نظرا للتوسع الملحوظ في الخدمات الطبية وانتشار مختبرات التحاليل الطبية كمعامل مستقلة بذاتها أو ضمن العيادات الطبية المتخصصة أو مصحات الإيواء، بسبب هذا العدد الكبير يصعب عليه مراقبة تلك المختبرات من حيت جودة المكان (صلاحيته ليكون معمل) جودة التجهيزات (لدقة العمل والنتائج) وفوق كل ذلك وهو ما يهمنا هنا ما هي درجة السلامة والآمان للعاملين بتلك المعامل وللأفراد المحاطين بهم وللبيئة بصفة عامة.
تعتبر المختبرات الطبية وبالأخص معامل الأحياء الدقيقة (Microbiology Laboratories) المصدر الكبير للعدوى بمختلف أنواع الميكروبات الممرضة والتي قد تصيب إما العاملين بالمختبر وذلك في حالة عدم التعامل السليم والإهمال للعينات القادمة لهم أو قد تصيب المحيطين بهم من أفراد وأسر.
خلال العقود الماضية كانت هناك عدة حوادث إصابات بأمراض مثل الكوليرا والتيفوئيد و الحمى المتموجة (brucellosis) والكزاز (tetanus) ربُطت بسبب أو آخر مع المختبرات الطبية بالمستشفيات أو بمراكز الأبحاث في مجال الميكروبات (Laboratory-Acquired infection) ، فأول تلك الدراسات ،دراسة أجريت سنة 1941 في الولايات الأمريكية تم حصر 74 حالة أصابه بمرض الحمى المتموجة (brucellosis) كانت بسبب المختبرات عن طريق عدم التعامل السليم مع عينات المرضى عند استلامها أو الإهمال وعدم أخذ الحيطة والحذر عند التعامل مع مزارع تلك العينات إما عن طريق استنشاق غبار ملوث بميكروب البروسيلا من تلك العينات أو الملامسة أو ضعف التقنية المتاحة في التعامل مع مثل هذا الميكروب الخطير والسريع الانتشار (1).
ودراسة أخرى سنة 1949 ذكرت وجود 222 حالة أصابه بمرض فيروسي كانت بسبب معامل تحاليل وأبحاث منها 21 حالة كانت قاتلة وكان معظمها بسبب عدم التعامل السليم مع الأنسجة أو الحيوانات المصابة (2). وتوالت بعد تلك السنوات دراسات أكثر تعمقا وشمولية ربطت بين بعض الحالات المرضية ومعامل الأحياء الدقيقة، منها عدة دراسات متتالية قام بها باحثين على فترات زمنية مختلفة (1976-1949) شملت على 3921 حالة مرضية كان المختبر السبب بها، منها حالات مرض السل ،الحمى المتموجة، والتيفوئيد والتهابات تليف الكبد والدماغ وبالأخص مرض التهاب الدماغ الفنزويلي (Venezuelan encephalitis) ، 20% من تلك الحالات، طريقة التعرض للميكروب كانت معروفة وأدت إلي الإصابة أما الباقي فيعتقد أن المسبب كان التعرض للاستنشاق المباشر بحكم تعامل المصابين مع عينات المواد المعدية والمسببة لتلك الأمراض (3).
في سنة 1967 ثم الكشف على 428 حالة أصابه بفيروسات بسبب المعامل من مجموعة فيروسات Arboviruses وهذه المجموعة تظم عدة فيروسات ممرضة تنتقل للإنسان عن طريق الحشرات (arthropod-borne viruses) تشمل فيروسات الحمى الصفراء (yellow fever) وفيروسات التهاب الدماغ بأنواعها المختلفة (encephalitis)، معظمها كان بسبب التعرض لبخار أو غبار أو بقايا صغيرة جدا متطايرة من عينات قادمة للمعامل للتشخيص (Exposure to infectious aerosols) (4).
الإصابات الفطرية أيضاء ذكرت في عدة دراسات وكانت معظمها بسبب أخطاء بشرية من العاملين بمختبرات البحثية منها تناثر قطرات من مزارع فطرية على العيون (5) وخدش وحقن (6) مواد ملوثة عبر الجلد بفطريات ممرضة مثل Sporothrix schenckii أو إصابات الجهاز التنفسي بسبب تناثر العفن الطبي Blastomyces dermatitidis و Histoplasma capsulatum (8,7).
اللامبالاة كانت السبب وراء إصابة خمسة أشخاص بمرض التهاب السحايا وذلك عندما حُضر مستحلب من الميكروب (Neisseria meningitidis) خارج حجرة العزل (safety cabinet) وكان ذلك قبل سبع أيام من ظهور أعراض المرض (9). والإصابات المعملية الطفيلية (Laboratory-acquired parasitic infections) لم تكن استثناء من ذلك وخاصة بالدول النامية، وفي دراسة تمت مناقشة 164 حالة إصابة طفيلية للعاملين بمجال المختبرات الطبية (10)، من حيت الأسباب التي آذت إلى ذلك. إصابات شملت أمراض طفيليات مثل Leishmaniasis, Malaria, Toxoplamosis, Trypanosomosis فكانت نسبة الإصابة نتيجة حوادث عارضه والخطاء في التعامل مع العينات 64 % (105 حالة) والباقي كان نتيجة إصابات بمواد حادة ملوثة مثل الإبر وغيرها بسبب ضعف الناحية المعملية العملية للمشتغلين (poor laboratory practices) .
التعامل اليومي على مدى ثماني ساعات مع سوائل وأنسجة ودماء المرضى الملوثة (hazardous agents) يجعل من هذا الوظيفة الأكثر خطورة مهنية وأكثر تعرضاً للأمراض. الأخصائيين والفنيين والطاقم التمريض المساعد والعاملين في معامل ومختبرات التحاليل الطبية اكتر عرضة للإصابات بمرض السل بخمس مرات بالمقارنة بالوظائف الأخرى كما جاء في دراسة بريطانية شملت على21 ألف عامل بمجال المختبرات وكذلك الحال بالنسبة لأمراض مثل الالتهابات المعوية والتهابات الكبد الفيروسي البائي والجيمي والتي تعتبر من أكثر إصابات العمل بهذا المجال (11).
|
|
|
دراسة عن الإصابات المهنية بفيروس الإيدز (occupationally acquired HIV infections) للعاملين بمجال الصحة شملت معظم بلدان العالم ذكرت أن العاملين بمعامل التحاليل الطبية ثاني مهنة بعد التمريض في عدد الإصابات بالفيروس الإيدز بنسبة 21% وذلك بسبب تعرضهم لجرعات كبيرة من الفيروس بواسطة أخطاء عند الحقن والتعامل مع عينات المرضى (12,13).
بالمقارنة مع عدد الأبحاث والتي تؤكد تلك الإصابات، لم يتم إثبات وبصورة نهائية وقاطعة وجود خطورة وتحديد لسلامة الأفراد المحاطين وأسرهم والبيئة من قبل العاملين بالمختبرات الطبية والبحثية، حيث قام باحث (14) بمركز الوقاية والتحكم بالأمراض بالولايات المتحدة بدراسة 109 شخص بالمعامل أصيبوا خلال العمل في الفترة من سنة 1949 ألي 1973 فلم يتم إثبات آي حالة عدوى ثانية (secondary cases) للأسر أو الأفراد المحيطين بهم، مع إن دراسات أخرى توالت أكدت غير ذلك وأثبتت حدوث ثلاث حالات عدوى ثانية بمرض الجدري سنة 1973 و 1978 بسبب المعامل (15)، وإصابة ستة عاملين بمغسلة عامة بمرض الحمى Q (Q fever) بسبب تنظيف ملابس أحد الأخصائيين (Rickettsiologist) بمختبر كان يتعامل مع ميكروب الركتاسيا المسبب لهذا المرض (17,16).
الخبراء يؤكدون أن حوالي 90% من حوادث الإصابات خلال العمل بالمختبر ناتج من الأخطاء البشرية والتي من الممكن تفاديها وان فقط 10% بسبب أخطاء تجهيزات وآلات معملية.
هناك عدة طرق يدخل بها الميكروب لجسم العاملين بالمختبرات في حالة حدوث تلك الأخطاء البشرية أولاها وأخطرها عبر الوخز بالإبر أو جرح الجلد بمواد حادة مثل المشارط أو بقايا زجاج مكسور ملوث وثانيا عبر الأغشية المخاطية تم الاستنشاق وأخيرا البلع، ففي الولايات المتحدة الأمريكية مثلا تسجل سنوياً ما يقارب من 800 – 7500 أصابه وخز إبر للعاملين في معامل التحاليل بالمستشفيات ينتج عنها حوالي 2 – 15 أصابه بفيروس التهاب الكبد البائي (18) والحالة آسوا بالنسبة لفيروسات الكبد الجيمي.
بالإضافة للإصابة داخل المعمل هناك إمكانية الإصابة بالعدوى الميكروبية خارج المعمل عند تعرض الأفراد للمخلفات الطبية الخطرة من تلك المختبرات وذلك بسبب الإهمال وعدم التخلص السليم منها. ففي أواخر الثمانينات ازداد الوعي على مستوى العالم بمخاطر ما يعرف بالمخلفات الطبية وازدادت الدراسات للبحث على طرق سليمة أمنه للتخلص من تلك النفايات لسلامة العاملين بالمرافق الصحية والأفراد المحاطين والبيئة بصفة عامة لما قد تسببه من أضرار وأوبئة سريعة للانتشار.
مخلفات المختبرات الطبية الخطرة (Biohazardous Laboratory wastes) متنوعة منها الصلبة والحادة مثل الإبر والحقن والمشارط الملوثة ومنها السائلة مثل الدم والبول وسوائل الجسم الأخرى (السائل المنوي، البصاق، سائل الحبل الشوكي وغيرها) ،وأنسجة وأعضاء بشرية أخذت خلال العمليات لأجراء الفحوصات الباثولوجية عليها ، مخلفات مزارع البكتيرية، مخلفات منتجات البكتيرية والفيروسية والفطريات من مواد استخدمت لنقل أو زرع أو كشف عنها، مخلفات الأجهزة والمعدات وأخيرا المواد التي على التماس مباشر بالعينات مثل القفازات البلاستكية مناديل الورق وغيرها.
جعل المختبر مكان آمن ليس صعب ، فقط هناك عدة أمور يجب على العاملين الأخذ بها لسلامتهم وسلامة آسرهم وسلامة البيئة المحيطة بهم منها على سبيل المثال:
أ- يجب على العاملين بالمختبرات الطبية الإلمام بالتخصص (وبالأخص معامل الأحياء الدقيقة الطبية) ، ودلك لمعرفة المتخصص بالسلامة المهنية المعملية وكيفية التعامل مع العينات الطبية.
ب- المهارة مطلوبة عن التعامل مع العينات الخطيرة فضعف الناحية العملية العلمية (poor practices) لدى المشتغل بالمختبر يضع نفسه والعاملين معه والمكان في خطر.
ت- التعامل السليم واحترام والحذر مع استلام كل عينة مريض.
ث- العقلانية وعدم التسرع عند التعامل أو أجراء التحاليل لعينات المرضى والابتعاد عن كل ما يشوش الذهن والتركيز حيينها.
ج- اختيار المكان المناسب لإنشاء معمل، فالمختبر يحتاج ألي عدة أمور منا التهوية، الإضاءة، منافذ الخروج ، وتصريف صحي وغيرها.
ح- فصل أقسام المختبر أي لا يجوز دمج كل التخصصات في حجرة واحدة، أي معمل خاص بالأحياء الدقيقة ومعمل خاص بالكيمياء السريرية ومعمل خاص بالدم وهكذا.
خ- ضرورة وجود بعض التقنيات الخاصة عند التعامل مع العينات كوجود كبائن خاصة مزودة بالات شفط الهواء ومعزولة عن بقية المعمل لتعامل مع العينات الأكثر خطورة والتي من الممكن انتقالها عبر الهواء (airborne pathogen) مثل عينات المتوقع وجود ميكروبات مرض السل بها.
د- التخلص السليم من المخلفات الطبية الناتجة خلال العمل من بقايا عينات وحقن وإبر ملوثة بالطرق السليمة من تصنيف ونقل والتخلص منها بدون أضرار للبيئية والأفراد العاملين والمحيطين بهم.
ذ- معالجة بعض المخلفات الطبية قبل رميها ونقلها للمكب ليتم التقليل من خطورتها باستخدام طرق التطهير بالمواد الكيميائية بكميات مدروسة والتعقيم بواسطة الحرارة والضغط وغيرها.
ر- ضرورة وجود جهة ذات سلطة قانونية يمكن لها الاستعانة بمختبر مرجعي لمراقبة معامل التحاليل من حيت السلامة المهنية للأفراد العاملين والمحيطين والبيئة .
ز- تثقيف العاملين بمجال المختبرات الطبية بطرق الوقاية والسلامة المعملية وكيفية التعامل مع العينات كل حسب درجة خطورة تلك المواد وكيفية التعامل مع التجهيزات المعملية كمواد الحادة وغيرها.
الشيء المتعارف عليه من الباحثين في هذا المجال انه من الصعب تحديد وحصر عدد حالات الإصابات بسبب معامل الأحياء الدقيقة في حالة الإصابة المهنية للعاملين (occupational exposure) داخل المعمل أو للأشخاص المحيطين بهم ويرجع ذلك في انعدام وجود لوائح وإجراءات تنظم مثل هذه الإصابات وتحصرها، كمية المعلومات التي لدينا بخصوص العدوى المكتسبة من المعامل (Laboratory-Acquired infection) داخل الجماهيرية والمتوفرة قليلة ويحتاج هذا الحقل المزيد من الدراسة والبحث
R
ساحة النقاش