تقرير يكتبه: أشرف التعلبىكنا نحلم منذ الصغر بأن نقضى يومًا فى جنة القاهرة، بعيدًا عن قرانا فى الصعيد المنسي، كأننا كنا درجة تانية فى قطار البشر، لتواجد كلّ مظاهر الحياة الجيدة فى القاهرة التى تبعد عنا مئات الأميال، ومن يرِد طبيبًا يعالجه فعليه السفر للعاصمة، ومن يرِد جامعة فعليه بالعاصمة ،ومن يرِد عملا فعليه بالعاصمة ومن ومن...!.وكواحد من أبناء الصعيد (قنا) على مدى عقود ماضية مللنا من المطالبة بالتنمية وأصبحنا نشعر أنها كما لو كانت ليست من حقنا، فكل الدنيا تغيرت إلا قطار الصعيد كان واقفًا مكانه، محرومًا ومطرودًا من رحمة الحكومة، كأن الفقر مكتوب على جبينه.كانت الأحلام لا تحققها الوعود، فمنذ عقود طويلة والصعايدة يطالبون والحكومات المتعاقبة تعد ولا تفى بالوعود، وكل حكومة جديدة تردد أن السابقة تجاهلت الصعيد وتقدم لأكثر من 30 مليون مواطن بمحافظات الصعيد الاعتذار عن هذا التجاهل، لكن سرعان ما تكرر ما فعلته الحكومات السابقة، بل زاد التجاهل إلى اتهام من قبل بعض الوزراء بأن الصعايدة هم سبب العشوائيات فى القاهرة.كانت معركة التنمية بالصعيد تحتاج إلى إرادة حقيقية من مختلف جوانبها، وهذه الإرادة تحققت مع الرئيس السيسى منذ أن تولى المسؤولية، عندما أراد تنفيذ المادة 236 من الدستور بضرورة التنمية العاجلة، والتى نصت على: «تكفل الدولة وضع وتنفيذ خطة للتنمية الاقتصادية، والعمرانية الشاملة للمناطق الحدودية والمحرومة، ومنها الصعيد وسيناء ومطروح ومناطق النوبة، بمشاركة أهلها فى مشروعات التنمية وفى أولوية الاستفادة منها، مع مراعاة الأنماط الثقافية والبيئية للمجتمع المحلى، خلال عشر سنوات من تاريخ العمل بهذا الدستور، وذلك على النحو الذى ينظمه القانون».والآن على أرض الواقع لم تعد التنمية مجرد أمنيات وأحلام، بل أصبحت واقعًا نلمسه فى قرانا، فقد بلغ حجم الاستثمارات بمحافظات الصعيد على مدار 7 سنوات 1.1 تريليون جنيه، أنفقت فى عدد من المشروعات القومية فى قطاع الكهرباء والغاز ومياه الشرب والصرف الصحى وغيرها، كل هذه المشروعات منحت الصعيد قبلة حياة جديدة، بل دفعت قطار التنمية للتوقف فى كل قرى الصعيد بلا نسيان أو تهميش.فمثلا فى قطاع مياه الشرب والصرف الصحى كانت غالبية البيوت بالصعيد تصرف شهريا 500 جنيه عن كل بيت لكسح مجارى «الطرنشات»، لكن اليوم أصبحت مشروعات الصرف الصحى من أهم ملفات الخدمات التى تعمل عليها مبادرة حياة كريمة لإنهاء معاناة الأهالى والقضاء على التلوث والحد من الأمراض التى تنتشر بها.فمبادرة حياة كريمة، تستهدف بالمرحلة الأولى تطوير 1500 قرية ريفية فى 14 محافظة، معظمها فى وسط وجنوب الصعيد، منها أسيوط وسوهاج والمنيا وقنا وأسوان والأقصر والوادى الجديد والفيوم وبنى سويف، والتى كانت تصل نسب الفقر فى بعضها إلى أكثر من 60 فى المائة.ويمكن الاستدلال على ذلك من خلال أرقام وزارة الإسكان، فمثلا متوسط نسبة تغطية خدمات مياه الشرب بمحافظات الصعيد منذ سبع سنوات كان 85 فى المائة، وارتفعت إلى 98 فى المائة هذا العام، ومتوسط نسبة تغطية خدمات الصرف الصحي، كان 22 فى المائة فى المدة نفسها، وارتفعت إلى 33.3 فى المائة هذا العام، وهذا يؤكد أن مشروعات الصرف الصحى التى تم تنفيذها بالصعيد خلال الـ7 سنوات السابقة، توازى 50 فى المائة مما تم تنفيذه خلال نحو 3 عقود كاملة، وخلال عام أو اثنين على أكثر تقدير سنرى فى كل البيوت الصرف الصحى.ولا أحد ينكر تحسن جودة مياه الشرب بالصعيد، فخلال العقود الماضية كنا نشرب فى غالبية قرى الصعيد من مياه الآبار الارتوازية التى سببت للكثير منا أمراض الفشل الكلوي، وأنا واحد من هؤلاء الذين كانوا يشربون مياها ملوثة، لكن منذ عام 2015 بدأت المياه تتحسن كثيرا، عندما تم افتتاح محطة مياه النجمة والحمران شمالى محافظة قنا، والأهم أن هذا التحسن ليس فى قنا فقط، لكن فى كل محافظات الصعيد فى خلال السنوات السبع الماضية، فتم وجارٍ تنفيذ 199 مشروعًا لمياه الشرب بطاقة إجمالية 2.5 مليون م3/يوم، وبتكلفة تزيد على 15 مليار جنيه. ومنذ أيام افتتح الرئيس السيسي 11 محطة لمياه الشرب والصرف الصحى، منها 4 محطات لمعالجة الصرف الصحي، و7 محطات لمياه الشرب، منها محطة مياه أبو قرقاص فى المنيا، ومحطة صرف صحى أبو شنب فى الفيوم، وتوسعات محطة مياه دشنا، وقبلها وبعدها عشرات المشروعات التى تم افتتاحها أو جارٍ تنفيذها. كان التحدى الثانى هو صحة الصعايدة، فلم تكن على مايرام، فيوميًّا كنا نرى آلاف المواطنين يقصدون القاهرة من أجل طبيب ينقذ حالتهم، فالمستشفيات هناك لم تكن كافية أو مهملة منذ سنوات طويلة، وهنا شاهدنا تدخُّلًا من الدولة التى سارعت فى إنقاذ حياة 30 مليون مواطن يعانون من إهمال صحى منذ عقود، فى سباق مع الزمن، لإنهاء العشرات من المشروعات فى المجال الصحى من مستشفيات ووحدات صحية لتوفر الرعاية الصحية الشاملة لأهالى الصعيد فى هذا القطاع الحيوي.وإجمالى ما تم إنفاقه فى الصعيد ضمن مبادرة «حياة كريمة»54.1 مليار جنيه تكلفة تطوير وحدات طب الأسرة الريفية، بالإضافة إلى المئات من القوافل الطبية المجانية بشكل دائم لتقديم الخدمات الصحية بالمناطق البعيدة والمهمشة والنائية فى كافة التخصصات الطبية. ورأينا تحول وجهة المواطنين من السفر إلى القاهرة إلى البقاء فى محافظاتهم، فمثلا من السفر لمعهد الأورام بالقاهرة إلى مستشفى شفاء الأورمان بالأقصر أو إلى مراكز الأورام المنتشرة فى أسيوط وسوهاج وقنا بعد تطويرها. فالصعيد كان حاضرًا أيضاً وبقوة فى تنفيذ المشروع التاريخى التأمين الشامل ضمن المرحلة الأولى للمشروع من خلال إنفاق 22 مليار جنيه، بتسجيل 2 مليون مواطن ضمن منظومة التأمين الصحى الشامل بالأقصر وأسوان، وسوف يمتد تطبيق منظومة التأمين الصحى الشامل بكافة المحافظات.جامعات جديدةلم يكن يمتلك الصعيد جامعات خاصة، وكثيرًا ما كان يطالب الصعايدة بإنشاء جامعات حكومية وخاصة فى كل محافظة لتحد من سفر أبنائهم إلى القاهرة والإسكندرية، وهو ما استجابت الدولة له خلال الأعوام السبعة الماضية بإنشاء جامعات جديدة، وتطوير الجامعات الحكومية، بتكلفة تزيد على 10 مليارات جنيه.فالسنوات الماضية شهدت إضافة جامعتين فى كل من الأقصر والوادى الجديد، بينما تم إنشاء 6 جامعات خاصة، بالإضافة إلى إنشاء جامعات تكنولوجية فى بنى سويف بالتعاون مع جامعة أخرى من كوريا، كما أن محافظتى الأقصر وأسيوط ستشهدان وجود جامعات تكنولوجية خلال الفترة المقبلة، وذلك وفقا لتوجيهات الرئيس السيسي.وهناك 4 جامعات أهلية تحت الإنشاء فى كل من بنى سويف والمنيا وأسيوط وجنوب الوادي، ضمن خطة إنشاء ما يقارب من 15 جامعة أهلية سيتم افتتاحها فى العام الدراسى المقبل.كان أبناء الصعيد يسافرون يوميا عبر طرق يطلقون عليها طرق الموت، فحدث ولا حرج، قل فيها ما شئت بعدما تجاوزت النقاط السوداء لمعيار السلامة والصلاحية لكثرة الحوادث فوق تلك الطرق، التى لم يتم تطويرها من زمن بالإضافة إلى نقص الخدمات، وعدم ازدواج هذه الطرق رغم أنها رئيسية تربط المحافظات ببعضها بعضا.لكن منذ 3 سنوات تراجع بقوة نزيف الدماء التى كانت تسيل على تلك الطرق الممتدة من القاهرة إلى أسوان، بعدما وجه الرئيس السيسى بتطوير كامل لشبكة الطرق سواء الرئيسية أو الفرعية، وقد تم تطوير ورفع كفاءة الطرق القائمة بمدن الصعيد، بأطوال 439 كم، بتكلفة 1.2 مليار جنيه، بجانب إنشاء طرق إقليمية جديدة، بأطوال 552 كم، بتكلفة 4.6 مليار جنيه.ومن ضمن المشروعات التى افتتحها الرئيس عدد كبير من المحاور المهمة على النيل.السياحة تنتعشكان قطاع السياحة على رأس التحديات التى تواجه الدولة فى تنمية الصعيد، لأنه مصدر دخل مهم لكل أبناء الوجه القبلى خاصة فى أسوان والأقصر والبحر الأحمر، وقد رأينا بعد 2011 الإهمال الشديد الذى أصاب هذا القطاع.لكن مع توفير إرادة سياسية استطاع هذا القطاع العودة للانتعاش من جديد، من خلال استغلال المقومات السياحية والأثرية الفريدة التى يمتلكها الصعيد من الفيوم وحتى أسوان، بافتتاح مجموعة من المشروعات السياحية والأثرية الضخمة منذ يوليو 2014 وحتى الآن.وآخر هذه المشروعات التى تم افتتاحها هو طريق الكباش الذى يربط بين معبد الأقصر ومعابد الكرنك، فى احتفالية ضخمة حضرها الرئيس السيسي، لجذب انتباه العالم كله من جديد، لتكون مدينة الأقصر أول متحف مفتوح لما تحويه من كنوز أثرية. والجميل أن الرئيس وهو يفتتح طريق الكباش لم ينس المضارين من السيول فى أسوان فزارهم وجلس معهم وطيب خاطرهم ووفر لهم ما يحميهم ويعوضهم عن تداعيات الكارثة، ونفس الأمر عندما زار إحدى قرى أسوان ضمن أسبوع الصعيد.الزراعة حاضرةقطاع الزراعة ليس بمعزل عن التنمية، فغالبية الصعايدة يعملون فى الزراعة، وهو ما كان توجه الدولة من خلال مشروع المليون ونصف المليون فدان ومنها جزء كبير فى محافظتى المنيا وقنا، وقد أعلن الرئيس السيسى عن الانتهاء من مشروع «توشكى- شرق العوينات» بواقع 350 كم، والعمل جارٍ فى شرق «العوينات – الفرافرة»، لزراعة نحو 1.5 مليون فدان.كذلك تسارع الحكومة فى تحديث وتطوير نظم الرى للأراضى القديمة والعمل على تطوير إنتاجية الأراضى القائمة، جنبًا إلى جنب مع تنفيذ مشروعات جديدة لزيادة الرقعة الزراعية، بالإضافة إلى المشروع القومى لتبطين الترع الممتد فى كل محافظات الجمهورية.نهر النيل.. لم يكن بعيدًا عن مسار قطار التنمية، حيث كان له نصيب من المشروعات العملاقة، ومنها مشروع قناطر أسيوط الجديدة، الذى يعتبر ثانى أضخم مشروع مائى بعد السد العالى، وأحد أضخم المشروعات القومية التى نفذتها الدولة فى إطار خطتها لتنمية محافظات الصعيد، وإقامة مشروعات تخدم الزراعة والرى وبتكلفة تجاوزت 7 مليارات جنيه، وأنجزها 6 آلاف مصرى لتخدم مساحة 1.65 مليون فدان، موزعة على 5 محافظات، أسيوط، المنيا، بنى سويف، الفيوم، الجيزة.حوافز الاستثمارومن ضمن هذه التحديات المناطق الصناعية بالصعيد والتى كانت تنتظر مزيدًا من المرافق والخدمات لجذب المستثمرين الذين يرددون دائما أن الاستثمار فى الصعيد يحتاج إلى دعم الحكومة وتوفير بيئة ومناخ جاذب وحوافز وتسهيلات لتوفير فرص عمل للشباب، لاستغلال كافة الموارد والثروات البشرية والطبيعية، وهنا رأينا تدخل الدولة منذ 2014 لتشجيع المستثمرين لضخ استثمارات كبيرة فى الصعيد مع حوافز لصغار المستثمرين بافتتاح 12 مجمعًا صناعيًا، منها 10 مجمعات بالصعيد، و2628 وحدة صناعية، مع منح فترة سماح من القيمة الإيجارية ومصاريف الصيانة والخدمات لمدة تسعة أشهر من تاريخ تسليم الوحدة، وتخفيض القيمة الإيجارية للمتر.