بخيت بيومي: عبد الحليم حافظ كان يمتلك فن إدارة الموهبة
نظم المركز الثقافي الفرنسي بالمنصورة بالتعاون مع مكتبة مبارك العامة بالمنصورة، أمسية ثقافية شعرية في رحاب شاعر الأزجال والمواويل والفوازير والمسابقات الشعرية والملاحم الشعبية، والأغاني الرائعة لكبار المطربين والمطربات المصريين والعرب، هو الشاعر الكبير/ بخيت بيومي؛ وذلك في إطار احتفالات المركز الثقافي الفرنسي بأعياد الأم والربيع والمرأة المصرية.
حكي الشاعر بخيت بيومي رحلة كفاحه الطويلة بما فيها من أحداث نجاح وإخفاق، ومن أحزان وأفراح، والسفر والرحيل والتجوال، أنشد للأم رغم أنه عاش منذ الخمسة من عمره محروما من أمه بعد أن فقدها، وتربى في كنف جدته لأمه؛ والتي تحدث عنها بإسهاب شديد هي جدته (آمنة) أم والدته، فلولها ما كان وصل لما وصل إليه الآن، لذلك عندما يمر على الطريق القريب من قريته التي فيها قبرها يقول وهو يناديها وهو مخرج رأسه من شباك السيارة: ((السلام عليكم يا ستي آمنة أنا اه لسه عايش وكويس وتمام التمام وألف رحمة تنزل عليكي..وأقرأ لها الفاتحة))... وكأنها تسمعه وفاءً لها واعترافاً بجميلها عليه.
بخيت بيومي هو ابن محافظة الدقهلية وبالتحديد من قرية كفر الحطبة مركز شربين، وهو يعتز بذلك جدا وكتب في قريته ومحافظته شعراً ومواويل كثيرة.
وكما قال لو أني انتقلت من قريتي التي عشت وتربيت فيها إلى القاهرة وواجهت الصعوبات فلم أكن أصل إلى ما وصلت إليه الآن، فعلى الإنسان أن يسعى للوصول لهدفه المنشود. ويذكر أنه قد حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة وذلك على رغبة ووصية أمه قبل وفاتها مباشرة بأن يحفظ بخيت القرآن.
تحدث عن كيف أنه ضحك على الزمن..؟!، حتى أصبح بخيت بيومي المعروف والمشهور، وعندما سألته إحدى المذيعات في لقاء إذاعي عن ماذا ينظر لمشوار حياته الطويلة والمليء في العقبات؟!، أجاب قائلاً: عندما أنظر للوراء لكل هذه السنوات الطويلة، أتمنى بأن ترجع هذه السنوات وأمُر بنفس الظروف القاصية ونفس المطبات حتى أكون جالساً أمامكِ الآن أتحدث ليكِ.
كَتب بخيت بيومي كل أنواع الكتابة الموجودة في الدنيا، وقد صرح بأنه طوال تلك الرحلة الطويلة مع الشعر والفن لم يفكر بأن يصدر كتاباً، ولكنه قد جمع كل أعمال في موسوعة كبيرة تقع في ثلاثة أجزاء سوف تصدر وتظهر في الأسواق قريباً، ووعد بأن يهدي المركز الثقافي الفرنسي بالمنصورة 25 نسخة من تلك الموسوعة.
تحدث كذلك عن تجربته مع كتابة الفوازير لمدة 17 عاماً متواصلة، والتي تركها حيث سبب ذلك بأن جميع من كتبها قبله ظلوا يكتبوها حتى توفي وانتقلوا إلى رحاب الله، ولكنه فضل أن يتركها حتى لا يصبح مثلهم، وتكلم عن كيف كان يعني أشد المعانة في كتابة كل حلقة من تلك الفوازير، بالرغم من أن الحلقة الواحدة لا تستغرق أكثر من ثلاثة دقائق؟!؛ فكان بخيت بيومي أول من أدخل الثقافة في الفوازير، فقد كتب فوازير الأنبياء والرسل، وكتب فوازير أهم ما يميز المشاهير، وقد ضرب مثلاً على ذلك بالقصيدة التي كتبها في المنديل الذي كانت تمسكه سيدة الغناء العربي أم كلثوم.
قص بخيت بيومي تجربته عندما دخل المستشفى لإجراء العملية الجراحية في القلب لتغيير بعض صماماته، وكيف كان مرحاً وخفيف الظل وغير خائف من العملية، فقد كان يقول للممرضين والأطباء آخر نكتة، فسأل عن الدكتور الذي سيقوم بالعملية فعرف أنها دكتورة طبيبة واسمها كوثر، فقال فيها قصيدة على الفور واسمعها أيها يوصيها فيها أن تفتح قلبه وتحافظ عليه. وكيف أن مثل هذه العمليات الجراحية الكبيرة تتكلف أربعين أو خمسين ألف جنيه مصري، وبرغم من ذلك خرج من المستشفى وفي حقيبته الصغيرة التي تصاحبه دائماً في كل مكان يذهب إليه وهي ممتلئة بـ 28 ألف جنية!!
وقد أجاب الشاعر بخيت بيومي على سؤال جميل جداً، حيث سألته إحدى السيدات الفضليات من المركز الثقافي الفرنسي بالمنصورة: لماذا لم يُعد هناك أغاني ممتعة كعصر أم كلثوم وعبدالحليم؟!؛ فقال: أن تواجدت الموهبة الغنائية الجيدة فلا تجد من يكتب لها!، وأن وجدت من يكتب لها الكلمات الجيدة فلا تجد من يلحنها!، وضرب مثلاً على ذلك بالمطربة المصرية الشابة/آمال ماهر، وأنها إذا أحبت أن تغني وتظهر إمكانياتها الصوتية والغنائية فترجع وتغني أغاني أم كلثوم. وقال بأن عبد الحليم حافظ لم يكن موهوباً كصوت غنائي متميز وفقط، بل كان يتميز بفن إدارة الموهبة، فليس كا فنان موهوب يمتلك مثل هذه القدرات والإمكانيات والذكاء.
تحدث عن علاقته الطيبة بالمغفور له بإذن الله المرحوم اللواء/فخر الدين خالد- محافظة الدقهلية الراحل، عندما كتب له قصيدة أرسلها له يشتكي تجار الأسمنت والجبس من العمارة التي امتلك فيها شقة وهي إحدى عمارات مساكن العبور بمدينة المنصورة، مما أضره في كل مرة يأتي فيها للمنصورة إلى النزول لعدة أيام في فندق مارشال المحطة، يلتقي فيها بأصدقائه ومحبيه ولا يذهب إلى شقته بسبب امتلائها بغبار الجبس والأسمنت، فقام المحافظ على الفور بنقل هذا التجار وجبسه.
وتكلم عن الندر الذي ندرة إذا كسب القضية التي رفعها على المطربة/ وردة، بسبب حجزها لأحد أهم وأعز الأغاني التي كتبها لها، فقد حجزتها على الرغم من أنه حصل هو وهي والملحن على كافة حقوقهم المالية من الشركة المنتجة للأغنية، وقد قامت وردة بالفعل بغنائها وتسجيلها ولكنها حبستها لسنوات طويلة، وقد ندر إذا كسب القضية بأن يذبح خروف ومعزة ويوزع لحومها على الفقراء ويتبرع بعشرة أسطوانات بوتاجاز، وقد كتب هذا الندر في الصحف. ولم ينسى أن يذكر المحامي الذي رفع له القضية دون أن يأخذ منه أي مقابل وهو المحامي الشهير المستشار/ مرتضى منصور. وقال بخيت بيومي أنه دخل على القاضي الذي ينظر القضية وهو يحمل الشريط الكاسيت المسجل عليه الأغنية، وكان مجهز في رأسه قصيدة ألقاها على مسامع القاضي، وفي نهائيتها تأسف له، مما جعل القاضي يحيل القضية للخبير للبت فيها. وتعتبر هذه الأغنية التي أفرجت عنها الفنانة/وردة كأنها أبنت بخيت بيومي الحبيسة، وهي أغنية (أهي جات كده)، لدرجة أن هناك سائق تاكسي بارك له على خروج ابنته المحبوسة من سجنها.
وقد كتب بخيت للفنانة وردة أغنية قبل هذه الأغنية المفرج عنها اسمها (جيت في وقتك يا حبيبي) ولحنها لها الموسيقار الراحل/أحمد فؤاد حسن، وهي من الأغاني القليلة التي غنتها وردة من غير ألحان الراحل/بليغ حمدي.
بدأت الأمسية بإلقاء الأستاذ/ محمد صالح عزت – المسئول الثقافي للمركز الثقافي الفرنسي بالمنصورة، كلمة بديعة تناول فيها دور الشعر في غذاء الروح والعقل والوجدان الإنساني، وأهمية الشعراء المبدعين في الحياة الإنسانية. ثم كلمة ترحيب بالشاعر الكبير من مديرة مكتبة مبارك العامة بالمنصورة الأستاذة/ نبيلة عبد النبي، ثم كلمة الأستاذة الدكتورة/فرحة الشناوي، وقد أدارة الأمسية مدير العلاقات الثقافية بمكتبة مبارك الأستاذة الشاعرة/فاطمة الزهراء فلا.
وقد حضر الاحتفالية الشعرية أعضاء وعضوات المركز الثقافي الفرنسي بالمنصورة، والكثير من شباب مدينة المنصورة ومحافظة الدقهلية من الجنسين، بالإضافة إلى أعضاء نادي الموهوبين الأدبي لجامعة المنصورة حيث ألقى عدداً منهم قصيدة في ختام الأمسية سواء قصيدة عامية أو فصحى، ونذكر هنا أسماء بعض هذه المواهب: محمد فكري، مصطفى أبومسلم، عبدالحميد محمود. بالإضافة حضور الشاعر/أسامة درويش (الذي ألقى بقصيدة من تأليفه)، ومن الصحفيين الذين حضروا الأمسية الكاتب الصحفي الكبير/ حازم نصر – نائب ريس تحرير جريدة الأخبار (والذي لمحه الشاعر بخيت بيومي جالساً وسط الجمهور الحاضر الأمسية فأصر على أن يصعد ويجلس بجواره على المنصة)، والأستاذة/ غادة عبدالحافظ من جريدة المصري اليوم والتي سألت الضيف عن الشعر السياسي في أشعار بخيت بيومي، وكانت إجابته في غاية الروعة.
تغطية ومتابعة
م.محمود سلامة الهايشة
كاتب وباحث مصري
ساحة النقاش