وقف ديمكا في غرفته الجانبية بجانب النافذة المطلة على غرفة الاستقبال، منزلا سرواله حتى كعبي قدميه، عيناه مسمرتان على شقوق النافذة وفاغرا فاه يستنم بيده اليمنى، ويسراه قابضة بإحكام على قلبه وكأنه سيفلت من صدره.
في غرفة الاستقبال، تمددت سلام على بطنها وهي تبعد ذراعيها عن جسدها، عارية تمامًا سوى سروال صغير يستر عورتها.
سلام امرأة قانون، سريعة الأداء والحركة، تتلاعب بالكلام، وتتحلى بسرعة البديهة والموهبة، تحترم القانون والنظام ولكن ليس في محيطها الاجتماعي، تفتقر إلى اللياقة والأدب في حديثها وتكثر من تجريح الزبائن الذين حولها. أما حرفة المحاماة فهي بالنسبة لها نصب واحتيال.. يعمل في مكتبها عدد من المحامين المتمرسين والمتمرنين، وتذهب عصر كل أحد إلى جلسة التدليك، فهي زبونة دائمة لدى المدلكة تاليا.
أخذت تاليا تدلك أخمص قدميها المتعبتين بزيت “لافندر” المخلوط بزيت النعناع. فركت ما بين أصابع قدميها، ضاغطة بقوة على كعب رجلها. دعكت ساقها اليمنى من أسفلها إلى أعلاها، وسحبت يدها على ساقها اليسرى، تدغدغ فخديها بأصابعها الرشيقة والقوية.. خلعت عنها سروالها الضيق الصغير، ليكشف عن نصف ردفيها المتكورتين كحجر رخام، وشرعت بتدليك أسفل ظهرها وأعلى ردفيها وهي تضغط براحة يدها بحركة دائرية خفيفة وسريعة، تارة تعصر، وتارة تفرك لحمها. شعرت سلام بالاسترخاء بين اهتزازات يدي المدلكة، وكأن الأوجاع تخرج وتتبخر عبر أنامل قدميها، فانتشت وطارت بخيالها لتحط بين أنامل عشيقها، وهي مستسلمة لهذا الشعور الجميل، وعندما لمست يد تاليا، صدفة، دون قصد ما بين فخذيها، استفاقت من غفوتها وسألتها:
– من أين أنت تحديدا يا تاليا، فأنا أعرف أنك روسية الأصل أليس كذلك؟
– أنا من كييف، من جمهورية أوكرانيا.
– ولماذا قدمت إلى البلاد، ألم يكن أفضل في روسيا، أنت تعيشين هنا حياة بؤس وفقر مدقع، انظري إلى بيتك فهو مهمل وعتيق وكما يبدو أنك لا تملكين شَروَى نقير.
– كنت مجبرة على ذلك!
– لا أفهم، أكان الوضع هناك أسوأ مما هنا؟
– لا، كانت معيشتنا في روسيا، أنا وزوجي وابني رغيدة جدا، رغم أننا لا نملك المال، لكن كل شيء كان متوفرا. التعليم، الصحة، المسكن والمأكل. لم نكن بحاجة إلى شيء. وفي عام 1986 حدثت كارثة في المفاعل النووي في تشرنوبيل في أوكرانيا، وقد سمع عنها العالم بأسره، فتعطلت المزارع وأغلقت المصانع ولقي العديد من المواطنين حتفهم وتم إجلاء أكثر من (100) ألف شخص من المناطق المحيطة بالمفاعل، فهجر البلاد عديد من العائلات الأوكرانية وخاصة الأغنياء منهم، الذين استطاعوا السفر إلى دول غربية.
– ولماذا لم ترحلي معهم؟
– لم أملك المال الكافي للانتقال إلى الغرب فبالإضافة إلى تكلفة السفر الباهظة كان يجب توفير المسكن وهذا كان صعبًا جدا.
تنهدت تاليا وواصلت حديثها:
– لقي زوجي حتفه متأثرا بما حصل. وأنا سقطت جميع أسناني فأجريت لي عملية جراحية. تم استئصال رحمي ومبيضيّ بسبب الإشعاع. أصيب طفلي ديمكا برجات وهزات لا تتوقف في جسده الصغير.
– لماذا قررت المجيء إلى إسرائيل؟
سكتت تاليا وطلبت من سلام أن تستدير وتنام على ظهرها، لتواصل تدليكها وغطت لها صدرها المكشوف وبدأت من جديد تدلك أصابع قدميها وقالت:
– هنا وفروا لي كل شيء، لم أدفع قرشًا واحدًا. الوكالة اليهودية كانت نشيطة في منطقتنا فتلقينا المساعدات المادية والمعنوية، والوعود بأرض السمن والعسل، وفي النهاية خدعونا. بعت بيتي في أوكرانيا، ووفرت بعض الأموال التي استطعت بواسطتها شراء هذا المسكن البائس. فرص العمل هنا شحيحة، جهازا التعليم والصحة مترديان. الحياة مكلفة جدًا. وخالية من البهجة والسعادة.
– وأين أهلك وأقاربك يا “تاليا“؟
– سافروا إلى أمريكا، وبقيت وحيدة مع ابني، أعالج من يعانون من إرهاق جسدي وصحي..
– وماذا حدث لابنك ديمكا ؟
– عولج ديمكا بالعلاج الكهربائي الذي أوقف عنده الاهتزازات والارتجاجات، ولكنه بقي مع إعاقة عقلية، عقله لم يتعدَ طفلا في العاشرة من عمره. رغم أنه في الأربعينات.
– كيف يقضي ولدك وقته، ألديه أصدقاء؟
– لا.. يقضي معظم وقته في الاستماع إلى الموسيقى الروسية الكلاسيكية أو زيارة بعض الجيران، (ضحكت تاليا) يدعي بأنه ذاهب للتنزه لكنه لا يبتعد عدة أمتار عن بيتنا!
خلال جلسة التدليك، يتبادل ديمكا من غرفته الجانبية مع أمه بعض الجمل باللغة الروسية التي لا تفهمها سلام، ولكن بعد تجربتها مع الناس تيقنت أن “تاليا” تعامل ابنها بطريقة مثالية، وأنها رفضت الزواج بعد وفاة زوجها لكي تعتني بولدها، وتهتم به كثيرا بسبب تخلفه العقلي.
تنهدت تاليا تنهيدة تنم عن الحزن والأسى وقالت:
– أنا أعرف بأنني سأموت قريبا. ظهر عندي انتفاخ في الكبد، وأحيانا أبصق الدم من فمي ويسيل مرات من أنفي، كم تمنيت أن أجد عروسًا لديمكا قبل وفاتي. لا أريده أن يبقى وحيدا. سنوفر للعروس البيت والطعام ومن ثم تعتني به فيرزقون بالأطفال. كم أتمنى أن أصبح جدة، ولكن البنات لا يحببن ديمكا.
وضحكت “تاليا” ضحكة بريئة، لكن ديمكا ضحك عاليًا من غرفته وقال متأتئا وهو يلثغ، كل البنات يردن المال يا أمي، وأنا أريد فتاة جميلة ذات عيون خضراء، جامعية، وتملك سيارة، فتضحك “تاليا” وولدها من صميم قلبيهما..
كان الشعور بالاسترخاء لذيذًا فغفت سلام قليلا، لأن تدليك تاليا يريح أعصابها وينعش ذهنها ويصفي أفكارها ويخفف من حدة الضغط الذي تواجهه مع الزبائن ويساعدها على الراحة النفسية.
أيقظها صوت ديمكا مناديا أمه مرة أخرى، فاستأذنت “تاليا” من “سلام” لأنها ستناول ابنها حبة دواء، وعادت من جديد تدلك بطنها بلطف زائد، سألتها سلام:
– ما علة ابنك؟
وضعت “تاليا” يدها بين فخدي “سلام” مشيرة إلى مكان الأوجاع عند ابنها قائلة:
– عنده بعض الأوجاع بين فخذيه، عند محاشمه، هو رجل وبحاجة إلى امرأة، اعتاد أن يطلب بائعات الهوى إلى بيتنا، وكان يدفع لهن، أو يتسلى بمشاهدة أفلام إباحية وأنا لا أحبذ ذلك، يجب أن أجد له زوجة..
نادى ديمكا أمه قائلا بلغته المتكسرة: أنت على حق يا أمي. لا تنفعني الأفلام. أنا بحاجة إلى امرأة حقيقية.
وفيما تواصل “تاليا” تدليك عنقها من أعلى إلى أسفل بحركات دائرية، تنبهت سلام لما سمعته، وفجأة، قفزت عن السرير كالملسوعة، وصرخت بطريقة لم تألفها تاليا وتخلو من اللياقة والأدب: أين ابنك المتخلف المجنون؟ استدارت قليلا، رمشت عينيها بدهشة، غطت صدرها بيديها ونظرت إلى شباك غرفته المطل على غرفة الاستقبال وأسرعت بارتداء ملابسها وهي ترغي وتزبد غضبا: سأقاضيك أنت وابنك المعتوه.
استطاعت أن تلاحظ بوضوح أن “ديمكا” يقف خلف النافذة بقامته القصيرة المرتخية وجسده المربوع وشاربيه السوداويين، فاغرا فاه، منزلا سرواله حتى كعبي قدميه يتلوى من النشوة والمتعة.