هندسة الانتباه

العلوم والفنون والآداب

تحليل أنواع القوة السياسية

بقلم م/ محمود سلامة الهايشة (*)

 

القوة السياسية الأحادية أو الذاتية:

     هي النموذج والصورة السياسية للواقع العربي من المحيط للخليج مع اختلافات بسيطة جدا للغاية وهي مجرد الاختلاف في الطبيعة الإنسان واختلاف الأسلوب ولكن الوضع في بلدنا العربية عبارة عن نسخ مستنسخة من ضلع أعوج.

      سياسة القوة السياسية الواحدة وحكم الحزب الأوحد (الحزب الحاكم).. سواء أكان هذا الوضع في الدول ذات الحكم الملكي أو الجمهوري فهي في النهاية أسماء ومسميات لدساتير تلك الدول ولكن المبدأ واحد لا اختلاف على الإطلاق.. فالنظم الملكي يورث الحكم وكذلك النظام الجمهوري يورث الحكم..

وانتشار وتفشي الفساد والذي طال كافة نواحي الحياة (الاقتصادية والاجتماعية والقضائية والتشريعية والرياضية والفنية ...الخ) فتورث حاليا جميع الوظائف والمناصب المدنية منها والعسكرية والقضائية والأكاديمية!!

هي فوضى:

       فعلا هي فوضي وليست فوضى خلاقة كما تسميها القطب الأوحد المهيمن على العالم (الولايات المتحدة الأمريكية) .. بل هي فوضى مفسد ومدمره!!

      وفي تجربة شخصية مع أحد الأصدقاء وهو على درجة مدير عام بإحدى الدوائر الحكومية بمصر عندما وصف إعجابه الشديد بهذه الفوضى فقال: "اللهم دمها فوضها وأحفظها من النظام".. شيء في غاية الأسف والأسى.

      ومنذ أربع سنوات كنت انتقل من محافظة لأخرى بشمال مصر وكنت استقل أحد الأتوبيسات للنقل الجماعي وكان هناك شخصين يستقلون نفس المركبة وهم منذ سنوات طويلة لم يروى بعضهما .. وكانوا يجلسون متباعدون الأول في بداية المركبة بجوار السائق والأخرى في نهايتها .. و بدءوا الحديث وكان حديثهم منصب على الفساد الإداري في المحليات وتفشي الواسطة والرشوة ؛ فستشهد أحدهما للأخرى بمقوله شهيرة كان هو زملائه أثناء فترة التجنيد الإجباري يقولها بسبب منح بعض المجندون إجازة كثيرة وعلى فترات متقاربة ... بينما هناك الكثير لا يأخذون إجازات أو إجازات على فترات متباعدة للغاية.. وبالطبع السبب واضح الواسطة والمحسوبية الفاضحة الصارخة؛ كانوا يقولون: "لو كان نهر النيل صلصة .. لم يكفي الكوسة في مصر".. والمقصود بالصلصة هي معجون الطماطم الذي يستخدم في الطبخ، ويرمز في مصر للواسطة بمحصول الخضار الشهير (الكوسة).

فالحاكم في دولنا العربية هو الرئيس أو الملك وهو الوزير وهو المدير وهو المسئول في أي موقع من مواقع الدولة أي عبارة حكم مركزي لدرجة أن المؤسسات ليس لها أي دور على الإطلاق.. حيث أنه مر النصف قرن الماضي أي في حقبة ما بعد الاستقلال من الاحتلال الأجنبي لها.. تتفاخر الحكومات العربية المتعاقبة في خلال تلك الفترة بأنها دول مؤسسات ..  وبالطبع هذا كلام لا يبت للحقيقة بصلة ؛ وخير دليل على هذه الحقيقة الواقعة أنه لا يوجد إدارة للكوارث والأزمات في أي وزارة أو مؤسسة من المؤسسات العربية.. فأي أزمة أو كارثة سوء كانت طبيعية أو من صنع البشر لم/ولن تواجه بأي شيء من الإدارة أو الرعاية.. دول على الله.. على ما تفرج؛ تواكل وليس توكل. 

      والمطلوب من الشعوب أن تقول سمعنا واطعنا .. وأي شخص يرفع صوته بالمطالبة بأي حق من حقوق الإنسان الأساسية يصبح معارض أو متآمر أو موجه من الخارج أو غير وطني أو جاسوس وخائن للوطن؛ وإذا زاد وعلا الصوت أكثر فينتهي به الأمر إلى المعتقل أو المشنقة..

     دولنا العربية تحكم كلها بسياسية واحدة لا ثاني لها ... ألا وهي سياسة الحديد والنار؛ وكلها تحكم بموجب قانون الطوارئ سوء أكان ذلك معلن بشكل رسمي وواضح أو غير معلن.. والدول التي تعلن أنها تحكم بذلك القانون بدأت بتهدئة الشعب والمعارضة الداخلية لها بتحويل القانون الذي يمكن أن يلغى في أي وقت إلى مادة من مواد الدستور مع تغيير بسيط للغاية هو الاسم من قانون طوارئ إلى مادة دستورية لمكافحة الإرهاب .. والحجة حماية الأمن الوطني والمصالح العليا للدولة من العدو الخفي والشبح الداهم.. 

دولة داخل الدولة: 

     فقد تحول الحكم العربي من الحكم المدني للحكم العسكري؛ حيث أن المعارضين للحكام وللنظم الحاكمة يتم تقديمهم لمقاضاتهم أمام المحاكم العسكرية وليس المحاكم المدنية.. وتحولت الدولة المدنية إلى الدولة الأمنية البوليسية.. حيث أصبحت وزارة الداخلية إلى دولة داخل الدولة والشخص الذي يجلس على كرسي الوزارة هو الحاكم الأمني للدولة الذي يحمي كرسي وعرش الحاكم المدني للدولة.. فالمهمة الملقى على عتق وزارة الأمن الداخلي هي عدم الاقتراب أو التصوير أو النظر أو حتى التفكير مجر التفكير في هذا الكرسي أو العرش!!

دولة رجال الأعمال (ذوي الياقات البيضاء):

      من أخطر الأمور في العمل السياسي تحكم وسيطرة رؤوس الأموال بالحياة السياسية .. والتي ينتشر إلى كافة مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية .. الخ؛ مما يعمل على انتشار الفساد كانتشار السرطان بجميع أجهزة الجسم..

     لأن سيطرة رجال الأعمال على مصالح الدولة يعمل على انتشار الاحتكار وانعدام المنافسة.. مما يؤدي إلى أن الأغنياء يزدادوا غنى والفقراء يزدادوا فقراً .. وتلاشي الطبقة المتوسطة ؛ مما يهدد السلام الاجتماعي للمجتمع!! 

      وتجربة إدماج تلك الفئة (القلة) للجنة السياسات وأمانة السياسات بالحزب الوطني الديمقراطي الحاكم في مصر خلال خمسة سنوات الأخيرة أفرزت مجاعات فالناس لم تعد تجد ما تأكله بسعر مناسب وأخر مثال واضح وصارخ عدم القدرة على الحصول على رغيف الخبر.. ولكي تحصل عليه فقد يكلفك ذلك أما عمره كله أو على الأقل إصابة تجعلك عاجز عن العمل الذي لا يوجد أصلاً... وحتى اللحم الغالي فأصبح أن وجد ثمنه فلا يجد المواطن المسكين إلا لحم الحمير يشتريه ويأكله؛ ولم يعد الناس يجدون المياه النظيفة للشرب ولا مياه كافية الزراعة.. وحتى المياه المعدنية المعبئة ظهر أنها لا تصلح للاستهلاك الآدمي حيث أظهر تقرير أصدرته جمعية حماية المستهلك مؤخراً أن هناك خمس شركات كبرى لتعبئة المياه الصحية أنا مياه ليست صحية وغير صالحة للاستخدام الآدمي وذلك بالدليل الدامغ وبالتحليل المعتمدة.. 

الراحل والسابق:

    من الأماني التي يتمنها الجمهور العربي هو ان يسمع كلمة الرئيس أو الحاكم السابق والتي لا يوجد لها أي مكان في القاموس اللغوي للمواطن العربي .. بل يوجد الحاكم الراحل والذي توفى الله تعالى وهو جالس على سدت الحكم؛ بينما في الدول ذات الحكم السياسي غير الذاتي.. تلك الدول التي بها حياة سياسية جيدة وديمقراطية عادلة .. نجد بها الحاكم السابق والذي قد يصل في بعض الأحيان خمسة حكام على قيد الحياة في وقت واحد وقد حدث ذلك في الولايات المتحدة الأمريكية .. وعليه؛ فمن الممكن لأي مواطن وهو يتجول في الأسواق ان يقابل أحد الحكام وهو يتجول كأي مواطن عادي!!

     ومنذ عدة أيام ظهر الرئيس الأمريكي الأسبق "جيمي كارتر" من جديد على كافة وسائل الإعلام وهو يتجول في منطقتنا العربية كسفير للسلام بين المقاومة الإسلامية بفلسطين وإسرائيل وبين سوريا وإسرائيل.. وقد تم استقبال الرجل بشكل جيد جدا فهو كان مهندس أول اتفاقية سلام عربية إسرائيلية عام 1979 (اتفاقية كامب ديفيد) في عهد الرئيس المصري الراحل أنور السادات. فكم رئيس حكم الولايات المتحدة الأمريكية بعد كارتر وحتى اليوم.

     فالمصطلح المعروف والمتعارف عليه عندنا نحن العرب .. هو الحكم الدائم والرئيس الدائم والوزير الدائم!!!             

    ومن الملاحظ أنه كما للمقاومة المشروعة إعلام ينشر ويتحدث عنها وعن شرعيتها .. يوجد إعلام للمنظمات الإرهابية والتي تقوم مقاومات غير شرعية؛ ومن المدهش للمتابع لكافة وسائل الإعلام التقدم المذهل لتلك المنظمات في استخدامها ما يجد من جديد الإعلام مما يدل على أهمية الإعلام في التأثير على المجتمعات المحلية والإقليمية والعالمية سواءً سلباً أو إيجاباً.

-------------

(*) كاتب ومهندس وباحث مصري

[email protected]

 

 

 

  • Currently 60/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
20 تصويتات / 1095 مشاهدة
نشرت فى 23 مايو 2008 بواسطة elhaisha

ساحة النقاش

محمود سلامة محمود الهايشة

elhaisha
محمود سلامة الهايشة - باحث، مصور، مدون، قاص، كاتب، ناقد أدبي، منتج ومخرج أفلام تسجيلية ووثائقية، وخبير تنمية بشرية، مهندس زراعي، أخصائي إنتاج حيواني أول. - حاصل على البكالوريوس في العلوم الزراعية (شعبة الإنتاج الحيواني) - كلية الزراعة - جامعة المنصورة - مصر- العام 1999. أول شعبة الإنتاج الحيواني دفعة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,714,925