنية تناقض أسعار اللحوم فى السوق، وهناك مفارم فى منطقة أبوزعبل والخصوص والمطرية وبعض المناطق الشعبية، متابعاً: «ده ساعات بيحطوا رجول الفراخ ويفرموها، هما عايزين أى حاجة تمسك فى السيخ وهما شغالين وآهى كلها بتروح للفتارين وعربيات الحواوشى».
«كبابجى الزيتون»: بعض المفارم تخلط «أرجل الفراخ» مع اللحوم الفاسدة وفول الصويا وتبيعها لأصحاب «عربات الكفتة»
ويوضح «علام» أن هناك ظاهرة لانتشار فتارين الكفتة التى تنتشر فى المناطق العشوائية وتبيع اللحوم بأسعار رخيصة تتنافى تماماً مع سعر اللحوم، سواء البلدى أو المجمّدة المستوردة، مستنكراً الضمائر التى تبيح لأصحابها أن يغشوا المواطنين ويبيعوا لهم لحوماً فاسدة يتم إضافة توابل عليها، من فلفل أسمر وقرفة وبرغل، موضحاً أن هذه الفتارين تعمل دون أى تراخيص ويحتاجون إلى الرقابة من جانب الحكومة ومديريات الصحة، إلى جانب التفتيش على المفارم التى تفرم مخلفات لحوم ومنتجات فاسدة ويتم بيعها للمطاعم وعربات اللحوم العشوائية.
ويتابع: «الناس أكرم لهم إنهم يشتروا كيلو جبنة قريش وياكلوه بدل القرف اللى بيتباع ده، والناس عليها دور أنهم بيشتروا كفتة بسعر 40 جنيه، إزاى واللحمة أصلاً تمنها 60 جنيه، هتكون لحمة إيه دى اللى بيتعمل معاها سلطات وشوى وبـ40 جنيه»، مضيفاً أن المهنة أصبحت لمن لا مهنة له، بعد انتشار عدد من ضعاف النفوس لبيع لحوم فاسدة ومخلفات الذبائح لفرمها وبيعها لفتارين «الكفتة» ومحلات بيع اللحوم المفرومة الجاهزة، قائلاً: «دلوقتى أى حد مش شغال يجيب فاترينة وعدة كبابجى ويقف فى الشارع يشترى اللحمة المفرومة المضروبة أم 15 جنيه، ويبيع كيلو الكفتة بـ40 أو 35 جنيه»، موضحاً أن المفارم تضيف فى بعض الأحيان الفول الصويا، بجانب التوابل، لغش المواطنين وخداعهم.
ويلفت «علام» إلى أنه بعد انهيار السوق وانتشار الغش فيها، فكر فى التخلى عن المهنة، محذراً المواطنين من شراء اللحوم من أماكن غير مضمونة أو أرغفة «الحواوشى» من الشوارع بأسعار رخيصة، قائلاً: «أقل رغيف حواوشى نضيف هيبقى بـ10 جنيه، إنما دلوقتى بتلاقى الرغيف بـ2 جنيه على العربيات، بيتباع للعيال فى العيد، ده رغيف الطعمية بقى بـ2 و3 جنيه، يبقى إزاى اللحمة أرخص؟»، مشيراً إلى أن الكبابجى الذى يعمل بضمير هو من يشرف على فرم اللحوم التى يبيعها للناس، ولن يشترى لحوماً مفرومة جاهزة بأسعار رخيصة، معلقاً: «أنا باقف على إيد الجزار باقطع اللحمة وأخليه يفرمها قدامى إنما ما أسيبهوش وأمشى، لأنى ما أضمنش ممكن يحط لى إيه، وممكن يلف ويدور معايا»، مناشداً المواطنين عدم شراء «الكفتة» و«الحواوشى» من عربات الشارع.
ويضيف محمد أسامة، 35 عاماً، صاحب محل جزارة بالوراق، أن بعض الأشخاص الذين يعملون فى مصانع اللحوم والمفارم يترددون على جزارته بهدف شراء «بواقى تنظيف» على حد قوله، مشيراً إلى أن بعض المفارم تقوم بخلط البواقى مع اللحوم المجمّدة المستوردة، ثم بيعها كلحم مفروم جاهز، سواء للمواطنين أو لمطاعم الكفتة وعربات «الحواوشى» العشوائية، مشيراً إلى أن «الكبدة» التى تباع على عربات الكبدة لا تكون كبدة بلدى فى أغلب الأحيان، وإنما تكون كبدة مستوردة.
ويشير محمود محمد، 22 عاماً، جزار بمنطقة بولاق، إلى أن المفارم الصغيرة التى تبيع اللحوم المفرومة الجاهزة لعربات الحواوشى تقوم بإضافة توابل ومكسبات طعم على بعض بواقى «شغل الجزارة»، مضيفاً أن القليل من الأصحاب المطاعم يقومون بفرم كميات لحوم لمطعمهم الخاص، وأن ارتفاع سعر اللحوم دفع الكثير إلى اللجوء للمفارم التى لا يوجد عليها رقيب.
وأوضح «محمد» أن المفارم لا تكون مصانع كبيرة ذات تراخيص ولكن تنتشر فى مناطق عشوائية كثيرة، ويمكن أن يكون أحد الجزارين يستخدم المفرمة فى فرم اللحوم المجمّدة المستوردة أو لحوم فسدت منه بعد إضافة لون وتوابل فواحة حتى تطغى على رائحة اللحم الفاسد، مشيراً إلى أن الضمائر هى التى تتحكم فى بيع اللحوم الفاسدة من عدمه.
ساحة النقاش