موقع مزيف احذر الدخول فيه

موقع مزيف احذر الدخول

يعد الشاعر عبدالرحمن المزوري من الشعراء البارزين الذين استطاعوا من خلال اندماجهم بالواقع العياني ان يخلقوا لأنفسهم مساراً ادبياً خاصاً ونغمة متفردة لايمكن ان تخطئها الاذن العاشقة للشعر الكردي المعاصر، وهو مع ذلك صاحب اسلوب شعري متفرد استطاع من خلال تجربته الشعرية ان يوظف العديد من المكونات الأساسية في الشعر الحديث والمعاصر، ليصبح بذلك صاحب تجربة متميزة، تأخذ المكونات الخارجية المتعلقة ببيئته ومحيطه مساحة واسعة من مجمل اعماله، فالتقلبات والتحولات التي دائما ما يتشكل منه الواقع  كانت  ولم تزل معين دائم ومادة طرية لقصائده، فتشعر بأنه صاحب رسالة يحمل فوق عاتقه هموم مجتمعه، ويسعى الى تعرية الأسباب التي تؤول دون ان يتغير هذا الواقع، فيقدم لنا الشاعر من خلال طراوة نصوصه صور تمثل جمالية القيم ونبل المعاني والهدوء والرهافة التي كانت تسود مجتمعه، ومن ثم يقدم صوره الحالية التي تظهر فيها هذا الاختلال الكبير في الموازين، ومع ذلك نراه يحافظ على هدوء نبرته، وجمال توظيفه الصوري والمعجمي، بحيث يخلق محاكاة رائعة بين المتلقي وبين نصوصه فيعيشها المتلقي بحرفيتها.
 لقد استطاع شاعرنا من خلال ديوانه (آفيفيان / الساقية) ان ينقل لنا عدة مكونات اساسية في شعره، وهي بلاشك مكونات داخلية،واخرى خارجية، تبرز من خلالها جماليات شعرية فائقة، على الرغم من اعتقادنا بأن الترجمة غالباً ما تطمس بعض المعالم الجمالية للنصوص، الا ان لكل تجربة شأن، ولايمكن اخفاء وتجاهل الجهد المميز الذي قام به الاديب الشاعر بدل رفو المزوري، من خلال ترجمته لهذا الديوان من اللغة الكردية الى اللغة العربية، الذي استطاع من خلال ترجمته القيمة الوافية ان يحاكي تجربة الشاعر عبدالرحمن المزوري، ويتقمص الكثير من احرفه ليجعلها صور حية تتناقل بيننا، ولتصبح علامة فارقة في الادب الكردي  المترجم وسفيراً الى جهات اخرى يمكنها من خلال الترجمة هذه التعرف على الادب الكردي من جهة، وعلى طبيعة المجتمع الكردي من جهة اخرى، كيف لا وبدل رفو هو ابن لهذا الوطن الذي  عاش ونشأ  فيه شاعرنا.
  لقد استطاع  الشاعر من خلال ديوانه (آفيفان/ الساقية) ان يقدم لنا لمحات كثيرة عن مجتمعه وبصور مختلفة، سواء أكانت هذه اللمحات تخص الواقع الريفي من حياة شعبه، ام من خلال المكونات الاخرى في المدن والحياة الكردية المعاصرة والتجربة الجديدة التي القت بظلالها على الكثير من الاتجاهات الحياتية، ولعلنا منذ الوهلة الاولى التي ندخل فيه الى عالم الشاعر، ومن خلال العنوان(آفيفان) نشعر بالقيمة الانتمائية للشاعر من جهة، و القيمة الشعرية للديوان من جهة اخرى، فمثل هذه العناوين تؤدي ادوارها ووظائفها بشكل متميز خاصة اذا ما تمكنا من ادراك ماهية الوظيفة العنوانية لأي عمل ادبي، وشاعرنا سواء تعمد ام لا، فقد اختار عنواناً مؤدياً لوظيفة انطولوجية واحالية مميزة، حيث نجد بأن العنوان قد وهب الديوان هويته، او مكانه في الوجود، بل يمكن القول بانه حدد جغرافيته بشكل انطولوجي واضح مما لايسمح للدليل اللغوي الا ان يحيل نفسه على مرجع ما بغض النظر عن طبيعته، وفي الاحالة تكمن وظيفة اللغة نفسها، لكونها وظيفة معرفية او تعيينية والتي تمثل اساساً للتواصل.
  سبق وان نوهنا عن المكونات الكثيرة التي اعتمدها شاعرنا في بناء نصوصه الشعرية، وسنجعل الخارجية منها فقط محور دراستنا حول الكتاب، لكونها تمثل مادة شعرية خصبة تجمع التاريخي و الطبيعي والاجتماعي والشعبي والموروث الديني والسياسي ومجالات اخرى كثيرة ربما نوجزها اثناء الحديث عن هذه المكونات الاساسية:
اولاً:المكون التاريخي.
  تتشكل معالم القصيدة في نصوص شاعرنا من خلال كسره للصورة الواقعية، واقحامنا في اجواء تتسم بنوع من التخييل المضمر ، حيث يتجسد فيها الشحوب الإنساني والسوداوية التي ظلت تحفر بصورة مستمرة على حياة هذا الشعب بسبب الظروف الخارجية المتحكمة في ادائه الحياتي، لذا نجد بأن الشاعر يلج من خلال لغته المتسمة بالاداء الحركي المتوغل في التاريخ تارة ، وفي الكينونة الانسانية بالصورة الوجودية تارة اخرى ، معتمداً على ذاكرته الثقافية وتأملاته الروحية والانسانية والفكرية، التي تستمد معينها من صور معلقة في ذاكرته، واخرى لم تزل تبث بشكل مباشر ومستمر، ليسير بنا باتجاه الارض والانسان ويمنحنا القدرة على العمل الذي يمكننا من تشكيل صورة حقيقية عن الواقع التاريخي لهذا الشعب الذي ينتمي اليه الشاعر فيقول:
  أتذكرين...
حين كنت ادحرج بين يديك
الصخور والاحجار
في (الوادي الابيض)
على الظلام
وكل ازلام (زينفون)
العاتي، هزمتهم
كي لايستوطنوا خيمنا وديارنا
  يقدم لنا الشاعر في هذا المقطع الشعري الباذخ صوراً، رؤية تاريخية تتمثل في حقيقة ثابتة لدى المعنيين بالشأن التاريخي، والتي تتمثل بأن ارض وشعب الشاعر ظل لقرون عديدة مسرحاً لصولات وجولات القادة والحكام، فجلبوا الويلات عليهم، وسرقوا منهم الامن والامان، وغرسوا الفقر والذعر في زوايا انفسهم، وشاعرنا في قصيدته ( عذبة ليّ ومرة للناس) يقدم صوراً متتالية عن حقبات تاريخية كثيرة، استطاع من خلالها ان يؤرخ لشعبه وارضه، ولعل عنوان القصيدة هذه وحده يكفي ليوضح معالم النص باكمله، فالشاعر الذي يلجأ الى حبيبته ليبث من خلالها شكواه من مظلومية اصبحت سمة شعبه، استطاع ان يخلق محاكاة رائعة بين الماضي الرهيب والواقع المتدني وان تغيرت بعض اساليب الظلم وتطورت:
 أيا فاتنتي...
عذبة انت لي ومرة للناس
وفي (باب آلان)
وفي ثنيات مليئة بالصراخ
والانين
حينما قدم مقاتلوا جنكيز
والتتار ومصاصوا الدماء
ورقصوا في بيادرنا...
 ولا يتوانى شاعرنا من خلال رصده لتاريخ شعبه ان ينقل لنا من خلال احداثه تلك المآسي التي عاشها هذا الشعب، بل نراه يرصدها بلغة متوحشة باعثة وخالقة لصور اكثر وحشية، لكنها تبقى في الاطار الاجمالي صور واحداث لاتؤثر على المسيرة الحتمية للشاعر ولشعبه وارضه، فنراه لايقع في اليأس المطلق، بل بعد كل كبوة يستعيد الحصان الجبلي قوته ويقف على قدميه، ويباشر في ممارسة حياته، وهذا ما نراه يعبر عنه في قصيدته( الامطار مطلب والدتنا) حين يقول:
لن اترنح جانبا كالنعجة..
ولن اهجر طريق القافلة
ساسقي خيول الشكاك وجيادها
في بحيرة وان..
 تلك هي عزيمة الشاعر من جهة، ورؤيته وثقته بشعبه من جهة اخرى، ولعل المميز في نصوص الشاعر عبدالرحمن المزوري كونه يوظف ضمن مداه التاريخي ابعاداً جغرافية تعرف المتلقي بماهية الامكان التي تمثل الوطن لديه، ومن يقرأ نصوص الشاعر سيجد فيها الكثير من التأثير التاريخي على معجمه، كما انه سيقف عند الكثير من معالم شعبه الحضارية والتاريخية.
ثانياً: المكون الطبيعي.
  تشكل الطبيعة إحدى المعالم الأساسية في شعر عبد الرحمن المزوري، و مادة دسمة حاول من خلالها ان يضع بين يدي المتلقي الكثير من الصور التي تمثل وطنه من جهة، والتي استطاع من خلالها ان يعبر عن مكونه الداخلي من جهة اخرى، ويعد هذا الامر بمثابة عملية ارتقاء بدلالة النص إلى المستوى الذي يحقق انزياحاً في تكثيف الصورة الشعرية وفق الاستفادة من الاستعارة الوجودية، التي تقارب المشاعر الداخلية ومخاضاتها إلى حركة الطبيعة التي تلتصق بالذات وتقاربها بالمعنى، وكأن الطبيعة هي الرؤى لكل ما نشعر به من مشاعر وأحاسيس، لهذا يعتمد عمق النص قدرة الشاعر على تقريب مشاعره الداخلية إلى الطبيعة وما تحققه من تناغم وتمازج إلى حد تصبح الطبيعة والذات كل منهما يعبر عن الأخر، ولكن ما يهمنا من هذه المقاربة هو مدى تأثير الطبيعة على شعر ومضمون الشاعر، والتي نلامسها بشكل جلي في اغلب قصائد الديوان، وقد وظفت بشكل درامي مؤثر جداً، لكونها تعبر عن الملامح الحقيقة لهذا الوطن من جهة، وعن الافاق التي تفتحها الطبيعة على الشاعر وجدانياً ، حياتياً، من جهة اخرى، وهي في اغلب الاحيان تحقق الاستعارة المرجوة، التي يلجأ اليها الشاعر عندما يجد ما يعيق سيره او يقيده، ففي قصيدة( المجد) نراه يطرح رؤاه برمزية شفيفة تفضح المكنون الجواني للشاعر والواقع معاً:
انما المجد
لذلك النهر...
الذي جعل لقاء المصبّ
نصب عينيه
وشق الدروب وجرف الصخور...
 في اشارة واضحة عن ماهية الاستعارة الحقيقية التي تمكنه من ايصال رؤاه ولو من وراء الحجب الى المتلقي اذا ما تمعن في النص، خاصة انه في النص ذاته يستمر في توظيف الطبيعة من اجل استكمال صوره الحسية الذهنية:
ولم يكن بوسع الاشواك والزبد
ان يسرقا اتجاه عيني حبيبته
ولم يتوقف حتى وصل الى (أتون)
عشق البحر
 هي في الظاهر تمثلات روؤية واضحة لكنها في، لكنها لاتبقي على محدودية الظاهر وحده، بل تتعداه الى المكنون الباطني الذي تجعل من الصورة والمعنى وفق نمطية الاستعارة لوحة تعبر عن الواقع الحقيقي الذي نراه يقيد الشاعر ويفرض عليه اتاوة البقاء ضمن دوائره التبعية، لكنه شاعر فذ لايثني عزيمته شيء، لذا نراه قبل كل هذا يرسم للمتلقي ملامحه الابية حين ينادي ويصيح:
الموت للظلام
الموت للظلام
فليحي امبراطور الشمس
ويعيش...
 وشاعرنا لايتوقف عند هذا الحد من التوظيف والاستعارة من الطبيعة، بل نجده  في قصيدة( لو أنا) يتمرد على الواقع بشكل عنيف، وينقل لنا ماهية التسلط الذي ظل لقرون متوالية يتحكم بمثير شعبه، كما نراه يضع نهجه في ماهية التصدي:
 لو كنت نرجسا
وقالوا لي:
اذهب وارقد داخل مزهرية
في ايوان قصر
لأجبت: لا
 ويستمر ماهية الرفض عند الشاعر ليصل الى درجة الاشهار بتلك الايدي المتعفنة التي دائما ما تحاول افساد الحياة بهمجيتها وعطشها وجوعها المستمر لدماء الناس وقوتهم، فنراه يفضل ان تعلق قامته على ضفائر راعية حسناء  ليفرح به راعي من ان يكون تبعاً لهولاء:
فهذا اجمل بكثير
من ان ترى الكروش المتعفنة
الارائك والقصور والقلاع..
  وهذا قدر الشاعر لكونه يعي الامور  من مضامينها وصورها معاً، ولكونه يدرك ماهية التسعف الذي يمارسه هولاء ضد ابناء شعبه، وكيف حولوا المراعي الخصبة وعيون الحسناوات الى مقابر لاغراضهم ويمولهم ورغباتهم، هذه الصور معلقة بذهن الشاعر لذا فهو يعمل على كشفهم وفضحهم، ويجاهد من اجل ايصال رسالته الى الاخرين، وهذا ما نجده في قصيدته( آفيفيان):
كم من مرة اخبرتك
لاتحملي الماء للغير
فوعودهم كاذبة خداعة..
ويجعلون منك
لرشفة من العسل نحلة
واخيرا..
سيتركونك في الصحراء وحيدة..
 هي صورة اجمالية عن الموقف الذي يتبناه الشاعر تجاه الواقع، وهي صور متعددة في تكوينها الخارجي، لكونها تمثل بداية رفضه لما يحدث لشعبه ووطنه من الداخل بالاخص الذين يسممون افكارهم بمفاهيم تنم عن تخاذلية واضحة، ومن جانب نراه يرفض تلك الايادي التي ظلت تاريخيا تمد لهذا الشعب من اجل تحقيق مكاسب ذاتية وما ان تنتهي تلك المصالح حتى ينسحبوا وراء مبررات كاذبة ومصطنعة، ولعل اللجوء الى توظيف الصحراء اشارة واضحة الى قسوة هولاء ومدى انانيتهم وكرههم لهذا الشعب.
 ثالثاً: الموروث الديني.
ان النص الشعري يسعى من خلال تداخله الصوغي على النص  الديني الى توسيع مجاله الدلالي متجاوزاً حدود تشكيل اللغة الى تشكيل الرؤية، معتمداً على العلاقة الوثقى التي تربط تأثير المدلول وابهاره من خلال التناص الديني، ومن ثم يمكن ان يتمتع النص بمحاذاة تأثير رؤية الخطاب الديني اذا نجح في محاذاة التشكيل اللغوي للنص الشعري، وتظهر مديات التأثير المكون الديني على نصوص الشاعر عبدالرحمن المزوري من خلال الاستعارات التي من خلالها اراد ايصال رسالته وفكره وقوام حياة شعبه الى المتلقي، وقد نجح في توظيف تلك الصور من خلال علاقات صوغية بليغة تكاتفت من اجل استكمال المعنى والصورة داخل اطار شعري باذخ.
 فشاعرنا يعمد الى استحضار صورة المسيح في نصه (المجد) ليشكل البوماً صورياً يتتبع سيرة الشاعر الحق في وطن ممسوخ، بحيث يصبح الشاعر صورة ارضية اخرى للمسيح يجهر بالحق ويكافح من اجله حتى وان آلت الامور الى اغترابه وهجرته، فهو ناقل حامل للحق، ورحلته لن تخلو ابداً من الثمار، ولعلها صورة على الرغم من قسوتها في توظيف الغربة الا انها تغني الصورة بالثبات:
انما المجد
لذلك الشاعر
الذي غدا مسيحا
لكل الازمنة والعصور
 ويستمر شاعرنا في استحضار الصور التي يوظفها كبدائل استعارية تمثل في كينونتها صور منقولة عنطنه الممتلئ بكل الاشكال التضادية، ففي قصيدة (بعض التعاريف غير المنشورة) يلجأ الشاعر الى عكازة كتناص حقيقي عن العصا، حيث يقول:
لو قطعتم غصن شجرة
لغذا عكازة اتكأ عليها
الرعاة والناشطون..
 كمعبر حقيقي عن الحالة الاستنزافية الحاصلة في وطنه، لكنها حالة تبرز موقف الشاعر بصورة تشكيلية متصلة بالاستعارة او التشبيه السابق حيث ان الشاعر يبرهن على ان كل ما يحدث له ولوطنه ولاشجار وطنه وكل شيء في وطنه لن يذهب سدى، بل سيثمر ذات حين:
 لكن لو قطعتم جذوري
لأنتشر(كالثيل)
حقولا والواحا ومساند
حقولا والواحا ومساند.
  وهذه صورة تجسد ماهية الخلاص في الميثولوجيا القديمة، لكنها لاتقف عند القديم فقط، انما تجاوزته لتشتغل على صور شعرية دينية اكثر ارتباطاً بالواقع الذي يعيشه شعبه من خلال التمازج العرقي الحاصل، فتأتي صورة (الحسين) الشهيد في كربلاء كمدخل تعبيري عن عزم الشاعر ان يفعل المستحيل من اجل يوم مشرق للوطن وابنائه، هذا ما نلامسه في نصه(لو أنا) حين يقدم يصور لنا بلغته الانسانية المنجرفة نحو سردية بالغة، هموماً الانسانية ويأتي بذكر الحسين:
وكل ( حسين) في كربلاء
مات عطشاً
وكل طفل متسول
يمص اصبع الجوع....
 حيث تتماثل الصورتان بشكل واضح وتعبر عن المكنون الحقيقي وراء التوظيف الدلالي والصوري من خلال هذا المقطع، وهكذا تتجلى الصور الصوغية الدينية في نصوص الشاعر لتشكل في النهاية معجماً خاصاً يمكن من خلالها معرفة وادراك الملامح الحقيقية لهوية الشاعر من جانب، ومعرفة الظروف المحيطة به من جانب اخر.
 
 رابعاً:المكون الاجتماعي والشعبي.
 قمنا بالحاق الاجتماعي والشعبي لكونهما ملتحمان بصورة واضحة في نصوص الشاعر هذا من جهة، ولكونهما واقعاً يمثلان عملية تمازجية صوفية متحدة من جانب اخر، وفي نصوص الشاعر ضمن ديوانه هذا، بل واغلب نصوصه الاخرى نجد هذا التلاحم بشكل جلي، ونجده يوظف جوانب من الحياة الاجتماعية لشعبه وموروثاته الشعبية بشكل واضح، تتجلى من خلالها صور حية ومباشرة يمكن من معرفة ملامح المكون الموروث في وطنه، وهي في اغلبها توظيفات تعمل على خدمة فكرته وقضيته التي هي اساس كل عمل شعري لديه، ويمكن ادراك حجم الكارثة التي يشعر بها الشاعر تجاه الحالة الاجتماعية التي يعيشها شعبه من خلال تتبع قصيدته(اربع صور مكشوفة) حين يقول:
 في مدينتي
كل الكادحين والبؤساء
عراة وحفاة
بلا مأوى وسكن
وثمار كدهم
وعرق جبينهم
للأغوات
(للبيكات والباشاوات)
فليشبعوا هم
وليلحس الفقراء الجلد والعظام
 هي صور متوحشة في مضامينها الظاهرية فكيف وهي تمنطق الحالة العيانية لشعب عاش على وقع خطوات هولاء المصاصين لدماء الشعب،  لقد استطاع الشاعر من خلال هذا المطقع ان يوضح امور كثيرة، لعل اولها كون المحيط الاجتماعي غدا ركيزة مهمة في معينه الشعري، والثاني ان التطرق الى نمطية الحياة في المجتمع الكردي وضع امام نصب اعيننا ماهية الطبقية الحاصلة فيه، فمن خلال (الاغا) من جهة وهو استغلال داخلي، والبيكاوات والباشاوات كدلالة على الاضطهاد الذي مارسه المحتلون لوطنه ضد شعبه، وهي تمثل قمة الوعي الشاعري في هذه المرحلة، خاصة انه يؤثث لعالمه البدائي حيث القرية اساس التكوين الاجتماعي انذاك ، ففي قصيدة( من حكم عيسا بالا) يقول:
 ليتني كنت مطرا
لأغسل صدأ وقذارة قريتنا
ليتني كنت حكاية
لأقتل ليلة قريتنا الطويل...
ويستمر الشاعر في هذا التمني الباطني والظاهري على حد سواء من اجل تريتب اوراق قريته و حماية مكونه الاجتماعي:
 ليتني كنت ساترا
كي احمي حقول قريتنا...
 ويستمر الشاعر في قصائده من ابراز معالم الحياة الاجتماعية بصورها الكلية دون التوقف عند موقف او حالة استثنائية فيأتي على ذكر كيفية ممارسة الناس لحياتهم من خلال العمل سوأء في الحقول او المراعي:
سوف اقود غنمي
عبر المصايف والجبال
فهناك العشب اكثر
نضارة
وحيث الاعراس ودبكات
الراعيات
كي لايرددوا
ياله من وطن بدون اهل
تستنكف اصحابه
من جعله مروجا ومراعياً..
 انه لقمة التداعي اللفظي والمعنوي والصوري، وانه لمشهد درامي حي ومباشر ينقله لنا الشاعر بدون اضافات ورتوش، فهذا وطنه الذي هو مأهول بالناس وهذه حياتهم وطبيعتهم، ومع ان نص ( لو انا) في تكوينه رفضي متمرد، لكنه في الوقت نفسه نص يحمل مضامين اجتماعية رائعة.
 ولم يكتف شاعرنا بمد نصوصه بالمكونات الاجتماعية فقط، بل الحق بها مكونات شعبية تشغل مساحة واسعة من احاديث الناس اليومية وقصصهم وحكاياتهم، فنجده من خلال استحضار بعض القرائن والرموز  الادبية تارة وبعض الحكايات الشعبية الموروثة تارة اخرى يؤثث للكثير من الجماليات الشعرية سواء أكانت وجدانية ام وطنية،
ففي قصيدة المجد مثلاً يأتي على ذكر درويش وعدلا كرمزين صوفيين للعشق، ةفي قصيدة ( الاحياء والاموات) يأتي على ذكر بعض الرموز الادبية القديمة والمعاصرة يقوم من خلالهم باستجداء شعبه من اجل النهوض وعدم النكوص:
أيا شعبي
عاشقك (خاني)
و( جكرخين، وبيكه س، وحاجي، ودلبرين)
لم يتمكنوا من طرد
 النعاس من جفنيك
 لكنها على مايبدو صرخات لاتكفي فيضيف اليها صرخته من خلال توظيف بعض المعاني والدلالات الحماسية المؤثرة، ك( استفق، اصرع، رتب، اقتل) وينهيها ب:
واقتل الموت
واحرق الثلج
وابتسم لنهار جديد
ابتسم
  وشاعرنا على الرغم من كل شيء حدث ويحدث لم يزل يؤمن بيوم آت غير الذي عاشه ويعيشه، وهذا ما يدفعنا الى قول بانه لايقع في اليأس المطلق مرة اخرى فيقول في قصيدة سابقة الذكر:
هذا قلبي تفاحة بروارية
سارميها لك ياوطني ليحتويها صدرك
وفي موضع اخر من قصيدة اخرى مذكورة ايضاً:
مطلبها: تدمير الليل والقيود والسحب والسود
مطلبها: (لاوك) و(حيران)
مطلبها: الامطار........
 كما يتضمن معجمه مورثات شعبية اخرى ذات اهمية كبيرة في تدوير النصوص الشعرية لديه، فيذكر( مم وزين، والقبج، والجزيرى، وفقي تيران، والحريري وبريخان، وخانى لب زيرين) كما انه يورد اسماء قبائل كردية كثيرة ضمن تذكير بموروثاتهم ففي قصيدة( احزان بنت كوردية) يأتي على ذكر بعض الملامح الشعبية لبعض القبائل الكوردية:
 فاحزان بنت كوردية
انها بلباس واقراط( حيدرية)
صنعته الخبرة ( البابانية)
تمتهن الرقص والدبكة
على الطريقة( الشيخانية)
 انها لاكيد موروثات شعبية تمثل في قاعدتها ملامح المجتمع الكردي سابقاً وحاضراً، وهو ما يمكن ان نطلق عليه ايضاً الموروث الذي قلما نجد بأن شاعراً يبتعد عنه، لكون الموروث الفني والابداعي  لايمكن فصله عن الحضارة التي نشأ الشاعر فيها واستقى من ينابيعها، مما يحتم على الشاعر ان يلجأ اليه، وبلاشك ان مهمة الشاعر في هذا الامر يختلف حسب الموورث الذي استند اليه.
 خامساً:التأثير السياسي.
   ان محاولة الولوج الى أي ديوان شعري تبدأ بمساحات الرؤيا التي تتمخض لدى الشاعر عن طريق جعل اللغة تتطابق مع تلك المساحات التي تمثل امتداد رؤاه الذاتية اتجاه الحياة، حيث يؤرخ وهج أكتشافة إلى الذات الموضوعية وتصادمه مع الواقع الخارجي في تلك اللحظة حين تتجلى الأزمة التي تخلق المعاناة التي تجعله يسعى إلى الكتابة الشعرية، وشاعرنا يملك مساحات رؤية واسعة، تأثرت هي الاخرى بالتقلبات السياسية على الصعيدين الداخلي والخارجي على حد سواء، فشكلت في فحواها مكوناً اساسياً اخراً  في شعره، ورفده الاحداث التي جرت والتي لم تزل تجري بمعين لاينضب من الافكار والرؤى والصور الشعرية التي تشكل معالم حقيقية في حياة الشاعر وشعبه.
 فعلى الصعيد الداخلي كانت التيارات السياسية تحفر عميقاً في مديات شعره وتفتح افاقاً واسعة امامه للكتابة عن ما آلت اليه آمال الناس بسبب التآكل الداخلي على الرغم من الانفراج الحاصل في الوطن ونجده يحيل ما يراه الى الالتواءات والشرخ الحاصل بين شرائح الوطن في قصيدته (لست عاشقا للفاتنات):
ومياه الانهار مالحة
بسبب الالتواءات
وطائر الحمام في عزاء للصفاء..
والاطفال لايغفى لهم جفن
بسبب الجوع والملاذ
فالباطل يغلب الحق
اليوم...
من سيعدل الميزان ؟!
 يجبرنا الشاعر على تتبع منطقه المخصوص، ويفرض علي الاتجاه الذي نسلكه من اجل الوصول الى ماهية التوظيف الدلالي لديه، وهو منطق مأساوي في صورته، فعلى الرغم من الكفاح المستمر الا النتائج تبدو غير مرضية، فالشرخ حاصل ومستمر، والابتعاد كأنه قدر محتوم وهذا ما نلاحظه في قصيدة (حيرانوك) حين يقول:
ياحبيبتي
مهما ابتعدت مني فانت قريبة
وبنظراتك صرعت
( الشكاك والمللي والكيكيين)...
 والمأساة الداخلية تلقي بظلالها على النفوس لكونها لاتسمح لهم بالنهوض، ولا تسمح لهم ايضاً بالعيش بأمان واستقرار، وليس بغريب ان يكون سبب ذلك الاعوجاع الحاصل في العملية الحياتية الداخلية، لكونها لاتثمر الا لفئة دون غيرها، ويبقى مصير الفقراء كما يصفها في قصيدته (لاوك) الجوع:
منذ شهور وسنوات
وانا اكافح...
ارمي بنفسي في مستنقع الموت
وارقد وسط النار
كي ابني عشاً
لصغاري
ولكن ! لاشيء يبان
 هكذا تتكاتف الاحداث لتمهد لنعرات حقيقية تنهش بجسد الوطن المجروح اصلاً، ولتكون معيناً وزاداً موجعاً للشاعر ضمن مكوناته الخارجية الاساسية.
 اما على الصعيد الخارجي فقد شكل مادة غنية ومؤثرة في شعر المزوري، لكونه عاش الكثير من المحنات التي مر الوطن بها، واصابه الكثير من الويلات جراء تطاول الاخرين على وطنه، وطمعهم في ارضه، وتبرز المآسي الوطنية في شعره من خلال رصده لسياسة الاخرين تجاه وطنه، ويمكن ان نلخص بعضها في صور شعرية باذخة ذات امكانية التأويل المتعدد ففي قصيدة(آفيفان/ الساقية) تأتي اللغة لتضع بين يدي المتلقي مادة دسمة يمكنه ان يتخيل ماهية الحدث وما آلت اليه امور الوطن جراء سياسة الاخرين تجاه:
ان هولاء الوحوش،
يرغبون ان يقسمونك
فيما بينهم
ويجففون منبع عشقنا
ويفرقوننا
 تلك صورة مباشرة لاتحتاج الى تعقيب ولا الى تحليل، فالجميع حسبما يراه الشاعر يتربص بوطنه ويحاول تقسيمه ليحصل الاطراف المتنازعة على غنائمهم على حساب بني جلدته، بل يذهب الشاعر الى ابعد من هذا في قصيدة( اغنية جديدة ل"كاويس آغا") ويحدد ملامح بعض الطامعين في ارضه:
ايها الخال
ان قيود الترك ثقيلة
حقا قد غسكر الموج الاسود
كأوراق الشجر
ويستمر في ذكر محنته التي تمثل في مضمونها محنة الوطن حين يقول في نفس القصيدة:
اليوم...
في بيدر آمال( خانى لب زيرين)
سبي وغزو واحتلال
فقد بتروا اجنحة الحمائم
 وهو بذلك لايتونى في استخدام الاستعارة والرمز تارة، والمباشرة تارة اخرى،  من اجل ايصال المنشود للمتلقي، كما انه في قصيدة (لاوك) يشير بوضوح الى تكرار محاولات المتربصين بوطنه من اجل النيل منه:
أ يا أخي
اقبلت جنود الغزاة ثانية
احرقوا الاحلام
وعصروا الاماني
ونحروا البيادر
 وينهي المقطع هذا بترنيمة موجعة تؤجج النفوس لكونها تلامسها في الصميم حين يقول: ( بلا رحمة)، حيث تلك صفة المعتدين طوال الازمنة، ولم تكن المكونات الخارجية السياسية متعلقة فقط بما يحدث لوطنه، بل استطاع شاعرنا من التغلب على الانتمائية القومية، ليوظف مآسي شعوب اخرى تعاني اللاامن واللا استقرار مثل ابناء شعبه ففي قصيدة(رسائل لحبيبتي) يذكر:
أيا حبيبتي...
يازهرة الامال
حمامة انا
ساحلق صوب فلسطين
ذلك الجرح
سأداويه بالدم
 وضمن استعاراته الخارجية المليئة بالدلالات والمعاني والصور في نفس القصيدة:
 انا خبز الجياع والفقراء
جيفارا انا
حتماً ساعود الى بوليفيا
ازلزل السهول والجبال
 وهي تمثل في توظيفاتها صور من واقع الشاعر نفسه، الذي وجد نفسه بين عشية وضحاها مغترباً يحلم بالعودة الى الوطن المنهك من الحروب والدمار والاقتسام والمليء بالنعرات الداخلية، فالحلم بالعودة يراوده باستمرار وهو ينتظر يوماً جديدا ويانعاً:
يحتفلان بهما
الروح والجسد
ساعيدهما من وراء الضباب
والدخان
ولاتقف المكونات الخارجية المؤثرة في شعر المزوري عند ما ذكرت فقط، بل هنا الكثير من الاستعارات التي وظفها الشاعر في قصائده لم اشر اليها خشية الاطالة، على ان سرد بعضها سريعاً تغني الدراسة بالأخص فيما يتعلق بالمكونات الشعبية والتي تتمثل ببعض الحكايات والقصص الوجدانية امثال( فرهاد وشيرين، سيابند وخجوك، كاويس آغا، سلمى والجزيري)، كما ان مهربان البروارية شغلت مساحة كبيرة في نصوص الشاعر، كلها استحضارات خارجية اغنت واثرت في اسلوبية الشاعر من جهة، وفي توظيف معجمه الدلالي من جهة اخرى، كما اثرت في مسار وتوجه الشاعر الذي ظل منذ البدء يحمل قضية وناضل من اجلها ولم يزل مكافحاً من اجل الوصول بها الى مستقر آمن.
 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 93 مشاهدة
نشرت فى 18 إبريل 2016 بواسطة dsdsdsfffssff