سعيد ناشيد: الخبث والغباء مجسدا!
منذ عدة أسابيع لفت نظرى أ. طارق منينة لكتاب شخص يدعى: سعيد ناشيد من المغرب عنوانه "الحداثة والقرآن" يهاجم فيه الإسلام ويدعى عليه الأكاذيب، وكنت قد انتهيت من سلسلة مقالاتى فى الرد على بعض الكتب التى من تلك النوعية، فشكرته ثم وضعت الكتاب جانبا وأنا ضائق الصدر من كثرة الكتب التى تهاجم الإسلام بغباء وجهل ووقاحة وعناد، وبخاصة من قِبَل الأشخاص ذوى الأسماء والخلفيات الإسلامية، إذ ما أكاد أفرغ من تفنيد مجموعة منها حتى أجد أمامى مجموعات أخرى مثلها على نحو لا ينتهى ولا يبدو أنه سينتهى قريبا. لكن لأن الزمار يموت وإصبعه تلعب فقد ألفيت نفسى بعد قليل تنازعنى إلى قراءة ما فى الكتاب والرد عليه. فكنت أبعد تلك الخاطرة عن نفسى محاولا التركيز على مؤلفانى الأكاديمية رغم معرفتى أن الطلاب بوجه عام لا يهتمون بهذا الذى نحرق به أعصابنا ونفنى فيه أعمارنا. ثم منذ ثلاث ليال ألفيت نفسى وقد أكلتنى أصابعى شوقا إلى الكتابة، ففتحت الكتاب فى تردد، وإذا بى أنسى ضيق صدرى ومللى، وأشرع مرة واحدة فى قراءته والكتابة عنه. والصفحات التالية هى ثمرة الليالى الثلاث. وفى بداية الكتاب يواجهنا سعيد ناشيد بالشعار التالى: "الإيمان تعبير عفوى قد يستدعى الخروج عن النص". ومن هذه العبارة يُفْهَم بكل وضوح أن المؤلف يرى أن النص والتزامه مهم جدا لدرجة أنه يجعل الخروج عليه مجرد احتمال قد يكون لازما وربما لا يكون. ولكن من الناحية الأخرى يتبين لنا من هذه العبارة أيضا أن ما يدور عليه الكتاب كله باطل تمام البطلان، إذ مدار الكتاب هو أن النصوص ليست لله سبحانه بل للرسول، فالله يوحى المضمون فقط، بل إنه لا يوحى كل المضمون بل جزءا منه فحسب، ثم يأتى الرسول فيعبر عن هذا المضمون بلغته هو متأثرا بظروفه الشخصية وأوضاع عصره من أفكار وعادات وتقاليد وأخلاق ونظم، ومن ثم لا يتعين علينا الالتزام بما يقوله القرآن، بل يتعين علينا ألا نلتزم بما جاء فيه لأنه ليس هو ما أراده الله بل ما استطاع الرسول فهمه والتعبير عنه. أى أن النص القرآنى لا يعكس ما يريده الله بل ما يوجد فى المجتمع العربى آنذاك. على أن أمر المؤلف لا يقف هنا فحسب، إذ هناك قوله: "الإيمان تعبير عفوى"، وهذا يعنى أنه لا يوجد ضابط ولا رابط للإيمان، بل هو مجرد تعبير عفوى. وعلى هذا فلا معنى لقول المؤلف إن هذا التعبير العفوى قد يستدعى الخروج عن النص لأنه ليس هناك أساسا أى نص. فالعفوية شىء، ووجود نص يضبط التعبير والسلوك شىء آخر. ومن هنا أيضا يتبين لنا أن المؤلف غير منضبط الفكر ولا العبارة وأن عقله مشوش، وفكره مضطرب يفتقر إلى الإحكام والاتزان. وعلى هذا فلا معنى للكلام التالى الذى وضعه فى مقدمة كتابه: "أحاول في هذا الكتاب أن أستلهم مقاربات كل من الفارابي وابن عربي وسبينوزا لمفهوم النبوّة، وكذلك أستلهم آراء عدد من المصلحين أمثال عبد الكريم سروش ومحمد الشبستري وأحمد القبانجي، وأيضا أستثمر بعض المفاهيم والتصورات التراثية التي صاغها جورج طرابيشي في مشروعه النقدي، وقبل هذا وذاك أعتمد أساسا على علماء القرآن القدماء: السيوطي والقرطبي والسجستاني وغيرهم، وصولا إلى بعض المستشرقين على رأسهم تيودور نولدكه، لكي أستنتج في الأخير أطروحة متكاملة قد تساعدنا في إعادة بناء العلاقة مع النص القرآني على أساس تعبّدي قد يساهم في طمأنينة النفس، بعيدا عن أي توظيف سياسي أو تحريضي أو إيديولوجي قد ينتج البغضاء والطغيان والتطرّف". ذلك أن ما يقوله فى كتابه من أوله لآخره إنما هو محاولة لتحطيم النص القرآنى وإشاعة الريبة فيه واتهامه بأنه لا يناسب عصرنا وأن الرسول لم يستطيع نقل ما أراد الله أن يقوله لنا. والسؤال إذن هو: أية طمأنينة للنفس يمكن أن نصل إليه من خلال تعاملنا مع القرآن، وقد أفزع المؤلف نفوسنا من القرآن واتهمه بعدم الصلاحية لنا وكذب ما فيه من قواعد ومبادئ تنظم حياتنا الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية والنفسية والاعتقادية والحربية؟ وأى طغيان وبغضاء يُخْشَيَان من المتدينين، وهم سواء كانوا حكماء أو ساذجين مقموعون مهمشون مرميون فى السجون أو مهددون فى كل ما يعلمون؟ وهناك كذلك قوله إنه ينوى أن يستلهم فلانا وفلانا من الكتاب والعلماء والمتصوفة فى كتابة كلامه عن القرآن، مما يشير إلى أنه لا يمتح من بئره هو بل كل همه هو السطو على ما لدى الآخرين ما داموا يقولون فى القرآن ما يسىء إليه أو ما يظن هو أنه يسىء إليه. إنه مجرد مقلد متابع لا شخص له ذاتية مستقلة كريمة. ومرة أخرى ليس هذا هو ما نخرج به من كلامه، فهو يعلن أنه سوف يستلهم المستشرقين، ضمن من سيستلهمهم، فهمه للقرآن. أليس ذلك أمرا مضحكا؟ أليست مهزلة أن يعتمد المستشرقين أساسا من أسس فهمه للقرآن، وعلى رأسهم نولدكه، وهم ألد أعداء القرآن ويعملون بكل ما لديهم من جهد شيطانى على التشكيك فى القرآن وتكذيبه وإشاعة الكفر به؟ لقد قيل قديما إن الخطاب يبين من عنوانه. وعنوان الخطاب هنا سئ أشد السوء، وأول القصيدة كفر كما قيل أيضا. ومن الواضح أن المؤلف واحد من سطحيى الفكر ممن يرددون المصطلحات والشعارات دون هضم أو فهم لها، فهم كالبَبَّغاوات التى تقلد قول ما تسمعه دون أن تعرف شيئا مما يعنيه، وبالذات إذا ما أتته من أجنبى، إن لم يكن مأمورا أمرا من جهة من الجهات المتنفذة بذلك الترديد والتقليد. إنه ببغاء لا أقل ولا أكثر. والمصيبة الكبرى والطامة العظمى أنه يظن نفسه ذكيا وأنه يمكن ببَبَّغائيّته هذه أن يخدعنا عن أنفسنا فنصدق ما يردده بجهل فادح ونحسب أنه هو الحق المبين. ويمضى ناشيد قائلا: "يعبِّر القرآن الكريم عن ثلاث قضايا متفاوتة، لا يجوز بأي حال من الأحوال أن نستمرّ في الخلط بينها : أولا قضية الوحي الإلاهي. ثانيا قضية القرآن المحمّدي. ثالثا قضية المصحف العثماني. اِنّنا نعتبر قضية الوحي الإلاهي بمثابة قضية منفصلة ومستقلة عن قضية القرآن المحمدي، فالقرآن خطاب لغوي قام به النبي القرشي للصور الوحيانية، خضع في كل صوره وأطواره للظروف الذاتية والموضوعية لشخصيّة الرّسول عليه السلام: - الظروف الذاتية تتعلق بمزاج وثقافة وشخصية وانفعالات الرّسول، وهذا ما يفسر التفاوت العاطفي والانفعالي والنّفسي بين مختلف آيات وسور الخطاب القرآني. وهذا باعتراف الخطاب القرآني نفسه كما سنرى. والظروف الموضوعية تتعلق عموما بأسباب النزول وسياق التنزيل وملابسات الأسئلة والظروف الواقعية والتاريخية. وهذا ما يفسر اختلاف الأحوال وتضارب الأحكام واشتباه المعاني واحتمال الأوجه. وهذا، مرّة أخرى، باعتراف الخطاب القرآني نفسه كما سنرى. وهناك أيضا قضية المصحف العثماني من حيث كونها قضية منفصلة ومستقلة في الزّمان والأحوال، وفي المضامين والأشكال، عن قضية الوحي الربّاني بكل تأكيد، وأيضا عن قضية القرآن المحمدي على وجه التحديد، وهي ثمرة اجتهاد تاريخي أنجزه المسلمون على مدى سنوات طويلة. إذن نحن لا نعرف القرآن الكريم على وجه الدقة والتّحديد إلا من خلال تمظهره الأخير: المصحف العثماني. إنّ القرآن ترجمة بشرية للصور الوحيانيّة، التي لها مصدر إلهي وربّاني بالفعل، غير أنها ترجمة أنجزها الرّسول نفسه في خطاب وجّهه إلى الناس في تلك العصور القديمة الماضية وفق ثقافتهم وظروفهم ومدركاتهم. ولأنّ الأمر كذلك، فقد تمّت صياغة الوحي الربّاني باستعمال المعطيات التالية: أولا باستعمال لغة عربية بليغة بالفعل، غير أنها تنتمي إلى مرحلة ما قبل قواعد النحو. ثانيا باستعمال مفاهيم سياسية واضحة بالفعل، غير أنها تنتمي إلى مرحلة ما قبل دولة المؤسسات. ثالثا باستعمال مفاهيم علمية يدركها الناس، غير أنها تنتمي إلى مرحلة ما قبل مناهج العلم. لهذا السبب لا يجوز لنا بأي حال من الأحوال أن نقيِّم القرآن بمقاييس الحداثة السياسية والثورة العلمية وحقوق الإنسان، ولا يجوز لنا أن نتعامل معه كنصّ في العلم أو السياسة أو الأخلاق. وإذا فعلنا ذلك فإنّنا سنقترف جرما كبيرا، وسنظلم القرآن ظلما عظيما كما يحاول أن يفعل بعض الذين يقدّمون تفسيرات لبعض الاكتشافات العلمية عن طريق ربطها بالقرآن، مثل الحديث عن الذرّة والكواكب والاكتشافات الطبّية وغير ذلك. وهي اكتشافات معرّضة للتجاوز عن طريق اكتشافات جديدة تُخطّئها أو تنفيها، وتجعل القرآن الكريم الذي هو خطاب تعبّدي عرضة لتأويلات متهافتة تدّعي لنفسها العلم في حين أنها لا تتسق أبدا مع شروط العلم، بل هي تأويلات تضع القرآن في مواضع تقلّل من قيمته مدّعية تأكيد ما جاء فيه، وهو عمل لا يطلبه الخطاب القرآني نفسه. القرآن خطاب تعبّدي خالص. وهذا يكفي لمن يملك إيمانًا سويًّا وحسًّا سليمًا". وطبعا هو الوحيد الذى يملك هذا الإيمان السوىّ والحسّ السليم. وأكبر دليل على ذلك أنه يسترشد بنولدكه وجورج طرابيشى وأضرابهما. يا له من إيمان! ولكن أى إيمان، وهو لم يترك شيئا فى القرآن إلا وصوب سهام التشكيك والتحقير إليه؟ ألا يكفى أن يقول إن القرآن متخلف تماما عن عصرنا بما فيه من حداثة علمية ومؤسسات سياسية لم يكن لها وجود فى عصر النبوة المتخلف بكل معنى الكلمة؟ حتى لغة القرآن لم تَسْلَم من لسانه الجاهل السامّ، إذ هى تنتمى إلى عصر لم تكن قواعد اللغة قد اسْتُخْلِصَتْ فيه بعد. وهو ما سوف يتخذه تكأة للقول بأن فى القرآن أخطاء لغوية. أى أن القرآن، فى نظر هذا الفَسْل الضئيل، كان ينبغى ألا ينزل قبل أن تُقَعَّد القواعد. ونحن نعرف، وكل الدنيا معنا تعرف، أن القواعد لم يكن يمكن تقعيدها قبل نزول القرآن ودخول كثير من غير العرب فى الدين الذى نزل به واحتياجهم من ثم إلى تعلم العربية لغة ذلك القرآن تعلما لأنها ليست لغتهم، فكان لا بد من ظهور علم النحو والصرف اللذَيْن ينظّمان ويسهّلان تعلم اللغة، أىّ لغة. فالقرآن إذن مكتوب عليه الخطأ حَتْمًا ولِزَامًا فى نظر هذا المعتوه. وهو ينطلق، كما أشرنا آنفا، من أن القرآن ليس كله من عند الله بل المضمون التعبدى فقط. ولسوف نناقش هذا الهراء فيما بعد، ولكن نحب بادئ ذى بدء أن نبين مظهرا آخر من مظاهر جهله الفاحش المفحش. إنه يظن أن قوله تعالى: "قل: كُلٌّ من عند الله" معناه أن كل شىء فى القرآن من عقائد وأخلاق وتشريعات وقصص وقيم ولغة وإملاء وخط وورق وحبر هو من عند الله. فانظروا إلى مدى جهله العجيب. إنه لا يكلف نفسه الذهاب إلى موضع الآية ليرى بِمَ تتعلق، وما هذا الكل الذى تؤكد الآية أنه من عند الله. أى أنه يجمع، إلى الجهل، الكسل والبلادة والثقة العمياء بالنفس، وهى شر أنواع الثقة. يقول الله سبحانه وتعالى فى الآية الثامنة والسبعين من سورة "النساء": "وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا". فهل يرى القارئ الكريم شيئا مما فى ذهن هذا "التَّعْبان" حول الآية الكريمة؟ فهذا هو الشخص الذى ألف الكتاب الذى فى أيدينا ليدرس فيه القرآن ويصدر فيه فتاواه وأحكامه التى لا تُصَدّ ولا تُرَدّ والتى ظللنا وظل المسلمون والناس جميعا أربعة عشر قرنا يجهلونها ولا يعرفون عنها شيئا حتى هل هلاله، وهذا هو مستواه فى فهم آية سهلة كهذه تمام السهولة. وهو يعود كرة ثانية إلى موضوعه الأثير والخطير والخبيث، ألا وهو أن القرآن له ثلاثة معان أو ثلاثة مستويات، فيقول: "ما المقصود بالقرآن؟ بمعزل عن النّزعات الاختزالية في شقّيها الغيبي والوضعاني يدلّ القرآن كما سبق القول على ثلاث ظواهر متباينة لا يجوز الخلط بينها: 1- الوحي الرباني، وهو يحيل إلى الصور الوحيانية التي استشعرها الرّسول وتمثّلها، إما عبر قوّته التخييلية كما يقول كلٌّ من الفارابي وابن عربي وسبينوزا عن تجارب النبوّة، أو عبر القلب والوجدان كما يشرح أحمد القبانجي. وفي الأخير فإن كلام القرآن هو كلام النبي المؤيَّد بالإرادة الإلهية كما يوضح محمد مجتهد الشبستري. 2- القرآن المحمّدي، وهو ثمرة جهد الرّسول في تأويل الوحي وترجمة الإشارات الإلهية إلى عبارات بشرية، انطلاقا من وعيه وثقافته ومزاجه وشخصيته وقدراته التّأويلية. وقد استغرق هذا الجهد ما يقارب رُبْع قرن من الزّمن. والمؤكد أن هذا الفارق بين القرآن المحمدي والوحي الرباني قد سبق إلى التعبير عنه المصلحان الدينيان الإيرانيان عبد الكريم شروس والشيخ محمد مجتهد الشبسترى. 3- المصحف العثمانى، وهو ثمرة جهد المسلمين في تحويل القرآن المحمدي خلال مرحلة أولى من آيات شفهية متناثرة إلى مصاحف متعددة، ثمّ خلال مرحلة ثانية من مصاحف متعددة إلى مصحف واحد وجامع وفق نمط معيّن من التأليف والتبويب والتّرتيب، وبحسب قواعد محدّدة في اللغة والكتابة والخط. وقد استغرق هذا الجهد زهاء نصف قرن من الزمن على الأقل. وللتذكير فقد تمّت مَفْهَمة هذا الجهد على يد جورج طرابيشي في حديثه عن "مَصْحَفة القرآن"". يعنى أن القرآن ليس هو كلام الله بل كلام الرسول. أما الوحى الإلهى فهو مجرد إشارات غامضة تخيّل الرسول معناها من عند نفسه خضوعا لظروفه وظروف عصره. ترى كيف عرف ناشيد ذلك؟ هل كان نبيا فى يوم من الأيام وفَتَشَ السر وعرف اللعبة وأتى ينوّرنا حتى لا ننخدع كما انخدع هو يوما ثم أتيح له بعد ذلك أن يعرف الحقيقة فأراد تبصيرنا وتنبيهنا؟ وهذه هى عبارته التى شرح بها كلامه السابق الخاص بالوحى: "نعيد القول بعبارة أخرى: عند الكلام عن الخطاب القرآني نحن أمام ثلاثة مستويات من التمظهر: أولا الوحي الرباني، وهو عبارة عن صور وَحْيَانِيّة فيها غموض يستشعرها الرّسول ويحاول التعبير عنها انطلاقا من ثقافته ولغته وبيئته". ومعنى هذا أن الوحى ليس شيئا واضحا محددا، بل إشارات غامضة استشعرها الرسول مجرد استشعار. أى أن الأمر ليس أمر فهم وعقل بل أمر استشعار. ومن هنا فالوحى لا يبلغ مرتبة الأحلام لأن الأحلام تكون واضحة رغم ما يكون فيها فى أحيان كثيرة من الأضغاث والترهات. فهذا أول ابتعاد عن مقصود الله سبحانه. أما الثانى فإن الرسول حين عبر عن تلك الإشارات الغامضة لم يستطع الاقتراب، مجرد الاقتراب، منها بل خضع فى محاولةِ تمثُّلِها لرؤية عصره. وعصره كان عصر وثنية وشرك واعتقاد فى معرفة الكهان للغيب وتناحر قبلى وتشرذم سياسى وتخلف اقتصادى وربا وخمر وزنا وقمار وتفاخر وأمية وجهل مبين وإكراه للمرأة على الزواج ممن لا تحب وقسوة على الضعفاء والمساكين ووأد للبنات وإنكار لليوم الآخر وأكل للميتة والدم وأضاحى الأصنام... إلخ. فما معنى هذا؟ معناه أن الكاتب بلغ به الغباء والتخلف العقلى مبلغا جعله يعمى عن أن ما فى القرآن من عقائد وأخلاق وقيم ومبادئ وذوق جمالى يختلف تماما عما كان سائدا بين العرب فى الجاهلية. لقد حرّم القرآن الوثنية والكهانة والزنا والوأد والنفاق والسرقة وخُلْف الوعد والظلم واضطهاد النساء والقسوة على الضعفاء المحتاجين وأكل مال اليتيم والتطفيف فى الموازين والمكاييل والربا وأكل الميتة والخنزير والدم وما أُهِلَّ لغير الله به والخمر والميسر والتفاخر بالأنساب، وأنكر الاعتقاد فى السحر ومعرفة أى إنسان للغيب بما فى ذلك النبى نفسه، وحَثَّ على العلم والعمل والإتقان ومراعاة الجمال واللياقة والنظام والنظافة والطهارة... إلخ. فكيف يكون القرآن انعكاسا للأوضاع الاجتماعية التى كانت تَسِم المجتمع الجاهلى؟ ثم إن الأمر لم يقف هنا فقط بل تعداه إلى أن أنكر على النصارى تثليثهم وإيمانهم بالصليب والخطيئة الأصلية وتكفير المسيح عنها وتحريفهم لكتابهم، مثلما أنكر على اليهود التحريف لكتبهم وتصورهم أنهم أبناء الله وأحباؤه وأنهم لن تمسهم النار سوى أيام معدودة وأخذهم الربا رغم نهى كتبهم وأنبيائهم عنه وكفرهم بالمسيح وزعمهم أنهم صلبوه وقتلوه وإنكارهم نبوة محمد بعدما كانوا ينتظرون مجيئه، وغير ذلك. كما دعا القرآن إلى حرية التدين، وأعلن أن الله خلق البشر مختلفين، ومن ثم لا إكراه فى الدين. أفلو كان محمد قد أتى قومه بما يتفق مع أوضاع عصره وعادات قومه وتقاليد مجتمعه أكانوا يعارضونه ويؤذونه ويشتمونه ويتهمونه بكل نقيصة ويحاربونه ويتآمرون عليه ويكون انتشار دينه بينهم بطيئا بطء السلحفاة على مدار ثلاث عشرة سنة فى مكة وعددا آخر منها فى المدينة؟ ولم هاجم القرآن هجوما عنيفا تمسك العرب بما وجدوا عليه آباءهم، ورماهم بأنهم لا يعقلون ولا يفهمون ولا يتفكرون؟ ... اقرإ المقال كاملا على الرابط التالى:
نشرت فى 18 أكتوبر 2016
بواسطة dribrahimawad
عدد زيارات الموقع
33,969