تقرير: أشرف التعلبي

فجأة تتحول لحظات السكون في تلك القرية الهادئة إلى فوضى عارمة، مصحوبة بحالة من الهلع، تشتعل النيران تلقائيا في عشرات المنازل، والفاعل مجهول.. غياب التفسير المادي لتلك الحوادث دفع سكان قرية «هتيم الشمرات»، التابعة لمركز «أبوتشت»، شمال قنا، إلى اتهام الجان.. حكايات مرعبة لا تراها سوى في أفلام السينما، أضاف عليها الأهالي تفاصيل بعيدة عن الحقيقة وأقرب إلى المبالغات.

هذا الخوف من الجان فى تلك
القرية البسيطة شمال قنا، يؤكد ما كشفه الدكتور أحمد عكاشة مستشار الرئيس
وأستاذ الطب النفسى من أن ٧٠ فى المائة من المصريين يخشون العفاريت، فهذا
ما تؤكده قصة قرية الشمرات فأهل هتيم يرفضون أن يتقبلوا أى مبرر للحرائق
سوى غضب الجن ولا مكان عندهم لأى أسباب علمية، رغم أن علماء النفس
والاجتماع يؤكدون أن الأمر مجرد وهم أو كذبة تسيطر على عقول البسطاء.



الكثير من أهالي القرية فسروا تلك الظاهرة بأنها نتيجة لغضب «الجن الناري»، بسبب تنقيبهم عن الآثار، ما تسبب في اشتعال الحرائق في العديد من المنازل، وأمام حالة العجز عن التفسير، واستمرار الظاهرة، لجأ البعض إلى نقل أثاث منزله وحاجياته الثمينة إلى الشارع، أو إيداعها لدى أقاربه، في القرى المجاورة.



“رفاعي فاروق” يقيم وأسرته المكونة من ١٢ فردا بمنزل جارهم، بعد أن احترق منزله بالكامل، فلم تبق النيران سوى على حوائط دون سقف.



رفاعي، أكد دون تفكير أن الجان وراء الحرائق التي اشتعلت في منازل القرية «بيتي احترق في ١٠ دقائق فقط، كنت أتناول الغداء مع أسرتي، وفجأة اشتعلت النيران من الأرض إلى أن وصلت السقف، التهمت شقتي وشقة أخي وشقة أمي وإخوتي، كل شىء، لم يتبق إلا جذع باب وقف صامدا أمام النيران”.


رب الأسرة المكلوم، توقفت به آلة الزمن، ليسترجع سنوات عمره التي قضاها في شراء الثلاجة والبوتاجاز والسرير والدولاب.. مازال يتحسر على تلك الأشياء، مرجعا الحريق إلى فعل شيطاني، فالنار اشتعلت في الملابس داخل الدولاب بأحد المنازل.



صابر أحمد علي، مدرس بالقرية، لم يعرف النوم منذ عدة أيام، يتمنى أن يعود السلام والهدوء إلى وطنه الصغير، قريته التي سادها منذ أيام حالة من الفوضى جراء الحرائق.


صابر لا يعرف السبب، لكنه يؤكد أنها ليست جنائية، وكل الشواهد تؤكد ذلك، فهذا لا يحدث إلا من جن، فالنار اشتعلت في أكثر من عشرين منزلا بشكل غريب، النيران أكلت الذهب والأساس بالكامل في بعض المنازل.


مازال مدرس القرية يعتقد أن قريته تعيش كابوسا، وينتظر أن يستيقظ من النوم لتعود الحياة كما كانت من قبل، لافتا إلى أن أهالي القرية يعتمدون على زراعة القصب، ويبلغ تعدادهم أكثر من ٧ آلاف نسمة، مشيرا إلى أن كافة المنازل التي اشتعلت بها الحرائق بدأت فيها النيران من أسطح المنازل ما عدا منزلين، فهناك منزل اشتعلت النيران في الملابس بالدولاب بغرفة النوم.



مازال صابر يحمل «فرشته» كل مساء، وينام في الشارع حاله حال أهالي القرية، القلق أصاب الجميع، ولا أحد يعرف طعم النوم من كثرة الحديث والجدل الثائر حول أسباب الحرائق، الناس تؤكد أنه جن، وبعضهم يردد أنها لعنة الفراعنة التي أصابت القرية نتيجة البحث عن الآثار.



محسن أبوقمر، أجل سفره للعمل في المعمار بالقاهرة، خوفا على منزله، وطالب المسئولين بسرعة تشكيل لجنة للوقوف على أسباب الحرائق، التي لم تحدث للمرة الأولى، فسبق وأن حدثت منذ عدة سنوات بنفس الطريقة دون أسباب واضحة.



يقول أبوقمر: “الناس كلها تساعد في إطفاء الحرائق، لكن قريتنا مهمشة جدا، ولا أحد يهتم بها، والخدمات فيها معدومة، حتى إن المطافئ لا تدخل بعض الشوارع بسبب ضيقها، وكل البيوت بها قش، لاستخدامه في الأفران”.



أهالي القرية استدعوا بعض المشايخ الذين اختلفت رواياتهم، هناك من يقولون إنه “جن ساكن” وآخرون يدعون تسلط العفاريت كي يتركوا المنازل، ومنهم من أكد أن الجن غاضب ممن يبحثون عن الآثار.. شائعات كثيرة تردد الآن بالقرية ولا أحد يعرف الحقيقة.



وتشهد القرية اشتعالا مفاجئا للمنازل غير المتجاورة دون أى أسباب للحريق، ووصل عدد المنازل والأحواش المشتعلة أكثر من ٢٠ منزلا، مما أدى إلى تدمير عدد من المنازل بمحتوياتها، ولجوء أهالى القرية للإقامة بالشوارع خوفاً من إصابة أسرهم اعتقاداً منهم بأن الحرائق أعمال من الجن، مما دفعهم إلى ترديد التكبيرات وآيات القرآن الكريم من آن لآخر.



محافظ قنا اللواء عبدالحميد الهجان، يتابع موقف الحرائق بالقرية لحظة بلحظة، للوقوف على كافة التفاصيل، وبحث حالة المتضررين لمساعدتهم، وتبذل قوات الحماية المدنية بقنا برئاسة العميد سامح نسيم، قصارى جهدها لإخماد الحرائق، وعززت من تواجدها بشكل دائم في القرية لحين الانتهاء من تلك الحرائق.



خالد عويس، رئيس الوحدة المحلية لمركز ومدينة أبوتشت، يقول إن مجلس المدينة، شكل لجنة لمتابعة الحرائق لحظة بلحظة، ورصد الموقف بشكل دائم لتقدير الخسائر.



كما أن الشئون الاجتماعية تقوم بعمل معاينات على الطبيعة للمنازل المحترقة لسرعة صرف إعانات عاجلة، بالتنسيق مع جمعية مصر الخير لتقديم المساعدات للمتضررين، بالإضافة إلى التواصل مع مؤسسة أهل مصر ببني سويف وهى مؤسسة مسئولة عن تأهيل المنازل، لإعادة تاهيل المنازل المتضررة من الحرائق.



رئيس مجلس المدينة أكد أنه طبقا للجنة المعاينات، هناك ١٣ منزلا فقط تعرضوا لحرائق، وسيتم مساعدتهم، وكشف أن من بين الحالات المتضررة المواطن عثمان عبدالرازق سليمان، الذي يبلغ ٤١عاما، ولديه ثلاثة أبناء بالتعليم ودخله لا يزيد عن ٧٠٠ جنيه شهريا، كما أنه يعانى من ضعف الإبصار، ويحتاج لتوفير أثاث بدلا من الذي التهمته النيران، بالإضافة إلى حكم إبراهيم عبدالله، ٦٠ عاما، أرملة، ولديها ابنة مطلقة، ودخل الأسرة ٧٢٣جنيها، وتعاني الأم من السكر والضغط.



رئيس مجلس المدينة أوضح أن التقارير الأمنية أكدت أن الحرائق بدون أسباب معلومة، لكن نستطيع أن نقول إن الأحواش المليئة بروث الحيوانات والقش تتفاعل مع الجو والبيئة فتنتج غاز الميثان الذي يشعل الحريق، وهذا غير مؤكد، مشيرا إلى أن الأهالي يتهمون الجن بإشعال الحرائق، لكن هذا غير صحيح، وسوف يتم تشكيل لجنة للوقوف على الأسباب الحقيقية.



د. سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية، يوضح الظاهرة فيقول: “دائما تنتشر أسطورة الجن والعفاريت في المناطق العشوائية والريفية البسيطة، ولا نسمع في أمريكا وأستراليا أو كندا عن هذه العفاريت، وبعض القري البسيطة تؤمن بهذه الخرافات والعفريت الأرزق والجن ولعنة الفراعنة وغيرها.



هناك أسباب علمية وراء كل ظاهرة، ويمكن تفسيرها من خلال رصد وبحث هذه الأسباب العلمية، وبالنظر يتضح أن الأهالي يخزنون القش وغيره من المواد القابلة للاشتعال، وقرى الصعيد شديدة الحرارة.



والحديث بشكل دائما أن كل مشكلة أو ظاهرة وراءها الجن والعفاريت غير منطقي، وينتشر في المجتمعات البدائية، التي لا تنظر للعلم بمنظور صحيح.



الدكتور نادر نور الدين، الأستاذ بكلية الزراعة في جامعة القاهرة، كشف عن أن فكرة إشعال غاز الميثان لا يحدث بدون تنظيم، لأنه يحتاج أن يتم تخزين روث الحيوانات في حفرة واحدة كبيرة، ويتم قفلها ليتم استخراجه إلى غاز.


غاز الميثان غاز سام، وهو أحد أنواع الانبعاث التي تنتج عن تغييرات المناخ.. أرجع الدكتور نادر ظاهرة اشتعال الحرائق إلى تسرب غاز كلور أو غاز طبيعي.



لكنه أكد ضرورة تشكيل لجنة علمية من أكاديمية البحث العلمي ومختصين بهذه الظواهر لبحث أسباب الظاهرة والكشف عن احتمالية وجود تسرب غاز.

elsayda

بوابة الصعايدة

رئيس التحرير: أشرف التعلبي

elsayda
نحارب الفقر- المرض- الامية -الثأر... هدفنا تنوير محافظات الصعيد- وان نكون صوت للمهمشين »

تسجيل الدخول

بالعقل

ليس كافيا أن تمتلك عقلا جيدا، فالمهم أن تستخدمه جيدا