الرياضيات والإسـلام
سنتناول إن شاء الله في هذا البحث لمحة تاريخية شاملة عن الرياضيات، فهي لبّ الأعداد والأرقام، ولكن قبل الشروع في ذلك سنتعرض للرياضيات من منظور إسلامي، حتى نعطي للمتابع فكرة جلية لعظمة الإسلام واهتمامه بالرياضيات فنقول :
وأيضا قبل المباشرة، علينا أن نعرف ماهية هذا العلم . فكما هو معلوم أن الرياضيات هي أم العلوم الدنيوية كما تسمى، وتدخل في كل جوانب العلوم الطبيعية . أما في الهندسة فتعد الرياضيات هي روح العمل الهندسي التي بدونها لما كان هناك وجود الهندسة وتطبيقاتها، وأما الإحصاء فلا يكاد يخلو أي علم تطبيقي من مادة الإحصاء ومعادلاته وحساباته. وللقرآن الكريم إعجاز رياضي عظيم يكاد يخلب العقول ، وبرزت في هذا المجال كتب وبحوث عديدة في الإعجاز الرقمي تحوي تفاصيل رائعة بموضوع الأرقام والإحصاء وإعجاز الوزن الرقمي للكلمات وأعدادها وفيه أمور عديدة تبعث بالقاري على الاعتزاز بدينه والفخر بكتابه وسنة رسول الله محمد إبن عبد الله صلى الله عليه وسلم .
فمن آيات الله في كتابه العزيز ما فيه إشارة مباشرة إلى الرقم والإحصاء والعدد، ومنها ما يحتاج إلى تدبر وتفكر يفضي إلى فهم أشمل للآية الخاصة بالإشارة والمثل القرآني، فهناك الإحصاءات الآتية .
q عدد تكرارات الكلمة والحرف في السورة الواحدة وفي القرآن بأجمعه .
q تسلسل الكلمة ونسبتها إلى عدد كلمات السورة .
q تسلسل آية الكلمة ونسبتها إلى عدد آيات السورة .
q تسلسل رقم السورة ونسبتها إلى سور القرآن الكريم . كمثال لذلك راجع الرابط المسمى أسرار ترتيب سور القرآن الكريم .
q الوزن الرقمي للكلمة أو حساب جملها .
وسيرى المتابع الكريم كيف أن هذه النسب والإحصاءات مرتبة بشكل رياضي محكم وحسب قوانين رائعة لا يعلمها إلا الله تعالى، وكيف أنها تعطي ثوابت هندسية للظواهر التي تتحدث عنها فيزيائية كانت أم كيميائية أم اجتماعية أم أي شيء آخر، وكيف أن هذه الثوابت التي من المكن تسميتها (الثوابت القرآنية الشاملة Global Holy Quran Constants) تربط الظواهر التي تتحدث عنها كمثل أو إشارة مع الحالة الاجتماعية للإنسان والمجتمع .
موقف الإسلام من العلوم الرياضية
لئن كان عصرنا الذي نعيش هو عصر الإحصاء والرياضيات إذ لا يكاد علم من العلوم يخلو من هذين العنصرين الأساسيين اللازمين لتطوره، وهما الفارق بين العلميين والعشوائيين ، فإن الإسلام العظيم قد سبق في هذا سبقا مميزا يكاد يكون السمة البارزة له عن بقية الأديان والقوانين الوضعية فلا عجب أن نرى أن القرآن العظيم يعطي الإحصاء والرياضيات أهمية بارزة ، فيقول الله تعالى : (وأحصى كلّ شيء عددا) ، وقال تعالى: (لقد أحصهم وعدّهم عددا)، وغيرها من الآيات المباركات . وقد بادر النبي صلى الله عليه وسلم إلى الانتفاع بالإحصاء منذ عهد مبكر من إقامة دولته بالمدينة . فقد روى البخاري ومسلم عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله فقال : (احصوا لي كم يلفظ بالإسلام) . وفي رواية للبخاري أنه قال: (اكتبوا لي من يلفظ بالإسلام من الناس) . قال حذيفة: فكتبنا له ألفا وخمسمائة رجل. وكان ذلك ليعرف الرسول صلى الله عليه وسلم القوة البشرية الضاربة التي يستطيع بها مواجهة الأعداء. والإحصاء الذي تم في وقت مبكر من حياة الدولة الإسلامية ، تم بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهولة ويسر، يرينا إلى أي حد يرحب الإسلام باستخدام الوسائل العلمية الإحصائية والرياضية . وفي مقابل هذا نجد في العهد القديم إن أحد أنبياء بني إسرائيل أراد أن يعمل لهم إحصاء فنزلت عقوبة سماوية بهم ، كأنما (الإحصاء) يمثل تحديا للقدر والإرادة الإلهية، وهذا ما استنبط منه الفيلسوف المعاصر الشهير (برتراند رسل) أن التوراة والكتاب المقدس لا يتيحان مناخا مناسبا لإنشاء عقلية علمية .
لقد طبق المسلمون في زمن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه الإحصاء عن طريق تأسيس الدواوين حيث يتم فيها تدوين المعلومات عن الجند ودخول بيت المال وغيرها من البيانات اللازمة للتموين وتجهيز الجيوش . . . وهذه الطريقة لا تزال تستخدم في كثير من الأمور الإحصائية الحديثة وهي بداية الإحصاء . كذلك استخدم الخليفة أبو جعفر المنصور وسائل متطورة وعديدة لتسليح وتموين الجند إضافة إلى تبويب مدخولات بيت المال والمصروفات والأبواب الأخرى المتعلقة بإدارة الدولة . ولعل القاعدة القرآنية العظيمة في قوله تعالى : (وكذلك جعلنكم أمة وسطا) . وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (خير الأمور الوسط) . وكما بينا أن معاني الوسطية في اللغة الاعتدال والاتزان والتوازن والعدل ووسطية المكان ، ومن هنا يتبين لنا المفهوم الإحصائي الأساسي الذي أسّسه القرآن ألا وهو الوسط الحسابي والمعدل . . . أما الإحصاء التطبيقي فقد ساهم فيه المسلمون عن طريق التوفير للمنحنى المفترض عن البيانات المعلومة وهذا المفهوم العلمي الرياضي لا يزال الأساس في علم الإحصاء لإيجاد أفضل المعادلات لقياس واقعية تجربة أجريت من قبل الباحثين في حقول المعرفة المختلفة . وما طريقة عمر الخيام لحل المعادلات التكعيبية ذات المجهول الواحد عن طريق ما يسمى (بحساب الخطأين) عند المسلمين وما يسمى حديثا بطريقة (False Regula) في التحليلات العددية الحديثة إلا خير دليل إلى أن المسلمين اتبعوا خطوات هندسية حديثة ومتطورة وسبقوا زمنهم في هذا المجال (بالإمكان الرجوع إلى مجلة المجمع العلمي العراقي ، لسنة 1973، العدد 23) .
تعد الحضارة الإسلامية من المرتكزات الأساسية وأحد الروافد الكبرى للحضارة البشرية لأصالتها وشموليتها وإنسانيتها بالإضافة إلى المنهج العلمي الذي كان الصفة المميزة لنتاجات علماء الأمة . لذلك فإن الأعمال العلمية الإسلامية اتصفت بالوضوح والدقة والجدية وبذلك يكون علماؤنا قد أضافوا إشعاعا جديدا لحضارة أمتهم الذي اعترف بفضلها كبار مؤرخي العالم ورجاله . ومنهم العالم بريفو الذي قال : (إن العلم أجل خدمة أسدتها الحضارة العربية إلى العالم الحديث وللعرب الفضل الكبير في تعريف أوروبا بالمعرفة العلمية ، وإن العلم الأوروبي سيبقى مدينا بوجوده إلى العرب) .
ولقد احتلت العلوم الرياضية مركزا مهما في حضارتنا الإسلامية حيث اهتم بها المسلمون اهتماما واضحا ، ويظهر ذلك من خلال النظريات والأفكار الرياضية المتطورة التي قدمها المسلمون . وقد ساعدت جملة من العوامل على تقدمهم في ذلك المجال العلمي المهم في طبيعة العقلية العربية المتفتحة صافية الذهن التي عمل الإسلام على تبلورها، حيث ان القرآن الكريم عدّ التأمّـل والتفكر في خلق الله في جملة المفاهيم الإسلامية التي لا بد للمسلم أن يأخذ بها، بالإضافة إلى تأكيده على ضرورة الاهتمام بالعلوم بصورة عامة ، كذلك فإن القرآن الكريم احتوى على الكثير من الأمور التي لا بد من معرفتها والمتعلقة في أسس العبادة وأن العمل لا يتم إلا بعد معرفة بعض الجوانب الرياضية وكان ذلك في جملة العوامل التي دعت العرب والمسلمين إلى الاهتمام أكثر في دراسة وفهم الرياضيات للاستفادة منها سواء في تحديد مواقيت الصلاة وبداية الأشهر الهجرية وأهمها رمضان المبارك وشهر الحج وبقية الأشهر الحرم عموما وتحديد اتجاه القبلة وقسمة المواريث والغنائم .
لقد تطورت العلوم الرياضية تطورا سريعا على أيدي علماء الإسلام الذين سجلوا ابتكارات رياضية مهمة في حقول الحساب والجبر والمثلثات والهندسة، وقد أثارت أعمالهم إعجاب ودهشة علماء الغرب ، وقد أشاد الكثيرون منهم بفضل علماء المسلمين والعرب ومآثرهم الرياضية ، فقد ذكر سيدو : (إن للعرب عناية خاصة بالعلوم الرياضية كلها فكان لهم القدح المعلى وأصبحوا أساتذة لنا في هذا المضمار بالحقيقة) . أما روم لاندو فقال : (على أيدي العرب دون غيرهم عرفت الرياضيات ذلك التحول الذي مكنها آخر الأمر أن تصبح الأساس الذي قام عليه العالم الغربي الحديث ن فلولا الرياضيات كما طورها العرب كان خليقا بمكتشفات كوبرينكوس وكلبرت وديكارت ولاينبز أن يتأخر ظهورها كثيرا) . أما هوبر فذكر أن التقدم الوحيد في الرياضيات الذي ابتدأ في عصر بطليموس وحتى عصر النهضة كان من جهة العرب فقط . أما في أوروبا فكانت جميع فروع الرياضيات من الجمود الذي شلّ الفكر بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية .
وكان للعلماء المسلمين اليد الطولى والفضل الأكبر في تطور العلوم الرئيسية وعلى رأسها الرياضيات بكل علومها المعقدة ومنها الجبر والهندسة والحساب والمقابلة وأقسام العدد والعددان المتحابان وخواص الأعداد والكسور والضرب والقسمة والمساحة للأشكال الهندسية وقوانين الأشكال الهندسية والجذور والإحصاء وغيرها من العلوم الرياضية المعقدة ، وكان علماء المسلمين من أهل الرياضيات أعلاما ، فحسبك الخوارزمي محمد بن موسى المتوفى بعد سنة 232 هـ . والذي يعود له الفضل الأساس في علوم الحاسبات الحديثة وباعتراف الغرب بأجمعه، وكلمة (Algorithm) تعني الخوارزمي، كما أنه يعتبر مؤسس علم الجبر الحديث وكلمة (Algebra) مشتقة من كتابه (الجبر والمقابلة). وهو باعتراف الغربيين أساس لكل العلوم الحاضرة فلا يكاد يخلو علم من العلوم المعقدة الحديثة إلا وفيه جبر الخوارزمي، إضافة إلى إبداعاته في نظام الأرقام والأعداد وعلم الحساب والمتواليات العددية والهندسية والتآلفية والمعادلات الجبرية والجذور واللوغارتمات والفلك والمثلثات والأرقام الهندية والطريقة البيانية لإيجاد الجذور =، وله أكثر من 27 مؤلفا في مختلف العلوم أشهرها (الجبر والمقابلة) الذي نقله إلى اللاتينية روبرت أوفشستر (عن كتاب بغداد مدينة السلام) .
وسنسرد بعض علماء الرياضيات المسلمين من أهل بغداد فقط منهم:
Ø الكندي المتوفى في بغداد سنة 288 هـ.
Ø إبراهيم بن أحمد الشيباني المتوفى سنة 298 هـ.
Ø الفضل بن محمد بن عبد الحميد أبو برزة الحاسب المتوفى سنة 298 هـ.
Ø علي بن أحمد العمراني الموصلي البغدادي المتوفى سنة 344 هـ.
Ø ابن أعلم الشريف البغدادي المتوفى سنة 475 هـ.
Ø عبد القادر البغدادي المتوفى سنة 429 هـ.
Ø ابن الصلاح البغدادي المتوفى سنة 548 هـ.
Ø جعفر القطاع المدعو بالسديد البغدادي المتوفى سنة 602 هـ.
Ø معين الدين عبد الرحمن بن إسماعيل الزبيدي البغدادي المتوفى سنة 620 هـ.
Ø ظهير الدين علي بن محمد الكازوني المتوفى سنة 697 هـ.
Ø وابن الخوام البغدادي المتوفى سنة 724 هـ.
وغيرهم الكثير ، وإذا ما أردنا تعداد العلماء الآخرين من أهل الشام ومصر والمغرب والأندلس وبلاد المشرق فستطول القائمة كثيرا .
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن المرأة المسلمة شاركت أيضا في الإنجازات العلمية الرياضية ، ومن هؤلاء النسوة عالمة الرياضيات العربية أمة الواحد ستيتة المحاملي البغدادية المتوفاة سنة 377 هـ. .
ولنأخذ مثالا واحدا من هؤلاء الأماجد وهو أبو منصور عبد القاهر بن طاهر بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم التميمي الشافعي البغدادي صاحب المعارف الواسعة في أمور الدين والفقه واللغة والحساب والهندسة وله مؤلفات عديدة أهمها (الملل والنحل)، (نفي خلق القرآن)، (بلوغ المدى من أصول الصدى)، (تأويل متشابه الأخبار)، (أصول الدين في علم الكلام)، (الإيمان وأصوله)، (التحصيل في أصول الفقه)، (العماد في مواريث العباد)، (تفضيل الفقير الصابر على الغني الشاكر)، (معيار النظر)، (التكملة في الحساب)، و(رسالة المساحة). لقد شكلت مباحث هذا العلامة تراثا علميا خالدا حمل معه طابع الأصالة والابتكار. فقد بحث في مختلف جوانب علم الحساب والهندسة والأعداد جمعا وتفريقا وتضعيفا وضربا وقسمة وكيفية إخراج الجذور في الأعداد الصحيحة وغير الصحيحة والكسور بين صورها وطرق جمعها وتفريقها وضربها وقسمتها واستخراج جذور الكسور التربيعية والتكعيبية والضرب والقسمة باستخدام الهندسة والأعداد المتناسبة والجذور ومسائل العدد وخصائصه وتطبيقاته في المعاملات والصرف وتحويل الدراهم والدنانير والأجرة والربح والخسارة والزكاة والجزية والخراج وحساب الأرزاق والبريد والثلاثي والأعداد المضمرة وغيرها من علوم الحساب. وأما في الهندسة فقد أوضح مساحات الأشكال للمثلث والمربع والدائرة والمجسمات، وفي المسائل العلمية في حفر الآبار وبالأشكال الهندسية الدقيقة التي أثبتت مقدرة رياضية فائقة . وكمثل على جهلنا بهذا التراث العظيم نذكر أننا في مناهجنا الحالية ما زلنا نستعمل الكثير من مسائله عدا تغيير بسيط بالألفاظ والتسميات وذلك لمواكبة التطورات العلمية المعاصرة، ولكن للأسف الشديد بدون الإشارة إلى فضل عالمنا عبد القاهر البغدادي وغيره من علمائنا العظام الذين كان لهم قصب السبق في اكتشاف وابتكار أفضل طرق حل المسائل الرياضية وأسلوب عرضها ، ولنأخذ مثالا واحدا من الأمثلة التي ذكرها البغدادي ونقارنه بأحد الأمثلة الحديثة ، لنرى كيفية عرض هذا العالم الجليل لمسائله الرياضية : فقد ذكر عبد القاهر البغدادي عند عرضه لمسائل البريد المثال الآتي :
(عاملي بريد إن خرج أحدهما من بغداد إلى الكوفة يسير كل يوم ثلث الطريق وخرج الآخر في تلك الساعة من الكوفة إلى بغداد ، يسير كل يوم ربع الطريق، ففي كم من الزمان يلتقيان ؟)، وهذا المثال يثار بالسؤال الآتي الذي نعلمه لطلبتنا في الوقت الحاضر وهو : (قطاران أحدهما من بغداد إلى الموصل يقطع كل يوم ثلث المسافة ، وسار الآخر في تلك الساعة من الموصل إلى بغداد ويسير كل يوم ربع المسافة، ففي كم من الزمان يلتقيان ؟). وأترك التعليق للمتابع الكريم ! . . .
ومعلوم أن العرب هم الذين ابتكروا الرقم (صفر) وهذا بحد ذاته فتح الآفاق الواسعة أمام علم الأرقام والعدد والرياضيات ، كما وأن الأرقام العربية المستخدمة الآن هي بالأصل أرقام هندية ، بينما الأرقام الإنجليزية المستخدمة دوليا عي أصلا الأرقام العربية التي اكتشفها المسلمون بناء على طريقة الزوايا، إذ يمثل كل رقم رسما توضيحيا يعتمد على زوايا تقابل ذلك الرقم ، فالعدد (1) يمثل زاوية واحدة ، والعدد (2) يمثل زاويتين ورسمه الأصلي يشبه الحرف Z إلا أنه حرّف إلى شكله الحالي ، والعدد (3) كذلك وهلمّ جرّا . . . إلى أن نصل إلى العدد تسعة وهو مكون من تسع زوايا كما هو مبين بالشكل أدناه لمواقع الزوايا لكل رقم غباري عربي، ولم يُستعمل نظام الزوايا بالنسبة للصفر بل استعملت الدائرة لأنها ليست رقما أو عددا وإنما هي مكونة من لا شيء، والقصد من استعمالها هو للدلالة على موقع الفراغ بالنسبة للأرقام ووضعها في الخانات الصحيحة ، لتفرق بين الخانة الآحادية والعشرية والمئوية . . . إلخ .
وهذه الأرقام تسمى باللغة العلمية (الأرقام العربية Arabic Numeric) ، ولن نزيد عن الكلمة العظيمة التي قالها المهندس الإنشائي الكبير البروفيسور (كيني) إذ قال في مقدمة أحد كتبه : (يكفي العرب فخرا أن تكون أرقامهم أساسا لكل علومنا الحاضرة) .
الأرقام والعددية في القرآن الكريم
أولا -إن نظرة ثاقبة إلى سورة النساء فقط ومدى الروعة العظيمة في تقسيم الميراث في الإسلام وحقيقة إعطاء النصف والربع والثلث والسدس لحالات مختلفة يريك مدى الترابط بين القانون وعلم الاجتماع والاقتصاد والرياضيات .
وثانيا - فإذا تأملت لماذا هذه الكسور وحقيقة تقسيمها بهذه الدقة وربطها مع الحالات الاجتماعية المختلفة لكل تقسيم يريك الدقة في مراعاة الحقوق من جهة ودقة التقسيم الرياضي من جهة ثانية .
وثالثا - وهذا ما يهمنا في هذا البحث - إن علم الرياضيات يحوي على ما يسمى بالكسور الاعتيادية وهذا العلم لم يكن معروفا بهذه الصفة الشمولية وهذه الدقة عند نزول الآية بل تطور بعدها بزمن . يقول تعالى : (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) سورة البقرة 261 . وما في هذه الآية المباركة من موضوع الأرقام والمضاعفات الرقمية ما يغني عن التعليق لوضوحها .
أما في ما يتعلق بالدرجات والتصانيف فقوله تعالى : (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) سورة الأنعام 132 ما يبين لك أهمية موضوع الدرجات في القرآن الكريم ، وما سنذكره لاحقا هو حول الإعجاز الرقمي وهو في محيط كتاب الله المعجز .
أما في الإحصاء فللقرآن سبق أيضا، يقول تعالى: (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) سورة البقرة 261، كما وردت كلمة إحصاء بكل مشتقاتها وتفاعيلها في القرآن الكريم 10 مرات في سورة الجن والمجادلة والكهف ومريم ويس والنبأ والمزمل وإبراهيم والنحل والطلاق .
فتصور أخي المتابع أن كل ذرة في الأرض وفي جسم الإنسان وفي الكون من أي مادة كانت آلة التصوير (الكاميرا) محمولة معها تسجل تحركاتها وأعمالها فكم من المعلومات بإمكاننا أن نجمع في الثانية الواحدة ، يقول تعالى : (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) سورة الأنعام 59 فكم هو علمنا الإحصائي إلى علم الله . ألا من متأمل ؟، ولنا عودة لهذه الآية في رابط آخر إن شاء الله .
إن علم المواريث هو واحد من أهم العلوم الاجتماعية التي أولاها الإسلام اهتماما عظيما لأنه يشكل إحدى الدعامات الرئيسية التي يبنى عليها البناء الأساسي للمجتمع وهو الأسرة، ويعتبر هذا العلم في الفقه الإسلامي من أهم وأعقد العلوم، وهو أول العلوم التي يرفع تطبيقها من أمة الإسلام كما تنبأ المصطفى صلى الله عليه وسلم فجاء الخطاب القرآني فيه بشكل بناء اجتماعي - هندسي - رياضي محكم .
وبناء على ما سبق فإن للرقم والعد والرياضيات والعلوم الرياضية المختلفة (وهي أم العلوم كما ذكرنا) أهمية بالغة جدا في البنية الشخصية للمسلم، وإذا ما عدنا غلى كتاب إلى العظيم وحاولنا اقتباس بعض من نوره . فإذا أجرينا إحصائيات عديدة معتمدين على عدة أساليب رياضية وإحصائية ومنها عدد مرات التكرار ، وتسلسل الكلمات والآيات والسور، وعدد الأحرف، وغيرها، وكذلك حساب الجمل، وأحيانا التراميز الثلاثة لحروف القرآن، والأوزان الرقمية للأعداد وهو ما عرف عند العرب من عصر قبل الرسالة الإسلامية وكذلك عرفت عند أقوام آخرين من أصحاب اللغات السامية الأخرى كالعبرية وغيرها، لوجدنا أن الإشارات القرآنية للعدد والرقم والرياضيات تقسم إلى الأقسام الآتية :
1 - الإشارة المباشرة إلى الرقم الصحيح : فقد وردت الأرقام الصحيحة الآتية بشكل واضح في آيات متعددة (1 / 2 / 3 / 4 / 5 / 6 / 7 / 8 / 9 / 10 / 11 / 12 / 19 / 20 / 30 / 40 / 50 / 60 / 70 / 80 / 99 / 100 / 200 / 300 / 1000 / 2000 / 3000 / 5000 / 50000 / 100000) .
فائدة في الأعداد الصحيحة :
وهي ثلاثون عددا ، إذا جمعنا قيم هذه الأعداد جميعا فسنجدها كالتالي :
- 162146 – أي – 19 × 8534 - أيضا : 162146 ÷ 23 = 702 ÷ 27 = 26
وإذا أردنا أن نضيف الأعداد التي لم يصرح بها مباشرة وهي – تسع وتسعون – وقد ورد العدد تسعة صراحة وكذلك العدد تسعة وتسعون، أما العدد – تسعين فلم يرد في الأعداد الصريحة سالفة الذكر .
وهناك أيضا العدد – 950 – فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما - .
وهناك العدد – 309 – ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا - . وعليه يكون مجموع قيم الأعداد التي لم تذكر صراحة هو :
950 + 309 + 90 = 1349 أي 19 × 71 .
عدد مفردات جميع الأعداد 69 ÷ 23 = 3 . (23 هو مدة تنزيل القرآن) .
نرصف الأعداد :
100000500005000300020001000300200100998070605040302019121110987654321
نقسم ÷ 7 =
14285785715000042860000142900028585856867229291471717017301569664903
(نكتفي بهذه التحليلات العددية حيث لم نستعمل معكوس الأعداد وضربها)
يقول الدكتور أحمد محمد إسماعيل : (والقرآن الكريم ذكر أرقاما تعكس بشكل واضح النظامين الستيني والعشري فذكر الأرقام (1 / 2 / 3 / 4 / 5 / 6 / 7 / 8 / 9 / 10 / 11 / 12) ولم يذكر (13) وهذه الأعداد المتسلسلة تمثل أشهر السنة وهو أساس النظام الستيني الذي كان يستعمله البابليون . ثم ذكر بعد ذلك الرقم (19) ثم يذكر القرآن الأرقام التي تمثل النظام العشري ( 10 / 20 / 30 / 40 / 50 / 60 / 70 / 80 / 99) ثم يكمل ذكر الأعداد ( 100 / 200 / 300 / 1000 / 2000 / 3000 / 5000 / 50000 / 100000) وواضح أن العدد (99) يمثل أسماء الله الحسنى .
2 - إشارة مباشرة إلى الرقم الكسري : وهو ما ورد في سورة النساء مثل (8/1 ، 6/1 ، 4/1 ، 3/1 ، 2/1) ومنها أيضا كلمة معشار أي (10/1) .
هذا الرابط به نماذج من الأعداد وكسور الأعداد الواردة في القرآن
3 - إشارة غير مباشرة إلى الرقم والعدد : ومنها (كثير، قليل، بضع، بعض، وغيرها) وهي كلمات معروفة لدى العرب تعني أرقاما محددة ومنها ما فسرها الحديث الشريف وأهل التفسير .
4 - إشارة إلى الإحصاء عموما : مثل الآيات الكريمات التي تم ذكرها في البداية .
5 - إشارة إلى العمليات الرياضية الرئيسية : كالجمع مثل قوله تعالى : (وازدادوا تسعا) الكهف 25 . والطرح مثل قوله تعالى : (وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) سورة فاطر 11 . والضرب مثل قوله تعالى : (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) البقرة 261 . والقسمة مثل قوله تعالى : (وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاء قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَر) القمر 28 .
6 - إشارة إلى المقاييس والوحدات : كقوله تعالى : (ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ) الحاقة 32، و (اثنا عشر شهرا) التوبة . وسنشرح ونفصل هذا في رابط خاص إن شاء الله .
7 - أثبتت البحوث العلمية الرصينة وجود منظومات عددية عديدة في القرآن الكريم لها دلالاتها الرياضية والإحصائية العجيبة مثل منظومات الأعداد ( 7، 19، 23، 27، 29) وغيرها الكثير .
8 - هناك أيضا التناظرات والتقابلات العددية القرآنية وهي كثيرة جدا مثل تقابلات الأعداد (3، 88) وغيرها مما أثبته المهندس عدنان الرفاعي في كتابه (المعجزة - كشف إعجازي جديد في القرآن الكريم) ، وكذلك ما قدمه الدكتور المهندس أحمد محمد إسماعيل في كتابه (أنظمة رياضية في برمجة حروف القرآن الكريم) والكثير من الحقائق في هذا المجال .
9 - النوع الآخر من الأرقام والأعداد في القرآن الكريم - وهو الذي نقصده - : عدد السور والآيات والكلمات والحروف، تكراراتها، تسلسلاتها، نسبها المبينة على نظام رياضي معجز وعجيب لا يستطيع بنو البشر الوصول إلى أسرار إعجازه العظيم، ودلائل وجوده وتنظيمه، والأسباب التي جعلته بهذا الشكل المتسلسل الرائع والذي ينم عن قصد لا يعلمه إلا الله تعالى، وقد يستطيع بنو البشر تلمس بعض جوانب إعجازه بالبحث والتقصي المستمرين إلى يوم القيامة، وقد لا يستطيعون .
10 - هناك أيضا ما يعرف بحساب الجمل، أو الوزن الرقمي للحرف، وهو ما سنتعرض له لاحقا برابط آخر مستقل بسبب ما حصل فيه من لغط كثير .
11 - هناك أيضا تفسيرات رقمية للقرآن الكريم عن طريق اكتشاف بعض الرموز الجديدة للحروف مثل ما تناوله الأستاذ عاطف صليبي في كتابه الرائع (أسرع الحسبين) (لاحظ كلمة الحاسبين كتبت الحسبين وهو حسب الرسم العثماني للمصحف الشريف) .
اهتم المسلمون ومنذ القرون الأولى بالعدد القرآني، وقد ذكر الدكتور غانم الحمد محقق كتاب (البيان في عدّ آي القرآن) لأبي عمرو الداني ، ذكر 136 كتابا في علم العدد القرآني، ابتداء من كتاب (العدد ) للعطاء بن يسار المتوفى عام 103 هجرية، وانتهاء بكتاب (زهر الغرر في عدد آيات السور) لأحمد السلمي الأندلسي المتوفى عام 747 هـ. ، إلا أن هذا الاهتمام لم يتطور عبر العصور ليعطي النتائج المرجوة .
يذكر الأستاذ الحكيم الشيخ جوهري طنطاوي في تفسيره الجواهر، أن للغة وفصاحتها وبلاغتها أوزانا للحروف وتسلسلات وتكرارات ذات مغزى، وان أهمية أوزان حروفها من أهمية اللغة نفسها، وبين ذلك بالتفصيل فذكر أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه والشافعي رحمه الله تعالى استنتجا من القرآن الكريم مغزى وأهمية البلاغة وتدرجها وأثر التكرار في الحروف والكلمات والسور وإن كل ذلك له دلالات رقمية ذات معاني كبيرة (راجع الجواهر في تفسير القرآن) .
وكان ممن أبدع في هذا المجال الدكتور إدريس الخرشاف، أستاذ الرياضيات في كلية العلوم بجامعة الرباط إذ قدم رسالة الدكتوراه إلى جامعة باريس في ثمانينيات القرن العشرين الميلادي بعنوان (المعادلات الرياضية في القرآن الكريم)، أثبت فيها أن علم الرياضيات الحديث لم يتوصل إلى كل الرياضيات وبحورها الموجودة في القرآن الكريم، إذ يحوي القرآن الكريم علوما رياضية معقدة لم يتوصل إليها علمنا الرياضي الحاضر، وأحدثت أطروحته هذه ضجة كبيرة في الأوساط العلمية في المغرب والعالم الإسلامي وكذلك في فرنسا وبقية أوروبا والعالم، وقد نشرت رسالته وأبحاثه في مؤتمرات ومجلات عديدة وكان لها صدى كبير. وكان قد دون زبدة أفكاره الرياضية الرائعة في كتاب أسماه (المنهج العلمي الرياضي في دراسة القرآن الكريم) والذي أثبت به أن القرآن الكريم له خصوصية رياضية تثبت بما لا يقبل الشك أنه من عند الله تعالى ولا يمكن لأي إنسان أن يأتي به من عنده، وقد استخدم القوانين الرياضية الخاصة بالمتجهات المستوية والفضائية، وقوانين الاحتمالات والإحصاء، وقد اعتمد أيضا على الرياضيات البحتة ومبادىء علم الميكانيك وكذلك الاعلاميات والتي لعبت دورا كبيرا في نتائجه . . . وقد اعتمد على أسلوب التحليل المعاملي للتقابلات أي التحليل الشامل للقضايا المتعددة الأبعاد Multidimensional وهو آخر ما توصل إليه علم الإحصاء الحديث .
ومن الذين تكلموا في هذا الموضوع وأبدعوا الأستاذ بسام جرار أحد أبطال مرج الزهور في كتابيه (إعجاز الرقم 19 في القرآن الكريم مقدمات تنتظر النتائج) ، و(إرهاصات الإعجاز العددي في القرآن الكريم) . وقبله أيضا عبد الرزاق نوفل في كتابه (الإعجاز العددي في القرآن الكريم " وهو في ثلاثة أجزاء ") والباحث الأردني عبد الله جلغوم في كتابه (أسرار ترتيب القرآن - قراءة معاصرة) وغيرهم . وقد توصل الباحثون إلى إثبات أن القرآن الكريم لا يقبل التحريف أو الزيادة أو النقصان أو التبديل في مواقع السور، وكان إثبات هذا ليس بأسلوب فلسفي أو جدلي، وإنما بالأرقام والحسابات الرياضية العلمية المعقدة التي لا تقبل الخطأ، وعليه كان معجزة ترتيب سور القرآن الكريم ليست مصادفة أو بفعل بشر أو باجتهاد، وإنما جاءت من خالق الكون العالم بالسر وأخفى .
ثم جاء دور كتاب الدكتور المهندس احمد محمد إسماعيل الرائع (أنظمة رياضية في برمجة حروف القرآن الكريم)، ليكشف لنا (167) حقيقة رياضية وإحصائية وعلمية عن القرآن الكريم، ومنها أن سورة السجدة ذات رسم منحن للمدرج التكراري أي معامل الارتباط الخاص بالأحرف (الم) تمثل حالة سجود بينما بقية السور تمثل خطاً مستقيما ، وأن القرآن الكريم خاضع لمتسلسلة رياضية لا تقبل معها فكرة أي زيادة أو نقصان أو حذف أو تقديم أو تأخير ، لأن ذلك يعني أن المتسلسلة قد انهارت وتغيرت بمعالمها وفقدت صفتها الرياضية المعقدة التي عليها . وجراء ذلك الإعجاز الرياضي والرقمي وبعد أن أصبح العقد التسعيني للقرن العشرين الميلادي عقدا حاسوبيا تم إدخال القرآن الكريم إلى الحاسوب من قبل علماء غربيين وشرقيين ورأوا ما رأوا من أعاجيب جراء ذلك خصوصا فيما يتعلق بالأحرف الأولى للسور مما أدى إلى إسلام الكثيرين منهم .
ساحة النقاش