موقع مزيف احذر الدخول فيه

موقع مزيف احذر الدخول

 

تنويه :
  في الآخر من نيسان من العام 2012م، انتقل إلى الرفيق الأعلى ( في مدينة سانت لويس بأميركا)  الشاعر الكبير، والمترجم الحاذق، والكاتب الحصيف رشيد ياسين بعد أن أصيب بمرضٍ عضال لم يمهله طويلاً.
  ورشيد ياسين الذي ولد في بغداد عام 1929م، كان من مجايلي الرادة، وأقرب شاعر إليهم، وإن لم يحسب من هذا الجيل تعسّفاً، لكنّه كان منافحاً عنهم، وعن دعوة التجديد التي اضطلعوا برفع رايتها في الشعر تحديداً، ومن يعود إلى تلك البدايات، يجد أنّ رشيد ياسين كان صديقاً حميماً لبدر شاكر السيّاب ( 1926 – 1964م)، و محمود البريكان (1931 – 2002م)، وكان قريباً جدّاً من حسين مردان ( 1927 – 1972م) و بلند الحيدري ( 1926 – 1996م)، فضلاً عن علاقته الحميمة بشاعر العرب الأكبر محمّد مهدي الجواهري ( 1900؟ - 1997م)، فقد عملا سويّة في مجلّة " الجندي" السوريّة منذ العام 1956م.

  في العام 1997م وصل صنعاء باحثاً عن عمل في جامعتها، ومنذ ذلك الحين توطّدت عرى الصداقة بيننا، بعد أن عملنا في كليّة واحدة، وأقمنا في سكنٍ جامعيّ متجاورين، واشتركنا في أكثر من مناسبة ثقافيّة وحضرنا، مؤتمرات ومهرجاناتٍ معاً، وكنّا نتزاور عائليّاً، ونسافر إلى عدن وغيرها معاً.
  وفي أمسيةٍ من أماسي العام 2000م (أو قبله، لم أعد أتذكّر) زارني، وكان يحملُ معه دفتراً من الأحجام الطويلة نسبيّاً، وقال: هذه مجموعتي الشعريّة المخطوطة " الدمية الحزينة " سأتركها عندك لتكتب عنها مقدّمة نقديّة على ضوء ما ستكتشفه فيها، وعليك أن تحافظ عليها فلستُ أملكُ غيرها.
  وقد فعلتُ، وسلّمتُهُ المقدّمة بعد عشرةِ أيّام، واحتفظتُ بنسخةٍ منها، لكنّه لم يقم بعرض المجموعة على ناشرٍ يمني، لأنه أراد أن يطبعها في دمشق، أو بيروت لاعتزازه بها، ثمَّ افترقنا نهاية العام 2001م، بعد أن غادرتُ اليمن قبله إلى منفايَ الاختياري الحالي، ثم غادر هو صنعاء في العام 2004م، متّجهاً إلى أميركا، وظلّ فيها حتى انتقاله إلى عالم الخلد دون أن ينشر تلك المجموعة، لكنّه نشر على موقعه الخاص، وفي بعض المواقع الرقميّة التي تُعنى بالإبداع الشعري الكثير من قصائدها، وحين عدتُ إلى المقدّمة (هذه الأيّام) وجدتُها تستحق أن تكون أفضل كلمةٍ تأبينيّةٍ في ذكرى رحيل صديقي الشاعرالرائد الكبير، والمثقّف الموسوعي البهيّ، وفيلسوف علم الجمال السامق رشيد ياسين، لذلك اقتضي التنويه ⁽¹⁾. 
*****
   صارَ عُرفاً ( إن لم يكن لزاماً ) في الخطاب النقدي أنَّ القصيدةَ التي تحملُ روح الإبداع قادرة على جذب متلقيها إلى التواصل معها بانشداد وجداني: سبراً لأغوارها،ووقوفاً على دقائق حلمها المثير الذي يعني الوصول إلى تفسير رؤياها،أو فضّ أختامها السريّة التي قادتها إلى مرحلة الإدهاش.
   والوصول إلى مرفأ الإدهاش ليس سهلاً أبداً،وإلّا لحطَّ جميع النظّامينَ رحالهم فيه، أو أراحوا ركابهم عنده،كما أنّه ليس مغامرةً يصل إليها المجازفون،ولا مقامرةً قد تُصيب في إحدى دوراتها الهدف،لأنَّ وراء هذا المرفأ ثقافة واسعة كوّنتها مرجعيّات شتّى: من أفانين إنسانيّة وإبداع متنوّع، وأسفار غرست في لاوعي متلقّيها(المبدع) سؤال الكيف المبتعد عن السائد راغباً عنه،والمقترب من المختلف راغباً فيه،فضلاً عمّا كان لفضاء هذه الدنيا العريضة وبلدانها المختلفة( وإن شكّلت منافيَ أحياناً )ولزمان حركة المبدع فيها من إضافات،وغير ذلك.

    إذاً،فالإدهاش يرتبطُ بالملهَم (بفتح الهاء) العظيم، المكتسِبِ (بكسر السين) من 
عالمه ما ليس بمقدور أحدٍ أن يدّعيَ معرفتهُ، من اطّلاع ثقافي واسع يزدادُ بمرورِ الأيّامِ،جاعلاً متلقّيه يعيش المتعةَ مرّتينِ:الأولى وهو يمضي مع ما يثيره النصّ من عواطف ليست مصنوعة،والثانية مع ما يقدّمه النصّ من منجزٍ جماليّ حريٍّ بالإشادة.
   لا شكَّ أنَّ هذه المنطلقات التي بدأنا بها لم تجئْ من فراغ،ولا كانت تنظيراً عامّاً يسبق التطبيق،ويمهّد له؛إنّما قادتنا إليها مجموعة رشيد ياسين " الدمية الحزينة " فقد كانت سُلافة الروح التي أشعرتنا بنشوة غامرة تمكّنتْ من بسط نفوذها،أو وجودها علينا برضا وارتياح تامينِ.
   فلغة رشيد ياسين باهرة لا شبيه لها،فيها من العمق ما لا يسمح لأحد أن يقيم عليها دعوى الوقوف عندَ سطحِ البحر،أو ضفافه،وفيها من السهل الممتنع ما يعجز العارف الخبير عن تقليده،وفيها من الرقّة وجمال التكوين ما يجعلها تقدّم نسيجاً باهراً في الأداء والتوصيل ينمّ ُ عن اقتدارٍ يقتربُ من دائرةِ العبقريّةِ أحياناً، وليس هذا بالقليل .
*****
   إنَّ بعضَ قصائدِ هذه المجموعة لتسمو فوقَ أيّ كلامٍ نقديّ يُقُدّمُها،أو يحاولُ الاقترابِ منها،وليست مبالغة ًإن قلنا:إنَّ جلَّ هذه النصوص لا تحتاج إلى من يتحدّث عنها بمقدار ما يهمّها هي أن تتحدّثَ عن ذاتِها كما في قصائد " الدمية الحزينة " و" بابا نؤيل "  و " بغداد والحصار" .
   تتألّف القصيدة الأولى من حواريّة تدور بين بطل القصيدة والدمية الحزينة،وهما ينتظرانِ سيّدةَ البيت الغائبة،لكنَّ هذه الحواريّة استخدمت تقنية " المونولوج الدرامي "،فكلاهما (البطل والدمية) يخاطب الآخر داخليّاً:
ـــ قالت ستغيبُ ثلاثةَ أيّام  !
أترى كم يوماً مرّ ؟..
وهذا الصمتُ..أتشعرُ كم هو قاس ٍ ومخيف ؟!
يدهشني أنّكَ تمضي لتنام !

   أمّا الثانية فهي قصّة شعريّة مؤثرة،فيها كل تقنيات السرد الروائي التي نكاد نفتقدها في شعرنا العربي بوجهٍ عام،فهناك البيئة المرسومة بدقّة والشخصيّات والأحداث والمونولوج الداخلي،ثمَّ الخاتمة المفاجئة التي تملأ النفس لوعة ً وأسى.وليس بالقصيدة التي  صيغت باقتدار ٍ شعريّ ٍ مدهش،ما يمكنُ حذفه،أو إضافته،فكأنَّ اللغة باتت هنا عجينة ً طيّعة ً بيد الشاعر يصوغها على الوجه الذي يريد.
   وتشفّ ُ قصيدة "بابا نؤيل"  عن التعاطف العميق الذي يحسّه الشاعر إزاء حرمان الأطفال وأحلامهم الصغيرة المجهضة،لا في العراق المحاصر(وقت كتابة القصيدة) وحده،بل في كلِّ بقعة ٍ من الأرض يسودها الظلم الاجتماعي،وتتفاوت فيها حظوظ الناس تفاوتاً كبيراً بين الشدّة والرخاء. فبطلة القصّة طفلةٌ فقيرة تنتظرُ ليلة َ عيدِ الميلاد بلهفة ٍ لعلّ بابا نؤيل يأتيها بثوب ٍولعبة،كما يفعل مع غيرها من الأطفال . وهي تخشى أن يجدها نائمة فيغضب ويحجب عنها هديّـته،ولكنّها لا تستطيعُ مغالبة النعاس،لأنّها أمضت يومها كلّه في العناية بأمّها المريضة . وأخيراً تقرّرُ أن تتركَ له رسالة تعتذرُ فيها إليه وتحدّثه فيها عمّا تحلم به،وما تحتاجه أمّها من دواء . وفي اللوحةِ الثانية من القصيدة تحلم الطفلة أنّ بابا نؤيل قد جاءها فعلاً،وبدّدَ مخاوفها بابتسامته الحانية،وحمل إليها كلَّ ما تصبو إليه نفسها،فتقبّل يديه ممتنّة ً وتجهشُ بالبكاء ؛ولكنّها إذ تستيقظ في الفجر تكتشف أنّ ما رأته ليسَ إلّا حلماً،وأنَّ بابا نؤيل لم يأت،ولم يقرأ رسالتها الموضوعة بجانب الشبّاك:

في غبش ِ الفجرِ استبدّت نوبة ُ السعالْ
بأمِّها فانتفضت مذعورةً ،
وفجأةً تذكّرت ْ قنّينة الدواءِ والهدايا
فالتفتتْ  ملهوفة ً تبحث ُ في الزوايا..
لكنّها لم ترَ في العتمة ِ من شيءٍ
سوى الحطامِ والأسمال !
وأطلقت ْ شهقة َحزن ٍ ومضت ْ ترنو بلا حراك ْ
حينَ رأت ْوريقة ً مطويّة ً بجانب ِ الشّبّاك  !

   والقصيدة الثالثة وصفيّة على نحو ٍمدهش،ففيها يصوّرُ بغدادَ (فاتنة الزمان) مرّتينِ: الأولى يوم كانت ترفل بالحريرِ والنضار،وتصغي إلى شاعرِها الأثير (النواسي) ،والثانية يومَ أن حلّت ْ بها فاجعة الحاضر،فتهاوى تاجها الوضّاء في الوحلِ. إنّها صورة في محورين ِفي الأصح،تكشفُ عن التضادّ المأساوي بين بغدادَ المتألّقة ِ التي كانت عاصمة َ الدنيا ذات َيوم ٍ،وبغداد التي تعاني اليوم من حصارٍ رهيب (وقتَ ذاك) وتُسحبُ عارية ً فوقّ الجمر والقتاد :

أيّ مصير ٍ فاجع ٍهذا الذي أراهْ ؟!
أبناؤكِ الأباه
أبصرتُهم في مدن ِالأغرابْ
أذلّة ً تُسدّ ُ في وجههم الأبوابْ !
بناتكِ المشرّدات في بِلادِ الله
فيهنَّ من تثوي بلا قوتٍ على الرصيفْ
ومَنْ تبيعُ العِرضَ بالرغيفْ
لكي تردَّ الجوعَ َعن أطفالها..
أوّاه،يا بغدادْ !
   
إنَّ شاعراً بقامةِ رشيد ياسين موهبة ًواكتساباً،ليحقّ له أن يتبرّمَ ممّا آلت إليه الثقافة من رخص ٍعلى مستوى الكلمة في التقويم،فأعلت (وقتَ ذاك) المتشاعرين  مقاماً،وعتّمتْ على صنّاع ِالإبداع الأصيل انتشاراً،لكنَّ هذا التبرّم،وإن بدا كأنّه يشكّل إحباطاً في الذاتِ الشاعرة،إلّا أنه ظلَّ ينأى عن مجاراة الزيف محتفظاً بالقيم العليا السامية،وإن تخلّى عنها الآخرون:

لم أدّخرْ لغدي  ولا افتتنت  
   نفسي بما افتتنت به البشرُ

وأبتْ طباعي أن أجاريَهم  
   وأحيدَ عن قيم ٍ بها كفـروا

   إنَّ بطل قصيدة " تأمّلات حزينة" يعاني من إحباطٍ موجع ٍ،فهو يحسّ بأنّه لم يتّخذ لخريفِ العمرأهبته،ولم يعد قادراً على مقارعة العالم الغاشم بما لديه من أسلحة؛وما سلاح الشاعر الحق في دنياه؟ إنّه ليس المال،ولا السلطة،بل الكلمة النابعة من القلب:

أنا في خريفِ العمرِ يقعدني  
   عجزي ويملأ روحيَ الفرق ُ

أأقارعُ الدنيــا وأهـــزمهـــا  
   وأنا سلاحي الحبرُ والورقُ ؟

إنَّ الشاعر ليغلو في تشاؤمه،وممّا يضاعفُ هذا التشاؤم أنّه يواجه غربة ً مزدوجة :غربة الروح،وغربة المكان(المنافي)،وهذا ما تصوّره "لحظة يأس" التي تتميّز بصياغة ٍ كلاسيكيّة محكمة تذكّرنا بموروثنا الشعريّ العريق. ورشيد ياسين لا يجدّ بأساً في المزاوجة بين اساليب القدماء والمحدثين في الكتابة الشعريّة،لأنّه يرى – ببساطة – أنّ التراثَ الشعريّ العربيّ الذي عكفنا على قراءته واستيعابه عشرات السنين يؤلّف جانباً أساسيّاً من نسيجنا الوجداني،ومن السذاجة أن يتوهّمَ أحدٌ أنّ الحاضر منبتّ ُ الصلة بالماضي،وأنَّ علينا بالتالي أن نكبح أصداء التاريخ التي تتردّد في أعماقنا لنجاري بعض المفاهيم السائدة، وعلى العموم فهو يرى أنَّ القصيدة تولد مكتسية ً ثوبها الإيقاعي وتختار لنفسها الشكل الذي يلائمها.
   وتنتمي قصيدة "في لحظة يأس" إلى الفترة نفسها التي كُتبت فيها قصيدة "خواطر حزينة"،فكلتاهما تطفح بالمرارة الناجمة عن إحساس الشاعر بأنّه أخفق َفي حياته العمليّة لأنه اختار أن يتمسّك بالقيم والمثل العليا في عالم تسوده الوصوليّة والرياء والغدر؛ ولهذا الشعور ما يماثله في أعماله الشعريّة السابقة،ففي مجموعة " الموت في الصحراء- 1986م " نقرأ:

كنتُ طفــلاً في عالـــمٍ يتعاطى   
  من فنونِ الريـاءِ ما لا أجــيدُ

لو كغيري استترت ُ خلفَ قناع ٍ   
  ما بدا أنّني الغريـبُ الوحيـدُ

أو كغيري حملتُ قيدي بصمتٍ   
  وخضوع ٍ ما أنكرتني العبيـدُ

إنّها غلطتي..فلـو كنـتُ مســخاً    
  لم ينلنــي أذىً  ولا تشـــريدُ

   هكذا هو رشيد ياسين،إنّه لا يعبأ بالتيّارات العابرة،ولا يصطنع من الأساليب ما يرضي هذا الناقد أوذاك،فكلّ همّه منحصرٌ في الإصغاء إلى صوتِ قلبه وتجسيد أحاسيسه ورؤاه بأقصى ما يستطيعه من صدق ٍ وعمق،وهذا ما يجعله يحسّ بخيبة أمل شديدة حين لا يجد لأغانيه صداها المناسب (في لحظة يأس) :

حتّى أغانيكَ لم يُسمعْ لهنَّ صدى 
                              في عالمٍ سادهُ التهريجُ والدجـلُ

أنشدتَهُ من حديثِ القلـــبِ أعذبَهُ   
                              وسمعُهُ عن حديثِ القلبِ منشغلُ

وفي هذه القصيدة ما يذكّرُنا بطعنة بروتوس الشهيرة عندما يتحدّث عن الأحبّة الذين أولاهم ثقته،فكان حظه منهم طعنات لا تندملُ: 

لو كنتَ أدركتَ أنَّ الناسَ جوهرهم  
   ما تضمرُ النفسُ لا ما تبصرُ المقلُ

ولم تُصدّقْ رياءً في طبـــــــــائعهم  
                            ولم تعوّلْ على الــودِّ الذي افتعــلوا

لما تلقّيــتَ ممّن كنـتَ تحســـــــبُهم  
                            أحبّة ً طعنــــاتٍ ليــــــــــــسَ تندمِلُ

   وإذا كان المحبط غير قادر على التغيير،فإنَّ النفسَ تكونُ مهيّأةً لغزو الخوفِ والتشاؤم،وهذا ما تمَّ لبطلِ " خواطر متشائمة في ليلة العام الجديد " فهي مناجاة نفسيّة يكشفُ فيها المونولوج الدرامي عن واقع الحياة المخيف،فالناس يحتفلون بسقوطِ أوراقِ حياتهم في دورةِ كلّ عامٍ ظانّين َ أنّ في قابل الأيّام سعادة وفرحاً،مع أنّها تقودُ إلى الفناء:

وتشدّ ُ مثل الآخرين َ على أكفّ ِالأصدقــاءْ
متمنّياً لهمُ السعادةَ كلّما اقتطعَ الزمــــــــــانْ
من نبتةِ العُمُرِ الهزيلِ وريقة ً صفراءَ أخرى
وأتمّتِ الأرضُ الشقيّة ُ دورة ً حمقاءَ أخـرى
لتعودَ تلهث دونَ معنى في دياجير ِ الفضــاءْ

والمفارقة في هذه القصيدة تكمن في أنَّ بطلها يعرفُ غيرَ ما يعرفُهُ الآخرون ، لكنّه يضطرّ ُ إلى مجاراة العرف،فينساقُ وراءَ ما تواضع عليه الناس بحكمِ الضرورة،وإن كان انسياقاً شكليّاً لا يغيّرُ من قناعاته.

*****
   لمّا كانت المرأةُ رمزاً للجمالِ والخصبِ والتجدّدِ،فإنّ حضورها في شعر رشيد ياسين حضورٌ فاعل في مراحله كلّها: الرومانسيّة، والواقعيّة، والرمزيّة، بوصفها حبيبةً وزوجاً ورمزاً للحياة، وقد تناثرت صورها في هذه المجموعة سواءٌ أكان ذلك في القصائد الحديثة، أم في شعر الشطرين، على نحوٍ من الإثارة في الأخيلة والانفعالات الوجدانيّة التي تنم عن تجارب عاطفيّة شكّلَ الصدقُ محورَ دائرتها الحيويّة في الأداء والتوصيل؛ لكنّ فلسفة نصوصها تراوحت بين الألم الممضِّ الذي يقود إلى انطفاء الشعلة والفرح الغامر الذي يزوّد الشعلة بزيتِ الاتّقاد.
  ففي " الصحوة " نعيشُ حلماً رومانسيّاً ضائعاً مع بطلِها الذي أدركَ أنّ الحبيبةَ لم تعُدْ حبيبة، وأنَّ حلمه الذي كرّسه لها لم يُسفرْ إلّا عن حُزنٍ ممضٍّ وألمٍ دفينٍ، لهذا يصرخ في وجهها طالباً قول الحقيقة، فليست هي أوّلَ امرأةٍ تخونُ:

إذا كنتِ تخشينَ من غضبتي 
                                 فإنّكِ، ســـــيّدتـــي، واهمـة ْ

فما أنتِ أوّل قلبٍ يخـــــــون ُ
                                ولا أوّلَ امــــــرأةٍ ظالمـــــة ْ

                                ولابُدَّ للحلــــمِ من صحــــوةٍ  
                                 فإنْ شئتِ فلتكنِ الخاتــــمة ْ

ولعلَّ المتلقّي يدرك ما في هذه القصيدة من عذوبةِ الخمسينيّات وأحلام الرومانسيين المعذّبين.
  أمّا "رسالة إلى زوجتي " فتتّضحُ فيها المناداة العذبة، والهمس الدال على صراخ الداخل، والحنين المستعر، وهي تشفّ عن عاطفة رقيقة، لكنّها عميقة الجذور.
  وفي المجموعة ثلاث مقطوعات رومانسيّة قديمة كُتبتْ بين عامي 49- 1951م، جمعها الشاعر تحت عنوان " عزف على وتر جاهلي " كانت بغداد والقرنة فضاءاتها المكانيّة، وقد كُتبتِ الأولى والثالثة على البحرالطويل، أمّا الثانية فهي من الوافر.
  في الأولى نعيش مع المحبِّ في شكواه الصارخةِ من المرأةِ التي تدّعي حبّه، لكنّها لا تعبأ باحتراقه :
وإنّ ظلامَ الليلِ لي مـنه لوعة ٌ
ووجدٌ ومالي من كراه نصيبُ

فأيّ ُ هوى هذا الذي تدّعيــنهُ؟
متى كانَ يُجزى بالعذابِ حبيبُ؟

وفي الثانية يصوّرُ لنا خيالَ حبيبته وهو يلاحقه أينما حلَّ، فلا هوَ قادرٌ على النسيانِ والخلاص من ذكرياته، ولا هو قادرٌ على استردادِ ما ضاع منه، فيعيش لوعة ً دائمة ً لا سبيل إلى تجاوزها.
  أمّا الثالثة فهي صورة معاصرة للبكاءِ على الأطلال، ولعلّها ألصقُ بالعنوانِ من الأولى والثانية.
  إنَّ " عزف على وتر جاهليّ " توضحُ البدايات الأولى لشعر رشيد ياسين الوجداني المتّكىء على التراث نسيجاً وإيقاعاً، وهو اتّكاء لم يشأْ الشاعر حذفه، أو تناسيه رغبة ًعنه، إنّما أبقاهُ دليلاً على اعتزازهِ بالأصولِ الأولى التي استقى منها، واعترافاً بأهميّةِ تلكَ الأصول، وهو أمرٌ قمينٌ بإعجابنا، وإضاءة مهمّة للدارسين.
*****
  إذا كانت قصيدة السيرة من إنجازات التحديث على نحو عام، فإنَّ الحذق في استخدام أساليب السرد في الأداء يُعَدّ ُ إنجازاً جماليّاً على نحو خاص، وأعني بأساليب السرد هنا تحديداً ما يمكن أن يفيده الشاعر من تقنيات الفنِّ القصصيّ في كتابة القصّة الشعريّة.
  وقصائد السيرة لا تتأتّى- عادةً – إلّا للمقتدرين ممّن امتلكوا أدوات الصنعة، وأمضوا عمراً طويلاً في ميدان الإبداع، وتحديثِ رؤاه الفنيّة.
  إنّ من يقرأ " حكاية الصبي الخجول "  و " في ليالي الشتاء " يُدركُ تماماً ما يمتلكه رشيد ياسين من اقتدار في هذا المجال، فهو حين يقدّم سيرة بطل النصِّ ( وهي سيرته بالتأكيد) يستخدم تقنيات الفنِّ السرديّ بإحكام وفاعليّة نادرتين، فيرتقي بالنصِّ صياغة ًإلى مرحلةِ الإدهاش، ويثير فضولَ المتلقّي بالطريقة البسيطة الآسرة التي يستهلّ بها القصيدة. و "حكاية الصبيّ الخجول" التي اجتمعت لها كلّ عناصر الإثارة في الأداءِ، هي حكاية الشاعر نفسه، وإن حاولَ أن يتخفّى وراء قناع بطلِ القصيدة طوال ما قدّم من أحداث:

أتذكّرُ جيّداً..
ذلكَ الولدَ العاطفيَّ الخجول ْ !
كان منطوياً لا يبوحُ بأحزانهِ
لسواه، وكان لفرطِ النحول ْ
ولسمرتهِ ورثاثةِ قمصانهِ
هدفاً لتندّرِ أقرانه ..

فالقصيدةُ تصوّرُ طفلاً أسمرَ السحنةِ، فقيراً لا يمتلكُ من القمصانِ غيرَ الرثِّ البالي، ممّا جعله عرضة ً لتندّرِ أقرانه، لكنّه كان نابهاً أدركَ بعمق نباهتهِ أنّ الذينَ يُحيطون به يتفاوتون سلوكاً، فأحبَّ ما كان فيهم من سلوكٍ قويم، وكره ما كان لدى بعضهم من سوقيّة. ومع كلّ تلك الفطنةِ فإنَّ صورته عندَ أهله ظلّت واحدة ً، فهو يلاقي التعسّف منهم، سواءٌ أكان مصيباً في فعله، أم مخطئاً :

فهو دوماً ،
وسَيّان أخطأَ في فعلهِ أو أصابْ
مذنبٌ يستحقّ ُ العقابْ !

ولأنّ أسلوب أهله في معاملته قد أوحى إليه دوماً بضآلة شانه، فضلاً عن أنَّ المجتمع كان ينظر بصرامة إلى أيّةِ علاقة عاطفيّة تقوم بين فتى وفتاة، خشيَ أن يفسحَ لأيّةِ طفلةٍ ممّن ملكنَ عليه قلبه مجالاً للاقتراب، مع أنّه همَّ مراراً بالبوح لهنَّ بحقيقةِ شعوره، لكنَّ حياءه، وخوفه صرفاه عن ذلك، فالتصق بالطبيعةِ تعويضاً، وهامَ بأزاهيرها، فكان يبتاعُ منها ما يسمح به مصروفه المدرسي المتواضع، الأمر الذي يعودُ عليه بتوبيخ أهله وازدرائهم.
  ولم يكن هذا الفتى الفقير الخجول يمتلك من دنياه غير أوراق يسطّرُ عليها بعضَ نفثاته الشاعرة، وأذنين مرهفتينِ تصغيانِ باهتمامٍ إلى الغناء، وتجعلانه يحسّ بلوعةِ المغنّي فيهمّ ُ بالبكاء لأنه يثير الكامن من أشجانه :

وخلافاً لهم كانَ يهوى الغناءْ
وتساورهُ رغبة ٌ في البكاءْ
كلّما دارت الاسطوانة ُ في بيتِ جيرانهِ
وتناهى إليه مع الليلِ صوتٌ جميل ْ
يشتكي لوعة َ البعدِ أو جفوةً  من خليل ْ !

  كانت صورته هكذا... حتّى جاء كانون الثاني من العام 1948م، حين تصدّى شعب العراقِ لمعاهدة بورتسموث الجائرة بوثبتهِ المعروفة التي أدّتْ إلى  إسقاطها، فخرجت جماهير الشعب من جانبي الكرخ والرصافة رغبةً  في أن تتلاقى على الجسر وتسيرَ إلى وكرِ الطاغيةِ مهدّدةً إيّاهُ، فما كان من أزلام السلطة إلّا أن تصدّت للجماهير المتظاهرة وأطلقت عليها النيران، ففرَّ من فرَّ، وسقطَ من سقطَ شهيداً مضرّجاً بدمه. وكان بين الشهداء " دحّام " وهو حمّالٌ بسيط، لكنَّ وعيُهُ كان أكبرَ من وعي غيره من المتعلّمينَ وأدعياء السياسة؛ حين ذاك التقت عينا بطل القصيدة/ الصبي بعيون دحّام وزملائهِ الداميّة، فجرى بين العيونِ حوارٌ داخليّ ، أو مناجاةُ النفسِ للنفسِ عن الاستلابِ والقهر والقمعِ وضياعِ الحقوقِ، ونتيجة ً لتلكَ المناجاةِ النفسيّة  يجدُ هذا الصبيّ  موقعه، إنه معهم، يُعاني ما يُعانونه ويرى نفسه فيهم؛ وبعُجالةٍ يتبعُهم وينضمّ  إلى جموعهم تاركاً أوراقَهُ للريحِ إعلاناً عن اختيار ٍ جديدٍ ، وتركِ ما كان ماضياً تحتَ الأقدام.
  إنَّ انتقال الشاعر من تقنيةِ الوصفِ إلى المناجاةِ بتلك الفاعليّة مكّنَ القصيدةَ من الكشفِ عمّا كان لذلك الحدث الكبير من أبعاد فكريّة تاريخيّة :

.. راقبهم وهُمُ يرحلون ْ
وأحسَّ بأنَّ الثيابَ المدمّاةَ
قد أصبحت هالةً  من ضياءْ
وتأمّلَ حزمة َأوراقهِ ..
ثمَّ ألقى بها في ازدراءْ
ومشى خلفهم ..
كانَ أيقن َ أنَّ الخلاصَ هو الآخرون ْ.

ومن المهمّ جدّاً أن ننتبه إلى العدولِ أو الانزياح اللفظي الذي وردَ في آخرِ القصيدةِ ، فالعبارة التي وردت في المقطعِ الأوّل وأشارت إلى  " أنّ الجحيم هو الآخرون " – وهي عبارة لجان بول سارتر كما هو معروف – تصبحُ انزياحاً  : " أنَّ الخلاصَ هو الآخرون " ، وهذا عدولٌ عن موقفٍ إلى آخر مغايرٍ تماماً.
  أمّا قصيدة " في ليالي الشتاء " التي يعودُ فيها الشاعرُ إلى ذكريات طفولته، فلها أكثر من بعدٍ فكريّ واجتماعيّ، فالشاعرُ الذي تعبَ من القراءة، وتراخت ذراعاه على الكتاب بعد أن خذلها المصباح الذي فنيت ذُبالته، والموقد الذي خمدت نيرانه، تتسرّبُ إلى نفسهِ الوحشة، ويتفاقم إحساسه بالغربة عن محيطه، فيلوذ بذكريات طفولته البريئة أيّام كان ينظر إلى الدنيا بتفاؤل ٍ، ويعيشُ في كنفِ أسرة ٍ بسيطة ٍ يحسّ أنّه جزءٌ منها :
حالماً- والوجومُ يعْصرُ قلبي- 
                                بليالــي الشتاءِ عندَ الطفولة ْ

يومَ أوحتْ ليَ السذاجة ُ أنّـي
عندَ أعتابِ جنّةٍ مجهولــــــة ْ

وهذه الغربة التي يُعاني منها الشاعرُ إنّما تعودُ إلى ثقافتهِ، التي يُرمزُ إليها بالكتاب، والتي جعلته ينظرُ إلى الدنيا بعينينِ مختلفتينِ، فيرى فيها ما لا يراهُ أهلُهُ البسطاءُ والناسُ الذين حوله؛ فيعودُ بذاكرتهِ إلى الماضي باحثاً عن نوعٍ من الانتماء في العالم الخرافي الساذج الذي كانت ترسمه أحاديث جدّتهِ العجوز. وينبغي أن نلاحظ أنّ هذا العالمَ الخرافيّ لا يخلو من عدل، فالطيّبون يجدون فيه أمناً وحمايةً، بينما  يلاقي الأشرارُ فيه ما يستحقّون من عقاب . وهو بهذا نقيض للعالمِ الواقعي الذي يعجّ ُ بالطغاة والقتلة واللصوص من كلِّ نوع، والذي يجد الشاعر نفسه غريباً عنه. وهو إذ يقارن بين العالمينِ يكتشفُ أنّ عالمَ الواقعِ لا يخلو هو الآخر من الخرافات، لكنّها ذات طبيعة مختلفة، فبينما يتميّز عالم الحكايات بخرافاتهِ البريئة التي تنسجها مخيّلات الناس البسطاء، نجدُ عالمَ الواقعِ يزخرُ بخرافاتٍ لئيمةٍ يُرادُ بها  تمويه الواقع، وتحقيق الأغراضِ غيرِ المشروعةِ، وتضليلِ الجماهير، وهذا ما عناه الشاعر بقوله :

                                وأرى عالماً مملّاً كريــــــهاً
فقدتْ فيهِ سحرَها الأشـيــاءُ

ليسَ خِلواً من الخرافاتِ،لكنْ
ليــــــسَ فيهِ براءةٌ أو نقاءُ !

  وثمّة في القصيدة جانبٌ تاريخيّ- أثنوغرافي ⁽²⁾ تجدرُ الإشارةُ إليه. فالقصيدةُ تصوّرُ لنا الظروف الماديّة التي كانت الأسرُ الفقيرةُ في العراق، وربّما في غيره، تقضي فيها أمسياتها. ففي زمنٍ لم يكن فيه للمذياع، أو التلفاز وجود، كانت هذه الأسر تتحلّقُ مساءً حول مواقد الفحم أو الحطب لتشربَ الشايَ وتتبادلَ الأحاديث، وتستمعَ إلى حكايات العجائز الموروثة التي تحفل بالغرائب والأحداث المشوّقة، وتنتهي دوماً بانتصار الخير على الشرِّ.
  ولا يسعنا أن نُغادرَ هذه القصيدةَ دون أن نُشيرَ إلى ما يتخلّلها من غربة ٍ وجوديّة في متاهات هذا العالم المبهم، وحيرة ٍ أمام هذا العناء العقيم الذي يعقبه الموت في ختام المطاف. وقد مثّل الشاعر لذلك بطريق مكتظ بالأشواق ينتهي إلى قبر عظيمٍ  فاغرٍ فاها :

                               وأخيراً أفيقُ من ذكرياتــــــي
فأراني في عالمِ الناسِ وحدي

وأرى الشوكَ ملءَ دربي ويبدو
                               فاغراً فاه في أقاصيهِ لحـــــدي

إنَّ هذه القصيدة التي كُتبت عام 1951م، تدلُّ على قدرةِ الشاعرِ وتمكّنهِ في الأداءِ المثيرِ، والسردِ المبني على تقنياتٍ عديدةٍ، لاسيّما ما كان فيها من تقنية الراوي العليمِ، وهي سابقة ترتبطُ بجيلِ الرادةِ، ولم تصل إليها القصيدة الحديثة إلّا في الستينيّاتِ تقريباً .
*****
  لا تخلو هذه المجموعة من الوصفيّات، لكنَّ أبرزها " الربيع العائد " و " شاعر من عصر السلاطين " ، وقد خصَّ الشاعرُ بالأولى منهما نعمة الربيع على الطبيعة والناس، لكنّه ندّدَ فيها بالأعراف البالية التي شبّهها بسور ٍ خفيٍّ يلفّ البشرَ بظلمة ٍ دائمةٍ ، فلا يعرفون من جمال الطبيعةِ، أو متعِ الروحِ شيئاً، بل ينفقون حياتهم كالثيران ِالموثقة إلى النواعيرِ، تدورُ حتى آخرَ عمرها دون أن تنعمَ بالحياة :

كأنَّ سوراً خفيّاً قد أحاطَ بهم
ولفّهم بظلامٍ غـيرِ منحـــــسِرِ

فهم يدورون كالثيرانِ موثقة ً
إلى النواعيرِ حتّى آخِرَ العُمُرِ

وفي الثانيةِ يرسمُ صورةً ساخرةً لشاعرٍ متزلّفٍ غاية الشعرِ عنده تمجيدُ الحاكمِ أيّاً كان، وتقبيلُ وشاحهِ، واستجداءُ رضاه وثريده، فيوظّف ثقافته وقلمه في خدمتِه، ولا يتأخّر حتّى عن رثاءِ محظيّاتهِ حينَ يرحلنَ قتيلاتٍ . وشاعرُ السلطةِ هذا يطمعُ بالمزيدِ من العطايا، وحين لا يجدُ ما يرضيه، فإنَّ بابَ الخيانةِ قمينٌ بتحقيقِ حلمه :
ولم يُضِعْ صاحبُـنا فرصتَه ُفهبَّ
للترحيبِ بالغزاة ْ
مستنجداً بكلِّ ما استظهرَ من قصائدِ الفحول ْ..
وأثمرَ المسعى أخيراً ،
فإذا صاحبُــنا يلمعُ بعدَ الفقرِ والخمول ْ
ويصبِحُ المهرّجَ الأثيرَ عندَ صاحبِ المغول ْ 

  إنّ شاعراً كهذا، ينغمسُ في الخيانةِ كليّاً، لا يجدُ غضاضة من تلميعِ صورةَ المحتلِّ إذا ما أكرمَ وفادته، وجعله مهرّجه الأثير.
*****

ضمّت هذه المجموعة بعضاً من ترجمات رشيد ياسين أيضاً، وهي:
1.    السونيتة الخامسة والثلاثون لشكسبير.
2.    السونيتة الخامسة والخمسون لشكسبير.
3.    الرحيل للشاعر الألماني هاينرش هاينه
4.    انشودة للشاعرة  الإنجليزيّة كرستينا روزيتّي.
5.    الأسود والأبيض للشاعر الأميركي لانغستون هيوز
ويبدو أنّها كانت عزيزةً عليه، فلم يشأ أن يرفعها من هذه المجموعة ، فأبقاها أسوةً بما فعلَ الرادة الأوائل حين كانوا يضمّون ما يترجمونه من شعر إلى ما ينظمون، وتتجلّى في هذه الترجمات ثقافة الشاعر الموسوعيّة، والسنوات الطوال التي أمضاها في قراءة الشعر، واللغات الحيّة التي يتقنها.
  
  وبعدُ فإنّ رشيد ياسين يظلّ ُ شاعراً كبيراً وإن لم ينصفه النقد، مع أنّه واحدٌ من أبرز شعراء جيل السيّاب ومناصريه في معاركه الأدبيّة، الأمر الذي يُثير سؤالاً حائراً عن هذا التعتيم غير المبرّر. ففي مجموعته " الموت في الصحراء " قدّمَ نصوصاً غنيّة في تقنية المونولوج الدرامي (المناجاة) والمحاورة الخارجيّة (الديالوج) بلغة مدهشة أداءً وتوصيلاً، سواء أكان ذلك في القصائد التي وظّف فيها الرموز الإغريقيّة مثل " ديونيس" و " أوليس" أم في تلك التي وظّفَ فيها أحداثاً وآثاراً إبداعيّة ً مثل " قلعة السينور" و " الغصن الذهبي " وغيرهما، لكنَّ أحداً من النقّادِ لم يجرؤْ على الاقتراب منها تحليلاً وتفسيراً وتقويماً، ويبدو أنّ للسياسةِ شأناً في ذلك.
  ولعلّ الأيّام كفيلة بالكشفِ عن تلك الطلاسم المفتعلة.

إحالات
ـــــــــــــــ
(1)  ولد في بغداد 1929م، وأنهى دراسته الابتدائية و الثانوية فيها، ثمَّ أتم دراسته العالية في معهد الفنون المسرحية في صوفيا (بلغاريا) عام 1969 ثم حصل على ما يعادل الماجستير من المعهد نفسه عام 1971.، وبعدها نال شهادة الدكتوراه في فلسفة علم الجمال من جامعة صوفيا.
له المؤلّفات المنشورة الآتية:
•    أوراق مهملــة. مجموعة شعرية صادرة عن اتحاد الكتـــاب العرب في دمشق عام 1972م.

•    الموت في الصحــراء. مجموعة شعرية صادرة عن دار الشؤون الثقافية في بغداد عام 1986م.
•    من أوراق يوليسس في رحلة الضياع. مجموعة شعرية صادرة عن دار الخيال اللبنانية في بيروت عام، 2002 م.
•    فارس الموت. مجموعة شعرية صادرة عن مركز عبـادي للدراسات والنشر في صنعاء عام 2004 م.
•    دعوة إلى وعي الذات. دراسات ومقالات نقدية في المسرح صادرة عن اتحاد الكتاب العرب في دمشق عام 2000م. 
•     الثعلب الذي فقد ذيـله. دراسات نقدية في الشعر و الشعراء. صادرة عن مركز عبادي للدراسات والنشر في صنعاء عام 2004م.

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 81 مشاهدة