الاستثمار الزراعي agricultural exploitation هو دمج عوامل الإنتاج المتوافرة في الزراعة (الأرض والعمل ورأس المال..) وتشغيلها بقصد إنتاج مواد زراعية لسدّ حاجات المستهلكين وللحصول على أفضل النتائج الممكنة. وتختلف هذه النتائج باختلاف النظام الاقتصادي السائد، ففي نظام الإنتاج الرأسمالي يجب أن يحقق الاستثمار الزراعي أفضل عائد اقتصادي ممكن؛ أي أكبر كمية كبيرة من الربح. أما في الإنتاج الاشتراكي فيجب أن يحقق الاستثمار الزراعي أفضل عائد اقتصادي واجتماعي في آن واحد. ويتم الاستثمار الزراعي في مشروعات زراعية تختلف عن المشروعات الصناعية من نواحي الشكل والتنظيم وسير العمل، غير أن مفهوم الاستثمار الزراعي يطابق في بعض الأحيان مفهوم الاستثمار الصناعي، فقد اتجه الكثير من الاستثمارات الزراعية نحو التركيز في الإنتاج الذي أصبح يتم وفق أسس صناعية (صناعة الدواجن، المجمعات الزراعية الصناعية وغيرها).
وحدات الاستثمار الزراعي وعناصره
إنها المزرعة والمشروعات الزراعية والحيازة الزراعية والمُزارع.
المزرعة: هي الوحدة الإنتاجية الأساسية في مجال الاستثمار الزراعي التي تقوم بإنتاج سلعة زراعية واحدة أو أكثر على مساحة من الأراضي الزراعية المتصلة أو المنفصلة، وهي وحدة اقتصادية قائمة بذاتها ولها كيانها القانوني.
فالمزرعة منشأة اقتصادية كالمنشآت الأخرى، لها تكاليف تتمثل في القيمة النقدية لعناصر الإنتاج المستعملة فيها، ولها دخل يتمثل في القيمة النقدية للمنتجات النباتية أو الحيوانية أو لهما معاً، أو لمشتقاتهما التي تنتجها المزرعة. ولابد من انقضاء مدة بين إنفاق التكاليف الزراعية والحصول على الدخل، وهي المدة الزمنية التي يعبر عنها في العادة بدورة رأس المال المزرعي. ويمثل رأس مال المزرعة في هذه الحالة التكاليف أي الأموال المستعملة في حيازة عناصر إنتاج في المزرعة.
المشروعات الزراعية: تقسم المزرعة إلى مشروعات زراعية أو مزرعية مختلفة كمشروعات إنتاج الفاكهة وإنتاج الخضار وغيرها. وقد تقسم المشروعات الزراعية إلى أنشطة مزرعية، كأن يقسم مشروع زراعة الذرة مثلاً إلى نشاطين: نشاط إنتاج الذرة العلفية التي تستعمل لتغذية الماشية ونشاط إنتاج الذرة الحبية.
الحيازة الزراعية: هي كل مساحة من الأرض الزراعية، مهما يكن حجمها، يستغلها في الزراعية حائز واحد، وتعدّ جميع الأراضي التي يديرها الحائز حيازة زراعية واحدة مهما تعددت قطعها، ويستخدم اصطلاح الحيازة الزراعية للتعبير عن امتلاك حق الانتفاع بالأراضي الزراعية ولتمييزه من اصطلاح الملكية الزراعية. ويوجد ثلاثة أنواع من الحيازات الزراعية: حيازات الملكية وفيها يكون الحائز والمالك شخصاً واحداً، وحيازات الإيجار، وفيها يكون الحائز شخصاً غير المالك، أي أن حق الامتلاك منفصل عن حق الانتفاع، وحيازات مختلفة وفيها يكون الحائز مالكاً لجزء من الأرض ويكون الجزء الآخر مستأجراً؛ أي أن المالك يتمتع بحق الملكية وحق الانتفاع.
المُزارع: هو أحد عناصر الإنتاج، فهو الذي يتولى إدارة المزرعة بوصفها وحدة إنتاجية، ويرسم الخطة الإنتاجية ويراقب تنفيذ العمليات الزراعية المختلفة ويقوم بجميع الأعمال الإدارية من تنظيمية وتنفيذية وقد يسهم في جزء من العمل الزراعي وخاصةً في الوحدات الزراعية الصغيرة إذ يكون ما يقوم به المزارع من الأعمال الإدارية قليلاً إذا ما ووزن بما يؤديه من عمل زراعي. ويمكن تصنيف المزارعين بحسب درجة اشتغالهم بمهنة الزراعة في الفئتين التاليتين:
أ ـ مُزارع متفرغ كل الوقت: وهو المُزارع الذي يحترف الزراعة احترافاً أساسياً ويعتمد عليها اعتماداً كلياً في معيشته.
ب ـ مُزارع متفرغ بعض الوقت: وهو المُزارع الذي تكون الزراعة مهنته الأساسية ومصدر دخله الرئيسي غير أنه يمارس بعض الأعمال الأخرى التي تدر عليه شيئاً يسهم في مجموع دخله. ويدير مثل هذا المزارع مزرعة صغيرة الحجم كما قد ينجز بعض الأعمال المتصلة بالزراعة كتجارة المواشي والحبوب أو استخدام آلات النقل أو احتراف بعض المهن الأخرى التي لها ارتباط بالزراعة أو المعيشة في الريف.
طرائق الاستثمار الزراعي الرئيسة
تأخذ علاقات الإنتاج نمطين رئيسين وفي كل منهما عدة طرائق في الاستثمار الزراعي:
1- علاقات الإنتاج وصيغ الاستثمار في المجتمعات التي تسود فيها ملكية الأراضي الزراعية ملكية خاصة: يكون استثمار الأرض في هذا النوع من المجتمعات في واحد من الأنواع التالية:
ـ استثمار الأرض من قبل مالكها: في هذا النوع من الاستثمار يعمل المستثمر الذي هو مالك الأرض على استثمار أرضه بوسائل الإنتاج التي يملكها (آلات، معدات، حيوانات، وغيرها). وقد يستخدم بعض العمال الزراعيين استخداماً محدوداً وفي مواسم معينة. وفي هذا النوع من الاستثمار تكون عوامل الإنتاج (الأرض، رأس المال) مملوكة من شخص واحد أو مجموعة من الأشخاص ضمن إدارة واحدة.
ـ استثمار الأرض بطريقة الاستئجار: في هذا النوع من الاستثمار يؤجر المالك أرضه إلى مستأجر يستثمرها لقاء أجر معين تحدده القوانين والأعراف السائدة في المنطقة (عينياً أو نقدياً) وفي هذا النوع من الاستثمار يعمل المستأجر بما لديه من وسائل إنتاج مادية وجهد، متحملاً نتائج عمله من دون تأثير في الأجر.
ـ استثمار الأرض بالمشاركة: في هذا النوع من الاستثمار يقدم المالكُ الأرضَ ويقدم المُزارع الشريكُ العملَ. أما مستلزمات الإنتاج الأخرى فيشترك الطرفان في تقديمها بنسب مختلفة. وفي نهاية الموسم يوزع الناتج بين الطرفين وفقاً لنسب متفق عليها.
2- علاقات الإنتاج وصيغ الاستثمار في المجتمعات الاشتراكية: في الزراعة الاشتراكية تسود الملكية العامة لوسائل الإنتاج المادية وللأرض الزراعية وتوجد الأنواع الاستثمارية التالية:
ـ مزارع الدولة: وهي مشروعات زراعية حكومية ذات مستوى عال من المكننة الزراعية وجميع وسائل الإنتاج والمنتجات فيها ملكية عامة. وتعتمد هذه المشاريع على نظام الحسابات الاقتصادية و تتوقف عليها مسألة تطوير الزراعة في الدولة.
ـ التعاونيات الزراعية الإنتاجية: وهي نوع من المشروعات الزراعية الاشتراكية التعاونية الضخمة التي تقام على أساس المشاركة الاختيارية للعمال الزراعيين والفلاحين. وتعتمد وسائل الإنتاج في هذه المشروعات نوعين من الملكية الجماعية: ملكية الدولة للأرض الزراعية، وملكية تعاونية لجميع وسائل الإنتاج الأخرى. أما العمل فينفذ جماعياً عن طريق حلقات العمل ومجموعاته.
ـ المشروعات الزراعية المشتركة بين التعاونيات الزراعية الإنتاجية: وهي مشروعات تعاونية ضخمة تقام على أساس المشاركة الطوعية بين مجموعة تعاونيات بهدف إنتاج مواد زراعية أو تصنعيها. وتدير مثل هذه المشاريع منظمة تنتخب من ممثلي التعاونيات الزراعية المساهمة في إنشائها. وتعود الملكية في هذه المشروعات من حيث طبيعتها الاقتصادية والاجتماعية إلى تعاونياتها المؤسِّسة. ويوزع أكثر من 50% من أرباحها على التعاونيات الأعضاء.
ـ وحدات الإنتاج الحيواني الصناعية: وهي مشاريع كبيرة حكومية أو تعاونية متخصصة في إنتاج الحليب أو اللحم أو البيض. ويُنظَّم الإنتاجُ في هذه المشاريع على أساس صناعي تتحقق فيه المكننة الكاملة لمختلف مراحل الإنتاج.
ـ المجمعات الزراعية الصناعية: وهي مشاريع ضخمة لإنتاج المواد الزراعية ولتصنيع هذه المنتجات. وفي هذه المشروعات يظهر التكامل بين الإنتاج الزراعي النباتي والحيواني والصناعة.
ـ مشروعات زراعية أخرى للدولة: إضافة إلى المشروعات السابقة يوجد في البلدان الاشتراكية مشروعات للدولة مثل مزارع محطات التجارب والمزارع التعليمية ومحطات تحسين المحاصيل النباتية والمنتجات الحيوانية.
ـ المشروعات الخاصة: وهي تشمل جزءاً من الأرض الزراعية تم الحصول عليه من التعاونيات الزراعية أو من مزارع الدولة للاستعمالات الشخصية بغية الحصول على منتجات حيوانية أو فاكهة أو خضراوات أو غيرها. وينفذ العمل في هذه المشروعات أفراد أسرة العامل في التعاونية أو العامل في مزرعة الدولة.
عوامل الإنتاج في الاستثمار الزراعي
التصنيف الاتباعي (الكلاسيكي) لعوامل الإنتاج: يصنف الاقتصاديون الاتباعيون عوامل الإنتاج في أربعة عوامل هي: الأرض، والعمل الزراعي، ورأس المال، والإدارة والتنظيم.
الأرض: يقصد بالأرض في عوامل الإنتاج، التربة الزراعية مع العوامل الأخرى الموجودة فيها أو المحيطة بها كالماء والضوء والحرارة. وتعدّ الأرض وسيلة الإنتاج الرئيسة، وهي المكان الذي تنتج فيه المحاصيل الزراعية ويتم فيه الاتصال بين وسائل الإنتاج المختلفة. وتقسم الأراضي الزراعية من حيث خصبها إلى ثلاثة أنواع:
ـ الأراضي الخصبة: وهي التي تحقق ريعاً لأصحابها تزيد فيه قيمة الناتج على تكاليف إنتاجه، ولذا تسمى بالأراضي فوق الحدية أو فوق الهامشية.
ـ الأراضي المتوسطة الخصب: وهي الأراضي الحدية أو الهامشية التي تتساوى فيها قيمة الناتج مع تكاليف الحصول عليه.
ـ الأراضي الضعيفة الخصب: ويطلق عليها تعبير تحت الهامشية أو تحت الحدية، وهي التي تقل قيمة الناتج فيها عن تكاليف إنتاجه. ومثل هذه الأراضي لا تصلح للزراعية من الناحية الاقتصادية.
العمل الزراعي: العمل الزراعي عامل من عوامل الإنتاج على قدر كبير من الأهمية. فهو المشغّل لعوامل الإنتاج الأخرى. فمهما بلغت أهمية الأرض ووسائل الإنتاج كلها فإنها تبقى جامدة فاقدة لأهميتها وفاعليتها إذ لم تستخدم اليد العاملة في تحريكها وتوجيهها. وتختلف أهمية العمل الزراعي باختلاف حجم المشروع الزراعي،، والمحصول الزراعي، ودرجة التكثيف الزراعي. ويُعد الفلاحون المصدر الأساسي للعمل الزراعي. والفلاحون هم ذلك الجزء من السكان الذي يعتمد في معيشته على الزراعة. وتختلف أهمية الفلاحين في مجموع السكان اختلافاً كبيراً من زمن إلى آخر ومن بلد إلى آخر. أما القوة البشرية الزراعية فيقصد بها السكان الزراعيون أو الفلاحون القادرون على العمل الذين تراوح أعمارهم بين 15 سنة و65سنة. وتقسم القوة البشرية الزراعية إلى قوتين: قوة عاملة وهي التي تمارس نشاطاً اقتصادياً، وقوة متعطلة وهي التي لا تمارس ذلك النشاط مع قدرتها على ذلك.
رأس المال الزراعي: لإنجاز العمليات الإنتاجية لابد من توافر رأس المال الذي يعني بمفهومه الإنتاجي كل ما يعده الإنسان ليستخدم في إنتاج مواد أخرى أو في الحصول على الدخل. وهكذا فإن رأس المال بمفهومه الإنتاجي يعبر عن أدوات العمل ومواد الإنتاج ابتداءً من الفأس والسماد والبذار وانتهاءً بالجرارات والحصادات. وتصنف رؤوس الأموال الزراعية، وفقاً لكيفية استعمالها من الناحية الاقتصادية، في صنفين: رأسي المال الثابت (الأساسي) الذي يمثل قيمة وسائل الإنتاج التي تستخدم أكثر من مرة قبل أن تستهلك، ورأس المال الدائر الذي يمثل قيمة المواد الأولية التي تستخدم مرة واحدة في الإنتاج البذار والسماد والمحروقات ومواد المكافحة وغيرها.
الإدارة والتنظيم: تتداخل الإدارة والتنظيم في مجال الإنتاج الزراعي فلا يمكن وضع حد فاصل بينهما كما هي الحال في الصناعة. ويتوقف نجاح الاستثمار الزراعي إلى حد كبير على درجة التنسيق بين الإدارة والتنظيم. وفي المزارع الصغيرة يقوم شخص واحد بالمهمتين كلتيهما.
التصنيف الاشتراكي لعوامل الإنتاج: يحدد الاقتصاديون الاشتراكيون ثلاثة عوامل لإنجاز العملية الإنتاجية. وهي: عمل الإنسان وهو الجهد الذي يرمي إلى إنتاج الخيرات المادية الضرورية لسدّ حاجات المواطنين، وموضوع العمل ويقصد به المواد التي يمارس عليها الفلاح عمله كالأرض بمواردها المختلفة، ووسائل العمل وتشمل المعدات والآلات التي يؤثر الفلاح بوساطتها في موضوع العمل. وإن أدوات العمل ووسائله لايمكنها أن تنتج شيئاً إلا بعد أن تتحد مع قوة العمل الفلاحي التي هي العنصر الفعّال في الإنتاج.
التكثيف في الإنتاج الزراعي
يرمي أي استثمار زراعي إلى زيادة الإنتاج كماً ونوعاً ويتم ذلك بطريقتين: أولاهما التوسع في زراعة الأراضي من دون إحداث تغيير في مستوى المكننة ووسائل الإنتاج، وتسمى هذه الطريقة التوسع الأفقي. وثانيتهما الزيادة في وسائل الإنتاج والعمل، بالنسبة إلى وحدة المساحة من الأرض المزروعة، وإدخال المكننة الحديثة والإدارة الفنية الاقتصادية بهدف النهوض بإنتاجية الأرض الزراعية، ويسمى هذا الأسلوب التكثيف الزراعي. وينطبق المفهوم نفسه على الإنتاج الحيواني ليشمل زيادته كماً ونوعاً. ومن هذا المعنى يدخل التكثيف الزراعي ضمن مفهوم التنمية الزراعية المتكاملة التي يتوقف تحقيق أهدافها بالدرجة الأولى على التخطيط العلمي المنظم. ومما لاشك فيه أن التنمية الزراعية المتكاملة للقطاع الزراعي تعد العماد الرئيسي للاقتصاد الوطني إذ ترمي إلى تحقيق الاستثمار الأمثل للموارد والطاقات المتاحة بغية زيادة الإنتاج الزراعي ليصل إلى حدوده الاقتصادية القصوى باستعمال مستلزمات الإنتاج بوجه أمثل.
ويمكن تقدير مستوى التكثيف من قيمة وسائل الإنتاج الأساسية والتكلفة الإنتاجية لوحدة المساحة من الأرض الزراعية إضافةً إلى القوة المحركة وعدد الجرارات وكمية السماد وإنتاجية الرأس الواحد من الحيوان ونفقات الأعلاف للرأس الواحد. أما فعالية التكثيف فتقدر بالاستناد إلى حجم الدخل من وحدة المساحة المزروعة، وغلة المحاصيل والدخل الصافي. إن السمة الأساسية للتكثيف الزراعي هي التكثيف الرأسي (العمودي) وما يتبع ذلك من اتجاهات لاختيار الدورات الزراعية التي تتلاءم مع المناطق التي تطبق فيها. ولما كان النشاط الزراعي في معظم بلدان العالم يشمل قطاعين مهمين هما الزراعة المروية والزراعة البعلية، كان من الضروري اختيار الأنماط الاستثمارية المناسبة لكل منهما. وتقسم المناطق البعلية بحسب مواقعها البيئية إلى أنواع يستثمر كل منها بأسلوب خاص يتناسب مع قدرة أرضه الإنتاجية:
تسويق الإنتاج الزراعي
يُبْرز مفهوم الاستثمار الزراعي أهمية التسويق في نجاح المشروع الزراعي، وفكرةَ النظر إلى المشروع على أنه تنظيم تسويقي يعمل على تلبية مطالب المستهلك وإشباع رغباته وأن النجاح في ذلك هو الكفيل ببقاء المشروع وازدهاره.
ويعني مفهوم التسويق توزيع السلع المنتجة والخدمات ويشتمل على جميع الأنشطة التي لا تتصل مباشرة بإنتاج السلعة مثل النقل والتخزين والبيع والشراء وجميع الجهود التي يبذلها التجار والوسطاء. ويعرف التسويق الزراعي بأنه ذلك العلم الذي يختص بدراسة مختلف أنواع المحاصيل الزراعية سواء أكانت نباتية أم حيوانية انطلاقاً من منتجيها في المزرعة وحتى وصولها إلى المستهلكين.
ومن الملاحظ أن الفئات المختلفة المشتركة في المهام التسويقية الزراعية تسعى إلى تحقيق أغراض مختلفة. فالمستهلكون يسعون إلى إشباع رغباتهم بأقل ما يمكن من التكاليف، والمنتجون يسعون إلى تحقيق أقصى عائد ممكن من بيع إنتاجهم، أما المؤسسات القائمة بمختلف المهام التسويقية فتسعى إلى تحقيق أقصى مقدار ممكن من الربح لقاء خدماتها ونشاطها.
وفي ظل الأنظمة الاقتصادية التي تعتمد أساساً على الملكية الفردية يتمتع المستهلك بكامل الحرية في توزيع دخله على مختلف المواد الغذائية بالطريقة التي يحصل منها على تحقيق ممكن لرغباته في إطار هذا الدخل. وتستجيب مختلف الوحدات الإنتاجية الاقتصادية في النهاية لرغبات المستهلكين مادامت هناك حرية للأفراد في اتخاذ قراراتهم المتعلقة بكل من الإنتاج والاستهلاك. لهذا فإن تسويق المنتجات الزراعية يبدأ بدراسة مطالب المستهلكين من ناحية توفير المواد الغذائية وتزويد الصناعة بالمواد الأولية، ثم يدرس كيفية تحقيق تلك المطالب. فالإنتاج يغدو عملاً غير اقتصادي أو عديم القيمة إذا لم يلب حاجات المستهلكين ومتطلبات السوق.
وتباع السلع الزراعية في أسواق يختلف بعضها عن بعض بامتدادها وطبيعة المتعاملين فيها والوسطاء الذين يرتادونها: فهناك الأسواق المحلية والتجميعية وأسواق الجملة والتجزئة والتصدير وغيرها. ويمكن تعريف السوق بأنها المكان الذي تباع فيه الحاصلات الزراعية وتشترى، كالخضار والفاكهة واللحم والسمك وغيرها.
ويعمل الوسطاء في الأسواق بين المنتج والمستهلك، أفراداً أو هيئات، ويصنفون في فئات هي التجار (الجملة ـ المفرق) والوكلاء والمضاربون.
التنمية الزراعية
يتحدد هدف الاستثمار الزراعي في معظم المجتمعات في السعي إلى بلوغ الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية. وتعد برامج التنمية الاقتصادية أكثر الأساليب ملاءمة لتحقيق ذلك الهدف.
وتعرف التنمية الاقتصادية بأنها «عملية بعث وإطلاق لقوى معينة في مدة طويلة نسبياً مما يؤدي إلى إحداث تغيرات متزايدة في الدخل القومي أكبر من الزيادة الحاصلة في السكان، ويترتب على ذلك ارتفاع في متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي، وذلك عن طريق التغيرات في الهيكل الإنتاجي والإطار التنظيمي وعرض الموارد الإنتاجية والطلب عليها». وبالنظر إلى ما يتسم به القطاع الزراعي من نشاطات إنتاجية متخلفة في معظم الدول النامية فقد بدا الاهتمام بالتنمية للخروج من دائرة التخلف والتبعية الاقتصادية عن طريق الاستخدام الأفضل للموارد الاقتصادية الزراعية المتاحة.
وتشغل الموارد الزراعية مكانة متميزة في اقتصاديات التنمية، إذ يسهم القطاع الزراعي بدور مهم في هذا المجال ولاسيما توفير الاحتياجات الغذائية للاستهلاك الغذائي المباشر وللصناعات الغذائية، وتوفير الموارد النقدية بالتوسع في إنتاج المحاصيل التصديرية، وتوفير العمل للقطاعات الإنتاجية الأخرى خارج نطاق القطاع الزراعي إذ إن برامج التنمية الزراعية تؤثر في درجة العمالة ومستواها فتحقق لليد العاملة في القطاع الزراعي كفايةً إنتاجية عالية تمكن من انتقال جزء من العمالة الزراعية إلى القطاعات الاقتصادية الأخرى. كذلك يسهم القطاع الزراعي في زيادة دخل المزارعين فيكون لذلك آثار غير مباشرة للتنمية الزراعية في تنمية القطاعات الاقتصادية الأخرى نتيجة لزيادة الطلب عليها وتوسيع نطاق أسواقها.
أشكال الاستثمار الزراعي في سورية
الاستثمار الزراعي من قبل القطاع الخاص: إن معظم الحيازات الزراعية في سورية تستثمر من قبل القطاع الخاص فتؤلف نحو 66% من الأراضي القابلة للزراعة (1986). وهي تضم في معظمها أراضي الملكيات الصغيرة وأراضي الاحتفاظ التي لم يشملها قانون الإصلاح الزراعي[ر]. ويعتمد القطاع الخاص في استثماره على أنواع كثيرة من صيغ الاستثمار الزراعي التي تختلف من منطقة إلى أخرى. ويخضع بعضها للأعراف والتقاليد السائدة في المنطقة، ويتم وفق قانون العلاقات الزراعية المعمول به.
الاستثمار الزراعي التعاوني: يؤلف القطاع التعاوني نحو 32% من مجموع الأراضي القابلة للزراعة (لعام 1986). ويعتمد هذا القطاع في استثماره على الجمعيات الفلاحية بصفتها منظمات شعبية نقابية واقتصادية. ويشمل نشاطها جميع مجالات النشاط الفلاحي الإنتاجي والنقابي التي يحتاج إليها المجتمع ضمن إطار خطة الدولة وسياستها العامة. وقد بدأ انتشار هذه الجمعيات بعد صدور قوانين الإصلاح الزراعي.
وإن معظم هذه الجمعيات التعاونية كثيرة الأعراض، وهي تؤلف 83% من الجمعيات فينصب قسم من عملها على النشاط النقابي والقسم الآخر على توفير القروض وتأمين التسويق التعاوني وتوفير مستلزمات الإنتاج الزراعي. في حين تؤلف الجمعيات المتخصصة والجمعيات الإنتاجية نحو 17%.
مزارع الدولة: تتبع مزارع الدولة وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي، وتعد كل مزرعة وحدة إنتاجية تتولى إنتاج المواد الزراعية النباتية والحيوانية وتصنيعها، ومنها البذور والشتول والغراس، كما تقوم بإجراء الدراسات والتجارب واستصلاح الأراضي وسائر الخدمات والأعمال اللازمة لتحقيق الهدف الذي أنشئت من أجله، وذلك وفق الخطة الإنتاجية والمالية المحددة لها.
وقد نص قانون الإصلاح الزراعي رقم 161 صراحة على وجوب إنشاء مزارع الدولة في الأراضي المستولى عليها. وتم الإبقاء على مساحة قدرها 343 ألف هكتار من دون توزيع لإنشاء مزارع الدولة. وقد أنشئت أول مزرعة للدولة في سورية في محافظة الحسكة (مزرعة المناجير). ويرأس المنشأة مدير يتمتع بصلاحيات واسعة في إدارة شؤون المزرعة ضمن حدود كل من الخطة الاقتصادية للدولة وخطة المزرعة.
منشآت الدولة للإنتاج الحيواني: إن إقامة محطات الدولة لدعم الثروة الحيوانية وتطويرها تكوِّن خطوة أساسية في عملية تطوير الإنتاج الحيواني. وتظهر أهمية هذه المحطات في إنتاج السلالات المحسنة والمحافظة عليها، ثم في توزيع أنسالها على المربين في القطاعين التعاوني والخاص إضافةً إلى استخدام هذه المحطات مراكز تدريب وتأهيل للعاملين في هذا المجال.
وقد كانت هذه المنشآت تتبع مديرية تربية الحيوان في وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي، ولكنها أصبحت منذ عام 1974 تتبع أربع مؤسسات مستقلة وهي: مؤسسة تربية الدواجن والمؤسسة العامة للمباقر ومؤسسة تربية الأسماك ومؤسسة إنتاج الأعلاف.
الاستثمار المشترك: أُنشئت في سورية شركات مساهمة مغفلة في مجال القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، بموجب المرسوم التشريعي رقم 10 لسنة 1986، يسهم القطاع العام في رأسمالها بنسبة لا تقل عن 25%، والقطاع الخاص ورعايا الدول العربية بالنسبة المتبقية. ويدير الشركة مجلس إدارة من المساهمين. وترمي هذه الشركات إلى تطوير المنتجات الزراعية وتنميتها وفق خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدولة، وذلك بإقامة مشاريع زراعية وحيوانية واستيراد مستلزماتها وتصنيع منتجاتها وتسويقها داخل سورية وخارجها. ويجوز لها أن تقيم منشآت متخصصة أو أن تشارك، في مشروعات مستقلة، غيرها من المؤسسات والشركات التي تزاول أعمالاً تشبه أعمالها. ولا تسري على هذه الشركات الأحكام والقيود الواردة في النصوص التشريعية أو التنظيمية المتعلقة بشركات القطاع العام مهما بلغت نسبة مساهمة الدولة وجهات القطاع العام فيها.
محمود ياسين
ساحة النقاش