نظرية العقل والتفكير التباعدي

 - أ. لينا أبو مغلي

المقدمة

          إن من أكثر القدرات النفسية إثارة عند الناس هي قدرتنا على تفسير سلوك الآخرين من خلال معتقداتهم ورغباتهم، وتكون الأسئلة: ما هي الميكانيكية النفسية التي يصدرها الناس لتفسير ذلك ؟ وهل هذه القدرة قائمة على نظرية معينة ؟ وما هي هذه النظرية؟ وفي أي مرحلة يتمكن الأطفال من تحقيق هذه القدرة ؟ وما هو شكل مراحلها ؟.

          إن هذه الورقة البحثية سوف تحاول الإجابة على الأسئلة السابقة من خلال نظرية العقل (Theory of mind)، والفحص الذي يحدد قدرات الأطفال وهو فحص المعتقد الخاطئ (False belief)، بالإضافة إلى المراحل التي يمر بها الطفل من خلال مفهوم هذه النظرية، كما ستشير الورقة إلى علاقة هذه النظرية مع نمط التفكير التباعدي.

 

1) ما هي نظرية العقل ؟

          أول من أطلق مصطلح نظرية العقل (Theory of mind) هما العالمان (ديفيد بريماك وجاي وودروف،1978) وقد كان هذا في ورقة بحثهما عن قدرة الشمبانزي ليتنبأ بسلوك الآخرين من خلال ما تعزوه الحالة العقلية للآخرين، وباختصار فقد حاولا إظهار قدرة الشمبانزي (سارة) على الاستدلال بنوايا ودافعية الإنسان لتتنبأ بفعله (هل، 2002).

          قد لا تكون النتائج قطعية في هذا المجال ولكنها كانت مقدمة لعلم جديد قد تمت ولادته، حيث أخذ منحنى "تطبيقيا على الإنسان ولم يكن ذلك إلا بعد عشرين سنة"، حيث بدأت أبحاث في مجال علم نفس النمو عندما حاول الباحثون دراسة كيف يستطيع الأطفال معرفة الحالة العقلية للآخرين من خلال معرفة نواياهم ومعتقداتهم ورغباتهم، هذه القدرة على الاستدلال عن الآخرين وحالتهم العقلية سميت بنظرية العقل وتختصر (TOM) (كندرمان، 1998).

          وهنا يصبح المطلوب من الفرد أن ينفصل عما يمثله وضعه الحالي لغرض افتراض معتقدات مختلفة للآخرين، وعندما يصل الطفل لهذا المستوى من الفهم نستطيع القول أنه اكتسب قدرات نظرية العقل (TOM) (Theory of Mind)، حيث استطاع الطفل هنا أن يعزو لنفسه حالة عقلية حتى لو اختلفت مع حالته العقلية الحالية (سدرندوف، 1998)، هذا العمل العقلي له مدلول واضح في تطور الذكاء الاجتماعي، وأيضا في نفس الوقت له أهمية في فهم النفس ومراقبتها وتنظيمها، وفقط عندما تفهم حالة التمثيل العقلي نستطيع القول إنه تم تشكيل ما يسمى التفكير في التفكير (beliefs about beliefs) (المصدر السابق).

          ويمكن القول هنا إن هذه المهارة التي تعتمد على دخول الإنسان لعقله تتطور بشكل ملحوظ مع اكتسابه لنظرية العقل.

          وقد وصفت البنية المعرفية لـ (TOM) على أنها نموذج فطري تنشط حول سن الثالثة من العمر، وهذا النموذج في بنيته يكون على الشكل التالي:

  1. قد تكون (TOM) معطوبة كما في اضطراب التوحد، ولكن بنفس الوقت القدرات المعرفية الأخرى تكون سليمة.
  2. قد تكون (TOM) سليمة وأما الأعمال أو القدرات المعرفية الأخرى تكون معطوبة، كما هو الحال في عارض داون وعارض ويليام.
  3. آلية عمل (TOM) تكون سريعة.
  4. عالمية النظرية، فهي ليست مقتصرة على ثقافة معينة، ولها شكل متماثل في التطور (ستون وبارون كوهين، 1998).

ولكن ما هي الأداة التي تقيم اكتساب الطفل لـ (TOM) ؟

          تعتمد أدوات تقييم اكتساب الطفل لـ (TOM) على ثلاثة مهمات تتدرج في صعوبتها من مهمات يستطيع الطفل الطبيعي بعمر 4 سنوات أن يحلها إلى مهمات لا يمكن للأطفال حلها حتى بلوغهم سن 9-11 سنة وهذه المهمات هي:

  1. فحص المعتقد الخاطئ من الدرجة الأولى وتتطور حول 3-4 سنوات.
  2. فحص المعتقد الخاطئ من الدرجة الثانية وتتطور حول 6-7 سنوات.
  3. فحص زلة اللسان وتتطور حول 9-11 سنة.

وسنستعرض في البند التالي كل فحص على حدا.

 

2) تقييم اكتساب نظرية العقل

* فحص المعتقد الخاطئ من الدرجة الأولى (False belief):

          وضع العالمان (ويمر وبيرنر) في بداية الثمانينات آلية لتقييم المرحلة العمرية التي يستطيع بها الطفل اكتساب (TOM)، وهي عبارة عن مجموعة من التجارب لكي يستطيع الطفل أن يعزو المعتقد الخاطئ لشخص آخر، إحدى هذه التجارب كانت قائمة على أن الأطفال يشاهدون شخصا واسمه (عمر) يضع الشوكولاته في الدرج ويذهب بعيدا، وبينما هو غير موجود تأتي أمه وتأخذ قطعة من الشوكولاته للطبخ وتضع الباقي في مكان آخر وتذهب وعندما يرجع (عمر) يتم سؤال الأطفال: أين يبحث (عمر) عن الشوكولاته ؟ (رتبلان، 2000).

          وقد بينت النتائج أن الأطفال ممن تتراوح أعمارهم بين الثلاث إلى الأربع سنوات هم فقط من استطاع الإجابة أن على (عمر) أن يبحث عن الشوكولاته في المكان الذي وضعته أمه، وقد سمي هذا الفحص بفحص المعتقد الخاطئ (False belief). حيث استطاع الطفل أن يفرق بين ما هي الحالة وبين ما يعتقده الناس عن هذه الحالة، ويعتبر هذا الفحص فحص المعتقد الخاطئ من الدرجة الأولى.

 

* فحص المعتقد الخاطئ من الدرجة الثانية:

          فحص المعتقد الخاطئ من الدرجة الثانية والذي تكون المشكلة على الشكل التالي:

          الرجل والمرأة في الغرفة، المرأة تضع شيئا في مكان ما . . مثل وضع كتاب على الرف، وبعدها تغادر الغرفة، الرجل يخبئ الكتاب في مكان آخر، وفي هذه اللحظة تكون المرأة تسترق النظر عليه وهو يغير موقع الكتاب، وهنا يسأل الطفل المفحوص عندما ترجع المرأة ماذا سيفكر الرجل حول ما تفكر به المرأة عن مكان الكتاب ؟ ولحل هذه المشكلة، على الطفل أن يكون عنده القدرة ليتمثل ليس فقط معتقد كل شخص عن مكان الكتاب، ولكن أيضا عن خطأ تفكير الرجل عن حالة تفكير المرأة (نول، 2000).

          وقد بينت النتائج أن الأطفال في سن 6-7 سنوات هم من استطاعوا الإجابة على هذا المعتقد الخاطئ.

 

* فحص زلة اللسان:

          يعتمد هذا الفحص بأن يقوم المفحوص بقراءة قصة تعتمد على زلة اللسان، ومثال على هذا الفحص: "اشترت ليلى مزهرية لتهديها لصاحبتها سلمى في عيد زواجها، وكان هناك العديد من الهدايا والتي اختلطت ببعضها، وبعد سنة قامت ليلى بزيارة إلى بيت سلمى للتناول العشاء، وفي خلال الجلسة أسقطت ليلى بشكل غير مقصود قارورة ماء على المزهرية مما أدى إلى سقوط المزهرية على الأرض وكسرها. فاعتذرت ليلى بشدة عن هذا الحدث وكسرها للمزهرية، فأجابتها سلمى: لا تهتمي بذلك فأنا لم أحب هذه المزهرية أبدا، شخصا ما أهداني إياها في عيد زواجي".

إن لفهم زلة اللسان يجب على الشخص أن يتمثل حالتين عقليتين:

  1. أن من قالها لا يعرف أن عليه أن لا يقولها.
  2. وأن من سمعها سوف يشعر بالمهانة والألم.

فهناك عنصر معرفي وعنصر عاطفي مؤثر، وقد تبين أن الفتيات يتقن هذا الفحص في عمر التسع سنوات، وأما الأولاد فإنهم يتقونه في عمر إحدى عشرة سنة.

 

وسوف يستفاد من هذه الفحوص لتقييم مراحل تطور (TOM) عند الأطفال وهو ما سنبحثه في البند القادم.

 

3) مراحل تطور (TOM) عند الأطفال

          يمكن توضيح تركيبة (TOM) الميكانيكية من خلال فحص ما يجري في كل مرحلة نمو، أو عندما يكون هناك خللا في إحدى المراحل (ستين، 1997).

  • أولى مراحل (TOM) تكون في حوالي الشهر الثامن عشر، على شكل الانتباه المشترك والتأشير الواضح، ففي الانتباه المشترك يكون الطفل ليس قادرا فقط على فهم ما ينظر إليه الآخرون ولكن أيضا على أن الطفل والآخرين ينظرون إلى الشيء نفسه. قد يستطيع الطفل قبل سن ثمانية عشر شهرا فهم أن أمه تنظر إلى اللعبة – كمثال -، ولكن في حوالي ثمانية عشر شهرا يفهم أنه وأمه ينظران إلى نفس اللعبة. أما في مجال التأشير فإن الطفل يستخدمه ليجذب انتباه الكبار إلى الشيء الذي يريده.
  • المرحلة الثانية في تطور (TOM) هو التظاهر في اللعب، وفيها يكون الطفل قادرا على فصل التظاهر من الحقيقة، وهذا يكون بين سن ثمانية عشر شهرا والأربعة وعشرين شهرا، وفيها يبدأ بفهم الحالة العقلية للتظاهر.
  • وفي مرحلة ما بين الثلاث والأربع سنوات تتطور القدرة لدى الطفل ليفهم المعتقد الخاطئ، وقبل هذه المرحلة لم يكن قادرا على أن يفهم أن للآخرين معتقدات تختلف عن معتقداته، أي أن الطفل يفترض أن الآخرين يعرفون نفس الشيء الذي يعرفه.
  • يبدأ الطفل بين سن السادسة والسابعة بفهم أن الآخرين يمثلون حالة عقلية أخرى، وفي هذه المرحلة يستطيع أن يحل المعتقد الخاطئ من الدرجة الثانية، الذي تم شرحه في البند السابق.
  • يطور الطفل بين سن التاسعة والحادية عشرة قدرات أعلى لـ (TOM) مثل القدرة على فهم ومعرفة زلات اللسان، والتي تظهر عندما يتفوه شخصا بشيء كان يجب عليه أن لا يقوله. ولفهم زلة اللسان يجب على الشخص أن يتمثل حالتين عقليتين:

أ. أن من قالها لا يعرف أن عليه أن لا يقولها.

ب. وأن من سمعها سوف يشعر بالمهانة والألم.

فهناك عنصر معرفي وعنصر عاطفي مؤثر، ولفحص زلة اللسان وجدوا أن الفتيات يتقن هذا الفحص في عمر التسع سنوات، وأما الأولاد في عمر إحدى عشرة سنة (بارون كوهين، 1998).

          ومن المحتمل أن يحصل هناك خللا في (TOM) في أي مرحلة من هذه المراحل، وقد تكون على شكل اضطراب نفسي كما يحصل في الأطفال الذين يعانون من مرض التوحد (Autism) (وهذا ليس معرض حديثنا في هذه الورقة)، وقد بينت دراسات (سبيرلنج وآخرون، 2000) أن هناك علاقة قوية بين تنظيم ما وراء معرفية ونظرية العقل وسنستعرض بشكل موجز عن أثر القدرات ما وراء المعرفية ونظرية العقل.

 

4) نظرية العقل والقدرات الما وراء معرفية

          يشير مصطلح الما وراء المعرفة Metacognition إلى متابعة الذات، وتنظيم الذات والوعي باستخدام استراتيجيات التعلم، فهي معرفة كيف تجري عمليات التفكير ومحاولة تطويرها (جاكبسون 1998).

          وتنحصر أبحاث قدرات الما وراء المعرفة عند الأطفال في أحد الإطارين، أحدهما أسسه (فلافل، 1979) وطورها (هاكر، 1998)، ويمثل قدرات الما وراء معرفية من خلال هذا الإطار على أنها تشمل: معرفة ما وراء المعرفة (Meta cognitive knowledge)، ومعرفة ما وراء التجربة (Meta cognitive Experience)، بالإضافة إلى أهداف واستراتيجيات وأفعال. معرفة ما وراء المعرفة تشمل: عناصر المهمة، معرفة متغيرات الفرد أي التركيز على المعلومات التي تتعلق به، والاستراتيجية التي يستخدمها. أما معرفة ما وراء التجربة تشمل: مشاعر الفهم وأحيانا القوة الدافعة في تطبيق الاستراتيجية، وقد سمى (فلافل وزملاؤه) هذه العناصر بشكل عام على أنها رقابة الما وراء المعرفة والتنظيم النفسي (سبيرلنج 2000).

          وأما الإطار الثاني أسسه (براون، 1978) واقترح عنصرين: معرفة خصائص المعرفة (Knowledge of Cognition)، وتنظيم هذه المعرفة (Regulation Cognition)، معرفة خصائص المعرفة تشمل: المعلومات التصريحية، والمعلومات الإجرائية، والمعلومات الشرطية التي تشير إلى "لماذا يريد الفرد القيام بالمهمة، ولماذا يقوم باستراتيجيات معينة ؟". أما تنظيم هذه المعرفة فتشمل: التخطيط والرقابة والتقييم (رتبلان، 2000).

وقد أشار (سبيرلنج، 2000) في دراسته أن من الصعوبة مقارنة تنظيم القدرات الما وراء معرفية (metacognition) في المجال الأكاديمي والاجتماعي معا، وذلك للضوابط المحددة لكلا المجالين وأهمها العمر، ففي المجال الأكاديمي فإن عينة الأبحاث والدراسات تكون محددة لطلبة الصفوف الإعدادية والثانوية، وذلك لأنها تشتمل على القراءة وحل المشكلات، مما يتطلب مهارة أعلى لا تتواجد عند الأطفال الصغار، وعليه يمكن القول بأن كل أبحاث القدرات الماوراء معرفية في المجال الأكاديمي لا يمكن أن تطبق على الأطفال الأصغر من سن ثماني إلى عشر سنوات، حتى لو كانت هناك دراسات بينت أن هناك أطفال روضة أو ابتدائي يمتازون بقدرات ما وراء معرفية، حيث يبقى القانون العام أن الزيادة في استخدام الاستراتيجيات والقدرات ما وراء معرفية لها علاقة مع الزيادة في العمر.

          وعند دراسة القدرات ما وراء معرفية عند الأطفال فإن أفضل ما يناسبها تكون أبحاث نظرية العقل، حيث تهتم أبحاث هذه النظرية بثلاثة أسئلة:

أ.        هل عند الأطفال معرفة عن الحالة العقلية ؟

ب. هي يفهم الأطفال الفرق بين المظهر والحقيقة ؟

ج. هل يعرف الأطفال أن معتقداتهم تكون مختلفة عن معتقدات الآخرين ؟

وبعكس الأبحاث الأخرى في الماوراء معرفية فإن الأبحاث في نظرية العقل تكون متوجهة بالتحديد لمظاهر النمو، حيث أنها تكون مقتصرة على معرفة القدرات في المجال الاجتماعي، وقد بينت الدراسة أن الأطفال يظهرون بوضوح مهارة تنظيم قدرات الماوراء معرفية (Metacognition regulation) من خلال دراسات المعتقد الخاطئ والنوايا وذلك في سن الثلاث إلى أربع سنوات. إن أبحاث نظرية العقل وصفت بأنها مهمة لقدرات الماوراء معرفية لأنها تسمح بالتفسير والتنبؤ والتغيير في سلوك الآخرين (سبرلنج وآخرون، 2000).

ولتوظيف هذه المعلومات في مجال فحص الإبداع عند الأطفال كانت مجال دراسة نظرية العقل في التفكير التباعدي من خلال دراسة قام بها (توماس سدندورف، 1998) ولكن قبل ذلك، سنتوقف لدراسة التفكير التباعدي، لكي نضفي الشمولية على هذه الورقة.

 

5) التفكير التباعدي Divergent Thinking

          أورد جلفورد التفكير التباعدي مقابل التفكير التقاربي، حيث يقتصر التفكير التقاربي على إعطاء أفضل إجابة للسؤال، وهذا النوع من التفكير يكون صالحا في الحالات التي يكون الجواب بها معروفا، وما يحتاجه الشخص سوى استرجاعه من المعلومات المخزنة، وينظر لهذا التفكير أنه متساو مع الذكاء التقليدي، أما التفكير التباعدي فينظر إليه على أنه الأساس المعرفي للإبداع.

          ويشمل إنتاج إجابات جديدة ومتعددة من خلال المعلومات المتوفرة، ومع أن التفكير التباعدي (إنتاج متغيرات) والتقاربي (إنتاج أحادي) هما منفصلان إلا أن دراسات التحصيل لطلاب المدارس والجامعات بينت أن الطالب المبدع أنتج كلا من أحادية، ومتغير المعلومات كما أشار (كروبلي، 1992)، وهذا ما أكده (فاكورو، 1985) أن المهندسين المبدعين أنتجوا توليفة بين هذين التفكيرين.

          وقد أكد جيلفورد في نموذجه لحل المشكلات (Structure of Intellect Problem Solving Model) حول أهمية البحث في المخزون المعرفي لإيجاد الحل المناسب، أو اللجوء إلى مصادر خارجية أو معطيات جديدة للمساعدة، وفي العادة يلجأ الفرد لحل مشكلاته دون ممارسة عملية التفكير التباعدي، ويلجأ مباشرة إلى التفكير التقاربي.

          وقد اعتبر كل من (ايبرت، 1994 وفيلدهوزن، 1995) أن التفكير التباعدي مرتبط بما وراء التمثيل (Metrepresentation)، حيث يتطلب التفكير التباعدي البحث في منطقة أبعد من مجال المحتوى المعرفي لديه.

          ويؤكد (ستبرنبرغ، 1991) على أن الخطط التي تتطلب مهارات عقلية عليا عليها التحرر من النماذج الحالية، والاستثمار في المناطق المهملة لأن هذا هو مفتاح الإبداع والبحث عن الإجابات الملائمة لتوظيف القدرة على ما وراء التمثيلات.

          يتبين مما سبق أن التفكير التباعدي والذي هو الأساس المعرفي للإبداع مرتبط بعملية ما وراء التمثيل. وسنتعرض في البند التالي إلى علاقة نظرية العقل والتفكير التباعدي.

 

6) نظرية العقل والتفكير التباعدي

          تعرفنا في البنود السابقة على نظرية العقل وما هي الأداة التي تقيم اكتساب الطفل لنظرية العقل (وكان ذلك بشكل موجز). أيضا تعرفنا على التفكير التباعدي وما هو المقصود بهذا التفكير، وقد بقي لنا في هذا البند أن نفسر الرابط بين نظرية العقل والتفكير التباعدي. لقد كانت الطبيعة التمثيلية للعقل وعلاقته بالسلوك، مجالا كبيرا لكي يخوض به الباحثين في علم نفس النمو (تشيني، 1990 وكوينك، 1993). وقد بينا سابقا أن فهم الأطفال للرغبات والنوايا سواء لأنفسهم أو لغيرهم بقيت محصورة لحين بلوغهم سن الثالثة، وعندها فقط تصبح القدرة التمثيلية لـ (TOM) صالحة.

          إن فحص المعتقد الخاطئ أصبح الأداة القياسية المعتمدة لفحص اكتساب الطفل لقدرات (TOM). إن عزو فحص المعتقد الخاطئ يتوجه نحو فهم لحقيقة أن الحالة العقلية هي توجه تمثيلي للعالم بدلا من التوجه نحو العالم الحقيقي نفسه. في الوقت الذي ينحى المعتقد الخاطئ نحو تمثيل للعالم الحقيقي. إلا أن توقع سلوك الشخص الآخر والمعتمد على المعتقد الخاطئ يبين الطبيعة التمثيلية للحالة العقلية، مثال على ذلك عندما يفهم الطفل أن الأشخاص سوف يبحثون عن الشيء في المكان الذي يعتقدون أنه موجود فيه وليس في المكان الذي يعرفه الطفل، إذن يجب على الشخص أن يعترف أن التمثيل يكون خاطئا، ولكن ما وراء التمثيل (Metarepresentation) يبقى صحيحا، بمعنى "إذن صحيح أن الشخص الآخر يحمل معتقدا خاطئا" (كوهين، 1985 وفلافل، 1993 وجونبك، 1993). أيضا المعتقد الخاطئ يشتمل على عنصر تنفيذي لأنه مطلوب من الفرد أن ينفصل عن المحتوى التمثيلي الحالي كي يتمكن من افتراض معتقدا مختلفا لشخص آخر.

          عندما يصل الطفل لهذا المستوى من الفهم نستطيع القول أنه اكتسب (TOM) والطفل امتلك حالة عقلية تختلف عن حالته العقلية الحالية، والولوج في الحالات العقلية المتباعدة أصبح ممكنا، إن هذه القدرة العقلية لها مدلول لتطور الذكاء الاجتماعي، والتي أخذت حيزا كبيرا في دراسات الباحثين أمثال (استجتون، 1995 وكوهين، 1995).

          أيضا فإن اكتساب (TOM) مهما لفهم النفس، ومراقبة النفس وتنظيمها، وفقط عندما يتم فهم الطبيعة التمثيلية للعقل، فإنها سوف تعكس تشكيل ما يعرف "التفكير في التفكير".

مثال: يجب أن أكون صحيحا عندما تكون وجهة نظري . . . ومن المتوقع أن مثل هذه المهارة تفترض على الشخص الدخول العقلي إلى مكنونات عقله، وطبعا هذه المهارة تفترض اكتساب (TOM).

          إن التفكير التباعدي يعتبر إحدى هذه المهارات، فقد بينت العديد من الأبحاث أن الما وراء تمثيلي مهمة للإبداع، بحيث تبحث بحلول عديدة لحل المشكلة.

          إن التفكير التباعدي (كما تم شرحه سابقا) بتعريفه يتطلب من الفرد أن يبحث في قاعدة معلوماته إلى أماكن أبعد من المثارة حاليا. وهذه تصبح على نفس وتيرة المعالجة التي تعتمد على التحكم التنفيذي أو الانفصال من الإدراك الحالي والمعرفة، وهذا هو نفس المسار الذي يفترض معتقدا ومثبت أنه خاطئ. ويصبح في المراحل المتقدمة أن هذا الانفصال والبحث في مناطق مختلفة المفتاح إلى الإبداع.

          أيضا إن البحث في قاعدة معارف الشخص للوصول إلى الحل الصحيح هو في الواقع ما وراء تمثيلي، وهذا هو نفس فحص المعتقد الخاطئ، وعلى ذلك فبما أن التفكير التباعدي ونتائج فحص المعتقد الخاطئ يسيران على نفس طريقة التطور العقلي، فعلى الشخص أن يتوقع وجود علاقة قوية بين المهمات التي تقيس هاتين المهارتين، بمعنى آخر أن الأطفال الذين يجتازون مهمة المعتقد الخاطئ فمن المتوقع أن يحصلوا على نتائج أفضل في مهمات التفكير التباعدي عن الأطفال الذين لم يجتازوا مهمة المعتقد الخاطئ.

          ولإثبات هذه الفرضية فقد كانت مجال دراسة قام بها (ثوماس سدندورف وآخرين،  1997)، وقد اشتملت الدراسة على عينة تألفت من 40 طفلا، تراوحت أعمارهم بين 3-4 سنوات، وتم عليهم تطبيق فحص المعتقد الخاطئ وفحص الإبداع (فحص والش وكوجان، 1965 وفحص الإبداع المعدل لأطفال ما قبل المدرسة ووردز، 1968). وقد بينت النتائج أن من اجتازوا فحص الإبداع كانت نتائجهم إيجابية في تحصيلهم لفحص المعتقد الخاطئ.

هذه النتائج عززت الفرضية التي تشير إلى أن مهارة الما وراء تمثيلي المعتمدة في نظرية العقل، هي أيضا الأساس التي يقوم الأطفال بالبحث في عقلهم في مناطق أبعد من المحتوى المثار (التفكير التباعدي).

 

النتيجة

          أستطيع القول أنني من خلال هذه الورقة البحثية قد ألقيت الضوء على أساسيات نظرية العقل (Theory of Mind)، حيث أن هذه النظرية على حداثتها قد استطاعت أن تجد لها موقعا في علم النفس المعرفي، وعلم نفس النمو، وعلم النفس الإكلينيكي. وقد استعرضت هذه الورقة الدراسات التي أجريت والتي ربطت العلاقة بين هذه النظرية والتفكير التباعدي وبينت نتائج هذه الدراسات إلى وجود علاقة قوية بين الأطفال الذين اكتسبوا (TOM) وبين قدرتهم على التفكير التباعدي.

 

References

1.       Stone, Valerie, Baron-Cohen (1998). Frontal lobe contribution to Theory of Mind. Journal of cognitive Neuroscience, Sep. 98, Vol. 10 issue 5.

2.       Knoll, Meredith (2000). Teaching False Belief and Visual Perspective. Child Study Journal 2000, Vol. 30 Issue 4.

3.       Edelso, Stephen (1995). Theory of Mind Center for the study of Autism Salem, oregon.

4.       Suddendorf, Thomas (1998), Theory of Mind and the orgin of Divergent Thinking. Journal of creative Behavior (1998), 31.

5.       Schwitz gebel, Eric (1999) Reprentation and Desire: a philosophical error with consequences for Theory of Mind research. Philosophical psychology, Jun. 99, Vol. 12 Issue 2.

6.       Astington, Janet (1998). Developing Theories of Mind. Cambridge University Press (1998).

7.       Schick, Brenda (1998). Theory of Mind and Language Skills.

8.       Arkway, Angela (2002). The Simulation Theory. New York University.

9.       Butcher, James (2001). Theory of Mind located in right prefrontal cortex. Lancet, 2001, Vol. 357, Issue 9253.

10.     Sperling, Rayne (2000). Early Reationships. Theory of Mind and preschool children’s problem solving. Child Study Journal, 2000, Vol 30, Issue 4.

11.     Steen, Francis (1997). Theory of Mind communication Studies, university of California, Los Angeles.

12.     Taylor, Jayne (2002). An Analogue Study of attributional Complexity theory of mind deficit. British Journal of Psychology, 2002, Vol. 93 Issue 1.

13.     Ravenscroft, Ian (1997). Folk psychology as a theory. The Flinders University of South Australia.

14.     Bower, Bruce (1993). A child’s theory of Mind. Science news (93), Vol. 144 Issue 3.

15.     Collins, John (2000). Theory of Mind Logical Form. Philosophical Psychology 2000 Vol. 13. Issue 4.

16.     Kinderman, Peter (1998). Theory of Mind deficit and casual attribution. British Journal of Psychology 98. Vol 89 Issue 2.

17.     Ritblatt, Shulamit (2000). Children’s level of participation in a False Belief task. Journal of Genetic Psychology (2000) Vol 161, Issue 1.

drkhaledomran

كـلّ نـورٍ غير نـورِ الله ظـلُ ******** كل عــز غير عــز الله ذل ................ للمراسلة والتواصل والاستفسار من خلال [email protected] ما يقدمه هذا الموقع هو خالص لوجه الله تعالي ... ولانستهدف منه التربح بأي شكل من الأشكال. الموقع الرسمي للدكتور خالد عمران https://staffsites.sohag-univ.edu.eg/Prof.khaledomran?p=home

  • Currently 80/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
22 تصويتات / 8634 مشاهدة
نشرت فى 7 يناير 2011 بواسطة drkhaledomran

ساحة النقاش

أ.د/ خالد عمران

drkhaledomran
أستاذ المناهج وتقنيات تعليم الدراسات الاجتماعية - عميد كلية التربية - ووكيل الكلية لشئون الدراسات العليا والبحوث السابق كلية التربية - جامعة سوهاج - جمهورية مصر العربية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,737,131