الزمخشري.. ربط تفسيره القرآن بوقائع معاصرة

 
 
تفسير الكشاف الزمخشري

مع وجود عشرات الكتب في تفسير القرآن، القديم منها والحديث، إلا أن تفسير الزمخشري المعروف باسم «الكشاف» يكتسب أهمية خاصة للغاية، وهذه الأهمية تعود إلي عدة عوامل، منها ما يتعلق بقيمة التفسير وتميزه، ومنها أيضاً ما يتعلق بشخص المؤلف ومنهجه في التفسير وأفكاره التي ترتبط بفكر «المعتزلة»، وهي فرقة كلامية من الفرق الإسلامية، ظهرت في بداية القرن الثاني الهجري «٨٠ هـ ـ ١٣١ هـ» في البصرة أو أواخر العصر الأموي، وقد ازدهرت في العصر العباسي، واعتمد المعتزلة علي العقل المجرد في فهم العقيدة والتعامل معها، وقدموا العقل علي النقل.

يعتبر أبوالقاسم محمود بن عمر بن عمر الخوارزمي الزمخشري من كبار المفكرين والمؤلفين من متأخري المعتزلة حيث ولد بزمخشر من قري خوارزم عام ٤٦٧ هـ، وكان غزير الإنتاج، حيث ألف في كل الفنون الفكرية المعروفة في زمنه، فهو إمام في التفسير، إمام في النحو، فقيه، شاعر، أديب، وقد ذكر له المترجمون أكثر من خمسين مؤلفاً في موضوعات شتي.

أما تفسيره القرآن الذي حمل اسم «الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل»، فقد انتهي من تأليفه في عام ٥٢٨هـ، وقال عنه المعاصرون إنه تفسير لم يسبق مؤلفه إليه، لأنه أبان فيه وجوه الإعجاز في القرآن، وجمال النظم القرآني وبلاغته.

وفي تفسيره القرآن، قدم الزمخشري طريقاً جديداً في البلاغة القرآنية التطبيقية، انتظمت علي ما ابتكره عبدالقاهر الجرجاني، أحد كبار المؤسسين لعلم البلاغة، ولكنه تفوق علي أستاذه وتجاوزه في العديد من النقاط، وقد تجلي في التفسير ما أضافه الزمخشري من دلالات جمالية في نظم المعاني، وما بحثه من المعاني الثانوية في تقديم العبارة وعائدية الضمائر، والتركيب اللغوي، وتعلق العبارة بعضها ببعض من وجهة نظر بلاغية.

ومع ذلك، فإن بيان إعجاز القرآن اللغوي لم يكن هو عنصر التفوق في هذا التفسير، وإنما تطرق الزمخشري إلي مناطق جديدة ربما تعود في الأساس إلي البناء الفكري والعقائدي له.

ومن أهم ملامح «الكشاف» في التفسير قلة الروايات الإسرائيلية إلي حد الندرة، وهي الروايات التي تسللت إلي غالبية التراث الإسلامي في تلك الفترة، وقام الزمخشري باتباع خطة واضحة للكشف عن هذه الروايات، بأن يصدر الرواية بلفظ «روي»، الذي يدل علي ضعف الرواية وبعدها عن الصحة، وإما أن يفوض علمه إلي الله تعالي، وإما أن ينبه إلي ضعف الرواية، وهذا في الغالب يكون عند الروايات التي لها مساس بالدين وارتباط به.

وأبدي الزمخشري روحاً قوية للغاية في ربط تفسيره بوقائع معاصرة، خاصة في جانبها السياسي، فعندما يقف علي قوله تعالي: «يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم»، يقول في تفسير الآية: والمراد بأولي الأمر منكم أمراء الحق، لأن أمراء الجور الله ورسوله بريئان منهم، فلا يعطفون علي الله ورسوله في وجوب الطاعة لهم، وإنما يجمع بين الله ورسوله والأمراء الموافقين لهما في إيثار العدل واختيار الحق، والأمر بهما والنهي عن أضدادهما، كالخلفاء الراشدين ومن تبعهم بإحسان.

وبالإضافة إلي هذه الخصائص في التفسير، كان الزمخشري حريصاً علي العرض الموضوعي للآراء المختلفة دون تدخل كبير من جانبه فيها، لكنه في المرات القليلة التي كان يفضل فيها رأياً علي آخر، كان يبدو متأثراً بآراء ابن الملاحمي « ٥٣٦هـ» المتأثر بدوره بأبي الحسين البصري «٤٣٦ هـ» المعتزلي الشهير، ولكنه لم يكن يتوسع في المسائل الفقهية أبداً، بل علي العكس رأي الدارسون أنه تعرض لها إلي حد ما دون الميل إلي مذهبه الحنفي.

وقد حظي «الكشاف» بإعجاب العلماء والمفسرين، وأشاد معظمهم بمنهج الزمخشري في التفسير من إعمال العقل والتدبر والنظر، وقال السيوطي في الزمخشري: «كان واسع العلم، كثير الفضل، غاية في الذكاء، وجودة القريحة، متفنناً في كل علم، معتزلياً قوياً في مذهبه، مجاهراً به حنيفياً»، وأشاد ابن خلكان بالكتاب قائلا إنه لم يصنف قبل هذا الكتاب مثله، وأيده بن شاكر الكتبي في ذلك، حيث قال عن هذا الكتاب إنه لم يصنف قبله مثله في المعاني، والبيان، والإعراب.

ومنهج الزمخشري في التفسير يظهره بمظهر المتحيز لفكرة المعتزلي، وقد أخضع تفسيره للوجهة الكلامية عند المعتزلة ودافع عنها، وأضاف إليها الدلالات النفسية التي تستنبط كمعني آخر للآية، أو كوجه ثان لها، فكأنه يبحث عن معني المعني، الذي قرره عبدالقاهر الجرجاني في دلائل الإعجاز، وهذا المنهج أثار الكثيرين الذين طعنوا علي الكتاب، لدرجة تأليف كتب تناقشه وتنتقده، كما فعل قاضي الإسكندرية أحمد بن محمد بن منصور المنير، الذي ناقش «الكشاف» في كتاب «الانتصاف»، كما قام بالرد عليه ابن القيم في «أعلام الموقعين»، وابن تيمية في «مقدمته في أصول التفسير»، وأبوحيان في «البحر المحيط» وغيرهم كثير.

المصدر: موقع عبد الدائم الكحيل
  • Currently 150/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
50 تصويتات / 1785 مشاهدة
نشرت فى 16 سبتمبر 2008 بواسطة eidy

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

131,606