(عولمة) الفتوى و(خصخصة) الرأي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي له الأمر من قبل ومن بعد، القائل لرسوله (عفا الله عنك لم أذنت لهم) والقائل (ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين ) والقائل (وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه) والصلاة والسلام على رسوله الذي ترك رأس النفاق يصلي مع المسلمين لهدف أسمى ومصلحة كبرى وبعد:
أيها الأحبة الكرام:
يسعدني أن أرى الجميع من علماء وأتباع ومحبين و(مبغضين) وصادقين ومحايدين و(حساد) جلهم يشاركون هذا السجال الفكري الشفاف الذي تثيره النوازل لحاجتنا إلى الغربلة التي تنفى خبث الفكر وغبش الران، ليمكث في الأرض ما ينفع الناس وليذهب الزبد جفاء. ولأولئك الذين استطالوا في الذم أقول لهم دونكم بقية عرضي إن شئتم لا تثريب عليكم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين، فلحمي غير مسموم (إن كان سركموا ما قال حاسدنا*** فما لجرح إذا أرضاكموا ألم) إن كان ثمة لوم فهو موجه إلى مدارس أنجبت هذا الهجين الغريب من السلوكيات التي أمنت مكر الله عالم السر وأخفى لمجرد أنها تترست خلف أسماء مستعارة (الإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس!!) وإن مثل هذه السلوكيات في النقد لتوجب مزيدا من الكتابة الصريحة، وسواء أمدحتم أم قدحتم فهناك رسالة لابد من تأديتها استجابة لأمر من يُدخِلُ الجنة ويزحزح عن النار؛ رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين جعلنا الله وإياكم من أهل الجنة وأعاذنا نار السموم.
أيها الراشدون:
ماذا علينا لو أننا نناقش القضايا بعيدا عن (الشخصنة) فيقبل الحق إذا تبين حتى لو جاء به مثل (شيطان أبي هريرة) أو (هدهد سليمان ) ألسنا نردد دوما بأنه (كل يؤخذ من كلامه ويرد إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم) ما يرضي عامة الناس معلوم وفي المتناول لمن أراد الصدارة المزيفة على حساب المبدأ، أما ما يرضي رب الناس فمعلوم أيضا- نسأل الله أن يوفقنا له - حتى لو غضب الناس قاطبة(لَتبينُنُهُ للناس ولا تكتمونه) ألا نعلم بأن استيعاب الأحداث يقتضي من الجميع صبراً وحلماً وحكمة يفرضها علينا سمو الهدف وبعد النظر وقلة التجربة؟.
ليس من المقبول شرعاً ولا عرفاً ولا أصالة أن يبلغ بنا الغرور حد (يمنون عليك أن أسلموا) أو (نحن أبناء الله وأحباؤه) إغراق في الشعارات وفشل في الممارسات، نجاح في التفكير النظري المجرد، وفشل ذريع في أول خطوة عملية حين نصدم بعالم الواقع! ما هذه القداسة المطلقة لذاتنا و التي لانقبل معها أن يقول قائل منا لغير معصوم بأنه أخطأ؟ لقد أخطأ التابعي بل أخطأ الصحابي دون أن يعتبر ذلك قدحاً في أحدهم أو إنقاصاً. فمن من المعاصرين منا كائناً من كان لا يَرِدُ منه الخطأ بل والخطأ الفاحش أحياناً؟ ورب السماء والأرض إننا نقدر العلماء التقدير الواجب، ونتعبد الله باحترامهم بيد أنه من محبتنا لهم ألا نرضى أن تكون مواقفهم أمام العالم هزيلة خاصة في النوازل الكبرى والفتن المدلهمة، ولا نرضى أن يكونوا مادة لكل متربص بالدين وأهله وكأننا معهم سذج رعاع لا نفهم شيئاً فيما قد يفهم صغار المثقفين من أزماتنا المعاصرة. فمتى نملك الشجاعة التي (نعولم) فيها الفتوى و(نخصخص) فيها الرأي الفردي.
إن الفتوى بمفهومها التقليدي الفردي لم تعد قادرة على الصمود أمام تحديات المرحلة وإعصارات المواقف، نحن اليوم لا نتعامل مع العالم الآخر بالندية فالعالم المتسلط قد تمكن منا بشكل لا سابق له، انظروا مثلاً إلى مواقفنا العاجزة من أزمة أحبتنا المخطوفين في غوانتناموا، هل استطعنا فعل شي في حقهم أو فك أسرهم؟ لن ينفعهم حشد الفتاوى المحلية بقدر ما نحتاج في قضيتهم إلى الملمين بمواثيق الأمم المتحدة وميثاق جنيف للأسرى وميثاق حقوق الإنسان حتى نخاطب قوماً لايؤمنون بغير هذا، وإنه لمن البديهي أن كل عالم بشي في هذا العصر جاهل بأشياء، فالكمال لله وحدة والعصمة لمن عصم الله وكما ندين الله تعالى بتقدير العالم لعلمه فإننا ندين الله أيضا بأن هذا العالم لربما كان أجهل من طالب الإعدادية في مجال آخر لم يتطرق إليه بحياته كالفلك والطب والسياسة والاقتصاد والعلاقات الدولية، هاهي هيئة كبار العلماء على سبيل المثال لا يوجد بها خبير واحد يزودها في الحد الأدنى للمعلومات محل النقاش والصراع العالمي اليوم، تصورا لو توفرت لهم قاعدة معلومات متنوعة كيف ستصبح قوة بياناتهم في النوازل.
أناشدكم الله يا أحبتي الكرام أن تطبعوا أنفسكم على تقبل الرأي المخالف من أخوانكم بأعصاب هادئة، بعد أن أوشكت الحرب أن تضع أوزارها، لنضع حدا للتخبط والخلط بين الفتوى والرأي، فالمفتي موقع عن الله بالاجتهاد المبني على الدليل والمعرفة بالواقع ولكنه يقول رأيه الشخصي أيضا، وليس أحد بعد نبينا يزعم بأنه لا ينطق عن الهوى، مواقف محرجة أطلق العامة عليها فتاوى لمجرد أنها صدرت من علماء أفاضل، ووجهات نظر وآراء متناثرة هنا وهناك في مسائل شتى كالحج وزكاة الفطر والتصوير والدراسة! بل حتى وردت آراء احترازية سميت (بالفتاوى) في (الساعة) و(الكبك) و(البسكليت) و(الراديو) و(البرقية) و(حلقات تحفيظ القران) و(الأرشيف) و(الملعقة) (كتاب: التبيين في مخالفة المشركين)... وسرعان ما أصبح حرام الأمس جائز اليوم، والضحية دائما هي الأمة التي تحسن الظن بالمتدينين عامة وتنزل عند رأيهم، بينما الحقيقة الكبرى هي أن الوحي منقطع والدين مكتمل قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة، والأصل في الأشياء الإباحة والحمد لله.
يا عقلاء القوم:
لم يقف الحد عند غرابة رأي طالب علم مغمور أو درس في مسجد مهجور، فهذا رئيس محاكم إحدى المناطق الرئيسة- مثلا- رفض قبول (ألأرشيف) في محاكم منطقته لأنه يراها (حكم وضعي) فخلفه عالم فاضل بقي هو الآخر يقضي في المسجد عشر سنين رافضا دخول مبنى المحكمة لأنه لا يرى التقاضي خارج المسجد! الشيخ صالح البليهي رحمه الله لعنه اللاعنون من بعض من يسمون (طلبة العلم ومشائخ) في منطقته بل ضربوه وقطعوا الكهرباء عنه احتساباً وهو يفتي في المسجد وبقى منبوذاً مكروهاً (في الله!!) من قبلهم إلى أن مات وذلك لا لشيء إلا أنه يرى مشروعية (حلقات تحفيظ القرآن) فمنع بعض الناس أبناءه من حلقات تحفيظ القران أخذاً (بالأحوط) بناء على ما يسمونه بالفتوى!!! معركة الصور وقضايا التصوير المحرمة علانية والجائزة سراً عند الكثير، أقل ما قيل فيها الحرمة وأكثر ما قيل فيها أنها موصلة للشرك الأكبر، تحريم الدارسة للبنين ومن ثم البنات إلى عهد قريب أجيال من الجنسين وجدوا أنفسهم محرومين من اللحاق بعربة قطار الحياة لا لشيء إلا لأن آباءهم خافوا عليهم من الإثم فاحتاطوا باتباع هذا (المفتي) أو ذاك على غير هدى، والحقيقة التي قد لا تروق لبعضنا إن أقل ما يمكن قوله في تلك (الفتاوى) التي جلبت الضرر وحرمت الأمة من المباحات بأنها آراء فاسدة فوتت مصالح وكسرت نفوس الأبناء المحرومين الذين يتمنون أن لو تجرؤوا على تلك (الفتاوى) في حينها فرموا بها عرض الحائط فالتحقوا بالمدارس وبحلقات تحفيظ القران ومدارس البنات واستفادوا من التقنية وكل ما هو جديد وجعلوا شعارهم (كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور).
تهيئة المفتي في نظر العوام لا تحتاج أكثر من التصدر بموقع ديني كإمام المسجد وحافظ بعض القرآن والراقي والمؤذن، وكلهم دون درجة العابد الذي جعل الشارع فضل العالم عليه كفضل النبي صلى الله عليه وسلم على أدناناً. ألا ترون أن المستفتي أحيانا يصبح مفتيا باستنطاقه المفتي الذي يصبح مرددا لصدى ما سمعه من المستفتي دون أن يتحقق من حيثيات السؤال؟ إبداء الرأي فضلا عن الفتوى يتطلب إلماماً كافياً في إشكاليات محلية و دولية وإقليمية تتطلب تعاون الكل، مع احترامنا لعلمائنا المحليين إلا أنه من الإنصاف القول بأن فقه أمثال الشيخ حارث الضاري والشيخ أحمد السامرائي وإخوانهم هناك في مسألة الصراع الطائفي وهم يعيشون الفتنة يومياً وتتخطفهم المنايا كل لحظة أفضل مئات المرات من فقه من لا يرون جواز تركيب الدش أصلا للوقوف على قضايا الأمة بشكل مباشر ولو عبر الشاشة ثم يطلقون الفتاوى المجردة في قضايا سرعان ما يتراجعون عنها، لقد فتحت الساحة للجميع وانتظر الناس المواقف العملية ونحن أمام مواقف بطولية وتضحيات تجعلنا نخجل ونحن نرى شجاعة أخواتنا – فضلا عن إخواننا- في فلسطين ولبنان وهم يفتقدون الوالد والزوج والوالد ويتحدثون عن الصمود والثبات ومزيد من التضحية في وقت عشنا وعايشنا كيف هرع البغض منا إلى وضع اللاصق على نوافذ منزله حبا في الحياة، واشترى قوتا يدخره يكفيه لفترة الحرب، خوفاً من صواريخ العراق أثناء أزمة الكويت 1990م قبل مجيئها.
المجتمع الإسلامي ليس حقل تجارب للفتاوى غير المنضبطة والآراء العابرة، يجب التفريق بين احترام العالم الواجب شرعاً لعلمه الذي يحمله، وانتقاد موقفه غير المعصوم عند الخطأ فيما لا علم له به، انطلاقا من علمه الذي يحمله أيضا، ولقد أخطأ من هو بمقام عمر بن الخطاب ليتراجع إلى صواب امرأة معلناً ذلك أمام الصحابة. ألا فليصغر أمام هذا الموقف كل معاصر، لن نتوقف عند عن قاعدة (كل يؤخذ من كلامه ويرد...) فحسب بل سنتعداها إلى الواجب وهو الاقتداء بسيد البشر صلى الله عليه وسلم عندما نهى عن توبير النخل، ثم تراجع عنه قائلاً لأصحابه أهل الاختصاص (أنتم أعلم بشئون دنياكم) وما دام هذا حصل مع خير البشر فليس لمن دونه حصانة تحميه من النقد، وعليه سأورد أمثلة لفتاوى ماضية (في عصرنا هذا أمثالها ما قد يتبين خللها مستقبلا) كانت ديناً في حينها عند عامة الناس تعتبر مخالفتها إثماً مبينا، فأصبحت اليوم حرجا فكرياً وعالمياً أعيانا ترقيعه أمام خصومنا من علمانيين و متربصين:
المثال الأول:
في الثاني من ربيع الأول 1355هـ كتب رأس الهرم الشرعي في بلادنا إلى الملك عبد العزيز نصيحة بأن يمنع الشركات الأجنبية من التنقيب عن النفط والمعادن وجاء فيها ( أنت غني عن هذه الأمر وتمكينهم من التماس المعادن لا يؤمن مكرهم ومثل هذا الذي عند كشب و رأس تنورة أمنعهم من ذلك.....كذلك دوجان هؤلاء في نجد تشمئز منه نفوس كل من كان في قلبه رائحة إيمان) (المرجع: لسراة الليل هتف الصباح، وثيقة 37 صفحة 379). كانت نصيحة منه بصدق، ولكن تصوروا لو أن الملك في حينه لا يخرج عن رأي علماء عصره خاصة في مجالات شئون سياسة البلاد العليا والتي هم أبعد ما يكونون عن استيعاب جميع ملابساتها، لو أن الملك نزل عند رغبتهم لوجدتمونا اليوم نسير خلف الإبل والمعز والضان ونركب البغال والحمير حالنا حال بعض البشر في مناطق أخرى، وقد يقول قائل بأن الشيخ كان يريد من الملك استبدالهم بمسلمين، ولكننا اليوم وبعد أكثر من ستين سنة لا نعرف شركة عربية فضلا عن إسلامية قادرة على أن تسد مسد الشركات الغربية التي سخرها الله لنا لاستخراج النفط وتسويقه ، فهل نعتبر هذا الموقف القوي من العالم فتوى يحرم تجاوزها؟ أم أنها مجرد وجهة نظر تبين للجميع أنها مرجوحة جدا.
المثال الثاني:
كتب رئيس العلماء في عهد الملك عبد العزيز أيضا عن إدخال البرقيات اللاسلكية في الدولة قائلاً( وإنما الكلام في وضع البرقيات في الرياض وغيره من قرى نجد فلا يخفاك ما في وضعه من المفاسد العظيمة) (نفس المرجع السابق، وثيقة 18 صفحة 309) وفي نفس الموضوع روى لي الشيخ (ع) وهي حي يرزق أنه كان حدثاً في مجلس ذلكم الشيخ الجليل إبان الإشكالية الشرعية حول البرقية واللاسلكي، قال: إن الملك ضجر من تلكم التحفظات التي تواجهه على كل شي مستحدث، فأمهل العلماء يوماً كاملاً لحسم موقفهم الشرعي منها فاجتمعوا في بيت الشيخ من فجر ذلك اليوم حتى انتصف النهار دون التوصل إلى نتيجة وكان الشيخ (بن.ع) رحمه الله ممن عاش في الهند ورأي نعمة الهاتف و البرقية هناك لكنه لم يجرؤ على الوقوف في وجه التوجه العام للعلماء المجتمعين المتحصنين بـ(قلعة) سد الذرائع، فلجأ إلى صلاة الضحى تاركا المشائخ في التشاور والجدل العقيم، وفجأة دخل عليهم الملك في منتصف النهار قائلاً: لقد مللنا رفضكم لكل ما هو جديد، قلتم في السيارة ما قلتم والواحد منكم لا يتردد بالبحث عنها عندما يحتاجها لمرض أهله، وكلما أردنا تطوير بلادنا توجستم وتحفظتم، وهاأنتم في البرقية تختلفون ولكننا عازمون على تركيبها ولكم علينا أن نبدأ بإرسال آية الكرسي عند تشغليها، فإن مضت فهي من نعم الله التي فتحها علينا وإن تعثرت فيصدق توجسكم بأن الذي يحمل الكلام في اللاسلكي جن وشياطين.... ثم تركهم ومضى واليوم كل أبناء وأحفاد الفريقين يتمتعون بالبرق والهاتف والجوال، فرحمه الله ورحمهم رحمة واسعة.و السؤال: هل نعتبر موقفهم ذلك فتوى شرعية يحرم تجاوزها؟ أم أن الحقيقة التي لا مناص منها هو أنه رأي حذر ممن لا يفقهون بحقيقة البرقيات شيئا وأن الملك عبد العزيز كان فيها أفقه منهم بمصلحة الأمة علماً بأنه لم يحسب يوماً على أنه علماء عصره.
المثال الثالث:
(الفتوى) المشهورة حول نظام الأوراق التجارية ونظام الشركات، ونظام العمل والعمال، ونظام البنوك، ونظام الجنسية العربية السعودية، ونظام المطبوعات والنشر، ونظام المؤسسات الصحفية، ونظام الأحكام العامة للتعرفة الجمركية، ونظام الجيش العربي السعودي، ونظام العلم الوطني.... وكيف بلغت بالبعض من العلماء أن (أفتى) بأنها جميعا حكم بغير ما أنزل الله (مجموعة فتاوى م.ب.إ. (12) ص 247-300)و الدرر السنية (16) ص 237) ) فأصبحت هذه الفتاوى المتشددة فيما بعد مشجباً لتكفير الدولة ومنطلقا للعنف والقتل المحرم ممن يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، نعم لقد اعتمد عليها مؤلف كتاب (الكواشف الجلية في كفر الدولة السعودية ) وإني أتساءل بكل براءة: كيف تصدر هذه الأحكام الخطيرة من علماء أفاضل يعملون في قمة الهرم العلمي بالدولة على لجان إسلامية شكلها ولي الأمر المسلم الذي عقد له البيعة هؤلاء العلماء أنفسهم!! هذه اللجان لا تنازع شرع الله بل هو سند للقضاء ومرحلة أولية من الصلح بن المتخاصمين، في وقت أمرنا الله بأن نبعث حكمين إذا خفنا الشقاق بين الزوجين (فابعثوا حكماً من أهله وحكما من أهلها) دون أن يرد في القرآن أي تحديد لكفاءتهما.
والأمثلة كثيرة وتبقى الإشكالية أن مجتمعنا الطيب يتلقى هذه الآراء العادية بشيء من القداسة باعتبارها (فتاوى) مطلقة يتعبد الله في الأخذ بها، وكم من المصالح فاتت (مثال حكم الاكتتاب في بعض الشركات التي حرمت للجهل بملابساتها ثم أبيحت ولكن بعد الإغلاق) وكم من الأرواح أزهقت(قتلى الجمرات سنويا لتضارب الفتوى) وما ارتكب من الجرائم بلباس المرأة (تحريم تصور المرأة بالبطاقة) بل وفي قصة تحريم التصوير مطلقا لعشرات السنين، وقطع رأس كل صورة في كتب التعليم ثم الإباحة المطلقة لجميع الصور ما عدا التماثيل) و والله ما تغير دين الله ولن يتغير ولكنها المفاهيم القاصرة و العقول المتوجسة والآراء والجهل بالواقع وخلط الرأي بالفتوى واستغلال طيبة المجتمع، ومن هنا يجب أن ترتفع أصواتنا مطالبين بما يلي:
1- ضرورة (مأسسة) جهة الإفتاء وعدم تقيدها بالحدود السياسية وربطها في جميع مراكز العالم ذات العلاقة وتزويدها بالخبراء المتخصصين في كل فن وعلم.
2- إيجاد مرجعية علمية عليا للفتوى في النوازل الكبرى يتم من خلاها إجازة الفتوى الفردية ومحاسبة كل من يغلف مواقفه وآرائه بلباس الفتوى.
3- ضرورة وجود محكمة عليا لضبط العلاقة بين المفتي والمستفتي وإنصاف أحدهما من الآخر فيما لو تسبب في ضرره.
4- وضع حد للعبثية بتطبيق قاعدة (من أصاب فله أجر ومن أخطأ فله أجران) وضبطها بضوابط صارمة، فقد بلغ سوء استغلالها أن كل من تصدر للفتوى بعلم أو بغير علم حصن نفسه بها حصانة لم يتمتع بها ولي الأمر نفسه.
5- تشجيع العلماء وخاصة هيئة كبار العلماء على السفر في الأمصار لمعرفة أحوال العباد والوقوف على معاناتهم وتصور المفاسد والمصالح بالمعاينة المباشرة حتى لا تلقى الفتاوى جزافاً. لأننا نربأ بعلمائنا أن يكونوا مجرد أداة بيد المتصارعين تصاغ لهم قوالب الفتوى فلا يملكون الخروج عنها لعدم إحاطتهم بالملابسات.
6- توعية الأمة حتى تميز بين الفتوى الشرعية الواجب الالتزام بها (التي هي توقيع عن الله تعالى) وبين الرأي المتغير والمتبدل مع الظروف والذي مهما بلغ مقام صاحبه فليس هو بشي يذكر أمام مقام سيدنا صلى الله عليه وسلم الذي رأى الأنصار أعلم بتوبير النخل فتركهم لرأيهم عن رأيه.
7- تربية العالم قبل طالب العلم فضلاً عن الأتباع والإمعات على منهجية الشجاعة في التراجع عن الخطأ إذا تبين الحق خلافه، واعتبار ذلك مزية عظيمة وليست منقصة كما يظن الكثير منا.
أخيرا:أعتذر عن هذا الاستطراد الذي فرضته طبيعة الموضوع الذي لا يمكن هضمه مركزا من قبل قوم لم يتحملوا ما هوأدنى منه، وسواء علينا اتفقنا أم اختلفنا سيبقى هذا الدين عظيما لا خشية عليه(فإن يكفر بها هؤلاء فقد ولكنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين)(إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) وإنما الخشية علينا وعلى علمائنا أن نجد أنفسنا في مؤخرة الركب بينما قدرنا أن نكون في المقدمة، هذا وأشهد الله تعالى أننا ممن يحب العلماء وممن يتقرب إلى الله بحبهم ولهم منا الاحترام اللائق بمقامهم لكننا عرفاهم بالحق وهو حاكم علينا وعليهم وبيننا وبينهم، وكل شائبة فيهم هي شائبة فينا يجب معالجتها بإبداء النصح لهم ولا ينكر فضلهم على الأمة إلا جاحد مكابر وأجرنا وأجرهم على الله، لكن المقام هنا لذكر الملاحظات على الفتوى والرأي المثير للجدل لخطورة ذلك كما تبين في الأزمة الراهنة، هذا ولقد تجنبت ذكر أسماء أعيان العلماء في هذا المقال تقديراً، وكلها متوفرة لكل من أراد التحقق بهدف الوصول للحق، فيا إخواني وأحبابي الكرام: تقبلوا وجهة النظر مهما كانت قاسية فهي طال الزمان أو قصر مكتوبة ومنشورة إما من صديق محب مشفق، أو من آخر متربص مبالغ، وخير لنا أن نحك جلدنا بظفرنا برحمة قبل أن يمزقه غيرنا بمخالب شاركنا بسنها، واليوم لم يعد هناك سر نخفيه فقد تكشفت الأمور وفتحة الملفات وليس عندنا ما نخجل من الحديث عنه، فالعزة له ولرسوله وللمؤمنين، فلنعتصم بالدين، ولنشمر عن ساعد الجد والمصارحة ونحسن الظن فيما بيننا، كاتب هذا المقال من أحوج الناس للنصيحة والتبصير بالحق، لا يشغلكم التعطش للنيل من شخصه عن مناقشة جوهر الموضوع هاأنذا أكفيكم نفسي لأقول بأني لست بعالم ولا شيخ ولا طالب علم ولا حتى طويلب علم،لكني بشر كرمه الله وجعل له سمعا وبصرا وفؤادا، إنها ألقاب لن تغني عني من الله شيئاً، كأني ببعض أحبتي قد أخذته الغيرة واستعجل الحكم بعد قراءته لهذا المقال تقديرا لمن أغار عليهم مثله، سأتقبل كل ما يقال عني بصدر رحب، أتمنى أن نتلمس المخارج الصحيحة من هذه الأزمات المتتالية ولنستشعر خوف الله ومراقبته وأنه سائلنا عما نقول، تحملوا أخاكم واعتبروه ولو مجرد أعرابي جاءكم من الفلاة يسأل عن دينه فأرشدوه فهو الفقير إلى كل نصح وإرشاد صادق وخذوا بيده برفق وحكمة إلى الحق المبين الذي تجدونه مكتوبا عندكم في كتاب ربنا وسنة سيدنا رسول الهدى والرحمة صلى الله عليه وسلم { و العصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات * وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}.
بقلم / محسن العواجي
السبت 18/7/1427هـ
ساحة النقاش