بارتباك شديد وحيرة وقفت نرمين أمام طفلها ذي الستة أعوام بعد أن ألقى بلعبته الجديدة أرضـًا رافضـًا أن يتوقف عن الصراخ، قبل أن تشترى له لعبة أخرى شاهدها أثناء تجوالهم في السوق التجاري الكبير، على الرغم من أنها اشترت له قبل قليل لعبة اختارها بنفسه، وأصر عليها على الرغم من ارتفاع ثمنها.
صراخه كان يحمل لها اتهامـًا أمام المارة بأنها أم قاسية، ترفض أن ترضي طفولته المتطلعة للعبة جديدة، بينما عجزها أن تخبر المارين بجوارها أنها لا تحرمه شيئـًا ، وأنها تعرف أنها حتى لو اشترت تلك اللعبة فلن يتوقف عن الصراخ، ولن تشبع تطلعاته، أصابها ذلك بارتباك شديد وصدمة حقيقية، بعد أن تأكدت أن طفلها تحول لكائن أناني لا يرضيه شيء، لكنها ربما لم تدرك أن هذا الطفل هو صناعة تحمل اسمها هي ووالده.
هناك عشرة أخطاء نرتكبها في حق أطفالنا نعانى منها ونحن لا ندرك أننا مَنْ صنعها، بينما يدفع هؤلاء الصغار ثمنها طوال حياتهم.
يولد الطفل كالصفحة البيضاء لا يدرى من أمور الدنيا شيئـًا ولا يملك في لحظات عمره الأولى سوى القدرة على الصراخ والبحث عن الحنان، بينما يبدأ الأبوان رحلة التربية وكلنا آمال عريضة أن ننشئ أطفالاً أصحاء جسديـًّا ونفسيـًّا، ولكن مع الأسف كثيرًا ما نخطئ خلال هذه الرحلة الصعبة، بسبب الجهل أحيانـًا وبسبب اليأس أحيانـًا أخرى، ونرفع سريعـًا الراية البيضاء متهمين الطفل البرئ بعيوب في طباعه لا يمكن تغييرها.
الدكتور إيهاب عيد، أستاذ الصحة العامة والطب السلوكي بجامعة عين شمس، ورئيس وحدة تعديل السلوك بمركز رعاية الأطفال بمعهد دراسات الطفولة جامعة عين شمس، يبدأ رصد الرحلة قائلاً: "هناك عوامل جينية يرثها الطفل من الأبوين وتولد معه وتتحكم في طباعه، ويمكننا بشكل احتمالي أن نقول إنها لا تمثل أكثر من (40%) من مجمل سلوكياته، وهذه على الرغم من ذلك يمكن ترويضها وتهذيبها أما باقي الـ (60%) فهي سلوكيات يكتسبها الطفل من البيئة المحيطة به، وعلى رأسها الأبوان، وبالتالي نصل لنقطة مهمة، وهى أن جميع سلوكيات الإنسان تعتمد بشكل أساسي على طريقة تربيته وتنشئته. وهناك خمسة أخطاء رئيسة نرتكبها في تربيتنا لأطفالنا وتؤثر في سلوكياتهم طوال حياتهم".
الخطأ الأول:
كما يقول خبير الطب السلوكي هو التدليل ويشرح: "التدليل الزائد الذى يتبعه بعض الآباء بدافع من الحب وتبدو هذه الحالة بصورة واضحة في الطفل الأول أو الطفل الذكر بعد عدد من الإناث، والذى يتم التعامل معه بشكل استثنائي في التدليل وأيضـًا في حالة انفصال الأبوين، حيث يرغب كل طرف في جذب مشاعر الطفل له عن طريق تلبية كل طلباته، وهنا تظهر لدى الطفل عادة في غاية السوء، وهى "اللعب على الاختلاف"، حيث يدرك الطفل أن الاختلاف بين والديه هو أفضل وضع له، ويبدأ في نفاق كل منهما للحصول على مزيد من الأشياء المادية.
وأحيانًا يتبع هذه الطريقة الآباء بغرض تعويض الطفل عن أشياء معينة مثل غياب الأب لفترات طويلة واستبدال دوره التربوي بهدايا عينية للطفل.
لذا يجب أن نشير إلى أن تلبية كل طلبات الطفل والإغداق عليه بالهدايا بسبب أو بدون يضره أكثر مما ينفعه، فالطفل الذى اعتاد الحصول على كل شيء بدون تقديم المقابل يصل لمرحلة من الزهد ويفقد الإحساس بالإعجاب، كما ينمو لديه طباع مثل الطمع والأنانية وينشأ إنسان غير قادر على العطاء وراغب دائمـًا في الحصول على الأشياء دون مقابل".
الخطأ الثاني
يقول دكتور إيهاب عيد وهو عدم القدرة على الاستماع للآخرين: "يشكو الآباء من أن أطفالهم لا ينصتون إليهم، ولكنهم لا يدركون أنهم منذ البداية لم ينم فيهم حسن الإنصات، فالتعامل مع الطفل بغرض لفت نظره إلى الحديث يتطلب أن نجعل حديثنا ممتعـًا كتغير نبرة الصوت أو تقليد أصوات الحيوانات للفت نظره وتعويده على الاستماع، كما يجب أن يلتفت الآباء إلى طريقة استماعهم لأطفالهم، ففي حالة تعاملهم مع حديث الطفل بشيء من اللامبالاة أو مقاطعته سيبدأ في التعامل بنفس الطريقة تجاههم وتجاه الآخرين فيما بعد، ونساعد نحن بدون أن نشعر في تنشئة إنسان لا يستمع إلا إلى صوت نفسه ولا يحترم آراء الآخرين".
الخطأ الثالث:
وهو الترهيب والتخويف، وغالبـًا ما يلجأ إليه الأبوان تحت وطأة الاحتياج في موقف معين بغرض إبعاد الطفل عن فعل ما، ويكون غالبـًا باستخدام كائنات خرافية أو حتى أشخاص بعينهم يتعامل معهم الطفل في محيط الأسرة، مثل الأب أو العم أو أي فرد آخر، وهذه الطريقة وعلى حدِّ قول دكتور إيهاب عيد "تأتي بنتائج سلبية للغاية على الطفل، وأول نتيجة على المدى القريب هي إصابته بالكوابيس الليلية وأحيانـًا التبول اللاإرادي. كما أنها تعمل على توتر العلاقة بين الطفل وأبويه لأن العلاقة المبنية على الخوف هي علاقة غير صحية، ويجب أن تكون علاقة الطفل بأبويه مبنية على الحب والاحترام وليس الترهيب والتهديد، وهو ما ينتج عنه حالة من فقدان الثقة والمصداقية في الأبوين عندما يتقدم الطفل في السنِّ نوعـًا ما، ويبدأ في إدراك الحقائق وأن كل ما كان يستخدمه أبواه من أساليب لترهيبه ما هي إلا أشياء وهمية لا وجود لها".
الخطأ الرابع:
إنشاء طفل شديد العناد، على الرغم من أن العلماء يشيرون إلى أن العند لدى الطفل هو أحد مؤشرات الذكاء، وغالبـًا ما يشكل العامل الوراثي نسبة كبيرة منه، وبالتالي فالطفل يكون لديه استعداد مسبق لاكتساب هذه العادة نكملها نحن، وكما يقول دكتور إيهاب: "الطفل في سنوات عمره الأولى يكون لديه إحساس بأن الكون كله يدور في فلكه ومسخر لخدمته وهو إحساس طبيعي عند جميع الأطفال في مثل هذه السنّ من العمل على الحدِّ من هذا عن طريق تجنب التدليل الزائد وتلبية كل طلبات الطفل لنوصل له رسالة مفادها أن ليس كل ما يريده ويرغب فيه متاحـًا، وأن الكون ليس ملكـًا له وحده ويجب أن نعلم أن عادة العناد عند الطفل بقدر ما تمثل من إزعاج للأبوين فهي من العادات الجيدة في حالة استخدامها بالشكل السليم، فالطفل العنيد إنسان مثابر يرغب في الوصول لأهدافه، ولترشيد هذه العادة يجب على الأبوين استخدام قدرته على المثابرة في إنهاء الأعمال كإتمام قصة أو لعبة ويجب عدم إعطائه شيئـًا قبل إتمام ما كان يقوم به، ويجب ألا نتعامل معه بعند كأن نجعل قائمة الممنوعات أكثر من المسموحات ونكثر من قول كلمة لا".
الخطأ الخامس:
إنشاء طفل عصبي وعنيف، العنف أصبح ظاهرة في المجتمع وحتى في أفلام الكرتون المخصصة للأطفال، لذا أصبح طبيعيـًّا أن نجد الأطفال يأتون بأفعال عنيفة في التعامل، وما علينا فعله وكما يقول أستاذ الطب السلوكي: "القيام بقدر من الرقابة على ما يشاهده الطفل في الإعلام، كما يجب علينا التحكم في أعصابنا وطرق تعاملنا مع الطفل أو مع الآخرين أمامه، وذلك حتى نوصل للطفل رسالة أن الصوت العالي والعنف ليس من طرق التعامل بين البشر".
الأخطاء التربوية الخمسة يكملها خمسة أخطاء صحية نرتكبها في حق أطفالنا نكمل بها منظومة الخطأ في التربية، دكتور طلعت سالم، أستاذ طب الأطفال وحديثي الولادة جامعة الأزهر وعضو الجمعية المصرية لصحة وسلامة الطفل، يضع لنا قائمة الأخطاء الخمسة، قائلاً:
الخطأ الأول
"تبدأ أولى مشاكل الطفل الصحية بخطأ سلوكي للأم التي تعتاد إرضاع الطفل، وهو نائم وهي الطريقة التي تؤدي لإصابة الطفل بالتهابات متكررة في الأذن نتيجة لتسرب اللبن للوضع الخاطئ في الرضاعة، وبتكرار الأمر تتحول المشكلة لأزمة صحية مزمنة يعاني من آلامها الطفل ويبكي كثيرًا بدون أن يعرف الوالدان السبب، ويمكن أن تتسبب فيما بعد في مشكلة حقيقية لقدرة السمع عند الطفل".
الخطأ الثاني
وهناك سلوك أقرب للعادة لدينا جميعـًا يراه دكتور طلعت سالم إيذاءً مباشرًا للطفل، وهو الخطأ الثاني فيقول "عادة الهزّ المستمر للأطفال تؤثر بشكل سيئ في المخ ويؤدي أحيانـًا لإصابتهم بفرط في الحركة وعصبية شديدة قد تؤثر في الطفل لباقي عمره، وغالبـًا ما يعتادها الطفل، وبالتالي يزداد الإيذاء الذى يتعرض له الطفل".
الخطأ الثالث:
يبدأ بمحاولة الأهل التعجل لانتقال الطفل لمرحلة الحركة وكما يقول: "عادة وضع الطفل على المشاية في سنِّ مبكرة ولفترات طويلة بغرض تدريبه على المشي، ولكن للأسف تأتي هذه الطريقة بنتائج عكسية في حالة الإفراط وتضر كثيرًا بعضلات الحوض. ويجب الإشارة هنا إلى أنه لا يفضل وضع الطفل على المشاية لمدة تزيد على الساعتين يوميـًا لتجنب آثارها السلبية على الطفل".
الخطأ الرابع:
يبدأ مع مرحلة الفطام وما يقدمه الأهل للطفل من طعام ويقول دكتور طلعت سالم: "في هذه المرحلة عادة يتم تقديم طعام غير مناسب للطفل ويجهل الكثيرون احتياجاته الحقيقية من العناصر المهمة، مثل الحديد والكالسيوم، وكذلك يتم إطعامه وجبات أخرى تسبب ضررًا مباشرًا له، مثل المشروبات الغازية للأطفال والتي تتسبب في إصابته بهشاشة وضعف العظام وتؤثر في نموها وتؤدي للإصابة بلين القدمين الذي قد يصل إلى مرحلة التدخل الجراحي لإصلاحه".
الخطأ الخامس
ويبدأ في الفترة اللاحقة والتي يكوّن فيها الطفل عاداته الغذائية، ويسهم الأبوان بشكل كامل في تشكيلها لدى الطفل، ويشرح دكتور طلعت قائلاَ: "تعويد الطفل على تناول الحلوى والمأكولات التي تحتوى على سعرات حرارية عالية ووجبات جاهزة، وتجاهل تقديم الخضر والفاكهة، وبالتالي اعتياده على تجاهلها فيما بعد يجعله عرضة للإصابة بالبدانة، وهي من الأمراض التي يصعب التخلص منها، وبخاصة حين يعتاد على هذه الطريقة الخاطئة في التغذية ويظل شبح البدانة يلازمه طوال حياته".
مصدر المقال:
ساحة النقاش