الكويت .. وملف الإتجار بالبشر!! (ج11)
تجارة البشر بالكويت مشكلة تضامنية:
منذ أن انفجرت القنبلة الصامتة (العمالة المظلومة) في وجه النظام الكويتي... ونزل الجياع للشوارع لكي يعبروا عن غضبهم وإضربوا عن العمل وهذا حق مشروع لي عماله تعمل بأي منطقة بالعالم؛ مما استدعى الأمر نزول قوات الأمن من وزارة الداخلية وبدعم من قوات من الحرس الوطني الكويتي للتصدي لتلك الاعتصامات والإضرابات العمالية..
وصل عدد عمال التنظيف من الجنسية البنغالية والتي تعمل بالوزارات والهيئات الحكومية إلى 150 ألف عامل نظافة؛ وذلك من خلال شركات تنظيف تقوم بتوريد هؤلاء العمال للحكومة عن طريق مناقصات حكومية لتوفير تلك العمالة وتقوم تلك الشركات بأستقدام بتلك العمالة عن طريق مكاتب تسفير في بلاد تلك العمالة.. وبذلك فلا يوجد علاقة مباشرة بين تلك المؤسسات الحكومية والعامل حيث أن الحكومة تعطي الشركة رواتب هؤلاء العمال ثم تقوم تلك الشركة بدورها بصرف رواتب العمال!!
وقد تم توقيف واعتقال رأس الاعتصام من تلك العمالة وقد تم تسفير وإبعاد ما في حدود 800- 1000 عامل وذلك على حسب الأرقام التى صرحت بها المصادر الحكومية الرسمية بالكويت.. وذلك حتى يتم احتواء الاعتصامات ووأد أي انتشار وازدياد الاضرابات حيث أنه قد شل العمل بجميع المؤسسات الحكومية بسبب عدم وجود عامل للنظافة بها .. بالإضافة إلى أن توقف سيارات البلدية في جمع ورفع القمامة من الشوارع لمدة ثلاثة أيام مما حول البلد إلى تلال من الزبالة مما كان ينذر بكارثة بيئية خطيرة حيث أنه لا يخفى على أحد ارتفاع درجات الحرارة الجوية بالكويت خلال أشهر الصيف والتي تقترب من 50 درجة مئوية!!! .. وعليه فأي تأخير في جمع القمامة وتنظيف الشوارع في المواعيد المحددة لها يعني تصاعد الروائح الكريهة وانتشار كافة أنواع الحشرات ومن ثم انتشار الأمراض والآوبئة...
أضرب المربوط يخاف السايب!:
مثل شعبي مصري؛ هذا هو القرار الذي اتخذته وزارة الداخلية عندما قامت بتوقيف رؤوس الاعتصامات حتى تخيف باقي الآلاف من العمال المضربون... بأن قامت بأبعاد وتسفير المئات والمئات منهم (أي مغادرة الكويت بلا رجعه) حتى توصل رسالة لتلك الآلاف بأن ذلك هو جزاء من يفكر أو يقوم باعتصام حاليا أو مستقبلا.. لماذا تم تسفير هؤلاء العمال بتلك السرعة الرهيبة دون عرضهم على النيابة العامة للتحقيق معهم طالما كانت حجة "الداخلية" لإبعاده أنهم مخربين ومشاغبين؟
على نفقة من تم تسفيرهم؟!:
من الذي سيدفع فاتورة تذاكر طيران ترحيل هؤلاء العمال؟
سأل الكثير من الكُتاب والصحفيين ونواب مجلس الأمة هذا السؤال للحكومة.. والإجابة وببساطة شديدة الحكومة!!!... لا تتعجب من ذلك بالفعل الحكومة هي ستدفع الفواتير كلها وليس الشركات المسئول المباشر عن هؤلاء.. وهنا يمكن أن يسألني القارىء الكريم كيف هذا؟... إن هذه الشركات تأخرت في دفع رواتب العمال لمدة تراوحت ما بين 3-5 شهور وذلك لتفاوت وضع كل شركة، لأن ليس كل الشركات ذات وضعا واحد حيث أن كل شركة تتعامل مع وزارة أو هيئة حكومية مختلف عن الشركة الأخرى...
وهنا سوف أأخذ موقف تلك الشركة للحظات ؛ فالشركات تقول أنها تتسلم مستحقاتها المالية كل 3-4 أشهر من الوزارة التي توفر لها عامل التنظيف... يعني أنها مكتب وسيط (سمسار) بين الحكومة والعمال... لذلك تتهم تلك الشركات الحكومة ممثل في جميع الوزارات التي تتعامل معها بأنها سبب المشكلة لتأخرها في دفع الدفعات الشهرية بانتظام لها وبالتي للتأخر الشركات في تحويل رواتب هؤلاء العمال من حساباتها البنكية إلى حساب العمال البنكية... وباختصار: الحكومة تتأخر في الدفع بالمقابل الشركات تتأخر في صرف رواتب العمال.
أرباح 80% بمباركة الحكومة:
فلا نبالغ ولا نضخم من أرباح تُجار البشر الطائلة .. أرباح لا يحققها أي مشروع تنموي سواء أكان هذا المشروع زراعي أو صناعي أو تجاري أو خدمي...الخ. تتدفع الحكومة 100 دينار كويتي شهرياً للشركات على كل رأس (أي على كل عامل) ثم تقوم تلك الشركات بصرف راتب شهري للعامل في حدود 18 إلى 20 دينار كويتي لا غير؛ أي وبدون حساب أن نسبة الأرباح 80% .. بينما نسبة الخسائر المتوقعة (0.0 %) ... ونسبة المخاطرة للمشروع (ص0.0 %)... استثمار رائع ومربح ومضمون ومشروع وغير مخالف للقانون وكسب مشروع!!!
ممكن أن يخرج علينا في تلك الحالة أحد المسؤلين في الحكومة قائلاً أن الحكومة ممثله في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل المنوط بها تطبيق ومتابعة قوانين العمل في القطاعين الحكومي والأهلي.. أنها كانت لا تعمل أو لا تدري بهذا كله (اي أنها في سبات عميق).. أي "عذر أقبح من ذنب"؛ وبالتالي فالقوانين لا تطبق ولا يُعمل بها!!! أما إذا كان التصريح الحكومي أن الحكومة كانت تعرف وتعلم بكل ذلك فهذا أفظع وأشنع ... وهنا يمكن أن يطرح مليون سؤال؟؟!!
إذا فتجارة المخدرات حرام – وتجارة الدعارة والجنس حرام – وتجارة تصنيع وبيع وتسويق الخمور حرام – والتجارة بالأموال غير معلومة المصدر (غسيل الأموال) حرام... بينما؛ تجارة البشر وبكل تأكيد حلل!!!!!!
وعليه فيمكن أن ندعو الكُتاب والباحثين لتأليف كتاب بعنوان: "كيف يمكنك أن تصبح ملياردير بسرعة الصوت بالقانون"!!!..
لذلك لماذا كل هذا الدعوات ضد الشركات التي يقال أنها السبب الرئيسي لانفجار وانطلاق تلك الاعتصامات والاضرابات... بل قد وصل الوضع لاتهام البعض تلك الشركات بأنها هي التي دعت وشجعت هؤلاء العمال على التظاهر والاعتصام وذلك لهدفين: الهدف الأول التخلص من بعض تلك العمالة نهائيا بتفسيرهم وأبعادهم نهائيا عن البلاد لأنهم يهيجون ويأججون مشاعر باقي العمال بحيث يكون التوقيف والتسفير على نفقة الحكومة وبأسرع ما يمكن وبشكل قانوني؛ بينما الهدف الثاني هو الضغط على الحكومة لرفع رواتب تلك العمالة مما يعني رفع المخصصات والمستحقات المالية لتلك الشركات...
وبالطبع فالمتأمل والمتعمق في الأحداث بشكل هادىء وعقلاني لا يتفق تماما ونهائياً مع تلك الدعوات والاتهامات لتلك الشركات.. لأنه ليس في مصلحتها بتاتا أي يُفضح أمرها وينكشف المستور؛ لأنها تريد أن تعمل في صمت كما تعودت منذ سنوات طويلة.. بلا صحافة ولا إعلام؛ كما حدث مؤخراً فقد تسلطت الأضواء عليها وانفضح أمرها للدنيا كلها داخليا وخارجيا. وهناك ما هو أفظع من ذلك كله؛ من هم أصحاب تلك الشركات؟!!!... سوف نحاول أن نجيب على هذا السؤال في الحلقات القادمة إن كان في العمر بقية وظلنا أحراراً؛
بقلم
محمود سلامة الهايشة
كاتب ومهندس وباحث مصري
ساحة النقاش