صلى عليهم ربنا.. جل الثنا.. منه عليه.. وعز فوق العالمين.
السيدة سكينة.. فى كنف ضريحها بحى الخليفة بالقاهرة، مبعث الطمأنينة والسكون، سُميت على اسم جدتها، أم أعظم الأنبياء والمرسلين «آمنة بنت الحسين بن الإمام علي»، رضوان الله عليهم أجمعين، أمها رباب بنت أمرئ القيس بن عدى بن أوس، سيد بنى كلب، وكانت ولادتها سنة ٤٧ هـ.
لقبتها أمها بـ«سكينة»، لأن نفوس أهلها وأسرتها كانت تسكن إليها لفرط مرحها وحيويتها حتى قال فيها والدها الإمام الحسين، رضى الله عنه «نحبها لما لاح منها وهى طفلة من أمارات الهدوء والسكينة»، وقد غلب هذا اللقب على اسمها الحقيقي.
خرجت السيدة سكينة من المدينة فى الركب مع أبيها سنة ٦٠ هـ، قاصدًا الكوفة بعد أن ألح عليه أتباعه أن يجاهد بهم ضد الطغيان.. وبعد استشهاد الإمام الحسين وأصحابه فى كربلاء، ساق زياد ابن أبيه، السيدة سكينة وباقى نساء آل البيت إلى دمشق كسبايا، حيث راهن الخليفة يزيد بن معاوية، ثم كانت نهاية المطاف فى المدينة المنورة، وهناك أقامت مع أمها التى خطبت بعد فترة الحداد، فأبت أن تستبدل بالحسين زوجا ورسول الله صهراً، وقالت “ما كنت لأتخذ حما بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم”، وما لبثت أن ماتت بعد عام، حزنا عليه وعلى ولدها عبدالله، فأقامت السيدة سكينة مع أخيها الإمام على زين العابدين.
الشيخ سليمان محمود محمد خطيب وإمام مسجد السيدة سكينة، كشف أنها جاءت مع السيدة زينب إلى مصر، بعد موقعة كربلاء، فسكنت بهذا المكان الذى يوجد فيه الضريح، وهى إحدى بنات الحسين، لافتا إلى أن أهل مصر محبين لآل البيت حبا شديدا، ويتصف المصريون بحبهم وعشقهم الشديد لآل البيت، لأنهم يعلمون جيدا أنهم فرع شجرة النبوة، والرسول أوصى بمصر وأهلها وجندها خيرا، وأضاف “نعلم أن السيدة زينب دعت لأهل مصر: نصرتمونا نصركم الله، فنال المصريون الدعاء الطيب من السيدة زينب رضى الله عنها، وأهل مصر يعلمون أن حب آل البيت فرض، ونحن نصلى عليهم فى كل صلاة، اللهم صلى على محمد وآل محمد».
الشيخ سليمان يقول إن «سكينة النفوس كانت تبعث للناس راحة الصدور، فإذا أحزنهم أمرا نظروا إليها فوجدوها فى كامل سكينتها فتطمئن نفوسهم، واختلف الرواة والمؤرخون فى عدد أزواج السيدة سكينة، فقيل اثنان أو واحد، على أن جمهور الرواة يجمعون على ثلاثة هم مصعب بن الزبير ثم عبدالله بن عثمان بن عبدالله، ثم زيد بن عمر بن عثمان بن عفان».
وكانت السيدة سكينة سيدة المجتمع الحجازى الأول، فقد اجتمعت لها من الخلايا والسجايا ما جعل لها مركزاً عالمياً مرموقاً، فهى الأديبة الظريفة الجميلة، وكانت دائمة الاعتزار بنسبها، فقد جاء فى طبقات الشافعية عما شهدته السيدة سكينة، وكانت فيه بنت لعثمان بن عفان، فقالت العثمانية “أنا بنت الشهيد»، فأنكر المجلس أن تفخر بأبيها عن مسمع بنت سيد الشهداء، فى حين أمسكت سكينة صامتة لا تعلق إلى أن أذن المؤذن من مسجد الرسول للصلاة، فلما بلغ قوله «أشهد أن محمداً رسول الله»، التفت سكينة إلى بنت عثمان وسألتها :هذا أبى أم أبوك.. فقالت العثمانية لا أفخر عليكم أبداً».
عقدت السيدة سكينة الندوات العلمية، وتميزت بالأدب الرفيع والعلم الغزير والشعر الرقيق، فكم اجتمع ببابها من الشعراء يطلبون الأذن منها لينشدوها أشعارهم، واجتمع الفرزدق وجرير وجميل وكثير فى موسم الحج واتفقوا على الذهاب إلى مجلس السيدة سكينة يحتكمون إليها.. فأنشد جميل شعره.
لكل حديث بشاشة. وكل فتيل بينهن شهيد.. يقولون جاهد يا جميل بغزوة.. وأى جهاد غيرهن أرى.. وأفضل أيامى وأفضل مشهدى.. إذا هيج بى يوما وهن قعود.
وأنشأ لها المأمون البطائحى، وزير الآمر بالله الفاطمى، مزارا وبنى عليه قبة بعد سنة ٥١٠ هـ، وأشار له على مبارك فى خططه فقال «إنه أقيم فى مصر بحى الخليفة عن شمال الزاهد إلى القرافة الصغرى، وكانت فى بدايته زاوية صغيرة، ثم ألحق بالضريح مسجد أقامه الأمير عبدالرحمن كتخدا سنة ١١٧٣هـ (١٧٦٠م)، وعمل على الضريح مقصورة من النحاس سنة ١٢٦٦هـ، ثم أمر الخديو عباس حلمى الثانى بتجديده سنة ١٣٢٢هـ، وأصبح له ثلاثة أبواب غير الميضأة، اثنان على الشارع والثالث الباب المقبول فى الجهة القبلية يفتح على درب الأكراد، هذا المسجد يشتمل على ٦ أعمدة من الرخام ومنبر من الخشب النقى، والضريح مجلل بالبهاء والنور عليه تابوت من الخشب من داخل مقصورة كبيرة من النحاس الأصفر متقن الصنع من إنشاء المرحوم عباس باشا، ثم جددته وزارة الأوقاف».