الحركات الإسلامية .. وحزب الله
بقلم : د. وحيد عبد المجيد - الاتحاد الاماراتية
لم يكن الموقف السياسي المشترك ضد إسرائيل وأميركا كافياً، لجمع إسلاميين كُثر يفصل بينهم خلاف مذهبي عميق مع "حزب الله"، مثلما لم يكن الموقف المشترك ضد مقاومي بناء عراق جديد كافياً، لجمع الولايات المتحدة وإسلاميين شيعة عراقيين ضد "حزب الله".
لقد دخل الخلاف المذهبي (السنّي- الشيعي خصوصاً) بشكل مؤثر للمرة الأولى على خط العلاقات بين الاتجاهات والحركات الإسلامية اتفاقاً واختلافاً، تعاوناً وصراعاً، وأصبح أحد أهم محددات العلاقات بين الإسلاميين على امتداد العالم الإسلامي.
ويظهر ذلك لدى قراءة مواقف الاتجاهات الثلاثة الرئيسة المكونة لخريطة الإسلاميين السّنة اليوم، وهي تيار الإسلام السياسي وفي القلب منه "الإخوان"، والتيار السلفي الجهادي الذي تقوده "القاعدة"، والتيار السلفي التقليدي الذي ما زال الأكبر والأوسع انتشاراً على امتداد العالم الإسلامي.
فكان تيار الإسلام السياسي، وحركته الأهم (الإخوان)، هو الذي اتخذت قيادته في مصر ومعظم تنظيماته خارجها، أقوى موقف مساند لـ"حزب الله" بين هذه التيارات، بينما انقسم علماء وجماعات التيار السلفي التقليدي بين من أعادوا تأكيد عدائهم لـ"حزب الله" ومن رأوا أن مساندته واجبة رغم رفض منطلقاته. ولا مفاجأة كبيرة في ذلك، فالصراع السني-الشيعي استعصى على كل محاولة للتقريب، وما القتل المتبادل الذي نشهده في العراق، على الهوية المذهبية بين السلفية الجهادية وبعض القوى الشيعية، والذي ينذر بحرب أهلية، إلا أحدث تجليات هذا الصراع حتى الآن.
لقد هاجم قطاع من التيار السلفي التقليدي "حزب الله" بشكل صريح، واتهمه بأنه يعمل من أجل إيران وليس لوجه الله والوطن، ودفع بتحريم مساندته مع الدعوة في الوقت نفسه، إلى الدفاع عن لبنان والتصدي للعدوان الإسرائيلي الإجرامي. أما البعض الآخر في التيار السلفي التقليدي فقد آثر الصمت، لأن منطلقاته العقيدية لا تسمح له بمساندة حزب يعتبره جزءاً من طائفة يراها "مارقة"، في الوقت الذي لا يرغب في مهاجمته وهو يخوض معركة باسلة في مواجهة إسرائيل.
التيار الثالث، وهو السلفية الجهادية مثلاً في قيادة شبكة "القاعدة"، وجد حلاً آخر لهذه المشكلة في التعامل مع "حزب الله" وسط هذه المعركة، فهو لا يستطيع أن يلوذ بالصمت حتى لا يترك "حزب الله" وحده تحت الأضواء، ولا يريد أن يهاجمه، بينما لا يستطيع مساندته بشكل مباشر بسبب الخلاف المذهبي. فكان الحل عند الرجل الثاني في "القاعدة" د. أيمن الظواهري في ربط الحرب على لبنان بالحرب الأوسع بين الفسطاطين، مركزاً على (الجبهتين الجهاديتين في أفغانستان والعراق)، وداعياً إلى جهاد لتحرير كل أرض كانت دار إسلام من الأندلس إلى العراق. وعندئذ تكون معركة حسن نصر الله تفصيلة صغيرة جداً في حرب بن لادن والظواهري.
ولكن السؤال الذي يثيره اختلاف الإسلاميين السنّة تجاه "حزب الله"، هو: لماذا لم يجد الإسلام السياسي ممثلاً في "الإخوان" وجماعات أخرى تشبههم، مانعاً يحول دون مساندة حزب الله، بخلاف قطاع واسع في التيار السلفي التقليدي، والتيار السلفي الجهادي الذي تجاهل الرجل الثاني في أهم تنظيماته "القاعدة"، هذا الحزب في شريطه الذي سجله بمناسبة الحرب على لبنان؟
الإجابة نجدها في الفرق الأساسي بين الإسلام السياسي والسلفية الإسلامية تقليدية وجهادية، وهو أن هذه السلفية يحركها الموقف العقائدي قبل كل شيء، بخلاف الإسلام السياسي الذي يمكن أن يتقدم الموقف السياسي لديه على الموقف العقائدي. كما أن نظرة معظم جماعات الإسلام السياسي، وخصوصاً قادتها أكثر من قواعدها، إلى الشيعة لم تعد تتسم بالحدة التي تميز موقف عموم السلفيين الذين يعتبرون هذه الطائفة "مارقة"، ويسميها بعضهم "الرافضة"!
ولما كان الموقف السياسي مقدماً لدى تيار الإسلام السياسي عموماً، وحركة "الإخوان المسلمين" خصوصاً، فقد اختلفت مواقف بعض تنظيمات هذه الحركة ولا سيما التنظيم السوري. صحيح أن هذا التنظيم لم يخرج علناً على الموقف الذي أعلنه المرشد العام في القاهرة، حين ساند "حزب الله" وانتقد موقف السلفيين الذين حرموا مناصرة هذا الحزب، ولكنه لم يعلن، في الوقت نفسه، التزامه بهذا الموقف، ليس بسبب خلاف مذهبي لأن هذا الخلاف ليس له أثر يذكر في مواقف "الإخوان"، ولكن نتيجة خلاف سياسي جذري مع نظام الحكم السوري المؤيدة بقوة لـ"حزب الله".
فمن الصعب تصور أن يساند "الإخوان" السوريون، الذين ينص القانون في بلدهم على إعدام من يثبت انتماؤه إلى تنظيمهم، حزباً وثيق الصلة بنظام الحكم الذي سن هذا القانون، خصوصاً إذا رأوا أن هذا النظام سيصبح أقوى في حال صمود "حزب الله" في مواجهة العدوان الإسرائيلي. ولا يعني ذلك أنهم مع هذا العدوان بأي حال، وإنما هي تعقيدات السياسة حين تتناقض فيها المصالح وتصطدم. هذه التعقيدات لا يمكن تبسيطها إلا بعزل الموقف السياسي، أو غيابه أصلاً، لمصلحة موقف مذهبي طاغ على ما عداه عند قطاع واسع من التيار السلفي التقليدي.
أما حين تحضر السياسة، فلا مناص من التعقيد الذي يواجه قيادة "القاعدة" على النحو الذي دفع الظواهري إلى إعلان موقف مدفوع بهدف سياسي يرمي إلى عدم ترك الساحة لـ"حزب الله"، ومحكوم في الوقت نفسه بالموقف المذهبي الذي يحرّم المساندة المباشرة لهذا الحزب.
فإذا كان في إمكان جماعات سلفية لا تعمل بالسياسة بشكلها المباشر أن تصمت، أو أن تهاجم "حزب الله" لأنها ليست مقيدة بحسابات سياسية، فلا تستطيع "القاعدة" أن تفعل مثلها. ولذلك أطل الظواهري بسرعة لينبه إلى أن الحرب أوسع بكثير، لأنها تمتد من العراق إلى الأندلس. وفي حرب بهذا الاتساع، تظل "القاعدة"-وفقاً لرؤية قادتها- وحدها هي القادرة والملهمة، ويبقى كل من هو دونها بمثابة تفصيل صغير بما في ذلك "حزب الله" الذي لم ينطق الظواهري اسمه مرة واحدة.
ولذلك فهو، في إطلالته هذه، أراد أن يؤكد حضوراً، وليس فقط يسجل موقفاً، وفي كل من الحضور والموقف، ابتعاد عن "حزب الله" واقتراب من القضية التي نجح هذا الحزب في أن يستند إليها ليلهب مشاعر كثير من المسلمين والعرب بأدائه في مواجهة إسرائيل. فهو لم يطل مناصراً لـ"حزب الله"، وماداً يديه إليه، بخلاف ما ذهب إليه محللون ومعلقون نتيجة قراءة متعجلة لخطاب الظواهري في شريطه المتلفز. فقد قفز بعضهم إلى هذا الاستنتاج كنوع من التفكير الرغائبي Wishful Thinking، الذي يتمنى أن يقف الجميع مع "حزب الله"، بينما ذهب بعض آخر إلى الاستناج نفسه، في إطار شعور بالقلق من أن تكون في مناصرة "القاعدة" لهذا الحزب، أذى يلحق به على طريقة "الدبة التي قتلت صاحبها". لقد أطل الظواهري لا ليساند "حزب الله"، وإنما ليعلن أن "القاعدة" حاضرة في هذه المعركة ولكن من منظارها الخاص، وليبلغ رسالة مفادها أن هذه معركة محدودة في المكان والزمان، أما معركة "القاعدة" فهي مفتوحة في كل مكان وفي كل وقت وأوان.
وفضلاً عن تجاهل "حزب الله"، لم ينس الظواهري التذكير بالمعركة التي يخوضها رجال "القاعدة" في العراق ضد من أسماهم (المسلمين الخونة)، وهذه إشارة يفهم منها كل شخص ما يريد أن يفهمه.
وقد وقف بعض المحللين محتارين أمام استخدامه تعبير (المستضعفين) الذي كان الإمام موسى الصدر هو أول من استخدمه قبل اختفائه. تعددت التفسيرات وتنوعت، ولكن أكثرها فكاهة هو التفسير الذي ذهب إلى أن الظواهري حرص على أن تكون هناك لغة مشتركة مع الشيعة.
فالأرجح عندي هو العكس، لأن السياق الذي وردت فيه الإشارة إلى (المستضعفين) ربما يفيد وضع الشيعة ضمن من دعاهم في العالم إلى الوقوف مع المسلمين في مواجهة الظلم: (أيها المستضعفون والمظلومون في العالم.. قفوا مع المسلمين في مواجهة هذا الظلم).
وربما لا يكون هذا هو ما قصده، ولكن الأكيد أن تقديم ما هو سياسي على ما هو عقائدي في موقف الظواهري، لا يصل به أبداً إلى ما بلغه الإسلام السياسي ومعظم تنظيماته، في تجاوزه للعداء ضد الشيعة وسعيه إلى موقف مشترك في مواجهة العدوان الإسرائيلي.
محمود سلامة محمود الهايشة
محمود سلامة الهايشة - باحث، مصور، مدون، قاص، كاتب، ناقد أدبي، منتج ومخرج أفلام تسجيلية ووثائقية، وخبير تنمية بشرية، مهندس زراعي، أخصائي إنتاج حيواني أول. - حاصل على البكالوريوس في العلوم الزراعية (شعبة الإنتاج الحيواني) - كلية الزراعة - جامعة المنصورة - مصر- العام 1999. أول شعبة الإنتاج الحيواني دفعة »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
2,719,273
ساحة النقاش