لو قابلت نفسي يوماً .. مقال بقلم : عاطف البرديسي

لدي موعِدٌ مع نفسي ؛ سأذهب إليها حيثُ تكون ، ولو تقابلنا في الطريق ، سأقول لها احتفظي بروحك الجميلة وقلبك الطيب ، ولا تسمحي للشر ان يتسرب اليك ، واملأي حقائبك بالتفاؤل والامل لتتلاشي عثرات الزمن ، وتمسكي بالاخلاق الحميدة فقد باتت مفقوده ، وسأهمس لها كوني بخير .

لو قابلتني نفسي صدفة سأقف للحظة متسائلاً :
أهذه أنتِ ..؟ لطالما بحثُ عنكِ وأنتِ الضائعة مني .. لطالما تمنيتُ أن أحضتنك عندما كنت تنزوين وحيدة بائسة في ركن غرفتك ، وأمسح دموعك التي كانت تخجل من عيون الغرباء ، و نظراتهم المكسوة بالشفقة ، وكم تمنيتُ أن أٰشارككِ رقصاتُ فرحك على أنغام نصرك وما حققته من غايات
وقتها : سأدعوها لطاولة النقاش حول حاضري و مستقبلي ، أما الماضي فقد ولى وتركني
سأدعوها لنحتسي فنجاناً من القهوة في مقهى مُطلٍ على شارع ممطر ، أجلس قبالتها أطلب منها أن تحكي لي عن مخاوفها .. عن إخفاقاتها ..
عن أشياءٍ ندمت لأنها فعلتها ، وأخرى لم تفعلها .. سأمسكُ بيدها وهي تروي مافي قلبها .. سأنظر في عمق عينيها .. وأهمس لها أن كل ما تحكيه سيبقى سرًا بيننا

سأحضنها وأمنحها جزءًا من الحنان والاهتمام الذي لم تلقاهُ يومًا من الاخرين
، سأصغي لها ولأوجاعِها التي لم يكترث لها يوماً أحد
سأقدم لها ما كانت تقدمهُ لسواها على أمل أن يبادلوها نفس المعاملة ، لكن عبث
سأقنعها آنها إنسان مرئي وليست خيال أو ظل كما يوحي لها عالمها

سنجلس ع حافة الطريق وأقول لها :
فى هذا المساء قبل النوم لاتفتحى صندوق الذكريات ، ولاتفتشى عن الأشخاص والأسماء فى بقايا الذاكرة ،فيثور الحنين .. لاتفكرى كثيراً ،
ولاتبكى ولاتكتشفى ملامح الحديث ، ولاتتوقفى عند صدمة النضج ولاتنبشى الذاكرة حتى لايزوركِ الأموات والغائبون ، والأصدقاء والأحباب ، وتستعيدي الخيبات القديمة ،بعد أن تخطيتى مرحلة البكاء والأوجاع كونى بالله ومع الله ولاتبالى

سأقول لها ان لا تكبر وانها جميلة بما تحمل من طفولة وبراءة .. الايام اخذت منا الكثير وجعلتنا قساه نتخبط في هذه الدنيا ولا نعلم ماسوف ينتظرنا .. فلنا الله
نفسي انتي ملاذي الوحيد فلا تهجريني وكوني معي دائما

سوف أنظر إلى نفسي فلا أعرفني ، أغمِضُ عيني ، أُحاوِلُ أن أتذكر من تلك ..؟
أين رأيتها آخر مرة ..؟
هل أعرفها ..؟!
من هي .. من أنا اليوم ..؟
ربما ليس الامر بهذا السوء
هي فقط بصمات الايام بكل ما فيها جعلتني أتغير
سأشكرها ، وأشُد على يدها واطلب منها أن تبقى تشبهني قدر الامكان

سأقولُ لها :
سبحان من وهبكِ القدرةَ على الظهور بوجهٍ مرح لايشبهك ، ونبرة صوت استطاعت إيهام الآخرين بأنكِ لاتشكو ألماً ولا ضعفاً ولا بأساً ، وابتسامة رغم حزنها كانت كفيلة بإقناعهم بأنكِ بخيرٍ تماماً
سبحان من ابتلاكِ وألهمكِ استطاعة أن تخفي بلاءكِ وكفاكِ بهِ عن الحاجة إلى الطبطبة ممن سواه

سأنحني لها و ربما أعتذر لها ، فهي أحقُ من أي أحد بالاعتذار ، لأنها الوحيدة التي تحملت معاناتي وآللآمي وأحزاني ؛ وبقيت صامدة تردد و عسى كل نفس ذاقت مرارة الألم يسقيها ربها فرحاً

سأقولُ لها :
يانفس كفي وآرتجعي ، خذلتك عدالة الأرض فلا تقنطي من عدالة رب السماء
دائماً الحياة لا تُعطينا مانتمنى ، ولكن الله بطاعتهُ يعطينا فوق مانتمنى وأكثر
؛ يانفس كفكفي دموع قلبك فـ الدنيا بما فيها وماعليها ليس فيها مايستحق كل هذا العنااااء

كم إشتقتك آيتها النفس المتمردة التي لا تهوى الاستقرار بمكان ؛ فكلما وجدتك ضممتك للقلب وأغلقت عليك باب الوريدِ وباب الشريان ، فإذا بكِ من جدران القلب تتسللي مرة گ عطرِ الياسمين ومرة گ عطرِ الريحان

سأقول لها بكل ثقة : أنتِ كما عهدتك قوية محبة .. لا تركني لحزن ولا تأسفي على ما فات ؛ كوني كما أردتك دائماً صادقة متوكلة على الله
شكراً لإنكِ لم تخذليني يوماً وكنتِ دائماً صديقتي الأوفى
كم انتِ عظيمة يا نفسي لانكِ وحدكِ تعرفين صراعاتك و معاناتك ؛ وانكساراتك ، وشاهده على كل اللحظات التي كادت أن تهزمك ولم تفعل

لو عادت لي نفسي وتقابلنا سأقول لها :
منذ اليوم الذي عرفتك فيه و أنا أضحك و أبكي في آن واحد ؛ أنتِ صيفً و شتاءً على سطحٍ واحد ؛ فنصفُكِ ضوء و آخر ظلام

معكِ اكتشفت أن الربيع لا يأتي إلا إكراماً لنفسٍ طيبة
معكِ تأملت الجمر عندما يعود رماداً
معكِ اكتشفتُ كيف يغادر القلب الحديقة المغلقة ليعودُ غابة
معكِ أدركتُ أن الحب ليس إلا عذاب .. لكن هل أحبك ..؟
سأعلن بأنني أكرهك لأنك كنتِ سبباً في سقوطي فخ الضعفاء
سأعلنُ بأنني أكرهكِ لأنكِ جعلتِ مني قمراً جباناً مرتجفاً
آيتُها الحمقاءُ الغالية ، أكرهكِ و لا أستطيعُ العيشَ بدونك
أحبك بصدق ، وأرفضك بصدق
سأعترفُ بأنني أحببتُك أكثر من أي مخلوقٍ آخر ، و أحسستُ معك بالغربة أكثر مما أحسستُها مع أي مخلوقٍ آخر
هل تعشقينني ..؟
لا أظنُ ذلك ..!
لأنك تضربينَ للآخرين ألف حساب ؛ و تفكرينَ بهم أكثر مما تفكر في ، ترتكبين أخطاءاً ثم تعودين لتُلقي علي اللوم ، تعذبينني ؛ تمزقينني ، و أصبح ضعيف ؛ أشعر حينها بأنني ضالٌ و وحيد
و لكي تراضينني تقنعينني بفكرة أن وجهي حين يتوهج بالألم يضيئ و نصبح أقوى ، لكن تنسينَ بأن كثيرة هي الأيدي التي تنتظر سقوطنا لتصفق ؛ وهي نفسها الأيدي التي ضربتِ لها آلآف الحسابات و فضلتها علي
أن أكون معك وتكونِ معي ، و لانكون معا .. ذلك هو العذاب
أن يضمنا جسدً واحدً ؛ ولاتحتوينا نفس الأفكار .. ذلك هو العذاب
كل ما كان ممكنا أن يكون ، و كل ما كان ينزلق اليوم فوق جدار الماضي ،ولم يبقى منه غيرَ الذكرى
أتمنى أن ينتهي بيننا زمن المشاحنات .. فأنتِ لي وأنا لكِ

وأنت صديقي القارئ
لو قابلت نفسك يوماً .. ماذا ستقولٰ لها ..؟

عاطف البرديسي يكتب .. لو قابلتُ نفسي يوماً, posted by salmaNGOOM-ONLINE.COMعاطف البرديسي يكتب .. لو قابلتُ نفسي يوماًعاطف البرديسي يكتب .. لو قابلتُ نفسي يوماً, posted by salmaعاطف البرديسي يكتب .. لو قابلتُ نفسي يوماً, posted by salma
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 76 مشاهدة
نشرت فى 5 أغسطس 2020 بواسطة elbardesi

الموقع الرسمى للكاتب الصحفى عاطف البرديسى

elbardesi
اعلامي وكاتب صحفي .. مخرج إعلانات .. تسويق إعلاني ، اعلانات ممولة ، إدارة الصفحات والمواقع ، تدقيق لُغوي ، تصوير ومونتاج 01099908489 »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

89,227