المكافحة المتكاملة
حاول الإنسان جاهداً منذ قديم الزمان مكافحة الآفات الزراعية التي تضم الحشرات والقراد والأكاروسات والقوارض والكائنات الممرضة من فطريات وبكتريا وڤيروسات ونيماتودا، وكذلك إبادة الأعشاب الضارة وغيرها من الكائنات التي تسبب أضراراً وتؤدي إلى نقص إنتاج المحاصيل وتدني نوعيتها. تركزت هذه المكافحة على الحشرات التي شاركت الإنسان في غذائه ومعيشته، كما اعتمدت في الماضي على العوامل الطبيعية والطرائق الزراعية، وسخّر الإنسان في مرحلة متقدمة علوم الكيمياء والمبيدات والوراثة لمكافحة الآفات. وقد حققت المكافحة الكيمياوية باستخدام المبيدات نجاحاً كبيراً مع نهاية الأربعينيات؛ إذ استُخدمت على نحو كثيف وصارت تمثل الطريقة الوحيدة في المكافحة في معظم دول العالم، ومن ثم بدأت تظهر النتائج السلبية لاستخدام هذه المبيدات فانتشرت سلالات من الآفات المقاومة لفعل المبيدات وتحول كثير من الآفات الثانوية إلى آفات رئيسة نتيجة خلل التوازن الطبيعي والقضاء على الأعداء الحيوية من مفترسات وطفيليات، إضافة إلى تراكم متبقيات المبيدات في الأغذية والأعلاف؛ مما أدى إلى أضرار صحية كبيرة عند الإنسان والحيوان، وإلى زيادة كبيرة في تكاليف إنتاج المبيدات وصناعتها.
في ضوء ما سبق عرضه، طُرح تطبيق أسلوب جديد في المكافحة في بداية السبعينيات يعرف بالمكافحة المتكاملة للآفات (IPM) integrated pest management.
وقد عرّفتها منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (FAO) عام 1973 أنها أسلوب بيئي شامل يعتمد على استخدام جميع الوسائل الطبيعية والأعداء الحيوية للآفات من مفترسات وطفيليات، وكذلك من مسببات الأمراض ووسائل المكافحة الزراعية التطبيقية والكيمياوية والأصناف المقاومة؛ لتغيير أو تحوير وسط معيشة الآفة، وذلك باستخدام أفضل التقنيات متكاملة أو فرادى في مكافحة الآفات المختلفة لخفض أعدادها، وكل في وقته المناسب إلى مستوى أقل من الحد الحرج الاقتصادي.
أهداف المكافحة المتكاملة
تهدف هذه المكافحة إلى خفض أعداد الآفة إلى مستوى آمن أقل من مستوى الضرر الاقتصادي وتوفير الغذاء للأعداء الحيوية وعدم حدوث تغيرات ضارة في النظام البيئي وذلك باستخدام المبيدات العالية التخصص وذات التأثير الضعيف في الحشرات النافعة، وباستخدام التقنيات الزراعية والحيوية التي تؤدي إلى تخفيض عدد مجتمعات الآفة، مع الأخذ بالحسبان الحفاظ على الأعداء الطبيعية (مفترسات، طفيليات، مسببات الأمراض) وتحقيق التوازن العددي بين الأعداء الحيوية والآفات الضارة.
يعتمد برنامج المكافحة المتكاملة على مرحلتين:
- في المرحلة الأولى: تُختار الوسائل التي تؤدي إلى خفض عدد مجتمعات الآفة إلى المستويات التي تتحملها الزراعات مع الحفاظ على أعلى إنتاجية ممكنة من المحصول وبمواصفات جيدة، ويتطلب ذلك استعمال المبيدات بطريقة سليمة ومتكاملة مع غيرها من الطرائق ليعدّ فيما بعد نموذجاً أو برنامجاً للإدارة المتكاملة.
- وفي المرحلة الثانية: يحافظ على المستويات السابقة وعلى تدني تقلباتها بما لا يتعدى الحد الحرج الاقتصادي، ويتطلب ذلك معلومات مستمرة عن تأثيرات التغيير بالنظام البيئي في مجتمعات الآفة والحشرات النافعة.
عوامل نجاح المكافحة المتكاملة وأساليبها المختارة
يتطلب نجاح برامج المكافحة المتكاملة المعرفة التامة بالعوامل البيولوجية والبيئية الرئيسة للنظام البيئي الزراعي وهي:
1- العوامل الحيوية المتعلقة بالأنواع الضارة، مثل الكثافة العددية، القدرة على التكاثر والانتشار، درجة الضرر، وغيرها، وتوافر الحشرات النافعة وكفايتها (متطفلات، مفترسات).
2- العوامل اللاحيوية المناخية، مثل الحرارة والرطوبة والإضاءة والرياح.
3- العوامل المتعلقة بالنبات، مثل النوع والصنف ومرحلة النمو ولاسيما خدماته الزراعية (المبيدات، الأسمدة، منظمات النمو).
4- العوامل الاقتصادية المتعلقة بقيمة المحصول والجودة والتكلفة ومتطلبات الأسواق، والحدود الاقتصادية الحرجة لاتخاذ قرار المكافحة.
5- العوامل التقنية المتعلقة بتوفير مختصين في المكافحة من ذوي الخبرة والتدريب الجيد، وكذلك توفير التجهيزات الضرورية للعمليات العلمية والتطبيقية، مثل التنبؤ وأخذ العينات وحصر الإصابات وتعدادها، واعتماد الحدود الاقتصادية الحرجة للآفة، وذلك لاتخاذ قرار المكافحة.
يختار أسلوب المكافحة المتكاملة لآفة معينة وفق الخطوات الآتية:
- التعريف الدقيق للآفة وتحديد بلد منشئها.
- الإلمام الدقيق بالصفات البيولوجية للآفة ودراسة سلوكها وخصائصها البيئية في أماكن انتشارها وأضرارها وعوائلها النباتية ودرجة التخصص والبيات الشتوي، وبالمكافحة الطبيعية.
- دراسة الكثافة العددية للآفة وتقدير مستوى الضرر للتدخل في عمليات المكافحة، ويمكن الاعتماد على عدد البيوض أو اليرقات على النبات، أو عدد الحشرات الكاملة أو العذارى. أو بدراسة مظاهر الإصابة أو الأضرار، وهناك طرائق عدة يعتمد عليها لدراسة الكثافة العددية وتعيين مستوى الضرر، منها الاعتماد على مصائد الشفط واللاصقة والضوئية والغذائية والجنسية، وغيرها.
طرائق المكافحة المختلفة
1ـ المكافحة الحيوية biological control: يعد استخدام الأعداء الحيوية من الوسائل المهمة في المكافحة الحيوية ضد كثير من أنواع الحشرات والعناكب والآفات المختلفة، إذ إنها تنتشر طبيعياً في شروط التوازن البيئي وتحدّ من زيادة أعداد الآفة. لذلك لا بد من الحفاظ على الأعداء الطبيعية الحيوية وإدخالها حسب الحاجة. يتوقف النجاح النسبي لاستخدام أنواع الحشرات المفيدة في المكافحة الحيوية على عوامل عدة، منها الخصائص الحيوية (البيولوجية) للعدو الحيوي، مثل طول مدة حياته وخصوبته وقدرته في التفتيش على العائل، وكذلك تأقلمه مع الشروط البيئية.
2ـ المكافحة الزراعية: تعتمد هذه المكافحة على القيام ببعض الإجراءات في أثناء مدة إنتاج المحصول التي يمكن أن تؤدي إلى جعل الوسط البيئي غير ملائم نسبياً لتكاثر الآفات المختلفة. ولتحقيق أقصى الفعالية لابد من الإلمام الجيد بدورة حياة الآفة وسلوكها وعلاقتها بالعوائل النباتية ومنها: مواعيد الزراعة والحصاد والحراثة وقلب التربة وإزالة المخلفات النباتية، وتنظيم الري ووضع المصائد النباتية والتسميد واتباع الدورات الزراعية المناسبة واستخدام العوائل والأصناف النباتية المقاومة، مثل استخدام الأصول الأمريكية المقاومة لحشرة الفِلّكسرا الخطرة على الكرمة.
3ـ المكافحة الميكانيكية: وهي من أقدم طرائق المكافحة الفردية للآفة، إذ تعتمد على المعرفة الدقيقة بالعوامل البيئية والمواصفات البيولوجية للآفة، وعلى إمكان استخدام درجات الحرارة المرتفعة والمنخفضة والرطوبة والهواء الجاف، وكذلك على استخدام المصائد الضوئية والجاذبات والطاردات وإقامة الحواجز والمواقع والمصائد اللاصقة، واستخدام الجمع اليدوي أو الميكانيكي في التقاط أطوار الحشرات. ومن الطرائق المتبعة:
- القتل المباشر، مثل جمع لطع بيض دودة ورق القطن ويرقاتها وحرقها.
- استخدام السلك لإخراج يرقات حفار ساق التفاح من أنفاقها، أو جمع أكياس بيض الجراد وحشرات السونة وإبادتها. وتحتاج هذه الطريقة إلى توافر أيدٍ عاملة متدربة.
- استخدام الحرارة العالية، ولاسيما في إبادة حشرات المخازن أو الحرارة المنخفضة، مثل درجة الحرارة 4ْم التي توقف تطور فراشة درنات البطاطا المخزنة.
- تغطية التربة بالأغطية اللدائنية بهدف رفع درجة حرارتها وإبادة كثير من يرقات عذارى الحشرات والنيماتودا المنتشرة فيها.
- استخدام الحواجز المختلفة لمنع انتقال الحشرات، مثل منع هجرة دودة القطن بإحاطة الحقول بقنوات مائية، أو وضع الكلس الحي أو استخدام الحواجز الترابية حولها، كما يمكن منع انتقال حشرات المن التي تنقل الأمراض الفيروسية بوضع صفائح لزجة صفراء من البولي إتيلين حول حواف الحقول.
- وضع مواد لزجة حول سوق الأشجار لمنع تسلق اليرقات الخارجة من التربة على الأشجار.
- تعقيم التربة في البيوت المحمية بالهواء الساخن لإبادة كثير من الأعشاب والفيروسات والفطريات الممرضة وغيرها.
- استخدام المصائد الضوئية لجذب كثير من أنواع الحشرات للضوء، ولاسيما الحشرات الليلية النشطة، إذ يمكن استعمال هذه المصائد في الكشف عن الحشرات وتقدير مدى انتشار الآفات الجديدة وظهورها الموسمي ودرجة وفرة الحشرات، وتحديد مواعيد ظهور الأجيال وتقييم فعالية طرائق المكافحة، وكذلك تخفيض أعداد الحشرات. كما تستخدم مصائد الأشعة فوق البنفسجية مع الفورمونات الجنسية لاصطياد كثير من فراشات الحشرات الاقتصادية إضافة إلى طرائق المكافحة الأخرى المعتمدة في برامج المكافحة المتكاملة.
4ـ المكافحة الكيمياوية: تشمل مبيدات الآفات المستعملة، مثل المواد الكيمياوية العضوية أو غير العضوية بغرض منع انتشار الآفة أو إبعادها أو تقليل عددها أو تثبيطها أو إبادتها.
ولابد من الالتزام باستخدام المبيدات بحسب الوقت الذي تكون فيه الآفة في أضعف درجات ضررها، وحينما تخفق الوسائل الأخرى في تقليل أعداد الآفة ومنع وصولها إلى الحد الاقتصادي الحرج، أو باستخدام مبدأ اختيار المبيدات المتخصصة كما يأتي:
أ- الاختيارية الفيزيولوجية: وذلك باختيار المركبات المتخصصة بمفصليات الأرجل، ومنها هرمونات الحداثة ومانعات التطور والمبيدات الحيوية.
ب- الاختيارية البيئية: وتهدف إلى استخدام المبيدات بأقل عدد من المعاملات مع أقل جرعة ممكنة اعتماداً على جداول حياة الآفة وحينما تكون في أضعف درجة ضررها، مما يقلل التأثير في الطفيليات والمفترسات.
ج- الاختيارية السلوكية: وذلك بتوقيت استخدام المبيدات بما يناسب سلوكية الحشرات، و لحماية الحشرات النافعة ولاسيما نحل العسل، فمثلاً توقيت استخدام المبيد ميثيل باراثيون بعد اكتمال تفتح الأزهار يقلل من تأثيره السام في خلايا النحل. كما يجب الامتناع عن استخدام المبيدات الشديدة السمية للإنسان والحيوان والتحقق من مستويات متبقيات المبيدات في الأغذية والمحاصيل الزراعية وغيرها من مكونات البيئة الأساسية، أساساً لتعديل طريقة الاستعمال ولتدعيم نظام المكافحة المتكاملة.
5ـ المكافحة التنظيمية والتشريعية: تشتمل على القوانين التي تسنها الدولة لمنع دخول آفات أجنبية إلى البلاد أو انتقالها من منطقة إلى أخرى في البلد الواحد، مثل قانون الحجر الزراعي الذي يشمل جميع التدابير اللازمة للسيطرة على الآفات ومنع انتشارها بإجراءات المكافحة التنظيمية، كما يقيد حركة السلع لمنع دخول الآفات إلى البلاد أو تأخيرها واستئصال الآفات الغريبة أو إعاقة انتشارها أو حصرها في منطقة محددة، هذا إضافة إلى قوانين تنظيم بيع المبيدات وتداولها وطرائق استعمالها. ولاشك في أن ثمة فوائد كبيرة لهذه الإجراءات التنظيمية، ولاسيما للحدّ من تسرب الآفات المختلفة إلى مناطق جديدة.
الآفاق المستقبلية
تتجه اليوم الإدارة المتكاملة للآفات نحو استخدام مكونات تقنية حديثة والتي لا زال كثير منها قيد الدراسة ومنها:
1- استخدام المواد الجاذبة والطاردة في برامج السيطرة على الآفات وهي:
- الفرمونات: وهي مواد كيمياوية تختص بتوجيه بعض المظاهر السلوكية في الحشرات وتنظيمها وتُفرز من غدد خارجية في الحشرات، منها فورمونات الجنس والتجمع والبحث عن الغذاء وغيرها، وتتواصل الجهود لتصنيعها ولتحسين استخدامها في أنظمة المكافحة المتكاملة للآفات؛ إذ تستخدم اليوم في حصر مجتمعات الآفات الحشرية ومراقبتها لاتخاذ قرار المكافحة حين وصولها إلى الحد الاقتصادي الحرج.
- المواد الطاردة: وهي مواد كيمياوية تؤثر بأبخرتها أو بالملامسة في توجيه حركة الحشرة بعيداً عن مصدرها، وتشمل الزيوت والمستخلصات النباتية وبعض الكيمياويات. وتجدر الإشارة إلى أن استخدام المواد الطاردة للحشرات التي تتغذى بالنباتات لم يثبت نجاحها في برامج المكافحة المتكاملة باستثناء استخدام بعض المواد الطاردة للحشرات الزاحفة، مثل استخدام الكريزوت عائقاً في التربة لحماية حقول القمح والذرة، واستخدام بنتاكلورفينول الطارد للنمل الأبيض.
- مانعات التغذية: تشمل مجموعة متنوعة ومختلفة في التركيب الكيمياوي والمستخلصات النباتية، إذ تؤثر في حساسية الذوق عند الحشرة ويصبح النبات العائل غير مستساغ. ويزداد اليوم الاهتمام بمانعات التغذية لأنها تكفل الحماية للنبات ولا تضر الكائنات غير المستهدفة، وتتجه الدراسات نحو إيجاد النباتات المقاومة لهجوم الحشرات لاكتشاف مانعات تغذية جديدة.
2- التعقيم والمكافحة الوراثية: تعتمد المكافحة الذاتية على تعقيم الذكور بالتشعيع وإدخالها في المنطقة التي ستجري فيها المكافحة، وهكذا فإن الإناث سوف تتلقح من ذكور عقيمة ويتم تعقيم الحشرات بتعريضها لأشعة X أو أشعة غاما. ويمكن استخدام بعض الكيمياويات التي تعقّم الحشرات. وتعتمد المكافحة الوراثية على استخدام معاملات خاصة لإحداث تغير أو استبدال في المادة الوراثية والإقلال من المقدرة التناسلية للآفات الضارة.
3- منظمات النمو الحشرية: هناك نوعان من الهرمونات الحشرية هما هرمون الانسلاخ وهرمون الحداثة، وقد استخدم هرمون الحداثة لإيقاف تطور عدد كبير من الحشرات في حين لم يستغل بعد هرمون الانسلاخ تجارياً
نشرت فى 14 إبريل 2011
بواسطة elzeghaby
ابحث
تسجيل الدخول
attia radwan farag
نعمل على التقدم والتطويرفى مجال الزراعه فى مصر »
عدد زيارات الموقع
111,451
ساحة النقاش