مَجْدُ أَبِي.    

 

شَاخَ أَبِي ..ثَقُلَتْ خُطَاهُ،

مَرًّ الزّمَانُ بِعِزِّهِ، وَاليَوْمَ تَحْمِلُهُ عَصَاهُ..

لَكِنَّهُ لَمْ يَنْكَسِرْ...لَمْ يَشْكُ يَوْمًا مَنْ جَفَاهٌ.

يَخْطُو بِزَهْوٍ مُكَابِرٍ مُتَعَنِّتٍ.. ..دَوْمًا يُنَاشِدُهُ رَجَاهُ..

هَذَا أَبِي ... عَصَرَ المَكَانَ بِجُهْدِهِ.

كُلُّ الرُّبُوعِ تَشْهَدُ بِحَمَاسِهِ، وَِبِأَنَّ مِسْحَتَهُ هَوَاهُ..

فَهُنَا تَعَشَّقَ بَذْرَةً ...وَهُنَا تَوَسَّدَ صَخْرَةً ...وَهُنَا تَلَبَّسَ نَبْتَةً.

وَهُنَا تَمَايَلَ حَالِمًا... وَهُنَا تَرَنَّمَ غَانِمًا...وَهُنَا تًوَثَّبَ صَائِدًا..

وَهُنَا تَوَضَّأَ مِنْ بَقَايَا مَاءِ المُزْنِ..وَوُضُوؤُهُ رُؤْيَاهُ..

لَمْ يَبْقَ مِنْ أَيّامِهِ إلاَّ مَا فَعَلَتْ يَدَاهُ..

اليَوْمَ وَهُوَ بِهَكَذَا أَمْرِ الجَسَدْ،

أَسْمَعُهُ يُدَافِعُ الصَوْتَ الأَجَشَّ: قُلْ هُوَ الله أَحَدْ".

وَبِعَزْمِهِ المَعْهُودِ يَسْرِي وَالعَصَا دَوْمًا سَنَدْ..

أَسْمَعُ نَقْرَ العَصَا فِي الحَوْشِ كَإِيقَاعِ الوَتَرْ..

فَأَهُبُّ مِنْ بَيْنِي لِمَسْكِهِ وَأُحَاوِرُ الدَّرْسَ القَدَرْ..

يَرْنُو إِلَيَّ بِمَا شَعَّ مِنْ نُورٍ ضَئِيلٍ فِي البَصَرْ..

يَبْسَمُ...يَدْعُو بِصِدْقٍ، فَأُقَبِّلُ مِنْهُ النَّظَرْ..

شَحَبَ الفَجْرُ بِوَجْهٍ كَانَ بِالأَمْسِ قَمَرْ..

يَخْطُو بِعَزْمٍ وَ العَصَا وَأَنَا مَعًا.

وَيَقُودُنَا لِهَوًى سَقَاهُ مِنْ بَحْرِ العَرَقْ،

هُوَ غَابَةُ الزَّيْتُونِ، عِشْقُهُ المَكْنُونُ فِيهِ قَدْ غَرَقْ..

كُلُّ عُودٍ عٍنْدَهُ قَصَصًا عَدِيدَة..

كَيْفَ جَاءَ، وَالمَكَان، وَالزّمَان؟ غُرِسَ عِنْدَ الغَسَقْ..

كَيْفَ صَارَ نَاعِمًا فَعَلاَ يَهْوَى الشَّفَقْ.

يَرْوِي قِصَّتَهُ الجَمٍيلَة مَعَ أَرْضٍ غَلِيظة جَعَلَ مِنْهَا نَفَقْ،

لِحَيَاةٍ طَالَمَا كَانَتْ مَرِيرَة رَجَّهَا جَهْدُ العَرَقْ..

لِله دَرُّكَ يا أَبِي!  تُلْقِي دُرُوسًا نَاعِمَة..

بِحُرُوفٍ ومَعَانٍ سَالِمَة،

دُونَ مَدْرَسَةٍ عَظِيمَةِ الأَبْرَاجِ أُعِدَّتْ لِلغَرَضْ.

وَأَنَا التِّلْمِيذٌ بِالأَمْسِ البَعِيدِ وَاليَوْمَ أَسْمَعُكَ دُونَ مَضَضْ.

كُلُّ حَرْفٍ يَخْرُجُ مِنْ فِيكَ يُطَاوِلُ أَبْرَاجَ السَّمَاء.

يَسْقٍي رُوحِيَ العَطْشَى مِنْ فَيْضِكَ المَمْزُوجِ بِمَاءِ الصَّفَاء.

سَأَظَلُّ عَلَى عَهْدِكَ أَرْنُو لِمِزَقِ السَّحَاب..

أَتَرَقَّبُ المُزْنَ الرَّحِيمَ يُحْبِلُ الأَرْضَ اليَبَاب.

سَأُسَافِرُ فِي دَرْبِكَ أُغَنِّي لِزَقْزَقَةِ الصَّبَاح..

وَأُرَدِّدُ قَوْلكَ كُلَّمَا هِمْتَ لِحَثِّي:

"هَيَّا إِلَى مُدُنِ الفَلاَحْ". 

 

صالح سعيد / تونس الخضراء.

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 57 مشاهدة
نشرت فى 18 مارس 2021 بواسطة elgaribhamed

عدد زيارات الموقع

112,007