أزمة التعليــم في مصر

 إعداد

د. صابر أحمد عبد الباقي

كلية الآداب جامعة المنيا

مقدمة :

        إن الأمم تنهض بالعلم وحده‏,‏ وأن من يسلك طريق يلتمس فيه العلم يسهل الله طريقه إلي الجنة‏,‏ وأنه بالعلم يتبدل الظلام بالنور‏,‏ وأن كافة الأديان السماوية تأمرنا وتحثنا علي العلم‏,‏ وإذا أردنا التحدث عن أهمية وفوائد العلم للبشرية فلن نجد من أقلام وأوراق ما يكفي لتوضيح ذلك‏..‏ وإذا كانت الدول المتقدمة تعطي للعلم الأولوية القصوى‏.‏ فما بالنا بأهمية ناقل هذا العلم‏..‏؟‏!‏

 

مفهوم القضية :

        مفهوم القضية ينصب على كل علاقة بما ينشغل الناس به, ومعرفة خواصه المختلفة ومحاولة الإجابة على التساؤلات التي تطرحها على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي, وصولا إلى إجابات نهائية تساعد على تجاوزها بصفة نهائية.

فالقضية هي كل اهتمام مركزي يحتل مركز الصدارة في تفكيرنا ويعمل على توجيه سلوكنا في اتجاه إيجاد حلول للمشاكل التي تنجم عنها.

        ومن القضايا التي تفرض نفسها على اهتمامات الناس الآنية والمستقبلية : قضية المرأة، وقضية الزيادة السكانية، وقضية العنف التربوي، وغيرها من القضايا[i].

 

مفهوم الأزمة:

        يؤدي الخلط بين المقصود بالأزمة والمشكلة والكارثة إلى سوء التخطيط لمواجهة الأزمات نتيجة للتهوين من الأمر آو عدم إعطائه الاهتمام اللازم والكافي وقبل تعريف الأزمة سنعرف المشكلة ثم نحدد مفهوم الأزمة وأسبابها

 

مفهوم المشكلة:

        هي حالة من التوتر وعدم الرضا نتيجة لوجود بعض الصعوبات التي تعوق تحقيق الأهداف والوصول إليها والمشكلة هي السبب لحالة غير مرغوب فيها وبالتالي يمكن آن تكون وتعمل بمثابة تمهيد للازمة إذا اتخذت مسارا حادا ومعقدا لذلك يجب عدم ترك المشاكل تتراكم ويجب حلها بشكل دوري ودائم وعلى المدير آن يتقن مهارة إدارة الأزمات وتحديد المشكلات ووضع الحلول المناسبة والسريعة والاقتصادية أي القليلة الكلفة.

 

مفهوم الكارثة:

        هناك خلط كبير بين الكارثة والأزمة نظرا للارتباط الشديد بين المفهومين؛ فالمشكلة التي تبقى دون حسم لفترة طويلة تتحول إلي كارثة. والكوارث هي غالبا الأسباب الرئيسية المسببة للأزمات. فالكارثة هي الحالة التي حدثت فعلا وأدت إلي تدمير وخسائر في الموارد البشرية والمادية أو كلاهما.

        ويتضح من ذلك أن الكارثة ليست هي الأزمة ولكن الأزمة هي إحدى نتائج الكوارث أي أن الكوارث أم الأزمات والأزمة بنت مدللة للكارثة.

 

تعريف الأزمة :

        هي نتيجة نهائية لتراكم مجموعة من التأثيرات آو حدوث خلل مفاجئ يؤثر على المقومات الرئيسية للنظام وتشكل الأزمة تهديد كبير وصريح وواضح لبقاء المنظمة آو المؤسسة آو الشركة آو حتى النظام نفسه

        وقد تؤدي الأزمات المتتابعة آلي اختلاط الأسباب بالنتائج مما يفقد المدير آو صانع القرار القدرة على السيطرة على الأمور

        وتختلف الأزمة عن الأشكال القريبة منها مثل المشكلات والكوارث في أنها أي الأزمة تؤدي إلي إصابة الأعمدة الرئيسية لحياة الفرد ولحياة الشركة وللمجتمع[ii].

 

        والجدير بالقول فقد صاحب اختراع الكتابة في مصر القديمة‏,‏ ومعرفة المصري القديم للكتابة والحساب وحاجته لتدوين الشئون العامة الإدارية إلي بداية اهتمامه بالتعليم لخلق جيل بعد جيل من الكتبة لإدارات الدولة سواء في الشئون المالية والزراعية والإدارية كذلك بدء الاهتمام بالتعليم لتسجيل كل معرفة وعلم سواء ديني أو عقائدي أو دنيوي للاستفادة من هذه المعرفة‏.‏ وقد اهتم كل ذي صنعه وعلم أو معرفة بتوريث هذا العلم إلي أبناؤه وأحفاده لتوارثوا هذا العلم ليحافظوا علي مسيرته وكما اهتم الملوك والأمراء والنبلاء وقادة الجيوش بتعليم أبناؤهم اهتم أيضا العديد من أفراد عامة الشعب بالتعليم حيث تكون هناك فرصة لتبؤ مكانة عالية في المجتمع المصري والتخلص من واقعه وإيجاد مكان له بين علية القوم‏.‏

 

        وقد سجل المصريون القدماء أول خطوة في تقدم الحضارة الإنسانية باختراع الكتابة التي كان لها الفضل في نشر التعليم مبكرا‏,‏ وسجلوا حضارتهم عن طريق لغتهم القديمة وتراثهم العريق‏.‏ ومع تولي محمد علي حكم مصر عام‏1805‏ أدخل النظام التعليمي الحديث علي النمط الأوروبي عامة والنمط الفرنسي خاصة‏,‏ فأنشأ المدارس العالية‏(1816)‏ والمدارس التجهيزية‏(1825)‏ والمدارس الابتدائية‏(1832).‏ واهتم بالمرحلة العالية من التعليم حيث أنشأ المدارس المخصوصة أولا مثل مدرسة الطب البشري ومدرسة المهندسخانة ومدرسة الإدارة والألسن‏,‏ وازداد الاهتمام بالتعليم وأرسلت البعثات إلي أوروبا بفضل جهود رفاعة الطهطاوي وعلي مبارك رائدي التعليم‏.‏

 

        وكان أول مشروع فكري ظهر في مصر هو مشروع علي مبارك‏(1867)‏ والمسمي بلائحة رجب‏(1285‏ هـ‏),‏ ثم أنشأ مدرسة المعلمين‏(‏ دار العلوم‏)‏ عام‏(1880)‏ لتزويد المدارس بصفوة من معلمي اللغة العربية وفي عام‏1908‏ افتتحت الجامعات الأهلية‏.‏ وقد جاء دستور‏1923‏ الذي نص علي أن‏'‏ التعليم الأولي إلزامي للمصريين بنين وبنات‏'‏ وقد صدر مرسوم بقانون بإنشاء الجامعة الحكومية باسم‏'‏ الجامعة المصرية‏'‏ عام‏1925‏ مكونة من كليات أربع هي الآداب والعلوم والطب والحقوق‏,‏ وتوالي إنشاء الجامعات بعد ذلك‏'‏ جامعة الإسكندرية‏'(1942)‏ جامعة عين شمس‏(1950)‏ جامعة أسيوط‏(1957).‏ ثم توالت الجامعات الإقليمية هذا بالإضافة إلي جامعة الأزهر التي أنشئت عام‏.1930‏

 

        كما اهتم طه حسين بتطوير برامج التعليم ومجانيته وطالب بالاهتمام بتدريس اللغة العربية والتاريخ المصري والتربية في المدارس‏,‏ كما طالب بالتوسع في إنشاء الجامعات‏,‏ وبعد ثورة‏23‏ يوليو أرست الدولة مبدأ‏'‏ ديمقراطية التعليم‏'‏ مما أتاح التعليم لجميع فئات الشعب بالمجان في جميع مراحله‏.‏ فمنذ عام‏1957‏ ارتبطت استراتيجية التنمية الاقتصادية والاجتماعية في مصر بالتعليم‏.‏ وجاء دستور‏1971‏ في مادته الثامنة عشر مؤكدا علي أن التعليم هو حق تكفله الدولة‏,‏ وهو إلزامي في المرحلة الابتدائية وتعمل علي مد الإلزام إلي مراحل أخري‏.‏ وتشرف الدولة علي التعليم كله وتكفل استقلال الجامعات ومراكز البحث العلمي‏,‏ وذلك كله بما يحقق الربط بينه وبين حاجات المجتمع والإنتاج‏.‏

 

        وفي الثمانينيات‏,‏ تحددت الأهداف القومية للتعليم في التعليم المجاني‏,‏ التعليم والتميز للجميع‏,‏ واقتحام عصر التكنولوجيا‏,‏ ومواجهة تحديات العولمة‏.‏ وقد عقدت سلسلة من المؤتمرات القومية لتطوير التعليم‏,‏ ففي عام‏1993‏ عقد المؤتمر القومي لتطوير التعليم الابتدائي‏,‏ وفي عام‏1994‏ عقد المؤتمر القومي لتطوير التعليم الإعدادي‏,‏ ثم تلا ذلك مؤتمر قومي عن المعلم إعداده وتطويره ورعايته وكان في عام‏1996,‏ وفي عام‏2000‏ عقد المؤتمر القومي لاكتشاف الموهوبين ورعايتهم‏.‏ وفي ديسمبر‏2004‏ عقد مؤتمر التعليم في الإسكندرية والذي أكد علي ضرورة الإبقاء علي مجانية التعليم كحق لكل مصري والتأكيد علي تطبيق مبدأ التدرج في عملية تطوير التعليم[iii]‏.‏

       

        ومن المؤكد وفق وثائق عديدة أن وجود مشكلة أو عدة مشاكل في التعليم في مصر مسألة تاريخية وأننا ـ بدليل الفشل في الخروج من أزمة التعليم علي مدي نصف قرن علي الأقل ـ قبلنا أن يظل التعليم المصري في أزمته ومنذ نصف قرن تقريبا ونحن جميعا علي جميع المستويات نعيش أزمة التعليم‏..‏ نناقش ونعلن‏..‏ نصرح ونعقد المؤتمرات والندوات ويتغير الوزراء مرات ونلعب في الوزارة نفسها فمرة هي وزارة للتربية والتعليم ومرة أخري وزارة للتعليم فقط ومرة وزارة تضم الوزارتين معا تعليم وتعليم عال ومرة تضم‏3‏ وزارات معا في وزارة واحدة فتصبح التعليم ـ كله ـ ومعه البحث العلمي ومرة نراها وزارة للتربية والتعليم وأخري للتعليم العالي وثالثة للبحث العلمي‏..‏ وبنفس الهمة وبنفس المنطق الغائب نعدل أنظمة التعليم فنلغي سنة دراسية بأكملها‏..‏ ثم نعيدها ثانية ونعيش عدة أعوام نعلن ونؤكد أن المستقبل للتعليم الفني تجاري وزراعي وصناعي وأن خطة التعليم نجحت والحمد لله في تحقيق هدف عالمي عندما أصبح التعليم الفني في المرحلة الثانوية غالبا ومتفوقا علي التعليم العام بنسبة‏65%‏ للفني مقابل‏35%‏ للثانوي العام وبعد عدة أعوام أخري يتولى المسئولية وزير آخر فيكون رأي سيادته أن التعليم الفني ـ أساسا ـ لا لزوم له وبادر بالفعل إلي إلغاء وتصفية التعليم الفني لأن المستقبل كما رآه سيادته هو سيطرة التعليم العام‏..‏ ووزير بشرنا بأن إصلاح التعليم يختبئ في نظام اسمه التحسين في امتحان الثانوية العامة وبدأ بالفعل وعلي الفور وبدون مناقشة في تطبيق هذا التحسين وفي العام التالي مباشرة بادر نفس الوزير إلي إلغاء سيدي التحسين وفي الحالتين حالة تطبيق التحسين وعند إلغاء تطبيق التحسين كان مجلس الشعب السابق ونوابه حاضرون وموافقون علي تطبيق النظام ثم علي إلغائه‏.‏

 

        في مصر فقط يتم تغيير النظم التعليمية عشوائيا لمجرد تنفيذ رؤية وفلسفة الوزير الجديد والخبراء جاهزون لوضع حيثيات تنفيذ رؤية سيادته‏..‏ فإذا كان رأي الوزير هو إلغاء سنة سادسة من سلم التعليم فالخبراء جاهزون بالحيثيات والأسباب التي تجعل هذا الإلغاء ضرورة وفكرة عبقرية وإذا جاء وزير آخر وكانت أحلامه إعادة السنة السادسة الملغاة مرة أخري تكاتف السادة الخبراء ـ أنفسهم ـ لكي يجعلوا أحلام سيادة الوزير حقيقة ويقين بصفحات من الحيثيات التي تؤكد أن أحلام السيد الوزير هي المستقبل المشرق للتعليم وإذا تولي المسئولية وزير يكره أن تكون امتحانات الثانوية العامة سنة واحدة وجد أمامه ألف سبب وجيه لكي يجعل السنة الواحدة سنتين أو ثلاثا‏..‏ ويتكرر نفس الأمر مع الوزير التالي‏..‏ وإذا اقتنع الوزير أن وجود جامعات خاصة خطأ وأنه شخصيا لا يثق في الجامعات الخاصة بادر المستشارون سامحهم الله إلي تجميد القانون وتعجيز أي مشروع لجامعة خاصة بطلبات من نوع لبن العصفور‏..‏ فإذا جاء وزير آخر يؤمن بالجامعات الخاصة فتح الباب علي مصراعيه لإنشاء جامعات خاصة علي امتداد خريطة مصر كلها‏..‏ ووافق بعده طبعا جميع الخبراء واللجان والمجالس العليا والسفلي على ما وافق عليه الوزير لكل من يريد دون النظر مثلا إلي وجود ما يعرف باسم سابق الخبرة أو علاقة من يريد إنشاء الجامعة بالتعليم أو الثقافة فيبادر رجال الأعمال ـ اللهم أجعل كلامنا خفيفا عليهم ـ باقتحام مجال التعليم كما اقتحموا كل شئ‏.‏

 

        المهم أن التعليم في مصر لم يصلح ـ بجد ـ منذ أكثر من نصف قرن وأن أزمة التعليم في مصر أزمة تاريخية وسوف تستمر إلي ما شاء الله‏..‏ اللهم إلا إذا جاء اليوم الذي لا تكون فيه سياسة التعليم هي رغبات الوزير ـ أي وزير ـ ولن يأتي هذا اليوم إلا إذا كان هناك مجلس أو هيئة مختصة لا تدخل ضمن صلاحيات السيد الوزير ـ أي وزير ـ وتتولي هذه الهيئة العلمية التي يفترض أن تضم رموز التعليم الذين لا تربطهم بالوزارة أي مصالح أو حتى علاقة وتتولي هذه الهيئة تخطيط ورسم ومتابعة تنفيذ سياسة تعليمية متكاملة وتكون مهمة وزارة التعليم تنفيذ هذه السياسة‏.‏ في هذه الحالة فقط يمكن أن يتحقق حلم انتهاء أزمة التعليم في مصر وأن يتعلم الطالب المصري كما يتعلم طلاب العالم من حولنا‏..‏ مرة أخري لن نصلح أحوال التعليم إلا إذا خضع هذا التعليم لسياسة واضحة مستقرة لا تتغير من وزير إلي وزير‏!!‏

 

        شعار التطوير مرفوع ولا يتغير والتطوير لا يحدث وإنما كل ما يحدث هو بإيجاز شديد عمليات ترقيع متتالية لواقع بعيد عن التطور العالمي في مجال التعليم وفي غياب استراتيجية محددة وواضحة ومعلنة يسير عليها التعليم المصري كانت النتيجة تلك الدوامة التي لا يعرف الطالب أو الأسرة كيف يخرجون منها‏..‏ يعاني التعليم من نقص في الفصول الدراسية والمعلمون ومع ذلك يصر الوزير علي عودة سنة سادسة ويتراجع بعودتها التعليم كله للوراء‏..‏ ثانوية عامة أصبحت من كثرة التغييرات مهلهلة لايعرف لها الطالب بل والمعلم رأسا من قدمين ومع ذلك نواصل عملية الهلهلة‏!!‏ تراجع في مستوي المعلم ومع ذلك نفعل ما لم يفعله أحد في العالم بأن تسند عملية التدريس لموظفين وخريجين غير مؤهلين تربويا‏!!‏ نتقدم خطوة ونتأخر عشرة‏!!‏ فوضي تعليمية لا نظير لها في ظل طوفان من الشهادات والأنظمة التعليمية الأمريكية والإنجليزية والفرنسية والكندية والروسية والألمانية وغيرها‏!!‏

 

        ولأن أزمة التعليم في مصر حالة تاريخية فلن تكون مفاجأة حين نكتشف أنها مثلت جانبا مهما من القضايا التي عالجها الفنان العظيم صلاح جاهين في العديد من رسومه الكاريكاتورية قبل نصف قرن تقريبا واحتلت قسما خاصا في كتاب سداسية صلاح جاهين تناول خلاله بريشته واقع التعليم في مصر برسوم تبدو وكأنها تناقش مشكلات التعليم اليوم رغم أن هذه الرسوم مضي علي نشرها ما يقارب نصف القرن ولكن لأن الحال كما هو فإنها تعبر خير تعبير عن تاريخية أزمة التعليم وهي رسوم تتناول جوانب عديدة للتعليم تشمل ما يجري في المدارس الأجنبية وتكليف غير المؤهلين بالتدريس للطلاب وفصل الوزارة مرة ودمجها مرة بل وعجز الطلاب في الشهادة الإعدادية عن كتابة أسمائهم والخوف والرعب من بعبع الثانوية العامة واستمرار حالة الأمية بل وتزايدها وشعار تطوير التعليم الذي لا يتحقق منه شئ و نمو ظاهرة الدروس الخصوصية وسوء المستوي العلمي للمدرس واستغلال الجامعات‏..‏ بل إن رسوم صلاح جاهين تكتشف مبكرا جدا أزمة هروب الطلاب من دراسة العلوم‏!!.‏ وهي المشكلة التي تناقشها عشرات اللجان اليوم‏!![iv]

 

أولا: توصيف المشكلة :

        وفي جعبة هذه الأزمة التي باتت شبحا يقض مضاجع غالبية الأسر المصرية تقفز مجموعة من الأرقام الساخنة، منها على سبيل المثال أن موسم الامتحانات الذي يعد موسما رائجاً لتجارة الدروس الخصوصية بلغت حصيلته السنوية حسب دراسة لمركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء المصري في العام الماضي 2007، نحو 15 مليار جنيه سنوياً، ومنها أيضا أن عدد الطلاب في المدارس المصرية بجميع مراحلها الابتدائية والإعدادية والثانوية، يبلغ 17 مليون طالب، بينهم ثلاثة ملايين في المرحلة الثانوية يستلزم الإنفاق عليهم في العام نحو 22 مليار جنيه.

 

        وبحسب آراء الخبراء المتخصصين، فإن أزمة التعليم لا تتفاقم بسبب ما يفرزه من فئات غير مؤهلة لسوق العمل فحسب، ولكن بسبب تأثيره غير الخافي علي شخصية الطالب المصري وعقليته، حيث بات يعاني من تدهور المناهج وتخلفها عن العصر الذي نعيش فيه، ناهيك من كتفيه اللتين تئنان تحت وطأة أثقال الكتب التي تضمها حقيبته المدرسة، بخاصة طلاب المرحلتين الابتدائية والإعدادية. ويزداد الأمر سوءاً، حسبما يؤكد هؤلاء الخبراء، في المرحلة الثانوية التي باتت كحلبة سباق لا يكفي فيها الحصول علي مجموع كلي للدرجات يجاوز 95% لدخول ما اصطلح المصريون علي تسميته بكليات القمة، والتي تنحصر في دراسة الطب والهندسة والصيدلة والإعلام والاقتصاد والعلوم السياسية، وماعدا ذلك فهي كليات تنتمي إلى القاع حسب التصنيف المصري! وهو ما دفع بأحد الآباء إلى التساؤل في أحد البرامج التلفزيونية التي حل ضيفاً عليها في العام الماضي عقب ظهور نتيجة الثانوية العامة: «هل أقول لابنتي التي حصلت علي مجموع 94%وفشلت في الالتحاق بكلية الصيدلة التي كانت تتمناها، هل أقول لها أنت فاشلة؟!»[v].

 

        وتتمثل أزمة التعليم في مصر في أربعة جوانب رئيسية هي : الطالب، والمعلم، والأدوات التعليمية، والتنظيم الإداري.

 

الطالب :

        وتتمثل هنا المشكلة الكبرى في التعليم في مصر فبات التلميذ لا يدري ما يدرس! ولماذا يدرس! وما هي الغاية من التعليم! وأصبح التعليم في نظره أمر شاق غير مرغوب فيه فهو يفضل فعل أي شئ آخر بخلاف التعليم وأصبح حافزه الوحيد للذهاب إلي المدرسة هو أصدقاء الدراسة وقد تهدم هذا الحافز عند طلبة الثانوية العامة بشكل خاص فيستطيع الطالب الخروج مع زملاء الدارسة في الأوقات المدرسية المخصصة للتعليم وأصبح أمر الذهاب إلي المدرسة بين معظم الطلبة في هذه المرحلة عيب ينتقص من يقوم به وبالتالي تهدمت ثقافة التعليم لدي هذا الجيل وأصبح انعدام الهدف وعدم وضوح الرؤية أهم ما يميز هذا الجيل ولا يشعر الفرد منا بالخطر إلا حينما يشعر بالمسئولية ويكتشف حقيقة الحياة وتكلفة الحصول علي الجنيه الواحد.

 

المعلم :

        وتتمثل المشكلة في هذا الجانب في ندرة المعلمين الأكفاء في مختلف المراحل التعليمية وافتقاد المعلمين أنفسهم للكثير من المهارات الشخصية الأساسية كإدارة الوقت والتخطيط ومهارات الاتصال الفعال والعرض والإقناع و التفكير الإبداعي والتحفيز الذاتي والذكاء الوجداني أو العاطفي(EQ) وبالتالي أصبح من الصعب علي المعلم ممارسة دوره التعليمي الفعال الحديث ففي الماضي كان دور المعلم يتمثل في التلقين أما الآن فأصبح دور المعلم هو الإرشاد والتوجيه وهو ما نادي به إيريك جنسن - إيريك جنسن كان يعمل مدرسا سابقا في المدارس الابتدائية الثانوية و الجامعة وقد أسهم في إنشاء احد أفضل البرامج الأكاديمية للمراهقين وقام بتأليف العديد من الكتب في مجال التعليم- في كتابه التدريس الفعال وبالتالي أصبح من الصعب علي المعلم إقناع التلميذ بمدي جدوى العملية التعليمية إذا كان المعلم يخطط لذلك أصلا وذلك لأن هذه المهمة تغيب عن أذهان غالبية المعلمين .

وبالرغم من أن المعلم هو أهم العناصر المؤثرة في النشء ومن ثم المستقبل فلا نري تأهيلا مهنياً خاصا وعلي درجة عالية من الجودة لهذه الطائفة الضرورية .

 

الأدوات التعليمية :

        وتتجلي هنا مشكلة قدم وتأخر المناهج الدراسية باعتبارها أهم الأدوات التعليمية علي الإطلاق فبات الطالب يدرس مناهج متأخرة وبل وقد تحتوي هذه المناهج علي بعض الأخطاء العلمية ولعل أهم ما يؤرق الطالب هنا هو صعوبة ربط ما يدرسه بالواقع الفعلي الذي يعيشه ومتطلبات العصر الحديث. أخبر مؤلف كتاب الفيزياء للثانوية العامة وزارة التعليم بوجود أخطاء علمية في هذا الكتاب وكالعادة لم تحرك الوزارة ساكنا. وفي جامعة القاهرة في كلية التجارة وخصوصا في فرع المحاسبة يقوم الطلبة بدراسة المحاسبة وفقا للطريقة الايطالية بينما ما يطبق في سوق العمل هي الطريقة الفرنسية أو الانجليزية أنا لا أمانع أن يتعلم الطالب الطرق القديمة ولكن لابد أن يتم التدريس العملي بالطرق الفعلية الموجودة بسوق العمل فما الجدوى من إتقان طريقة قديمة لم تعد مستخدمة بعد في سوق العمل. كما إن لهذا الجانب العديد من الأوجه الهامة بخلاف المناهج فأسلوب التعليم نفسه و التطبيق العملي وتوفير مناخ تعليمي صحي للطلبة و جوانب أخري هي الأخرى تتسم بالقدم والتأخر. 

 

التنظيم الإداري:

        تعاني المنظمات الإدارية المصرية بصفة عامة من سوء النظام الإداري المتبع إذا اسمينا ما تتبعه تلك الوزارات أو الوحدات من أنظمة باسم نظام إداري فهو في رأيي أي شئ آخر بخلاف علم الإدارة, كما أني لم اندهش عندما وجدت صورة مجمع التحرير بأحد كتب الإدارة العالمية كمثال علي أسوأ إدارة في العالم فالمشكلة لا تكمن في عدم وجود الكوادر والكفاءات البشرية علي الإدارة إنما تكمن في تعمد اختيار الشخص غير المناسب للمركز الوظيفي وعدم اختيار الشخص المناسب لهذا المركز والمركزية الواضحة في وزارة التربية

والتعليم.

 

 

 

ثانيا- الحل المقترح :

 

بالنسبة للطالب :

·        ضرورة توضيح أهمية التعليم للطالب بشكل فعال يربطه بالعملية التعليمية والمعرفة والعلم .

·        ضرورة ربط العملية التعليمية بأهداف الطالب الشخصية.

·   تربية الطلاب علي مفاهيم الإدارة بشكل عام خاصة إدارة الوقت والتخطيط للمستقبل بالإضافة إلي المهارات الشخصية الأساسية.

·        ضرورة تنمية الحافز لدي الطلبة الذي يدفعهم للعلم والمعرفة .

·        التعامل مع الطلاب والتلاميذ علي أنهم قادة المستقبل وتنمية الثقة في أنفسهم.

·        إشراك الطلاب والتلاميذ في القضايا والمشاكل العامة ودفعهم إلي تقديم الحلول.

·        ترحيل قدر معقول من المسئولية علي عاتق الطلبة يتناسب مع مراحلهم العمرية المختلفة.

·   اخذ انطباعات الطلاب عن العملية التعليمية والعمل علي معالجة النقاط السلبية والمحافظة علي النقاط الايجابية وتطويرها.

 

بالنسبةً للمعلم :

·        توضيح أهمية وقدر المعلم للمعلمين.

·        تأهيل المعلمين تأهيلاً بلائم احتياجات التعليم الحديث.

·        ضرورة تطوير الأساليب التعليمية التي تنمي قدرة الطالب علي الإبداع.

·        إعداد زيارات للمعلمين الأكفاء إلي أفضل المدارس والجامعات العالمية والذي يعتبر بمثابة تأهيلاً عملياً للمعلمين.

·        تحفيز المعلمين علي الإطلاع علي الكتب والدراسة المهنية في مجال التعليم والتدريس في العصر الحديث.

·        منح السلطة المناسبة التي تمكن المعلم من القيام بعمله.

·        الاهتمام بالمعلم ماديا ومعنويا.

 

بالنسبة للأدوات التعليمية :

·   ضرورة وضع مناهج تعليمية تتوافق مع متطلبات العصر الحديث وسوق العمل ويتم الاستعانة بالخبراء المتخصصين.

·   الاهتمام بشكل كفء أو فعال بالوسائل التعليمية العملية كالمعامل و غرف الوسائط المتعددة وإعداد مباني للمحاكاة لتطبيق العلوم المختلفة.

<P
  • Currently 121/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
41 تصويتات / 6874 مشاهدة
نشرت فى 20 ديسمبر 2008 بواسطة drsaber

ساحة النقاش

د. صابر أحمد عبد الباقي دكروري

drsaber
مدرس علم الاجتماع كلية الآداب جامعة المنيا »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

399,829