«الأبنودى»: الجلطة أخلاقها ساءت.. أصابتنى وجعلتنى «شبه السمك»!

حوار: أشرف التعلبى

نشر فى «المصور»

بتاريخ 11مارس 2015

«المصور» تعيد نشر حوارها مع «الخال»، الذى أجرته قبل رحيله بأيام، من داخل مجمع الجلاء الطبى التابع للقوات المسلحة، وبالتحديد نشر هذه الحوار فوق صفحاتها يوم الأربعاء ۱۱ مارس من عام ۲۰۱۵..

الشاعر الكبير، عبدالرحمن الأبنودى.. ما أجمل الجلوس إلى جوار كل هذه السنوات والعقود والأيام الممتلئة بالحب والشعر!، والحكايات، والعفوية، والأحاسيس، ما أجمل الجلوس إلى جوار عمارة شاهقة، معقودة «بجريد» الحياة والفن!.

الحالة الصحية للخال غرست فى مزلقان مفاجئ، الأبنودى مريض والأطباء فى مستشفى الجلاء العسكرى- شديد الحراسة- يمنعون الزيارة عنه.. اتصلت به «المصور» لتطمئن عليه وترسل له باقة من الورد، فقال هادئا: «والله الحمد لله.. أنا بخير.. يمكنك أن تجلب سباطة بلح».

لم نكتفِ بالاتصال، وقررنا زيارته، فهل ننجح، الأمل موجود فى كل الأحوال.. ذهبنا إلى مستشفى الجلاء العسكري، ولا ندرى رقم غرفة «الخال» بحثنا عنه بين مبنى وآخر إلى أن وصلنا إلى المبنى الرئيسى «المبنى الإداري»، لكن قسم الاستقبال منعنا من الدخول، الزيارات ممنوعة تماما، تحايلنا على الموقف، وذهبنا لقسم العيادات الخارجية لحجز كشف مدنيين، جلسنا نفكر، حتى إننا تركنا الكشف، وتسللنا وراء خيط يوصلنا إلى غرفة الشاعر الكبير، الزهور الكثيرة أوصلتنا إلى هناك، إلى الطرقة.. تحسسنا الباب، بكل هدوء وقلق!.. ودلفنا إلى جوار سرير الأبنودى نغزل لكم معه هذا الحوار..

- ماذا عن حالتك الصحية؟

الحالة الصحية غير مطمئنة، وبها الكثير من المزالق وتحتاج إلى حراسة طوال الوقت، وحالتى تنقسم إلى قسمين، وهى الرئة، وبكل صراحة الرئة لقد خربتها بنفسى على مدى أربعين عاما، من التدخين، والذى أنصح به الناس جميعا بالابتعاد عن التدخين، لأننا طالما ندخن نعتبر كل الناس سوف تمرض ما عدا نحن، ثم نكتشف أننا نحن الذين مرضنا فى النهاية، والرئة تضخمت بطريقة لا تسمح بدخول الهواء وخروجه، فأنا أشبه السمك، لأننى أتنفس الآن بسرعة السمكة ومن الخياشيم.

والأمر الآخر هو أننى كنت فى القرية التى أقيم فيها على أطراف الإسماعيلية من أجل الأكسجين الدائم بالمنطقة الخضراء، وقد أصبت بألم فى الساقين، واعتقدنا وقتها أنه بسبب السن، ولكن عندما حضرت للمجمع الطبى للقوات المسلحة بالجلاء وجدت أساتذة نادرين، وربما أقيس ذلك على التجربة فى المستشفى الأمريكى بباريس، وهم يقدمون خدمات طبية أفضل ويسهرون عليك بشكل أفضل، واكتشفوا أنها جلطة، وكنت أعتقد أن الجلطة لا تأتى إلا للأغنياء.. فاكتشفنا أن أخلاقها ساءت وتتسلل الآن نحو الفقراء، لكن الحمد لله هى تحت السيطرة، وأنا عندى فى المزرعة اثنان يعرجان على عكازين فقلت لهما لنجعلها «نجع العُرج».

الحمد لله اكتشفنا ذلك وكان الجزء الصغير فى الرئة، وطوال الفترة التى قضيتها فى القرية كانت لمحاولات القضاء على المرض وإفاقتى من جديد، وكنت فى حالة غيبوبة، وهنا بمجمع الجلاء الطبى العسكرى يشرف علىَّ اللواء بهاء زيدان شخصيا، رئيس المجمع الطبي، والدكتور سامح وهيب وهو الطبيب المعالج الدائم، أما الجلطة فتولاها دكتور عميد أحمد عثمان، وهنا الالتزام العسكري، ويطبق علىَّ أنا أيضا هذا الالتزام بنفس القسوة وهذا مهم جدا، ومفيد لصحتي.

وهم منعوا عنى الزيارة لأكثر من أسبوع، لأننى كنت أنوى ألا أبوح بالمرض إلا فى خروجي، وأقول غادر المرض، لكن بعض الأصدقاء أبلغوا الصحف والجميع عرفوا بمرضي.

- مَن الشخصيات التى زارتك طوال الأيام الماضية؟

زارنى الفريق أول صدقى صبحى، وزير الدفاع، والذى تبسم عند رؤيتي، فقلت له :«انت بتضحك وبتبتسم، وأول مرة أشوفك تضحك وتبتسم، فقال إنك ترانى دائما وسط الجنود»، كما زارنى اللواء عادل لبيب، وزير التنمية المحلية، وهذا لا يحسب من ضمن الزيارات لأنه صديقى وهو يتصل بى دائما، كما زارنى وزير الثقافة الدكتور عبدالواحد النبوي، ويهاتفنى محافظ الإسماعيلية وغيرهم، وهذا على المستوى الرسمي، لكن المهم أصدقائي، وهذا القلق الجميل من أصدقائي، حتى مَن كنت أعتقد أنهم لا يحبوننى كثيرا وهم مازالوا لا يحبوننى كثيرا لكن لا يحبون أيضا أن أغادر، لأن وجودى يعطيهم بعض الشرعية «لشعراء العامية»، وحتى لو هاجمونى خليهم يدلعوا علىَّ كما كنت أتدلع على صلاح جاهين، لكن مجرد وجودى مهم بالنسبة لهم.

- ومن يرافقك فى مرضك بالمجمع الطبي؟

تقيم معى زوجتى الإعلامية نهال كمال طوال الوقت، ومتيقظة ليلا ونهارا لمتابعة حالتى الصحية بشكل مستمر وبناتى معى أيضا، ودائما وأنا أقسِّم هذه الحالة كعادتى إلى قسمين وهما القسم المرضى والقسم الإنساني، وأنا لا أستطيع أن أتخلى عن الأبنودى الإنسان بصحتى وهزارى وحياتى الطبيعية، والرجل المريض فى داخلى يأخذ أدويته والحقن كما يحب وأخضع له وأحيانا هو يخضع لي.

- هل أصلك الصعيدى جعلك تفصل بين الأبنودى الإنسان والأبنودى المريض؟

الصعيد هى بلاد الرجال، ونحن لم نعِش طفولة، فلقد ولدنا رجالا، ولقد كنت أرعى الغنم وأنا عمرى أربع سنوات، وأجنى القطن وعمرى خمس سنوات، وكنا نطلع أعلى نخلة موجودة عندما كنا أطفالا، ووقع بعضنا فى السواقى والآبار وأخرجونا، وكان فيضان النيل يأتى وكنا دائما أبناء الفيضان وهذا النيل، فحياتنا كانت شاقة حيث كانت بدون كهرباء، ونعيش وسط العقارب والثعابين، ولم نكن نخشى كل ذلك، فالشق كان فى رجلينا مثل الجحر، وهذا يعنى أن كل اللى يمر عليا هنا مجرد طبطبات، وأنا لم أحب الظلم ولا أحب الإهانة، أو أن أتاجر بإنسان، ولا أن أهين إنسانا بحق أو غير حق، وانا تجرحت كثيرا ورُسمت لى صورة مختلفة عن شخصيتي، وربما يعد هذا الزمن منذ عام 1977، قد اتضح أننى ابن هذا الزمن، مخلص لهذا الوطن أعيش تحت مظلته بأمانة ولست انتهازيًا ولا أتاجر به، ولا أقبل من الوطن إلا ما أريده وما أريده دائما هو شيء شريف.

- ولماذا تفضل العيش بعيدا عن العاصمة؟

لقد أفادنى وجودى بالإسماعيلية فى قرية الضبعية لمدة سبع سنوات متواصلة، وما لا يستطيع أديب مصرى أن يفعله، لأنه لو غادر القاهرة أسبوعا واحدا لنسيته القاهرة، لقد راهنوا على القاهرة وأنا راهنت على مصر والعالم العربي، ووجودى لمدة سبع سنوات بالإسماعيلية جعلنى أزداد نشاطا وعطاء ومودة من الأحباب، ودائما ما كان الأحباب معي، وكان يهربون من القاهرة إلى الضبعية ويقيمون معى ونتاجى الأكثر عطاء، ومبسوط من نفسى أكثر لأنها فترة طويلة لرؤية القاهرة من خارجها، وهى تجربة رائعة، لكن لا أحد من المثقفين المصريين يستطيع أن يفعلها، وظللت بأحداث الثورتين هناك، وتنبأت بانهيار دولة العواجيز، و»لقد آن الأوان أن ترحلى يا دولة العواجيز»... وأختتم حديثى بخالص التحية لكل من سأل عنى فى مرضى.

<!--<!--<!--<!--

elsayda

بوابة الصعايدة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 122 مشاهدة
نشرت فى 22 إبريل 2022 بواسطة elsayda

رئيس التحرير: أشرف التعلبي

elsayda
نحارب الفقر- المرض- الامية -الثأر... هدفنا تنوير محافظات الصعيد- وان نكون صوت للمهمشين »

تسجيل الدخول

بالعقل

ليس كافيا أن تمتلك عقلا جيدا، فالمهم أن تستخدمه جيدا