<!--
<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin-top:0cm; mso-para-margin-right:0cm; mso-para-margin-bottom:10.0pt; mso-para-margin-left:0cm; line-height:115%; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-fareast-font-family:"Times New Roman"; mso-fareast-theme-font:minor-fareast; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin;} </style> <![endif]-->
مضى عليه حين من الدهر وهو حبيس غرفته ، تارة يحدق في مصابيحها الخافتة التى تتلألأ في الظلام وتارة في النجوم السماوية التى تحلق خارج شرفته ، كان في بادئ أمره مذهولا شاحذ الذهن غير مصدق لما آل إليه حاله لم يكن وحده الذى يبكيها فحتى أزهارها البيضاء حسنة المنظر وكتبها المكتزة على الأرفف وأقلامها الملونة ودفاترها تبكي رحيلها
كانت كعصفورة لا يطيب لها التغريد إلا بين أحضانه ، كانت تستقبله بفرح اسطورى كلما عاد من عمله تربت على كتفيه تعانقة تنسيه متاعب الحياة وعنائها
أحس بعد رحيلها كأنه ناقصاً معيباً فاقداً لركن هام من أركان قوته ، كانت ابتسامتها الدائمة التى لا تنفك تذهب عنها حتى في احلك الأزمات التى يمرون بها تنتقل إليه بالعدوى فتجعل الحلول أوضح في مجال رؤيته ، كانت كشجرة تين وارفة الأغصان تغطية بأوراقها وتغذيه بثمارها وتنشد له أعذب الألحان بطيورها ، حتى كان اليوم الذى نزل عليها كالصاعقة فأسقط أوراقها وأتلف ثمارها وحبس طيورها في محبس لا يسع مد جناحها ، اغتصب حقها دون إرادة منها في أن تكون زوجته للأبد .
حذرته أكثر من مرة ألا يتفوه بكلمة " الطلاق " حتى لا تعتادها شفتاه ، ولكن جاءتها الهزة كجبل جليدى أصاب عواطفهما معا بالبرودة الشديدة ، أسدل بيديه ستار أسود على حياتهما لينهى في لحظة خاطفة كالبرق عشرون عاماً جمعتهما بين طياتها ، اسدلها كما يسدل الستار عند نهاية التمثيل والجميع في وجوم لا يتوقعون النهاية .
أصبح كل منهم في طريق ، كل فرد منهم عليه واجب خاص قد فرض عليه القيام به خير قيام بدون الآخر ، كان الحب يتجلى في تصرفاتهم وعاداتهم وفى سائر حياتهم وهو فيهم سجية وفى غيرهم تكلف وتصنع ولكن أضحى كل شئ محال اصبح الاقتراب محرماً والنظرة حراما ولم يعد مباحاً لهما سوى الذكريات .
نعم لم يبقى بينهما ولهما سوى الذكريات التى تؤكد ولع كل منهما بالآخر ، كانت تعشق فيه كل شئ حتى رائحة عرقه كان لها مذاق خاص فى أنفها مذاق رائع لا يعرفه سواها .
وكان يشتاق إليها حتى وهى بين أحضانه كما تشتاق النوارس المهاجرة إلى أوطانها الأولى .
كان يحب فيها الصمتوتحب هى فيه الكلام ، كانت تكتب فيه شعراً لم يقرأ على صفحات الكتب من قبل ، شعر له وحده فقط وليس للعالم أجمع ، كانت تستجديه دائماً الكلام فلما تكلم قال " اعذرينى فنهاية قصتنا طلاق "
أتتها الطعنة فلم تستطع العيون حبس دموعها ، ولم تستطع الأنامل منع تشنجها ولم يملك الجسد كله مقاومة ارتجافه .
لم تكن تتوقع أبداً أن نهاية هذا الصمت انفجار
حملت حقيبة ملابسها ومضت من حيث جاءت ، تحركت في الفضاء وهى موقنة أن شمسها كفت عن الدوران .
فهذه المرة ليست ككل مرة كان ينطق فيها بالطلاق فتلملم بعضاً من أشيائها وتذهب لبيت أبيها ، هذه المرة طلاق بلا رجعة فقد استنزف دون أن يدرى ثلاث مرات ، شعرت باختناق المحكوم عليه بالاعدام فى جريمة قتل لادخل له فيها ، أما هو فقد كان يدرك تماما أنه لا يستطيع العيش بدونها ، خبأ دموعه وراء ستار عجرفه الرجل الشرقى فى بلادنا حينما يخطئ ، البكاء فى تلك اللحظة صار أمنية يتمنى تحقيقها ولكنه لا يستطيع .
تأملها وتاملته تأمل الوداع ، أخذا نفساً قويا ً ومضى كل منهما فى طريق ، انتهى درب الهوى بباب موصد أمام كلاهما
ولكن فاجأتهم ذاكرة مستمرة لذكريات دائمة عشوائية لا تنتهى .
ساحة النقاش