جاء تنفيذ مشروع سد النهضة الاثيوبي بمثابة اعلان حرب علي مصر وعلي مستقبلها المائي والزراعي والاستثمار خاصة وأن أثيوبيا لا تحتاج الي مياه النيل فحصتها الطبيعية من المياه تقدر بحوالي 123 مليار متر مكعب في العام. وحصة مصر 55.5 مليار متر مكعب فقط .. ويبدو أن سيناريو اعلان مصر الحرب قد بات غير بعيد عن الاذهان في ظل العديد من التقارير التي تكشف عن خظورة المشهد ؛ فأثيوبيا تصر علي انشاء هذا السد باستثمارات اسرائيلية لتبني امبراطورية للطاقة الكهربائية في العالم وتصدر منها كما تشاء واختارت اثيوبيا هذا التوقيت مستغلة الارتباك السياسي في مصر وتخبط الحكومة وضعفها لتضع مصر أمام خيارين اما الحرب أو التفاوض وهو ما يجعلنا نستدعي كلمات الرئيس الراحل محمد أنور السادات حين قال ان مصر لن تدخل حرباً ثانية إلا إذا كان من أجل المياه.. ويبدو أن كلمات السادات باتت علي وشك التحقق ؛ والطريف أن الحكومة الاثيوبية نفذت جريمتها بعد ساعات قليلة من مغادرة الرئيس محمد مرسي العاصمة الاثيوبية أديس أبابا متجاهلة كل الاتفاقيات الدولية التي تمت بين الحكومتين المصرية والاثيوبية، ووصل الأمر الي عرقلة أثيوبيا مد اللجنة الثلاثية بالمعلومات وتعمدت اخفاء هذه المعلومات وذلك بهدف تعطيل اللجنة واطالة أمد الدراسات لكسب المزيد من الوقت ولفرض سياسة الأمر الواقع ؛ فيما أكدت دراسة بريطانية أعدها مركز الدراسات الأمنية البريطاني ( ميرل ايست نيوزلاين )ان قيادات الجيش المصري حثت الرئيس مرسي علي توجيه ضربة جوية ضد سد النهضة الذي تقوم اثيوبيا ببنائه، والذي من شأنه تقليل حصة مصرمن المياه في حال فشل المفاوضات، ولاسيما في ظل التواجد الاسرائيلي داخل الأراضي الاثيوبية،الأمر الذي يهدد الأمن المائي المصري ؛ إلا أن الرئيس محمد مرسي أرجأ التدخل العسكري لحل الأزمة قائلاً ان المفاوضات هي الحل الأمثل في مثل هذه الحالات وانه سيسعي لبذل المساعي الدبلوماسية لوقف القرار الاثيوبي، وأكدت الدراسة ان الجيش المصري يستعد بالفعل لخوض حرب ضد أثيوبيا للحفاظ علي حصة مصر من مياه النيل وأن القيادات العسكرية تشعر بأزمة مقبلة مع اثيوبيا تهدد امدادات المياه لمصر والسودان.
وللعلم مشكلة السد الأثيوبي عرضت في عهد السادات ورفضها تماماً وهدد الرئيس الأثيوبي الأسبق مانجستو بشن حرب حال تنفيذ المشروع، كما أن الرئيس المخلوع مبارك حذر مليس زيناوي رئيس وزراء اثيوبيا من وضع اساس السد، كما طرحت الفكرة ابان الثورة وذهب للتفاوض بشأنها اللواء عمر سليمان وقال الافارقة وقتها ان مصر ترسل لنا رجلا عسكرياًلتهديدنا
وتعود أزمة تحويل مجري النيل الي مايو 2010عندما قررت 6 دول منابع النيل التوقيع علي معاهدة جديدة لاقتسام موارده ومنحت مصر والسودان مهلة عاماً للانضمام وبموجب اتفاقية 1929 و 1959 تبلغ حصة مصر 5 ،55 مليار مترمكعب من المياه سنوياً بينما السودان تحصل علي 5،18 مليار متر مكعب، ووقعت علي هذه الاتفاقية كل من اثيوبيا وأوغندا وكينيا وتنزانيا وورواندا وبوروندي، بينما رفضت مصر والسودان التوقيع ؛ وفي عام 2011 بعد ثورة يناير طالب عدد من القيادات الشعبية المصرية بالتعامل مع ملف دول حوض النيل بشكل أكثر حكمة وبموضوعية، ولاصلاح ما أفسده نظام مبارك في تجاهله لدول حوض النيل وتجاهله لملف مياه النيل رغم أنه ملف شائك ويمس الأمن القومي للبلاد، ومن ثم أرسلت مصر في ابريل 2011 وفداً من الدبلوماسية الشعبية المكونة من قيادات سياسية وشباب الثورة وبعض الشخصيات العامة لمناقشة مشروع سد الألفية علي أمل ان الرئيس محمد مرسي سوف يأخذ بتوصيات الوفد ويضع خطة جديدة وسياسة مختلفة للتعامل مع ملف دول حوض النيل،ولكن ظل الوضع كما هو حتي تم تحويل مجري النيل الأزرق بدون سابق انذار.
والغريب في الامر تصريحات بعض المسئولين في الحكومة المصرية والسودانية بشان اضرار السد ؛ حيث يؤكدون انه ليس للسد اي اضرار في حين ذكرت صحيفة لوس أنجلوس تايمز ان أهم مشاكل التي تواجه مصر هي مياه النيل الذي يتوقف عليه مستقبل البلاد في حين تدعوالعواصم الافريقية الفقيرة بدول حوض النيل بالتوصل الي اتفاق جديد بشأن تقسيم مياه النهر، كما أوضحت الصحيفة ان نظام مبارك تجاهل التهديد الأمني المضمن في ادعاءات دول حوض النيل أنها توفر لمصر 95٪ من مياها وأضافت الصحيفة أن فلاحي مصر سيتوقفون عن الزراعة وأن اقتصاد البلاد سيصاب بالشلل إذا توقف النهر عن تزويد البلاد بالمياه ؛ وأصبح هذا الملف من الملفات الشائكة والاختبارات الصعبة أمام الرئيس محمد مرس خاصة انه يأتي في وقت عصيب من الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تمر بها مصر وأعادت لوس انجلوس تايمز للأذهان ما قاله الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات عام 1979 بعد توقيعه علي اتفاقية كامب ديفيد أن الشيء الوحيد الذي يمكن أن يدفع مصر لحرب أخري هي المياه ؛ وقال التقرير أيضاً أن أهم التحديات امام القاهرة هو سد النهضة الاثيوبي الضخم، وهو مشروع للطاقة المائية تحت التشيد ويكلف اثيوبيا 8،4 مليارات دولار ويقدر الخبراء أنه سيخفض تدفق مياه النهر الي مصر بنسبة تصل ل 25% خلال السنوات الأولي التي يتوقع أن يستغرق لملء بحيرته .
كل هذه الامور جعلتني اتذكر ما حذر منه العبقري المصري الدكتور جمال حمدان منذ سنوات في مذكراته حيث كتب عام 1990م ؛ ولم يسمع له احد حينما يتضح حجم التجاهل الرسمي في معالجة المشكلة ؛ حيث قال كانت مصر سيدة النيل بل مالكة النيل الوحيدة .. الان انتهي هذا واصبحت شريكة محسودة ومحاسبة ورصيدها المائي محدودا وثابتا وغير قابل للزيادة ان لم يكن للنقص والمستقبل اسود ؛ ولت ايام الغرق وبدأت ايام الشرق وعرف الجفاف لا كخطر طارئ ولكن دائم الجفاف المستديم بعد الري المستديم .
في النهاية اتمني من الرئيس والحكومة والنخبة الورقية والاحزاب تقديم المصلحة العامة ومصلحة الوطن فوق المصلحة الشخصية ؛ لا مجال للخلاف في حل هذه الازمة ؛ الوضع خطير للغاية وينذر بوضع مريب ؛ اتمني ان تصل الرسالة الي كل من يحب تراب هذا الوطن .