جدّي لا تبكِ ولا تحزنْ
إنْ أنتَ رأيتني أبكي عليك بدل الدّمع دماً
فاليوم سمعَ قلبي وعرفَ كلّ شيء:
كلّ شيء عن مُلكك الضائع وشمسك 
التي كان يجري وراءها سلوقيو الذّهب؛
رأيتُ أساورَ الشوك حول معصميك
وأغلالَ الأسر تذبحُ كاحليك
ورأيتُ القافلة تجرّكَ من أعماق أعماق الصحراء
وترميك يتيما جريحاً في حضن مدينة حمراء
لها سبعةُ أبواب ويحرسها سبعة رجال
صرتَ بعد ذلك بَدَلـَهـُمُ الخفيّ وبدرهُم الأخضر
(2)
جدّي لاتبك ولا تحزن
فقد رأيتُ شجرة الجنّ فوق رأسكَ
وعرش بلقيس فوق يسراكَ
وعصا سليمان بيمناكَ 
ورأيتُ مركبتكَ تمشي فوق الإسفلت بدون وقودٍ
والورقَ يتحوّل بين يديك إلى مايسيل له لعاب البشر
ورأيتُ الجندي الوحيدَ الأعزل في ساحة الوغى
يتحوّل بقدرة قادر إلى جيش جرارٍ
(3)
جدّي لاتبكِ ولا تحزنْ
فقد رأيتُ اليوم رجالا يطلبون منكَ يدي
لكنّكَ لم تعطني لأيّ أحدٍ منهُم
أعطيتَ قلبي إلى الجندي الذي أكلتْ قلبَه الشمسُ
وفؤادي إلى النّجم إذا هوى
لمَ فعلتَ بي كل هذا ياجدّي وأنا بعدُ عشرينية العمر؟
لمَ جعلتني قلبا وقـُلـيـْبا وفؤادا؟
لمَ أسَرْتَنِي وأعطيتَ المفتاح لأُمّ شردّها
اليتمُ والجنونُ وسحقتها الخُرافة
لمَ فعلتَ هذا ياجدّي؟
لمَ زرعتَ بكفوف بناتك مرآة
لا يريْن فوقها سوى الذّهبَ والمرجانَ المُزيّف
(4)
جدّي لا تبكِ ولا تحزنْ
فقد رأيتُ ذريتك من النساءِ تلهثُ وراء ذكراك
بعضهنّ مات من السُّكـْر
وبعضهنّ من الحُبّ والسّذاجة والنوم في العسَلِ
وبعضهنّ الثالث قتلهنّ الضياعُ
في أدغال النمور والضبَاع
جدّي متَى تشرق شمسُ الحبيب بين الأجداث؟
متى تسْودّ الأرضُ وتُطوى السّماء
جدّي متى أراكَ...متى أراكَ...متى أراك؟ 
فقد طحنتنِي نارُ الفراقِ.