نمضى جميعاً في بحرالحياة المتلاطم الأمواج نتعرف على بعضنا البعض ، نقابل مئات البشر، نتحدث معهم ونجالسهم ، تربطنا بهم علاقات شتى ما بين زمالة وصداقة وكره ومحبة وبغض ومودة ورحمة وربما في احيان أخرى صراعات لا تنتهى ولكن يبقى السؤال المحير الذى يضغط بقوة على خلايا عقلنا

من نجالس ؟

من من البشر نمنحه ثقتنا وصداقتنا ؟ من يملك اخراج مكامن نفسنا أمامه ؟ من نتحدث إليه وكأننا امام مرآة صادقة لأنفسنا ؟

من نصادق ؟ ولماذا نصادقه ؟

بحثت في القرآن الكريم كثيراً عن الجليس الذى ينبغى أن يكون فتعلمت من القرآن الكريم والسنة الشريفة أروع الحكم وتوصلت إلى أقصر الطرق لصفات الجليس الذى يمكن أن نمنحه ثقتنا بلا تخوف أو قلق

فقد حدد القرآن الكريم في أكثر من آيه صفات يجب توافرها فيمن نجالس أجملها فيما يلى :

1-     أن يكون الجليس مطيع لله والرسول ( صلى الله عليه وسلم )

" ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أؤلئك رفيقا "النساء الأية 69

 

أى من عمل بما أمره الله ورسوله ، وترك ما نهاه الله عنه ورسوله  ، فإن الله عز وجل يسكنه دار كرامته ، ويجعله مرافقاً للأنبياء ثم لمن بعدهم في الرتبة وهم الصديقون ثم الشهداء ثم عموم المؤمنين وهم الصالحون الذين صلحت سرائرهم  وعلانياتهم ثم أثنى عليهم تعالى فقال " وحسن أولئك رفيقا"

إذا نتعلم من الأية الكريمة أن أهم شرط يجب توافره فيمن نصادق أن يكون مطيع لله تعالى والرسول الكريم

 

2-     أن لا يكون الجليس ممن يستهزؤون بآيات الله أو يكفرون بها وإلا وجب علينا عدم مجالستهم حتى يسكتوا أو يغيروا مجرى حديثهم إلى موضوع آخر

" وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا " النساء الأية 140


أى وقد نزل عليكم -أيها المؤمنون- في كتاب ربكم أنه إذا سمعتم الكفر بآيات الله والاستهزاء بها فلا تجلسوا مع الكافرين والمستهزئين, إلا إذا أخذوا في حديث غير حديث الكفر والاستهزاء بآيات الله. إنكم إذا جالستموهم, وهم على ما هم عليه, فأنتم مثلهم; لأنكم رضيتم بكفرهم واستهزائهم, والراضي بالمعصية كالفاعل لها. إن الله تعالى جامع المنافقين والكافرين في نار جهنم جميعًا, يلْقَون فيها سوء العذاب.


وقد بيَّن الله لنا فيما أنزل علينا حكمه الشرعي عند حضور مجالس الكفر والمعاصي { أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا } أي: يستهان بها. وذلك أن الواجب على كل مكلف في آيات الله الإيمان بها وتعظيمها وإجلالها وتفخيمها، وهذا المقصود بإنزالها، وهو الذي خَلَق الله الخَلْق لأجله، فضد الإيمان الكفر بها، وضد تعظيمها الاستهزاء بها واحتقارها، ويدخل في ذلك مجادلة الكفار والمنافقين لإبطال آيات الله ونصر كفرهم.
وكذلك المبتدعون على اختلاف أنواعهم، فإن احتجاجهم على باطلهم يتضمن الاستهانة بآيات الله لأنها لا تدل إلا على حق، ولا تستلزم إلا صدقا، بل وكذلك يدخل فيه حضور مجالس المعاصي والفسوق التي يستهان فيها بأوامر الله ونواهيه، وتقتحم حدوده التي حدها لعباده ومنتهى هذا النهي عن القعود معهم { حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ } أي: غير الكفر بآيات الله والاستهزاء بها.
{
إِنَّكُمْ إِذًا } أي: إن قعدتم معهم في الحال المذكورة { مِثْلُهُمْ } لأنكم رضيتم بكفرهم واستهزائهم، والراضي بالمعصية كالفاعل لها، والحاصل أن من حضر مجلسا يعصى الله به، فإنه يتعين عليه الإنكار عليهم مع القدرة، أو القيام مع عدمها.
{
إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا } كما اجتمعوا على الكفر والموالاة ولا ينفع الكافرين  مجرد كونهم في الظاهر مع المؤمنين كما قال تعالى: { يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ } إلى آخر الآيات

 )                                    تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان  (

 

 وقد ورد في القرآن الكريم أكثر من أيه في هذا المعنى مثل قوله تعالى

" وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين " الأنعام الأية 68

وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا ) أي : بالتكذيب والاستهزاء ( فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره  أي : حتى يأخذوا في كلام آخر غير ما كانوا فيه من التكذيب

 وإما ينسينك الشيطان  والمراد بهذا كل فرد ، فرد من آحاد الأمة ، ألا يجلس مع المكذبين الذين يحرفون آيات الله ويضعونها على غير مواضعها ، فإن جلس أحد معهم ناسيا ) فلا تقعد بعد الذكرى ( بعد التذكر  مع القوم الظالمين

ولهذا ورد في الحديث : " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه "

وإما ينسينك الشيطان )  إن نسيت فذكرت ، فلا تجلس معهم )

 

 

      

3-     أن تتوافر في الصاحب شروط الصحبة السليمة المبنية على طاعة الله تعالى كالتى وردت في قوله تعالى :

( قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا قل إن هدى الله هو الهدى وأمرنا لنسلم لرب العالمين  (71)وأن أقيموا الصلاة واتقوه وهو الذي إليه تحشرون   (72)وهو الذي خلق السماوات والأرض ويوم يقول كن فيكون قوله الحق وله الملك يوم ينفخ في الصور عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير (73)    الأنعام

ومن بلاغة هذه العبارة أنها بينت علة الإنكار والتعجب في الاستفهام من خمسة أوجه :

أحدها :

 أن دعاء غير الله تعالى تحول وارتداد من دعاء القادر على كل شيء ، الذي يكشف ما يدعى إليه إن شاء - إلى دعاء العاجز الذي لا يقدر على نفع ولا ضر .

 
ثانيها:

 أنه نكوص على الأعقاب ، وتقهقر إلى الوراء ، والعرب تقول فيمن عجز بعد قدرة ، أو سفل بعد رفعة ، أو أحجم بعد إقدام على محمدة : نكص على عقبيه ، وارتد على عقبيه ورجع القهقرى ، والأصل فيه رجوع الهزيمة أو الخيبة والعجز عن السير المحمود ، ثم صار يطلق على كل تحول مذموم .

ثالثها :

 التعبير ب ( نرد ) المبني للمجهول بدل التعبير ب " نرتد " أو " نرجع " ، والمراد منه أن هذا التحول المذموم ليس من شأنه أن يقع من عاقل ; لأن العاقل إذا وصل إلى مرتبة عالية من العلم والكمال فإنه لا يختار الرجوع عنها واستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير وأعلى ، فإذا كانت فطرته وعقله يأبيان عليه هذه الردة والنكوص ، فكيف يرد وهو لا يرتد ؟ .

رابعها :

 أن من أنقذه الله القدير العزيز الرحيم من الضلالة ، وهداه إلى صراط السعادة بما أراه من آيات في الأنفس والآفاق ، وما شرح به صدره للإسلام ، فمن يقدر أن يضله بعد إذ هداه الله ؟ )  ومن يهد الله فما له من مضل أليس الله بعزيز ذي انتقام  (

خامسها :

 المثل الذي يصور المرتد في أقبح حالة كانت تتصورها العرب ، وذلك قوله تعالى : ( كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى ) وتقدير التشبيه في الكلام أنرد على أعقابنا بعد تلك الهداية مثل رد الذي استهوته الشياطين في الأرض ، أو مشبهين بالذي استهوته الشياطين - إلخ ! .

قال أهل اللغة : استهوته الشياطين : ذهبت بهواه وعقله ، وقيل : استهامته وحيرته

والمستهام هو الذي جعله العشق أو الجنون هائما ، أي يسير على وجهه لا يقصد غاية معينة ، وكانت العرب في الجاهلية تزعم أن الجنون كله من تأثير الجن ، والأصل في قولهم : جن فلان - مسته الجن فذهبت بعقله . وكانوا يقولون : إن الجن تظهر لهم في البراري والمهامه ، وتتلون لهم بألوان مختلفة ، فتذهب بلب من يراها فيهيم على وجهه لا يدري أين يذهب حتى يهلك . والشياطين التي تتلون هي التي يسمونها الغيلان والأغوال والسعالي ( بوزن الصحاري )

 

 

4-     ألا يكون الجليس الذى تصاحبه ممن يستهزؤون بدينهم ويسبونه كما في قوله تعالى :

" وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۚ وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا ۖ لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ " الانعام الأية 70

 

أى أترك الذين استهزؤوا بدينهم  وغرتهم الحياة الدنيا } فلا تتعرض لهم وهذا قبل الأمر بالقتال و عظ بالقرآن الناس حتى  لا تسلم إلى الهلاك بما عملت  ليس لها من دون الله  ناصر  ولا شفيع  يمنع عنها العذاب .

 

5-     أن يكون الجليس صالحاً وممن يذكرون الله كما في قوله تعالى :

" واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا "  الكهف الأية 28

أى اجلس مع الذين يذكرون الله ويهللونه ، ويحمدونه ويسبحونه ويكبرونه ، ويسألونه بكرة وعشيا من عباد الله ، سواء كانوا فقراء أو أغنياء أو أقوياء أو ضعفاء .

وقد لخص لنا الرسول صلى الله عليه وسلم المزايا التى تود علينا بالنفع إذا نحن جالسنا الصالحين من عباد الله

فجميعنا يحفظ عن ظهر قلب حديث الجليس الصالح والذى يخبرنا فيه المصطفى عليه الصلاة وأزكى السلام " عن الجليس الصالح والجليس السوء قال النبي عليه الصلاة والسلام :

(( إِنَّمَا مَثَلُ الجليس الصالحُ والجليسُ السوءِ كحامِلِ المسك، ونافخِ الكِيْرِ فحاملُ المسك: إِما أن يُحْذِيَكَ، وإِما أن تبتاع منه، وإِمَّا أن تجِدَ منه ريحا طيِّبة، ونافخُ الكير: إِما أن يَحرقَ ثِيَابَكَ، وإِما أن تجد منه ريحا خبيثَة ))

[أخرجه البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري]

 

فأخطر شئ هم الأصدقاء فلينظر أحدنا من يصادق فأنت تقيم نفسك حينما تتخذ فلاناً خليلا فأحسن الاختيار فهو إما أن يرتقى بك إلى أعلى علييين أو يهوى بك إلى مكان سحيق فالصحبة الصحبة أيها العقلاء فالعاقل منا من لا يترك الصداقة للعفوية والصدفة ولكن احسنوا أساس الاختيار .

أعاذنى الله وإياكم من أصحاب السوء ، فالصاحب ساحب .

 

 

المصدر: من صفحاتى الخاصة
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 49 مشاهدة
نشرت فى 19 مارس 2013 بواسطة drnagwasallam

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

10,948