حوار: أشرف التعلبى
عدسة: إبراهيم بشير
فى منطقة باب اللوق بالقاهرة مازالت مكتبة الأديب كامل كيلانى تفتح أبوابها لكل الباحثين عن قصص للأطفال، فلمَ لا؟، وهى أول مؤسسة عربية أسَّسها الكاتب الكبير كامل كيلانى عام 1948 من أجل تثقيف الطفل. الآن المكتبة تعرض ما يقرب من 150 قصة منشورة لكامل كيلانى فى حياته، إضافة إلى 75 قصة طبعها ابنه «رشاد» بعد وفاته، والقسم الأكبر من أرفف المكتبة تحمل سلاسل تلك القصص بعنوان «قصص رياض أطفال»، «صندوق الدنيا»، «قصص فكاهية»، «قصص شكسبير»، «ألف ليلة وليلة»، «عجائب القصص»، «أساطير العالم»، «بابا حكى لى».. إلى جانب عرض كتب كبار الكتاب مثل طه حسين وعباس العقاد ونجيب كيلانى، وغيرها من الكتب الصادرة عن دار المعارف.
فى المكتبة التقينا آخر أبنائه المهندس أمين كامل كيلاني، جالسا فوق مقعد أبيه من أجل إدارة المكتبة، محافظًا على تراثه من الاندثار، ويتيح قصصه للجمهور، إضافة إلى أنه يدعو وزارة الثقافة والإعلام والتربية والتعليم إلى تقديم كتب كامل كيلانى وإنتاجها تليفزيونيا، لتناسبها مع العصر.
من هو كامل كيلانى الذى لا نعرفه؟
كامل كيلانى هو من مواليد حى القلعة بالقاهرة، وهو الابن الوحيد الذى عاش من بين أربعة عشر ابنًا، وأخذ اهتمامًا كبيرًا من والديه، خاصة أنه كان ضعيف البنية، وكانت له مربية يونانية مثقفة، ساعدته فى تنمية وعيه وثقافته فى الطفولة من خلال الحكايات اليونانية التى كانت تقصّها عليه، وهو ما جعل أبى متعدد الثقافات، غير منغلق على ثقافة بعينها، كان يستمع لشاعر الربابة فى المقهى، والمربية اليونانية، بالإضافة إلى العربجى الذى كان يرافقه أثناء مشاويره ويقص على مسامعه عددًا من القصص الطريفة، كل هذا أثَّر فى نشأة وتربية أبي، ثم دخل الكُتاب وبدأ فى حفظ القرآن الكريم، وبعدها تعلَّم فى مدرسة أم عباس الابتدائية، والتى لاحظ فيها أن الكتب التى تُدرس لهم رديئة فى طباعتها، فتحدث مع صديقه الخطاط الكبير سيد إبراهيم، فكان رد صديقه عليه: «لو مش عاجبك اعمل أحسن منها».
كتب أبى أول قصة فى طفولته، لم يكن يبلغ وقتها اثنى عشر عامًا، بعنوان «الأمير صفوان»، وراح إلى أحد الناشرين لطباعتها، فرفض الناشر؛ وهو ما جعل أبى يتخوف من عرض قصصه فى البدايات على أحد. وفى الثانوية أحب اللغتين الإنجليزية والفرنسية وبدأ يتعلم آدابهما، وهو حال جيل كامل، فجيل أبى كان مثقفًا ويعرف اللغات ويحب المعرفة.. ثم حصل على ليسانس الآداب جامعة القاهرة.
ومن ضمن صفات أبى أنه كان حكاءً، بل أشهر حكائى عصره، فلقد كان يحفظ أكثر من 30 ألف بيت شعر والمناسبة التى قيلت فيها، كما أنه تولى منصب نقيب للأدباء عام 1934، ولم يكن يهتم كثيرًا بالمناصب، لأنه كان يعتز ويثق كثيرًا فى نفسه، ويقول: «أنا كامل كيلاني».
ما الذى ورثته عن أبيك الأديب كامل كيلانى؟
ورثت عن أبى قيمة الوقت، وهذه هى القضية الأساسية عند أبى، وكتب قصيدة للأطفال عن أهمية الوقت، والقيمة الثانية هو نفع الناس، وكتب هذا الشعار فى قصة «النحلة العاملة»، على لسان النحلة، وأوصى أن تكتب هذه الأبيات على قبره وأنا نفذت له وصيته بكتابة «أنفع الناس وحسبي.. إننى أحيا لأنفع.. أنفع الناس وما لي.. غير نفع الناس مطمع». كان أبى مخلصًا للغاية فى عمله، وهذا أهم ما يميزه عن غيره، فلم يكن أعلم أو أعلى واحد فى جيله من حيث العلم، لكنه كان أخلصهم، ولم يتربح أو يستفِد من أدبه.
ما القصة التى كتبها كامل كيلانى وأثرت فى شخصيتك؟
كل قصص رياض الأطفال أثرت فى شخصيتي، وأعتبرها إعجازًا، فعندما تحكيها لأبنائك أنت تستفيد منها، لكن من أهم القصص بالنسبة لى هى قصة «شنطح وصيدح»، وكان اسمها الذى عنونها به أبى «رحلة شنطح»، ثم قمنا بإصدارها باسم «شنطح وصيدح» وتم تغيير نهايتها لتناسب وزارة التربية والتعليم.
فكامل كيلانى كان فى كل قصصه يحث على استخدام العقل، ويؤكد أن تميز إنسان عن آخر هو العقل، لذلك ركز فى كل قصصه على تشغيل العقل، فمثلا فى إحدى القصص دافع الأرنب عن أرضه ضد الفيل، والغزال عن نفسها ضد الأسد، لذا كان يغرس داخل نفوس الأطفال أن العقل هو سمة التباين بين البشر، ورفض كل أنواع التنمر والعنصرية.
ففى قصة «شنطح» الغبى يستحق الموت عند كامل كيلانى؛ لأنه لم يحسن استخدام عقله، تقول القصة: «هُما أخوان شَقِيقانِ. اسمهُما شَنْطَحٌ وصَيْدَحٌ... الْفَتَى «شَنْطَحٌ» أَكْبَرُ سِنًّا مِنَ الْفَتَى «صَيْدَحٍ»... أَرْضُ الفَتَى «شَنْطَحٍ» أَخْرَجَتْ أَحْسَنَ الثَّمَرِ... أَرْضُ الفَتَى «صَيْدَحٍ» لَمْ تُثْمِر إلَّا قَلِيلًا... «شَنْطَحٌ» قالَ: «خُذْ أَرْضِي، وَهاتِ أَرْضَكَ... «صَيْدَحٌ» فَرِحَ بِذلِكَ، وَقَدَّمَ الشُّكْرَ لِأَخِيهِ.. وأيضا لم تثمر أرضه... إلى نهاية القصة».. هذه القصة توضح كسل وغباء صيدح وعدم استخدام عقله هو ما جعله تعيس الحظ.
والحقيقة فى كل قصص أبى كان هناك حبكة جيدة وسرد بديع، وهو ما جعل الكاتب الكبير عبدالتواب يوسف يقول: «إحنا كتبة إنما كامل كيلانى أديب»، وجيلى والجيل الذى تلى جيلنا تأثر كثيرا بأدب وقصص كامل كيلاني.
ماذا عن أحفاد كامل كيلانى.. هل يقرؤون له أو تأثروا بأدبه؟
نعم أحفاد كامل كيلانى يقرؤون كتب جدهم وتأثروا به، ومعهم مكتبة بكتب كامل كيلانى وغيره من الكتب، وابنتى أمنية كتبت قصة للكبار وأخذت جائزة عنها بعنوان «تصاوير».. لكن أحفادي- أنا- لم يتأثروا كثيرا به أو يقرؤون له، مع الأسف هم يقرؤون باللغة الإنجليزى ويستخدمون التكنولوجيا، أحيانا أقوم بقراءة قصص أبى لهم، يحبون سماع القصص والحكى لكن لا يقرؤون قصصه، فالجيل الجديد كله يتابع السوشيال ميديا، ويشاهد اليوتيوب وتطبيقات الإنترنت، ولا يهتم بالقراءة كثيرا.
هل كتب كامل كيلانى تناسب هذا الجيل إذا تم تدريسها فى المدرسة؟
كامل كيلانى يتحدث فى قصصه عن القيم بشكل مطلق فتناسب هذا الجيل والأجيال القادمة، مثل قيمة التعاون والأمانة والتسامح، هذه قيم لا تتغير مع تغير الزمن، بالإضافة إلى أن أسلوب أبى فى كتابة قصص الأطفال مشوِّق و«سلس وبه حبكة محكمة»، لكن تحتاج إلى حُسن عرض على التلاميذ فى المدارس، واختيار العمر المناسب، فكامل كيلانى كان يكتب قصصه من عمر 6 سنوات إلى 18 سنة.
هل هناك تواصل مع وزارة التربية والتعليم لإعادة طبع قصص كامل كيلانى وإقرارها على مرحلة التعليم الأساسى؟
وزارة التربية والتعليم عام 1958 أقرت تدريس قصة «حبيب الشعب»، أيام كمال الدين حسين، وفى عام 1963 أقرت قصة «الأمير المسحور» على ثالثة إعدادى، وفى عام 1964 عندما كنت فى الإعدادية أقرت علينا قصة «بساط الريح»، وكانت القصة تستمر لمدة أربع أو خمس سنوات فقط، ثم يتم إلغاؤها من المرحلة التعليمية.
واستمر تهميش كامل كيلانى من عام 1970 حتى سنة 1993، عندما تولى حسين كامل بهاء الدين وزيرًا للتربية والتعليم، حيث قرر فى عهده تدريس قصة «علاء الدين والمصباح العجيب»، والتى استمرت حتى عام 1996، ثم توقفت الوزارة عن إقرارها بسبب خلاف عائلى على حقوق الملكية الفكرية، ومنذ عام 1996 حتى الآن لم يتم إقرار أى قصة من قصص كامل كيلانى فى مراحل التعليم المختلفة.
فى عام 1980 أيام الدكتور فوزى فهمى، رئيس مركز الطفل آنذاك، تم الاحتفال بذكرى كامل كيلاني، وعرضوا مسرحية عبارة عن ثلاثة فصول من ثلاث قصص لأبى هى قصة عن جحا.. وقصة «من ألف ليلة وليلة».. وقصة «حى بن يقظان»، وتم عرض المسرحية بعنوان: «أهلا يا جد»، على مسرح عبد المنعم مدبولى (متروبول سابقا) بالعتبة، وكتب أشعارها الشاعر أحمد سويلم، ولاقت هذه المسرحية نجاحًا غير عادي، وهذا أكبر رد على السؤال بأن قصص أبى تناسب الأطفال فى كل وقت. وفى هيئة قصور الثقافة أيام الشاعر سعد عبد الرحمن، رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة الأسبق، أخذ كامل كيلانى حقه المعنوى بشكل كبير، واحتفلوا به فى عام 2009 فى قصر السينما، وكنا نعد لاحتفالية كبرى عن أبى لإقامتها فى عام 2011 بالتعاون بين المركز القومى للطفل وكلية رياض الأطفال برعاية الدكتور كمال الدين حسين- أستاذ الأدب المسرحى، واتحاد الكتاب، لكن تم إلغاء الحفل لقيام ثورة 25 يناير.. وبعدها لم يتم ذكر كامل كيلاني، ولم يلتفت أحد لقصصه القيِّمة.
إذن كيف تم تهميش كامل كيلانى ووزارة الثقافة دشنت جائزة باسمه لأدب ورسوم الطفل؟ والآن تم اختياره شخصية معرض الكتاب المقبل 2023؟
المؤتمرات والاحتفالات السابقة والخاصة بذكرى رحيل أو ميلاد أبى كنا ندعى إليها، أما عن تدشين جائزة باسم كامل كيلانى لأدب الطفل، لم نكن نعلم عنها شيئًا، وعلمنا بها من الصحافة.
فقيمة كامل كيلانى فى دعم مكتبته، وأن تقوم بالوظيفة التى أنشأها من أجلها، وهى توعية وبناء جيل من الأطفال يحمل القيم الطيبة، وما تقوم به مكتبة كامل كيلانى هو دور يمكن أن تقوم به وزارة أو هيئة وليس دور أفراد، نحن نصرف على المكتبة من جيوبنا الخاصة.
ونحن نحتاج إلى تواصل وزارة الثقافة والهيئات المعنية بأدب الطفل لطبع ونشر كتب كامل كيلاني؛ لأننا لا نستطيع طباعة قصص أبي، والقصص التى تنتهى من المكتبة لا نقوم بإعادة طباعتها مرة أخرى، فالورق ومستلزمات الطباعة غالية جدا، حتى عندما نشترك فى معرض الكتاب لتقديم قصص كامل كيلانى للطفل لا يتم معاملتنا معاملة خاصة، بل يتم التعامل معنا مثل أى دار نشر خاصة، رغم أن هدفنا ليس الربح مثلهم.. ففى هذه المكتبة كان يحضر ندوة كامل كيلانى كبار الشعراء والمثقفين والوزراء، والوطن العربى كله يعرف أن مكتبة كامل كيلانى هى أول مؤسسة عربية لتثقيف الطفل.
لكن فى كل الأحوال اختيار شخصية كامل كيلانى كشخصية رئيسية لمعرض الكتاب «لفتة كريمة» من قِبَل الدولة، وهذا يؤكد الإهتمام الحالى من الدولة بالأطفال وأن كامل كيلانى ما زال حيًّا، وأن أدبه وقصصه باقية.
وأطالب وزارة الثقافة بتوفير كتب ابى فى الكفور والنجوع من خلال المعارض وقصور الثقافة، ومبادرة «حياة كريمة» المهمة وأن تقدم وزارة الإعلام قصصه من خلال إخراج مسرحيات وأعمال تليفزيونية شيِّقة للطفل العربي، ولو تم إنتاج أعمال أبى سوف تكون أفضل ألف مرة مما تقدمه شركة «ديزنى» للأطفال.
هل ستشاركون فى معرض الكتاب المقبل بجناح خاص باسم مكتبة كامل كيلانى؟
كنا نشارك فى معرض الكتاب باسم مكتبة كامل كيلانى فى السنوات الماضية، وآخر مرة شاركنا فيها كانت عام 2013.. ولن نشارك فى الدورة المقبلة، وأعتقد أنه لن تتم دعوتنا للمشاركة بجناح فى معرض الكتاب المقبل رغم أن أبى هو شخصية المعرض ورغم أن مكتبته موجودة وتنشر أعماله. الأمر باختصار أن المكتبة غير قادرة ماليا على المشاركة بجناح خاص فى معرض الكتاب المقبل، وكل ما سنفعله هو طباعة إعلان وتعليقه هنا فى المكتبة بأن كامل كيلانى هو شخصية المعرض، وسنقدم خصومات على القصص، فمكتبتنا هى معرضنا الدائم، والمفتوح منذ أن افتتحه أبى، لذلك سنكتفى به.
القضية ليست فى حفل تكريم لكامل كيلانى بقدر أهمية توفير قصص أبى بسعر مخفض ومدعم لتكون متاحة للجميع، فوصول قصصه والقيم التى كان يدعو لها للطفل هو الأهم والأجدر من أى حفل؛ لأن التكريم الحقيقى للكاتب هو نشر قصصه وإبداعه.
هل هناك أطفال أو كبار يزورون مكتبة كيلانى ويشترون قصصه حتى الآن؟
ما زال الأطفال والكبار يزورون المكتبة ويشترون قصص أبى وكتبه، وهذا هو الأمل الذى نعمل فى المكتبة من أجله.. أبناء جيلى أو الأجيال الأصغر يشترون قصص كامل كيلانى لتربية أبنائهم على القيم.