حكم اللحن في سورة الفاتحة وفي غيرها وأقوال أهل العلم
1) يقول الإمام ابن الجزري :
و لا شكّ أنَّ الأمةَ كما هم متعبَّدون بفهم معاني القرآن، وإقامة حدوده، متعبَّدون بتصحيح ألفاظه وإقامة حروفه على الصفة المتلقَّاة من أئمة القراءة المتصلة بالحضرة النبويَّة الأفصحيَّة العربيَّة التي لا تجوز مخالفتها و لا العدول عنها إلى غيرها، والناس في ذلك بين محسن مأجور، ومسيء آثم أو معذور، فمن قَدَرَ على تصحيح كلام الله تعالى باللفظ العربي الصحيح، وعدل إلى اللفظ الفاسد العجمي أو النبطي القبيح، استغناءً بنفسه، واستبداداً برأيه وحدسه، واتّكالاً على ما أَلِفَ من حفظه، واستكباراً عن الرجوع إلى عالمٍ يوقفه على صحيح لفظه فإنَّه مقصِّر بلا شك، وآثم بلا ريب، وغاش بلا مرية )، النشر في القراءات العشر ( 1/ 210- 211 ).
2) وقال الإمام الشافعي:
وإن لحن في أم القرآن لحناً يحيل معنى شيء منها، لم أرَ صلاته مجزئة عنه، ولا عمَّن خلفه، وإن لحن في غيرها كرهتُه، ولم أرَ عليه إعادة، لأنه لو ترك قراءة غير أم القرآن وأتى بأم القرآن رجوتُ أن تجزئه صلاته، وإذا أجزأته أجزأت من خلفه إن شاء الله تعالى، وإن كان لحنه في أم القرآن وغيرها لا يُحيل المعنى أجزأتْ صلاته وأكره أن يكون إماماً بحال ) . الأم للشافعي (1/215 ). وقال أيضاً: وإذا أمَّ الأميُّ أو من لا يحسن أمَّ القرآن وإن أحسن غيرها من القرآن ولم يحسن أمَّ القرآن لم يجز الذي يحسن أمَّ القرآن صلاته معه ) . الأم للشافعي ( 1/440).
3) وقال الإمام مالك:
إذا صلَّى الإمام بقومٍ فترك القراءة انتقضت صلاته وصلاة من خلفه وأعادوا وإن ذهب الوقت ، قال : فذلك الذي لا يحسن القرآن أشدّ عندي من هذا لأنّه لا ينبغي لأحد أن يأتم بمن لا يحسن القرآن) . انظر المدونة الكبرى 1/177.
4) وقال الإمام أحمد:
إذا كان الإمام يلحن لحناً كثيراً لا يعجبني أن يُصلَّى خلفه، إلا أن يكون قليلاً، فإنَّ الناس لا يسلمون من اللحن، يصلى خلفه إذا كان لحن أو لحنين ) وسئل الإمام أحمد عن القراءة بالألحان فقال للسائل : ما اسمك ؟ قال : محمد .قال: أيسرك أن يقال لك : يا موحامد ) . انظر مسائل الإمام أحمد – رواية إسحاق 1/55 .
5) وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:
وأما من لا يقيم قراءة الفاتحة فلا يُصلِّي خلفه إلا من هو مثله ) . انظر مجموع الفتاوى 23/350.
يقول الشيخ:
(ومن أمثلة اللحن الجليِّ : التوقف على اللام التي بعد الألف الممدودة التي بعد الضاد في قوله في سورة الفاتحة : ( .. وَلَا الضَّآلِّينَ) بمقدار حركتين فأكثر .
ومنه إظهار الغنة في النون والميم الساكنتين عند الوقف عليهما في مثل : (العَالَمِينْ)(الرَّحِيمْ)
ومن اللَّحْن الجليِّ عَدَمُ تحقيقِ الكَسرِ في مثل (العَالَمِين)(الرَّحِيم)(العَالَمِينْ)(الدِّين) (نسْتَعين) فتبدو اليَاءُ المَمدودةُ مدًا عارضًا للسكون كأنها مُمَالَةٌ ، ومثله في الواو في مثل (تَعْبُدُون) بدلًا من تحقيق الضم يَنْطِقُ بها بين الفَتْح والضمِّ وهذا خطأ .
ومن اللحن الجليِّ وَصْلُ الآيات الأولى من سورة الفاتحة بالتَّسْكِين ، وربما لا يُريد الوَصْلَ مَنْ يقع في هذا ؛ لكنه من سرعةِ القراءةِ أشبهتِ الوَصْلَ ، وهذا ليس عذرًا إذ عليه في هذه الحالة أن يُعْربَ أواخرَ الآيات .
ومن اللحن الجليِّ النُّطْقُ بالجيم مُعَطَّشَة ؛ وهذا أيضًا يقع من النقص في صفتي الجَهْر والشِّدَّةِ في الجيم .
ومن اللحن الجليِّ اقتراب الغين من الخاء في (غَيْر المَغْضُوبِ) وسببه النقص في صفة الجهر في الغين بينما الخاء مهموسة . وأما الضاد من (الضَّالِّين) في الفاتحة فحالُهَا مع هؤلاء الأئمة مما تُسْكَبُ فيه العَبَرَاتُ ، تُنْطَقُ أحيانًا ظاءً ، وأحيانًا طاءً - بالمهملة -، وأحيانًا دالًا مُفَخَّمَة ، وهذا هو الغالب ، وكل هذا الأصلُ فيه أنه من اللحن الجليِّ الذي يُفسِد القراءة ويجعل الصلاة خلفَ الإمام فيها نظرٌ ، لكنَّ الإخلالَ بالضاد مما عَمَّتْ به البَلْوَى ، وكَلَّتْ دون ضَبْطِهِ الهممُ ، ليس في عصرنا فقط ؛ بل منذ زمن السَّخاوي عَلَمِ الدين أوَّلِ شارحٍ للشاطبيةِ ، المُتَوَفَّى سنة (643) هـ ).
نشرت فى 4 يونيو 2010
بواسطة elmichkete
عدد زيارات الموقع
37,015
ساحة النقاش