فلما اقترب فرعون رفع بنو إسرائيل عيونهم، وإذا المصريون راحلون وراءهم, ففزعوا جدا, وصرخوا بنو إسرائيل الى الرب. وقالوا لموسى " هل لأنه ليست قبور في مصر أخذتنا لنموت في البرية؟ ماذا صنعت بنا حتى أخرجتنا من مصر؟ أليس هذا هو الكلام الذي كلمناك به في مصر قائلين: كف عنا فنخدم المصريين؟ لأنه خير لنا أن نخدم المصريين من أن نموت في البرية." فقال موسى للشعب: "لا تخافوا قفوا وانظروا خلاص الرب الذي يصنعه لكم اليوم. فإنه كما رأيتم المصريون اليوم لا تعودون ترونهم أيضا الى الأبد. الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون" (خروج14: 11-13)

في هذا المقال لن أتكلم عن تطبيق على المستوى الفردي في التغيير الثوري، ولكن على مستوى الجماعة، واضعاً في ذهني نتيجة الاستفتاء الدستوري الذي خرج كل الناس عن بكرة أبيهم ليقولوا كلمتهم فيه.

المحللون السياسيون قالوا إن الإجابة الصحيحة هي لا، وجاءت النتيجة (نعم)، وانتابت حالة من الإحباط والخوف شعبنا. بل البعض انتابه هلع حتى أن خادمة صرخت وقالت:- 

<!--سوف يجبروننا على أن نلبس الطرح في خلال عشر سنوات!!

جماعة جاءتها هستريا الخوف، لمجرد توقع لم يحدث،وهذا في حد ذاته يحتاج الى تغيير في النظرة والرؤى، وفهمنا لعمل الله. 

إذا رجعنا للوراء منذ 25 يناير سنجد من يريد قتل الثورة ومحاولاتنا للتغيير، فينشر الخوف والهلع كنتاج لعملية التغيير هذه. 

منذ البداية وعليك أن تغلق الأبواب جيدا وأنت نائم، وعلينا تكوين لجان شعبية للحماية، ومع ذلك من الممكن أن يجتاز هؤلاء الأشرار الذين يهددوننا كل اللجان الشعبية  التي تحمينا ويحاولون اقتحام المنزل. لقد حدث بالفعل أن دخل بعض المغرضين وذبحوا الآمنين في الليل، كل هذا لكي تتراجع عن موقفك تجاه التغيير، وأيضا نتيجة الاستفتاء محاولة لأقناعك أن التغيير نفسه وهم.

كل هذه الأحداث تذكرني بذلك السيناريو الذي واجهه موسى وهو يقود شعبه نحو الحرية، لنتأمل هذا الحدث:-

خطر في الخلف

لقد أراد الله أن يحرر شعبه القديم من عبودية  شعب مصر ... ذلك الشعب الذي ظل عبداً له بضعة مئات من السنين... منذ وفاة يوسف بن يعقوب وتولى حكم مصر أسرة أخرى غير الأسرة التي كان يحكم في ظلها الصديق يوسف... وبهذا تحول شعب الله القديم إلى شعب عبد يخدم المصريين... وصرخوا إلى الله... وأرسل لهم الله نبيه موسى لكي يقود ثورة تخلصهم... ويخرج بهم من أرض مصر... وبعد عجائب عظيمة خرج الشعب... ولكن ها هو جيش مصر يطارده. لا يريد له الحرية , ولا الكرامة... يريد أن يظل عبدا في مصر... تجمعت المصالح ضد شعب الله  فكان خطر رهيب في الخلف... جيوش عظيمة تطاردهم... وهم مساكين  ... لا يملكون السلاح المناسب... ومعهم نساؤهم وأطفالهم وشيوخهم...  فكان من الطبيعي أن ينتابهم الفزع فالموقف خطير وخاصة  أن البحر من أمامهم  والعدو من خلفهم.

فزعوا جدا ...

     الوضع بالفعل يثير الفزع... ولكن ما هو الحل الأمثل لشعب خائف ومحاصر بالأخطار من جميع الاتجاهات،  لو سلكوا بصورة إيجابية كان من الممكن أن:-

<!--يتذكروا الماضي القريب

ذلك الماضي الذي فيه اختبروا قوة الله ومعونته. ففي أيام قليلة شاهدوا الضربات العشر على الشعب الوثني وشاهدوة قوة الله بالمقارنة مع قوة السحر المصري... لقد كانوا دائما في المركز الأقوى بمعونة ذلك الإله الخالق الجبار.  هناك شئ آخر كان من الممكن أن يفعلوه إيجابيا

<!--أن يصرخوا الى الله ويطالبوه بالتدخل

هو وعد بأن يرافقهم... وفي الأعداد القليلة التي في الأصحاح السابق لذلك الأصحاح  من سفر الخروج  كتب يقول " كان الرب يسير أمامهم نهارا في عمود سحاب ليهديهم في الطريق، وليلا في عمود نار ليضىء لهم لكي يمشوا نهارا وليلا, لم يبرح عمود السحاب نهارا وعمود النار ليلا من أمام الشعب " خروج 13: 21-22

إنهم يرون رفقة الله معهم سواء نهارا أوليلا... ولديهم تاريخ فيه انتصر الله على شعب مصر، فلماذا التذمر... لقد نسي الشعب كل هذا, وسلكوا بسلبية شديدة ... فماذا فعلوا

<!--تذمروا على موسى

وتلك كانت عادة الشعب القديم  الذي  ما أن يقع في مشكلة حتى يتذمر على قادته فورا... لقد عانى منهم القادة كثيرا بسبب هذا... فقد كان هؤلاءالقادة كبش فداء لأي شيء يحدث... الشعب لم يكن لديه أي استعداد للفهم أو للإيمان

<!--قالوا مرحبا بالعبودية

ليس هناك أسوأ من شعب يفضل العبودية على الموت... الله خلقنا أحرارا... وهو يريد مستقبلاً حراً لشعبه... أما الشعب فمع هبوب العاصفة يريد أن يرجع إلى العبودية... والظلام

عزيزي

هذا المقال هو بمثابة تحذير لك، هل تعاني في الوقت الحالي من عواصف وأخطار رهيبة ... خوف وإحباط بسبب توقع من الثورة لم يحدث؟!!

انظر الى الله ، تطلع الى الأمل الوحيد... ربما يكون من أهداف الله أن يصقلك ويحولك مثل الذهب النقي فأوقعك في هذه المحنة الرهيبة. هل تعاني وتتألم. ثق أن هذا الألم وهذه المعاناة هما بسماح من الله لأنه يريد الأفضل في النهاية... هو يتابع المشهد وممسك بكل الأمور في يده . ضع ثقتك فيه  واتكالك عليه لأنه هو يعتني بك... ربما لا ترى السحابة أو عمود النار ولكنهما موجودان لحمايتك... وكل ما يحدث بسماح منه. تأكد أنه ليست هناك قوة يمكن أن توازي أو تعادل قوة القدير العظيم . وهو يعتني بك...

بدون رؤية فرعون... لا مجال لرؤية خلاص الرب

هل فكرت في هذا الأمر؟  لا يمكن أن تختبر قوة الله ولا خلاصه إلا إذا وقعت في محنة عظيمة وتجربة رهيبة. لنتأمل الشعب القديم ... الشعب لم يعرف قوة ولا قدرة الله بدون مواجهة فرعون "ولقد كانت مواجهة فرعون قراراً إلهياً  وليس قرارا فرعون نفسه، فلقد سبق وقال الله لنبيه موسى " وأشدد قلب فرعون حتى يسعى وراءهم، فأتمجد بفرعون وجميع جيشه، ويعرف المصريون أني أنا الرب" خروج 14: 4

هي رسالة موجهة للطرفين إذاً... موجهة  لشعب الله القديم ولشعب مصر القديم أيضا... لقد أراد الله أن يعلن لشعبه القديم أنه  ليس هناك عظيم مثله ... و أراد أن يعلن للمصريين أن كل آلهتهم بعظمتها وقدرتها وسلطانها هي خدعة كبيرة... وهي أضعف من أن تواجه الله.... حسنا قال النبي إيليا في يوم من الأيام حينما صرخ في وجه الشعب:- " لماذا تعرجون بين الفرقتين إن كان البعل  هو الله فاعبدوه، و إن كان الرب هو الله فاعبدوه، أما أنا و بيتي فنعبد الرب"

هو يقاتل عنكم

ربما نحن لا نرى ما يفعله الله... ولكنه لا ينام ولا يغفل، لا يمكن أن تزيد الأمور عن الحد الذي يسمح به، ففي الوقت المناسب فصل بين الفريقين.  لنقرأ الكلمة المقدسة: " فدخل بين عسكر المصريين و عسكر إسرائيل، وصار السحاب والظلام وأضاء الليل فلم يقترب هذا الى ذاك كل الليل" خروج 14: 20

<!--فصل بين القوات

ذلك الفصل الذي من خلاله تعطلت القوة الضاربة والتي هي فرعون ليضطر أن يسكت طوال الليل وينام منتظرا حلول ضوء النهار... ولكن الله لم يكن في حاجة إلى هذا الانتظار... لذلك أثناء هذه الهدنة الإجبارية أمر الله موسى أن يمد يده إلى البحر

<!--موسى ينفذ الأمر الإلهي

يقول الكتاب المقدس:-" ومد موسى يده على البحر، فأجرى الرب البحر بريح شرقية شديدة في كل الليل، وجعل البحر يابسة وانشق الماء " خروج 14: 21 . لقد أرسل الله ريحا شرقية شديدة كل الليل،  تلك الريح التي صنعت طريقا وسط البحر  ليدخل شعب إسرائيل وسط البحر على اليابسة... وليكون الماء (سور حماية لهم ) على اليمين واليسار ...

<!--الكل نائم ولكن الله يعمل

فالله هو من هيج الريح لتكون سلاحا مع شعبه ضد المصريين،  والله هو من جعل المصريين يمشون وراء إسرائيل بثقل، وأزعجهم، فتقول الكلمة المقدسة:- " وخلع بكر مركباتهم حتى ساقوها بثقله فقال المصريون نهرب من إسرائيل لأن الرب يقاتل المصريين عنهم" خروج 14: 25... وفي النهاية شعر المصريون بخوف غير مبرر  لأنهم كانوا خلف  شعب الله مباشرة في البحر  ... هو الله الذي يعمل ... والذي أعلن عن نفسه ليعارف المصريين بقدرته وعظمته ويخافون منه. 

<!--النصر والخلاص من المشكلة هو النهاية الحتمية

لأن البحر الذي كان بالنسبة لشعب الله سور حماية لهم عن يمينهم وشمالهم هو نفسه الذي كان أداة موت بالنسبة للمصريين ... لذلك يقول الكتاب المقدس:-  " فخلص الرب في ذلك اليوم إسرائيل من يد المصريين ونظر إسرائيل المصريين أمواتا على شاطئ البحر. ورأى إسرائيل الفعل العظيم الذي صنعه الرب بالمصريين ، فخاف الشعب الرب وآمنوا بالرب وبعبده موسى.

 

عزيزي

من جديد أقول لك: هل أنت في مواجهة الخطر؟ ثق في الله... كل هذه الأمور بسماح منه، وفي يده مقاليد كل الأمور... وهو أيضا يعمل ... دون أن ترى و دون أن تعرف كيف... ولكن ثق أنه يعمل... وسيأتي الوقت الذي فيه سترى خلاص الله من مشكلتك فتمجد وتسبح الله العظيم القدوس... فقط انظر إليه وانتظر.

 

 

المصدر: تاليف: عماد حنا
  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 487 مشاهدة
نشرت فى 30 إبريل 2011 بواسطة emadhanna

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

10,998