دكتور السيد إبراهيم أحمد


تعودنا من القاع إلى القمة سواء في الهرم الاجتماعي، أو على المستوى المهني، أو على مستوى النخبة بحتمية خضوع وجهات نظرنا لعنوان كبير قد يكون حزبًا أو توجهًا أو شخصًا، ومن ثم يبدأ اللمز والغمز على تبنيك لموقف، أو عدولك عنه، أو انحيازك لضده، فبحسب نظرية الانضواء تحت لواء، أو الضلوع في جماعة سيفسرون كل مواقفك طبقًا لتعليمات صادرة ممن تنتمي لهم أو تغيير تكتيكي بناءً على ما تفرضه طبيعة المرحلة.
هذه المقدمة تأتي على خلفية الحوار الذ كان قد أجراه معي المحاور الجزائري القدير ياسين عرعار، ونشرته صحيفة "الحوار الجزائرية" وجاءت إجاباتي على أسئلته لا بلسان المقال ولكن بتوصيف الحال، أي حال المجتمع المصري في المشهد السياسي الأخير بعد الإطاحة بالرئيس المعزول مرسي لخروج معظم الشعب المصري عليه، ومؤازرة الجيش للشعب وتخليه عن الرئيس، وأصبح السؤال الحائر الدائر على ألسنة الداخل المحلي والخارج الدولي: هل ما حدث في مصر ثورة أم انقلاب؟!
جاء سؤال الأستاذ عرعار عن هذا التغيير الذي حدث أكان بالسلب أم بالإيجاب، خاصةً وأن معظم شعوب المغرب العربي بدت متعاطفة مع الرئيس المعزول باعتباره ممثلاً للتيار الإسلامي ويشهد بهذا من كان يتابع "قناة المغاربية"، فجاءت كلماتي إجابة عن سؤاله، وتوضيحًا للشعب الجزائري، فقلت: "الطبول تعزف لمرسي في ميدان رابعة، بينما تردد الحناجر بميدان التحرير أغاني النصر والتأييد للجيش وقائده العام الفريق الأول عبد الفتاح السيسي، والناس بينهما خلف شاشات التلفاز سكارى يترنحون بين التعاطف مع مرسي الذي يتألمون لمصيره وهم يقرون بأنه ساهم في صنعه نتيجة لسياساته غير الصائبة، وهذا هو الفصيل الذي يحتكم إلى العقل، بينما يصرخ المتعاطفون معه ويصرون على أن الرجل ظُلِمْ وأن العسكر انقلبوا عليه ويستميتون من أجل إعادته، ويعلمون أنها ليست أكثر من محاولة فاشلة، وهناك من ينتصرون للسيسي ويرحبون بصنيعه ولا يرون فيه شبهة انقلاب بل تأييد للشرعية الشعبية، فقد سقط مرسي لحنثه بالعهود والوعود، ولاسبيل من الاحتكام لشرعية الصندوق، وهناك قسم من الشعب يؤيد التغيير ولكنه يجد فيه مستقبلاً فوضويًا أمام كل رئيس قادم ..فلن يبقى طويلاً في حكمه الذي ستنتزعه منه دومًا الشرعية الشعبية، مما سيعرض الدولة لفوضي غير خلاقة بالمرة.
أما الحكم بالسلب أو الإيجاب فلا نستطيع الحكم عليه، فمازال غبار المعركة المحتدم يملأ سماء المشهد، مما يحجب الرؤية عن المؤيد والمعارض، خاصةً وأن أبواق أتباع مرسي والسيسي تنظم نفسها لاستلاب عقول وعيون المشاهدين كل ليلة.. بينما الناس كالمستجير من الرمضاء بالنار.. لايعرفون ماهو القرار الأصوب .. ويتركون مصائرهم بيد الله .. (يحلها من عنده، وربنا يولي من يصلح) .. وهي إشارة كبيرة تبين عدم تيقنهم مع من يقفون.. لعجزهم عن تقويم الواقع بالسلب أو الإيجاب".
لكن ما قلته لم يعجب بعضهم ورآني أمسك العصا من النصف؛ إذ لابد أن تكون أصابع كفي اليمنى تشير بعلامة رابعة، أو تشير بعلامة النصر انحيازًا لأي الفريقين، مع أن الواضح من سؤال الرجل أنه لم يسألني عن موقفي الشخصي الداعم لأيهما.
الآن أخرج من الخاص إلى العام، فهذا بالضبط هو الذي يعانيه من ينتمي للوطن ولاينتمي لمن يظنون أنهم يمثلون الوطن، الذي لايجدون حيلةً ولا بدًا من استفزازه عبر قنواتهم غير توجيه الشتائم والاتهامات وتوصيفه بــ "حزب الكنبة"، إذ لابد ــ في عرفهم ــ أن تكون مع أو ضد، ليس متروكًا لك أن تقول أن مرسي كان معه الحق في هذا الجانب وجانبه الصواب في هذه الجوانب، وتقول أن السيسي أحسن إذ فعل ما فعل، ولكن عليه اللوم في جوانب أخرى.
إذن فأنت يامن تتبنى هذا الموقف المتزن اللامنتمي، صرت عدوًا للقسمين الغالبين من الشعب، ولن يرضوا عنك؛ فالحياد في مصر الآن جريمة، والانحياز في مصر الآن حرب وجدال ونزال وعراك وانقسام، وكل فئة تدعو الله على الأخري وعيونهم على السماء تنتظر أن ترسل صواعقها إما على الجماعة الإرهابية أو أنصار الإنقلاب، ولم يبق إلا فئة صغيرة تنتمي إلى الوطن تسأل الله النجاة والرحمة والهداية لكل منتمي إلى غير الوطن، أولئك الذين يحسبون أنهم بأفعالهم تلك يحسنون صنعًا.
 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 77 مشاهدة
نشرت فى 17 يناير 2014 بواسطة elsayedebrahim

ساحة النقاش

السيد إبراهيم أحمد

elsayedebrahim
الموقع يختص بأعمال الكاتب الشاعر / السيد إبراهيم أحمد ، من كتب ، ومقالات ، وقصائد بالفصحى عمودية ونثرية ، وكذلك بالعامية المصرية ، وخواطر وقصص و... »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

61,355