إنها لغة فاشستية مرفوضة
د. راكان عبدالكريم حبيب
بكل تأكيد لن يصدق العرب والمسلمون التبريرات الأمريكية حول اللغة التي استخدمها الرئيس جورج بوش بأنها غير مقصودة لسببين بديهيين. الأول الإصرار على إستخدام نفس الأسلوب. والثاني أن الواقع يؤكد عدم مصداقية التبريرات. وبالتالي فإن أي استخدام سيء للغة في وقت الصراع يعد مؤشراً قوياً لوجود تيار قوي يناقض الدعوة العالمية لإحلال السلم والتفاهم والحوار. لذا فإن الإصرار على هذا الاستخدام يؤدي إلى استخدام مضاد يحرك العداء بين الحضارات.
عندما إستخدم الرئيس الأمريكي جورج بوش كلمة الحرب الصليبية بررها المسؤولون هناك بأنها غير مقصودة فتحملها المسلمون بحسن نية رغم أن واقع التدمير الذي وقع على المسلمين الآمنين في أفغانستان والعراق يقول عكس ذلك. إذ ما شأن الأطفال الأبرياء بالإرهاب؟ لذلك عندما يأتي الرئيس الأمريكي مرة أخرى ويصف حالة محددة (لم تتأكد صحتها) بالإسلام الفاشستي على محمل التعميم، فإن ذلك مدعاة للوقوف أمام هذا الاستخدام ومن ثم الرجوع إلى العلم لكي نضع التفسير في موقعه الصحيح أمام التبريرات التي تحركها الدوافع السياسية.
لا بد أن ندرك في البداية أن كلمات رؤساء الدول هي عبارة عن مواقف سياسية معبرة. لذلك يفترض أن لرؤساء الدول كتاب متخصصين في صياغة وتحرير الخطب .. ويفترض أيضاً أن تناقش هذه الكلمات من قبل مستشاري الرؤساء. وبالتالي فإن اختيار الكلمات لا بد أن يتم على أساس علمي ليس هنا مكان للخوض فيه. أهم ما في هذا الاختيار هو توظيفها لخدمة أهداف محددة.
في هذا الإطار يمكن الإشارة إلى ثلاثة أشكال للاستخدام اللغوي كلها تبين حقيقة واحدة وهي أنه لا يمكن إلا أن يكون للغة أهداف وراء إستخدامها:
الشكل الأول: إستثارة التاريخ
يؤدي إستخدام العبارات القديمة التي كانت تمثل حقبة في تاريخ الصراع بين طرفين، إلى تجديد ذلك الصراع. فعلى أقل تقدير أن اللغة تساعد على إثارة روح الصراع وجعله مستمراً وربما يحمل على الانتقام والثأر أو يهدف إلى تجديد الخطاب القديم. وفي جميع الأحوال تؤدي مثل هذه العبارات إلى تحقيق الرضا الجماهيري.
الشكل الثاني: التعميم
عندما يتعمد انتقاء حالة (فردية) وتعميمها على مجموع أكبر من الشعوب، فإن ذلك يفسر على أساس أنه تعبير عن هدف خفي ربما يكون إيجابياً أو سلبياً لكنه في جميع الأحوال يعبر عن الموقف تجاه الجميع
الشكل الثالث: الدليل المصطنع
تعتمد اللغة في قوتها على استخدام المنطق للاستدلال بالحجج والبراهين على وجود حقيقة ما لكن عندما تصطنع الأدلة (أي تفبرك) ، فإن ذلك يعد مؤشراً قوياً لوجود مقصد غير نبيل يهدف إلى تفعيل اللغة لزيادة تأجيج العداء.
بكل تأكيد يعتمد الاستخدام الإيجابي أو السلبي للغة على طبيعة المناخ العام لكن يمكن التأكد من الاستخدام السيئ عندما نلاحظ وجود أطراف تلوث هذا المناخ. وبكل سهولة يمكن تعيين باقة كبيرة من مؤشرات هذا المناخ المصطنع من أهمها:
·الأخبار الكاذبة بين فترة وأخرى بشكل روتيني عن توفر معلومات بتفجيرات محتملة يقوم بها مسلمون
·انتشار أخبار عن تسرب الجمرة الخبيثة التي لم يعرف مصدرها حتى الآن رغم خطورتها
·الادعاء المستمر بوجود أسلحة كيمائية لدى جماعات ودول إسلامية معينة
·تعمد رؤساء الدول الإساءة للإسلام بصورة مباشرة
·تصريحات عدائية لرجال الكنائس وصحفيين ضد المسلمين مثل الإساءة للرسول صلى الله عليه وسلم والدعوة لتدمير الكعبة
أمام هذا الوضع لا بد من عمل أمرين الأول أن يكون الاستخدام الفاشستي للغة المسيئة للإسلام ضمن أجندة المفاوضات بين المسؤولين المسلمين مع نظرائهم الأمريكيين والأوربيين. الثاني أن يعمل الإعلام العربي على كشف المقصد السياسي للاستخدام الفاشستي للغة ضد المسلمين حتى لا يُجهل المواطن العربي أمام التبريرات السياسية الخادعة.
ساحة النقاش