يتكلم الكاتب فى هذا الموضوع عن أمر بالغ فى الأهمية وقد يسبب الحيرة والشك لكثير من الناس وهو هل يجوز رفع أجهزة الانعاش عن الانسان بعد موت الدماغ أم لا واليكم الجواب على هذا التساؤل والذى أجاب عليه الأستاذ/ عبد الحكيم هاشم.
حفظت الشريعة الغراء للإنسان حقوقه وكرامته أثناء حياته وبعد مماته فمدار كافة أحكامها وتشريعاتها على حفظ نفسه ودينه وعقله وعرضه وماله، فحرصت الشريعة على حياة الإنسان من أن يعتدي عليها معتد أو يتسور حماها منتهك، فإذا قدر الله له الوفاة وفق أجل معلوم في الكتاب المسطور كان حينها ما أراد الله إذ لا راد لقضاء الله وقدره، فالحياة نعمة.. لا يقدر على منحها للمخلوق إلا الله كما لا يستحق أن يسلبها منه أحد غير الله.
ولقد وجد الإنسان بالتجربة طوال تاريخه أن بعضاً من العلل والأدواء تعتبر من أسباب المنايا التي تورد ابن آدم موارد الموت، والطب في تاريخه يحكي لنا، أن ما كان في زمن من الأزمان مرضاً فتاكاً قاتلاً ليس له أي طب ولا يمكن أمامه إلا التسليم لله وانتظار ملك الموت أصبح في زمن بعده ـ قرب أو بعد ـ مما يستطب له فيتعافى الجسد بعد ذلك بإذن الله تعالى، وأوضح دليل على ذلك ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن أسامة بن شريك ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (تداووا عباد الله فإن الله ـ عز وجل ـ لم ينزل داء إلا أنزل له معه شفاء إلا الموت والهرم)، فإذا حل بالإنسان داء الموت فلا دواء له ولا علاج ينفع معه، كما قال أبو ذئيب الهذلي في مرثيته لأبنائه:
وإذا المنية انشبت أظفارها ألفيت كل تميمة لا تنفع
أما متى يكون ذلك؟ فعلمه عند الله وحده، وأما علامات حصول ذلك، فقد وهب الله علم ذلك لأهل الاختصاص من الأطباء الذين هم أهل الذكر في هذا المجال.
وللموت عند الأطباء علامات مذكورة في مراجع الطب الشرعي حيث يعد (توقف التنفس والقلب والدورة الدموية توقفًا لا رجعة فيه، علامة هامة وأساسية وفارقة بين الموت والحياة)، ويتبع ذلك (موت جميع خلايا الجسم.. وأولها موت خلايا الدماغ التي تموت بعد انقطاع التروية الدموية عنها بأربع دقائق فقط).
وفي هذا العصر الذي تميز بالعديد من المميزات عن بقية العصور السابقة تمكن العلم الحديث أن يكتشف مرحلة هامة من مراحل الموت ألا وهو (موت الدماغ) الذي يحدث نتيجة للحوادث المروعة التي تصيب إصابة بالغة دائمة مراكز التنفس والتحكم بالقلب والدورة الدموية الموجودة في جذع الدماغ، حينها يقرر الأطباء أن الإنسان قد فارق الحياة، إلا أن استخدام بعض الأجهزة الحديثة التي تسمى (أجهزة الإنعاش) تجعل القلب يستمر في النبض والدورة الدموية في الحركة والرئتان في التنفس رغم موت الدماغ، وتصبح تلك الحركة المؤقتة في القلب والدورة الدموية وما يحدث من تنفس للرئتين ناتج عن فعل تلك الوسائل الحديثة التي وفرها التقدم العلمي والطبي الحديث لا عن وجود حياة إنسانية حقيقة.
وهنا يبرز سؤال كبير: هل لا زال هذا الإنسان على قيد الحياة؟! أم قد أصبح في عداد الموتى؟ وكيف يكون كذلك وقلبه ينبض ورئتاه تتنفسان ودمه يتجول في أنحاء جسده؟! وإذا قرر الأطباء وفاته، كيف سيقتنع ذووه بذلك وهم يرون علامات الحياة ظاهرة عليه (نبض، ونفس، ودورة دموية)؟!
إن حياة الإنسان جد غالية ولا يستطيع أن يتجرأ أحد بالحكم بوفاة إنسان ما لم يكن يقيناً قد فارق الحياة، فقد روى ابن ماجه وغيره عن البراء ـ رضي الله عنه ـ عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق) ولقد كان غير واحد من الصحابة ينظر إلى الكعبة المشرفة ويقول: (لقد شرفك الله وكرمك وعظمك والمؤمن أعظم حرمة منك)، من أجل ذلك تنادى أهل الفقه في الدين وأهل العلم من الأطباء المتخصصين للنظر في هذا الأمر الهام في الجهات الآتية:
1 ـ ندوة (الحياة الإنسانية.. بدايتها ونهايتها) التي نظمت المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية في الكويت في 24/4/1405هـ.
2 ـ اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية فتوى رقم 6619 تاريخ 15/2/1404هـ على سؤال بشأن إيقاف أجهزة الإنعاش.
3 ـ مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الثانية وأجله ـ لمزيد من البحث ـ إلى الدورة الثالثة التي صدر فيها قراره التاريخي رقم (5) 3/7/1986م وتاريخ 8 صفر 1407هـ بشأن رفع أجهزة الإنعاش.
4 ـ المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في دورته العاشرة في 24 صفر 1408هـ.
5 ـ اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية فتوى رقم 12086 وتاريخ 30/6/1409هـ مؤيدة ما سبق من قرارات وفتاوى.
وسنعرض هاهنا قرار المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي نظرًا لإيجازه وشموله لبقية الفتاوى والقرارات:
تقرير حصول الوفاة، ورفع أجهزة الإنعاش من جسم الإنسان
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في دورته العاشرة، المنعقدة بمكة المكرمة في الفترة من يوم السبت 24 صفر 1408 الموافق 17 أكتوبر 1987م إلى يوم الأربعاء الموافق 28 صفر 1408هـ الموافق 21 أكتوبر 1987م قد نظر في موضوع تقرير حصول الوفاة، بالعلامات الطبية القاطعة، وفي جواز رفع أجهزة الإنعاش عن المريض الموضوعة عليه، في حالة العناية المركزة، واستعرض المجلس الآراء، والبيانات الطبية المقدمة شفهياً وخطياً من وزارة الصحة في المملكة العربية السعودية، ومن الأطباء الاختصاصيين، واطلع المجلس كذلك على قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، المنعقد في مدينة عمان العاصمة الأردنية رقم (5) 3/7/1986م.
وبعد المداولة في هذا الموضوع من جميع جوانبه وملابساته، انتهى المجلس إلى القرار التالي:
المريض الذي ركبت على جسمه أجهزة الإنعاش، يجوز رفعها، إذا تعطلت جميع وظائف دماغه تعطلاً نهائياً، وقررت لجنة من ثلاثة أطباء اختصاصيين خبراء أن التعطيل لا رجعة فيه، وإن كان القلب والتنفس لا يزالان يعملان آلياً، بفعل الأجهزة المركبة، لكن لا يحكم بموته شرعاً، إلا إذا توقف التنفس والقلب، توقفاً تاماً بعد رفع هذه الأجهزة.
وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، والحمد لله رب العالمين.
المراجع:
1 ـ الحياة الإنسانية الدنيوية.. متى تبدأ؟ ومتى تنتهي؟ د. محمد علي البار
2 ـ ندوة الحياة الإنسانية.. بدايتها ونهايتها، المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية.
3 ـ مجلة مجلس مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، العدد الثاني والثالث.
4 ـ فقه النوازل، الدكتور بكر بن عبدالله أبو زيد.
5 ـ دراسة شرعية لبعض النوازل الفقهية، للأستاذ أحمد بن سعيد بن ناصر.
6 ـ قرارات المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، الدورة العاشرة، القرار الثاني.
ساحة النقاش