يَا أُخْتَ هَارُوْنَ مَا كَانَ أَبُوْكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) مريم
لماذا ذكرها القرآن الكريم بأخت هارون ؟ رغم البعد الزمني الشاسع
بين هارون النبي ومريم أم المسيح -عليهما السلام-، والذي يقدِّره
المؤرخون بأكثر من 1500 سنة! فكيف تكون أخته إذًا؟!
عندما تطالع آراء المفسّرين حول صدر هذه الآية تجد ارتباكًا واضحًا، فقد قالت طائفة منهم إنها أخت هارون النبي، وتناسوا بذلك البعد الزمني الشاسع بين هارون النبي ومريم أم المسيح -عليهما السلام-، والذي يقدِّره المؤرخون بأكثر من 1500 سنة! فكيف تكون أخته إذًا؟!
وقد وجد البعض ضالتهم في ذلك ، وزعموا أنّ هذا القول من الأخطاء التاريخية التي وقع فيها القرآن الكريم، خاصة أنه، وبحسب ما جاء في التوراة، فإن أخت هارون النبي صلى الله عليه وسلّم اسمها مريم أيضًا! للرّد على هذه الشبهة هناك حقائق تاريخية وثقافية يجب أن يعلمها الجميع:
هارون الذي ورد اسمه في هذه الآية لا يعني هارون ابن عمران النبي بأي حال من الأحوال.
القرآن الكريم لم يسمّ مريم العذراء (أخت هارون)، وإنما نقل ما قاله قومها لها! ارجع إلى الآية لتتأكَّد!
(أخت هارون) ليست تسمية قرآنية أو خبرًا قرآنيًّا، وإنما هي حكاية لما قاله قومها لها، وهو ما خاطبوها ونادوها به عندما حملت بعيسى عليه السلام، وعندما استنكروا حملها من دون زوج.
جاء حرصهم على مخاطبتها بلقب (أخت هارون) في سبيل التهويل والتقريع والمبالغة منهم في تعييرها، وكأنهم يقولون لها أنت من بيت صلاح ونشأت في طاعة اللَّه، فكيف يصدر منك هذا الفعل وكيف تحملين من غير زوج؟!
درج اليهود وعلى مرّ القرون حتى يومنا هذا، على تسمية بناتهم بـ "مريم"، تيمّنًا بمريم الأولى وهي أخت موسى وهارون- عليهما السلام- وهي التي تتبَّعت أخيها الرضيع (موسى) وهو في التابوت، وهي تسير على ضفة النيل حتى رسا به الموج إلى داخل قصر فرعون، ونجحت فيما بعد بإقناعهم بأن تأتي بمن ترضعه لهم، وبالفعل ردّه اللَّه إلى أمِّه لكي ترضعه وتقرّ عينها به، وأخته تلك كان اسمها مريم أيضًا، وهي الأخت الكبرى لموسى وهارون. ولما كانت قد أدت دورًا حاسمًا في حياة شقيقها موسى عليه السلام، كان لها مكانتها عند اليهود الذين تيمّنوا باسمها وأصبحوا، منذ ذلك التاريخ، يسمّون بناتهم بها، وأصبح متعارفًا عندهم أن كل من اسمها مريم يقال لها (أخت هارون)، كما اعتاد المسلمون أن يطلقوا على كل فتاة اسمها فاطمة لقب (الزهراء)، تيمنًا ببنت النبي صلى الله عليه وسلّم.
القول الفصل في شأن (أخت هارون) هو ما جاء في صحيح مسلم وغيره عن المغيرة بن شعبة، حيث قال: "لما قدمتُ نجران سألوني: فقالوا: "إنكم تقرؤون: يا أخت هارون، وموسى قبل عيسى بكذا وكذا؟! فلما قدمتُ على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم سألته عن ذلك فقال: "إنهم كانوا يُسمّون بأنبيائهم والصالحين قبلهم".
بهذا الحديث أصبح الأمر جليًّا وواضحًا لا لبس فيه حول (أخت هارون)، وأن هارون الذي نُسبت إليه مريم العذراء في هذه الآية ليس هو هارون النبي شقيق موسى وشقيق مريم الكبرى -عليهم السلام-.