مسلمات متأمركات
يتّهمن مفسرى القرآن بظلم المرأة
ويقدّمن تفسيرا نسويا بديلا!
د. إبراهيم عوض
فى كتابها:""Believing women" in Islam: unreading patriarchal interpretations of the:Qur'ān النساء المؤمنات داخل الإسلام - نَسْخ التفسير البطرياركى للقرآن" (ط. /University of Texas Press 2002م) تؤكد د. أسماء بارْلَس المتأمركة ذات الأصل الباكستانى (Asma Barlas. وبالمناسبة فـ"بارلس" هو اسم القبيلة المغولية التى كان ينتمى إليها جنكيز خان وتيمورلنك كما جاء فى كل من مادة "Tamerlane" بـ"موسوعة الإنكارتا" الإنجليزية/ ط2009م، ومادة "Barlas" بـ"موسوعة الويكيبيديا" الفرنسية) أن القرآن لا يعكس من خلال نصوصه وجهةَ نظرٍ بطرياركيةً، ولكن تفسيره خضع مع ذلك لتأثير المجتمع البطرياركى الذى نزل فيه، فكان لزاما عليها، كما تقول، أن تنقى التفسير من تلك التأثيرات البطرياركية (صXI). هذا ما قالته بارلس: فأما أن القرآن لا يعكس وجهة النظر البطرياركية فهو أمر طبيعى، إذ هو من عند الله رب البشر جميعا، أى رب الرجال والنساء معا لا رب الرجال وحدهم، بالضبط كما أنه سبحانه وتعالى ليس رب النساء وحدهن. ومن ثم لا يمكن أن يحابى جنس الرجال أو جنس النساء، بل يعاملهما جميعا بالعدل بل بالإكرام، معطيا كل ذى حق حقه وزيادة.
ثم تضيف قائلة إنها ألَّفت هذا الكتاب لتبين للمرأة المسلمة أنها تستطيع المناضلة من داخل الإسلام نفسه ضد الظلم الواقع عليها على عكس ما يعتقد المحافظون والتقدميون على السواء، وإنها لتشعر بالإحباط جَرّاء ما تسمعه من بعض الناس من أن الإسلامية هى الإسلامية، بمعنى أنه لا أمل فى أن تحصل المرأة المسلمة على حقوقها من داخل الإسلام، إذ ترى أن الربط بين الإسلام وظلم المرأة هو انعكاس للقراءة الخاطئة للقرآن المجيد والاعتقاد بأنه لا بد من وجود علماء دينيين يؤخَذ عنهم تفسير كتاب الله. على أنها ترى مع ذلك أن الأمر لن يكون سهلا بحال فى ظل تحكم "الظلاميين" فى أمور الدين رغم تأكيدها المتكرر بأنه ليس من حق أحدٍ ادعاءُ احتكار الفهم الصحيح للدين، وكذلك فى ظل عمل الدول الإسلامية وبعض علماء الدين على منع المسلمين من القراءة. تقصد، فيما أتصور، منعهم من قراءة القرآن والعمل على فهمه فهما مستقلا. وهو ما يشكل، كما تقول، مفارقة مضحكة فى ظل ما نعرفه من أن أول آية نزلت على النبى الأمى هى الأمر بالقراءة: "اقرأ".
ونحن معها فى أن عزوف المسلمين بوجه عام عن القراءة يشكل مفارقة تبعث على الغيظ والإحباط، إذ إن أول آية نزلت من كتاب الله على رسولنا الكريم كما هو معلوم للجميع هى قوله عز شأنه: "اقرأ باسم ربك الذى خَلَق". فكيف وصل الحال بأمة الإسلام إلى أن تكره القراءة كل هذه الكراهية رغم ما للعلم وللسعى فى سبيل تحصيله فى الإسلام من مكانة لا تكاد تدانيها مكانة حتى إن الإسلام ليفضل العالم على العابد تفضيلا كبيرا، وحتى إن الشىء الوحيد الذى أُمِر الرسول الكريم بالاستزادة منه هو العلم: "وقل: ربِّ، زدْنى علما"، بل حتى إن السعى وراء تحصيل العلم هو فرض واجب يأثم المسلم بإهماله، وليس مجرد حق من الحقوق يمكنه أخذه أو تركه؟ أما أن هناك دولا إسلامية تمنع الناس من قراءة القرآن وفهمه فلا أدرى عن أية دولة أو دول تتحدث الكاتبة، إذ لم أسمع يوما بشىء من هذا. اللهم إلا إذا كانت تقصد أن العلماء قد يبدون استنكارهم حين يرون شخصا غير مؤهل، على الأقل: فى نظرهم، يتصدى للحديث والفتيا فى أمور الدين. فإن كان الأمر كذلك لقد كان يجب عليها، وهى الأستاذة الجامعية، أن تعرف أن التخصص أمر لا بد منه إذا أراد الإنسان أن يزج بأنفه فى قضية ما. أليس كذلك؟ وليس شرطا أن يكون الإنسان متخرجا من كلية دينية حتى يكون متخصصا. ذلك أنه من الممكن جدا تعويض هذا بالقراءة الواسعة العميقة والمثابرة ومدارسة العلماء والانشغال بالأمر انشغالا جادا والمراجعة المستديمة له، فضلا عن أن يكون الشخص مؤهلا للفهم السليم العميق والتفكير المستقل... إلخ.
ثم تمضى قائلة إنها، حين ألفت كتابها هذا، لم تضع فى ذهنها أنها تخاطب المسلمين وحدهم، بل المسلمين ومن يعيشون معهم فى نفس المجتمع، وهو ما جلب عليها العداوة طول الوقت. تقصد عداوة قطاعات من المسلمين الذين يَرَوْن، حسبما وَضَّحَتْ، أنهم شىء مختلف عن الآخرين وأن هناك حدودا حاسمة تفصل بينهم وبين أولئك الآخرين، إذ يؤمنون بأن هؤلاء الآخرين لا يشتركون معهم فى أى شىء، على عكس ما تعتقد هى. فأما أن المسلمين متفردون بأشياء فهذا صحيح، فهم الوحيدون فى العالم الآن الذين يوحدون الله حق توحيده، وهم الوحيدون الذين لم يمدوا أيديهم إلى كتابهم المقدس فيحرفوه كما فعلت أمم أخرى عبثت بكتابها أو نسيته وأهملته فضاع فى أطواء التاريخ. كما أن دينهم دين عالمى. لكنهم من جهة أخرى بشر من البشر لا يفترقون فى هذا عن أية أمة أخرى من الأمم. بيد أن قولها إنها، حين ألفت كتابها هذا، قد وضعت غير المسلمين فى اعتبارها فأخشى ما أخشاه أن يؤثر ذلك على عرضها للإسلام فتعمل على تقريبه ممن يوجدون حولها من غير المسلمين. فنرجو التنبه إلى هذا حتى لا تنزلق قدم الواحد منا إلى ما لا تحمد عقباه. أقول هذا وفى ذاكرتى ما صنعته د. لالَة بختيار، وهى أستاذة إيرانية (متأمركة أيضا) تخطت الستين بأعوام، إذ نراها، فى ترجمتها للقرآن الكريم، تستعمل على سبيل المثال كلمة"submission: الخضوع" بدلا من"Islam: الإسلام"، و"ungrateful: منكر للنعمة" بدل ":disbeliever كافر"، و"way of life: طريقة حياة" مكان "religion: دين"...، كل ذلك كى لا تؤذى غير المسلمين فى مشاعرهم، وهو ما يفسد الأمور إفسادا شديدا دون أى وجهٍ سوى الشعور بالنقص ومحاولة التقرب إلى الآخرين على حساب الإسلام نفسه. ولو كان هذا الذى صنعته تلك السيدة صحيحا، فكيف لم يفعله الله سبحانه وتعالى؟ أتراها تعدّل ما عمله الله؟ لكنْ هل ما عمله الله خطأ حتى تأتى هى فتستدرك عليه؟ الواقع أنه لو فعل كل أصحاب دينٍ هذا الذى صنعته ما بقى هناك دين على حاله ولصارت الأديان شيئا آخر غير ما هى عليه، فما بالنا بالإسلام، الذى جاء كى يكون مهيمنا على الكتب الدينية الأخرى ويصحِّحها لا أن يصحَّح ليتطابق معها؟
جدير بالذكر أن د. بختيار هى ابنة طبيب إيرانى تلقى تعليمه فى أمريكا وممرضة أمريكية بروتستانتية، وتربت تربية أمريكية كاثوليكية ثم تحولت إلى الإسلام بعدما كبرت وتزوجت ورجعت إلى إيران، وإن كانت قد طُلِّقَتْ وعادت من جديد إلى الولايات المتحدة عام 1988م حيث خلعت الحجاب بعد أن ظلت ترتديه فترة طويلة، وذلك تجنبا للفت الأنظار واستعراض تمسكها بالإسلام بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر 20001 حسبما أخبرتنا. وقد وفرت لها دار النشر التى أصدرت الترجمة المذكورة كل وسائل الراحة المادية والمعنوية كى تنجز ترجمتها، التى أرجو أن أتمكن من الحصول على نسخة منها عما قريب وأن تتاح لى الفرصة لدراستها دراسة مفصلة قبل أن أصدر حكمى عليها (انظر هذا الرابط: http://www.asmasociety.org/news/ct.pdf). وإذا كان الشىء بالشىء يُذْكَر فقد جرى محمد أسد فى ترجمته للقرآن المجيد، التى أصدرها فى ثمانينات القرن الماضى، على شىء مثل هذا، وهو ما نبهت إليه فى كتابى: "فكر محمد أسد (ليوبولد فايس) كما لا يعرفه الكثيرون". والغريب أن الحجة التى استندت إليها السيدة بختيار لتسويغ فعلتها هى أن الإسلام دين عالمى يخاطب الناس جميعا. ذلك أن ما صنعته إنما يتناقض مع تلك العالمية، إذ بدلا من دعوة الناس للدخول فى دين الله وتغيير أنفسهم حتى تتسق حياتهم معه نراها تغير الدين نفسه ومفاهيمه حتى تتسق مع أوضاع غير المسلمين. وهَبِ الأمر كما تقول، أيصح أن أُهْمِل المسلمين وأَضْبِط أمرى على أوضاع غيرهم؟
وهذا نص كلامها فى الموضوع (وهو موجود على الرابط التالى: http://www.sublimequran.org/):"In addition to the translation being unbounded by time, in several sensitive cases, the word chosen to translate an Arabic word is also of a universal rather than a particular nature. This then broadens the perspective and scope of the Quran so that it becomes inclusive rather than exclusive to one particular group of people. In other words, in this way a larger audience can relate to its message. Examples of this would be the translation of the derivatives of k f r, literally meaning: To hide or cover over something. Most English translations use the verb"to disbelieve” making the active participle"one who disbelieves” or"one who is an infidel.” In the present translation the more inclusive viable terminology is used, ****ly,"to be ungrateful,” the active participle being"one who is ungrateful.”
The Quran itself declares its timelessness and universality. Therefore, its understanding or interpretation must also be eternal and for all time, inclusive of all of humanity rather than exclusive to one group of people. Applying the above criterion to the word aslama,"he who submits,” in the eight times that it appears in the form of islam, it is translated according to its universal meaning as"submission,” and the forty-two times that its form as muslim, it is translated according to its universal meaning,"one who submits.” Or the word for religion, a word clearly misunderstood and even denigrated by some, the word din actually means"way of life” in its universal sense and is so translated in the Sublime Quran.".
وتطرح د. أسماء بارْلَسْ عددا من التساؤلات من بينها السؤال التالى: هل الإسلام يدعو إلى ظلم المرأة أو على الأقل: يرضى به؟ أم هو على العكس من ذلك يشجع حرية النساء؟ وهل الله فى الإسلام أب يميل إلى الذكور وله علاقة خاصة بهم ويرى فيهم تجسيدا لصفاته الإلهية، وينظر إلى النساء على أنهن ضعيفات نجسات خاطئات؟ وهل يرى فى إدارة الذكور لشؤون الأسرة أمرا ينبغى استمراره بوصفه قاعدة خالدة كما يقول البطرياركيون؟ وهل الإسلام يقيم فروقا بين الجنسين وانحيازا إلى الذكور وتفضيلا لهم على أساس الاختلافات البيولوجية بينهم وبين النساء؟ أم إن تعاليم القرآن تنتصر للمساواة والتشابه بين الجنسين؟
فأما أن القرآن يحابى الرجال فكلا ثم كلا، فليس الله ذكرا ولا أنثى حتى يقال إنه يميل ناحية جنسه، أستغفر الله تعالى! لكنى فى ذات الوقت لا أفهم كيف يشجع الله حرية النساء، إذ ما المقصود بالحرية هنا؟ الواقع أنه ما من دين، بل ما من فلسفة أو نظام إلا وله قيوده التى لا بد لأتباعه أن يتقيدوا بها. هذه هى الحياة، وتلك هى أوضاعها، ولا محيد عن ذلك أبدا. ومن ثم فلا الرجل ولا المرأة حران تاما الحرية، إذ هناك الحلال والحرام والأعراف والتقاليد واللائق وغير اللائق... إلخ، ولا مناص من مراعاة ذلك كله، وإلا فالحرية المطلقة إنما هى وهم لا وجود له فى أى مكان فى الدنيا لا فى السماوات ولا فى الأرضين، فنحن مخلوقون، وكل أمورنا نسبية بما فيها بل على رأسها الحرية. والله سبحانه وتعالى لا يرى فى الرجال تجسيدا لصفاته الإلهية، إذ هذه نظرة وثنية لعلاقة الله بعباده، نعوذ بالله منها. وهناك دائما ذلك الفرق بين الله ومخلوقاته، وهى أن كل ما فى أيديهم أو يتصفون به هو هِبَةٌ من الله لا كَسْبٌ أنجزوه بأنفسهم من العدم، كما أن كل ما يتمتعون به من صفات هو نسبى محدود له بداية ونهاية، على حين أن صفات المولى مطلقة لا تحد، فليس لها من ثم بدء ولا انتهاء.
ثم إن الرجل والمرأة يستويان فى خضوعهما لتلك القيود، أى فى نسبية الحرية. ونفس الشىء يقال عن قيود الدين، أى أوامره ونواهيه، إذ هى تلزم الجنسين جميعا لا النساء وحدهن. ومن ثم فإذا كان الإسلام مثلا يحرّم على الزوجة الزنا، فهو يحرّمه أيضا وبنفس القوة على الزوج. وعلى ذلك فقس كل أوامر الدين ونواهيه بالنسبة إليهما. لكن لا بد فى نهاية المطاف أن نكون على ذِكْرٍ من أن للرجل على المرأة درجة بنص القرآن المجيد:"ولهنَّ مِثْلُ الذى عليهن بالمعروف. وللرجال عليهن درجة" (البقرة/ 228). والمفهوم أن هذه الدرجة هى درجة القوامة، التى أعطيت للرجل من دون المرأة، إذ ما من مؤسسة أو شركة إلا ولها رئيس يقوم بمسؤوليتها ويتحمل أعباءها، وإن لم يترتب على هذا أن يكون هناك سادة وعبيد، بل هى مسألة تنظيمية بحتة. وهذا هو حكم القرآن، فلا مشاحة لمسلم فى هذا. ولسوف نأتى إلى هذه النقطة بعد قليل. ثم إن الرجل والمرأة فيما وراء ذلك حُرَّانِ يمكنهما أن ينتجا ويبدعا ويستمتعا بالحياة طعاما وشرابا وجنسا وسماعا وقراءة وترحالا وبيعا وشراء وعملا ونوما واسترخاء واسترجاعا للذكريات وتطلعا إلى المستقبل وتربية للأولاد وتزويجا لهم...
أما قولها: هل ينظر الله إلى النساء على أنهن ضعيفات نجسات خاطئات؟ فالجواب عليه هو أن الله قد خلق البشر جميعا ضعفاء: الرجال منهم والنساء على السواء. يقول المولى جل جلاله: "وخُلِق الإنسان ضعيفا". إلا أننا نرى بأعيننا ونلمس بأيدينا ونشعر فى قرارة قلوبنا ونستنتج بعقولنا التى فى رؤوسنا ونسمع بآذاننا ونحس فى أعماق ضمائرنا صوت الواقع الحاضر والتاريخ الماضى مؤكدا أن مُنَّة النساء أقلّ من مُنَّة الرجال رغم ما قلناه من أن الجنسين جميعا قد خُلِقا منذ البداية الأولى ضعيفين كما ورد فى القرآن الكريم. ذلك أن الرجل أقوى عضليا من المرأة، كما أنه أقدر على تحمل مصاعب الحياة ولا ينهار أمامها بسهولة، أو على الأقل: لا يسارع إلى البكاء إزاءها كما تفعل المرأة. ودعنا من أن إنجازاته العقلية أغزر وأعمق من إنجازات شقيقته فى الإنسانية وتوأم روحه ومكملة وجوده وجاعلة حياته ذات طعم ومعنى، أو (إن كان لابد من القفشة هنا) محوّلتها جحيما لا يطاق. أما إن لج بعض الناس وقال بغير ما هو مشاهد معلوم لا ينكره إلا معاند عريق فى المِرَاء فشأنه وذاك.
وإذا كان جون ستيوارت مِلْ مثلا ينكر أن يكون للتفوق العضلى أى قيمة فى هذا السبيل بحجة أن الفيل أقوى عضليا من الإنسان، ومع هذا فليست قوة عضلاته ميزة يمتاز بها عليه، فالرد سهل جدا لمن يريد. فنحن لا نقول إن الرجل لا يملك مثل الفيل سوى القوة العضلية، ثم تتفوق المرأة عليه بعد ذلك بعقلها، نحن لا نقول هذا، وإلا لكانت المرأة تلقائيا هى صاحبة القوامة مثلما أن الإنسان هو الذى يقود الفيل حسبما يريد ويستخدمه فى أعماله لا العكس رغم تفوق الأخير على الأول فى الحجم والقوة الجسدية. ذلك أن العبرة فى تلك الحالة بالفكر والذكاء والدهاء والتخطيط، بخلاف الأمر فى المقارنة بين الرجل والمرأة، اللذين لو قلنا على فَرْضًا بتساويهما فى العقل والذكاء والاختراع والإبداع وسائر الصفات المعنوية لبقى أن الرجل يمتاز عليها بالقوة العضلية، وهى عامل مرجح شديد الأهمية، إذ هو فى نظر النسويين والنسويات السبب فى تسيّده عليها منذ فجر التاريخ حتى عصرنا هذا، وليس ذلك بالشىء القليل.
وهذه عبارة الفيلسوف الإنجليزى:"But (it is said) there is anatomical evidence of the superior mental capacity of men compared with women: they have a larger brain. I reply, that in the first place the fact itself is doubtful. It is by no means established that the brain of a woman is smaller than that of a man.If it is inferred merely because a woman’s bodily frame generally is of less dimensions than a man’s, this criterion would lead to strange consequences. A tall and large-boned man must on this showing be wonderfully superior in intelligence to a small man, and an elephant or a whale must prodigiously excel mankind".
كذلك فجون ستيورات مل يصف عمل المرأة داخل البيت بأنه يحولها إلى خادمة للرجل، على حين أن عملها خارج البيت يصيّرها شريكة له، والشريكة غير الخادمة. وهذا خطأ فى الوصف والتشخيص، إذ بهذه الطريقة ينبغى أن نقول عن الرجل، الذى "يطفح الدم" كى يأتى آخر الشهر فيضع فى يد زوجته ما كسبه كله أو معظمه لتنفق منه عليه وعلى نفسها هى والأولاد، إنه يشتغل خادما عندها هى وأولادها. وهو ما لا نقوله ولا يقوله عاقل. ثم إن الناس، رَضُوا أم كرهوا، هم بعض لبعض، وإن لم يشعروا، خدمٌ. خدمٌ بالمعنى الواسع النبيل، إذ عليهم التعاون معا، وإلا استحالت الحياة والحضارة. أليس كذلك؟ ثم ما الذى فى قيام المرأة مثلا بتعليم أبنائها فى البيت مِنْ عيبٍ ينتفى عند تعليمها أبناء الآخرين فى المدرسة إذا اشتغلت مدرّسة، وكثيرا ما تشتغل؟ أو ما الذى فى قيام المرأة بتمريض أبنائها فى البيت مِنْ عَيْبٍ ينتفى عند تمريضها أبناء الآخرين فى المستشفى إذا اشتغلت ممرضة، وكثيرا ما تشتغل؟ أهى معاندة لمجرد المعاندة، والسلام؟ هذا، ولا بد أن نوضح أن إنفاق الرجل على زوجته ليس تفضلا منه يستطيع إيقافه متى أراد، بل هو واجب عليه دينا وعقلا وعدلا. أليست تشتغل فى البيت؟ فهذا مقابل لعمله هو خارج المنزل. فهى، حين تأخذ منه مصروف البيت وثمن ملابسها وزينتها ونزهتها، إنما تأخذه بوصفه حقا لها لقاء ما تؤديه من أعمال داخل البيت.
أنا لا أقول إنه يجب على المرأة أن تعود إلى البيت حتما، لكنى شخصيا أوثره على عملها خارج المنزل. وقبل أن يذهب وهم بعض القراء بعيدا أود أن أبين أن زوجتى حاصلة على الماجستير، ولولا مؤامرة سخيفة وصغيرة تمت فى غيابنا خارج مصر لكانت قد حصلت أيضا على الدكتورية. ومع هذا فقد اتفقنا منذ البداية على أن تبقى معززة مكرمة داخل المنزل، فأعطانا هذا الفرصة للسفر إلى كثير من المدن والقرى المصرية للفرجة والمتعة وتوسيع المدارك والتغلب على الملل. وقد عملتُ كل ما فى وسعى لتقرأ كثيرا وعميقا، فاستجابت إلى حد رائع، وإن كانت قد أخلدت فى السنوات الأخيرة إلى الاكتفاء بمطالعة الكتب السهلة. وكثيرا ما بيضت لى مسودات كتبى على خير وجه، وكانت تتقاضانى مالا على ذلك فأعطيها إياه وأنا أضحك. وكثيرا أيضا ما علقتْ على ما أكتب، وكان لها بعض المقترحات التى أخذتُ بعضها بعين الاعتبار ونفذته دون تأفف أو غضاضة.
وهناك من النسويات المنتسبات إلى الإسلام من ترفض أن يكون للرجل أى تفوق على المرأة، وتنظر إلى من يقول به على أنه مثل إبليس، الذى دفعته غطرسته إلى رفض السجود لآدم بحجة أنه مخلوق من نار، وآدم من طين، والنار أسمى من الطين كما جاء فى القرآن الكريم. وصاحبة هذا الكلام هى د. عزيزة الهِبْرى، وهى متأمركة عربية الأصول. وهى تسمى منطق القائلين بأن الرجل متفوق على المرأة بـ"المنطق الإبليسى". والحق إنى لأخشى أن يكون المنطق الإبليسى هو منطقها هى، فنحن حين نقول بهذا لا نقصد أن الرجال كلهم فى الجنة، والنساء فى النار، بل نقول إن الرجل هو قائد الأسرة، وهذا كل ما هنالك. وشتان بين هذا وبين ما تقوله الهبرى. ثم هل نفهم من كلامها عن غطرسة إبليس ورفضه السجود لآدم أنه ينبغى أن يسجد الرجل للمرأة، وإلا كان مصيره هو مصير أبى الشياطين؟ لا ريب أن هذا منتهى الخلط والتلبيس. ونحن نؤكد أن من المحتمل جدا أن تدخل كثير من النساء الجنة، ويُلْقَى بأزواجهن رغم ذلك فى قعر الجحيم، إذ لا نقول بتفوق الرجل على نصفه الحلو من الناحية الأخلاقية، بل من الناحية العضلية والعقلية، وهى الناحية التى تؤهله أفضل من المرأة للإمساك بزمام الأسرة. لكن ليس معنى هذا أن كل زوج لا بد أن يكون متفوقا على امرأته، بل يمكن جدا أن تتفوق امرأة على رجلها فى الشخصية وفى التفكير. إلا أن هذا ليس هو القاعدة، فلا يُعْتَدّ به من ثم. ثم ما دامت السيدة عزيزة الهبرى قد استشهدت بالقرآن فى قصة آدم وإبليس، فكيف تجاهلت أن القرآن أيضا هو الذى منح الرجال القوامة على النساء، وجعل لهم عليهن درجة؟ أم تراها تؤمن ببعض الكتاب وتتنكر لبعض؟ أم ماذا؟
ويجد القارئ عرضا لكلام الهبرى بقلم أسماء بارلس فى ص 260 من الفصل الذى عقدته لهذا الموضوع بعنوان "Women’s readings of the Quran" فى كتاب "The Cambridge Companion to the Quran". وهذه عبارة بارلس فى نصها الإنجليزى: "The point of departure for al-Hibri’s reading of the Quran’s position on sexual equality is different. To her, it is the principle of God’s unity, or tawhıd, that ‘provides the basis for the fundamental ****physical sameness of all humans as creatures of God’. As she too argues, this sameness is also a function of the fact that all human beings were created from the same nafs. Thus, while differences exist by divine will, as the Quran teaches, the most honoured in God’s sight is the most pious; as such, gender alone cannot render men superior to women. In fact, al-Hibri derives the same moral from the story of Satan’s fall from divine grace because of his refusal ‘to bow to Adam in direct contravention of a divine order’. Satan’s disobedience, she points out, stemmed from his belief that he was better than Adam ‘because God created him from... “Satanic logic”’ and maintains that it also underpins patriarchies. Early Muslim jurists, unaware of this logic, readily accepted ‘the central thesis of patriarchy, ****ly, that males were superior to females’. She thus rejects patriarchal readings of Muslim law on the grounds that ‘they are ****d on Satanic logic and conflict with tawhıd’. Since such interpretive reasoning was a product of its own time, al-Hibri believes that it needs ‘to be reexamined in light of the change in human consciousness".
وأما تساؤل بارلس عن نجاسة النساء فلا موضع له فى الإسلام، إذ المؤمن لا يَنْجُس أبدا بنص كلام الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم. ومثله المؤمنة أيضا، فـ"المؤمنون والمؤمنات بعضهم من بعض" كما جاء فى القرآن المجيد، و"النساء شقائق الرجال" كما ورد فى الحديث الشريف. فعن أبى هريرة قال: "لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق من طرق المدينة وأنا جُنُبٌ، فاختنست فذهبت فاغتسلت ثم جئت، فقال: أين كنت يا أبا هريرة؟ قال: قلت: إني كنت جُنُبًا، فكرهت أن أجالسك على غير طهارة. فقال: سبحان الله! إن المسلم لا يَنْجُس". وعن ابن عباس: "اغتسل بعض أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم من جفنة، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ليغتسل منها أو ليتوضأ، فقالت له: يا رسول الله، إني كنت جُنُبًا. فقال: إن الماء لا ينجس". ليس ذلك فحسب، بل إن المسلم إذا مات لا ينجس كذلك، ففى حديث للنبى عليه السلام: "لا تنجسوا موتاكم، فإن المسلم لا ينجس حيا ولا ميتا". ولعل الكاتبة تشير إلى ما يعترى النساء من دماء الحيض والنفاس. لكنها ينبغى أن تفهم أن وضع المرأة من هذه الناحية فى الإسلام يختلف تماما عن وضعها فى اليهودية. فالمسلمة لا تنجس أبدا، ولا تنجّس أى شىء تلمسه. وفى حالة حيضها أو نفاسها لا يُطْلَب من أهل بيتها الابتعاد عنها، بل يتعاملون معها بنفس السهولة التى يتعاملون بها فى غير أوقات حيضها ونفاسها، فيؤاكلونها ويشاربونها ويتحدثون إليها ويلمسونها ويتناولون منها ما تقدمه إليهم ويجلسون إلى جوارها كأنها لا حائض ولا نفساء، اللهم ما عدا مجامعة زوجها لها فى تلك الفترة حذرا من التعرض لضرر صحى فيما أفهم. وما عدا هذا فيحق لزوجها أن يناله منها دون أى حرج. وهذا كل ما هنالك، فلا نجاسة إذن البتة.
أما فى شريعة العهد القديم فنقرأ فى الإصحاح الخامس عشر من سفر "اللاويين" ما يلى: "16«وَإِذَا حَدَثَ مِنْ رَجُل اضْطِجَاعُ زَرْعٍ، يَرْحَضُ كُلَّ جَسَدِهِ بِمَاءٍ، وَيَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. 17وَكُلُّ ثَوْبٍ وَكُلُّ جِلْدٍ يَكُونُ عَلَيْهِ اضْطِجَاعُ زَرْعٍ يُغْسَلُ بِمَاءٍ، وَيَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. 18وَالْمَرْأَةُ الَّتِي يَضْطَجِعُ مَعَهَا رَجُلٌ اضْطِجَاعَ زَرْعٍ، يَسْتَحِمَّانِ بِمَاءٍ، وَيَكُونَانِ نَجِسَيْنِ إِلَى الْمَسَاءِ. 19«وَإِذَا كَانَتِ امْرَأَةٌ لَهَا سَيْلٌ، وَكَانَ سَيْلُهَا دَمًا فِي لَحْمِهَا، فَسَبْعَةَ أَيَّامٍ تَكُونُ فِي طَمْثِهَا. وَكُلُّ مَنْ مَسَّهَا يَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. 20وَكُلُّ مَا تَضْطَجِعُ عَلَيْهِ فِي طَمْثِهَا يَكُونُ نَجِسًا، وَكُلُّ مَا تَجْلِسُ عَلَيْهِ يَكُونُ نَجِسًا. 21وَكُلُّ مَنْ مَسَّ فِرَاشَهَا يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ، وَيَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. 22وَكُلُّ مَنْ مَسَّ مَتَاعًا تَجْلِسُ عَلَيْهِ، يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ، وَيَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. 23وَإِنْ كَانَ عَلَى الْفِرَاشِ أَوْ عَلَى الْمَتَاعِ الَّذِي هِيَ جَالِسَةٌ عَلَيْهِ عِنْدَمَا يَمَسُّهُ، يَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. 24وَإِنِ اضْطَجَعَ مَعَهَا رَجُلٌ فَكَانَ طَمْثُهَا عَلَيْهِ يَكُونُ نَجِسًا سَبْعَةَ أَيَّامٍ. وَكُلُّ فِرَاشٍ يَضْطَجِعُ عَلَيْهِ يَكُونُ نَجِسًا. 25«وَإِذَا كَانَتِ امْرَأَةٌ يَسِيلُ سَيْلُ دَمِهَا أَيَّامًا كَثِيرَةً فِي غَيْرِ وَقْتِ طَمْثِهَا، أَوْ إِذَا سَالَ بَعْدَ طَمْثِهَا، فَتَكُونُ كُلَّ أَيَّامِ سَيَلاَنِ نَجَاسَتِهَا كَمَا فِي أَيَّامِ طَمْثِهَا. إِنَّهَا نَجِسَةٌ. 26كُلُّ فِرَاشٍ تَضْطَجِعُ عَلَيْهِ كُلَّ أَيَّامِ سَيْلِهَا يَكُونُ لَهَا كَفِرَاشِ طَمْثِهَا. وَكُلُّ الأَمْتِعَةِ الَّتِي تَجْلِسُ عَلَيْهَا تَكُونُ نَجِسَةً كَنَجَاسَةِ طَمْثِهَا. 27وَكُلُّ مَنْ مَسَّهُنَّ يَكُونُ نَجِسًا، فَيَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ، وَيَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. 28وَإِذَا طَهُرَتْ مِنْ سَيْلِهَا تَحْسُبُ، لِنَفْسِهَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ تَطْهُرُ. 29وَفِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ تَأْخُذُ لِنَفْسِهَا يَمَامَتَيْنِ أَوْ فَرْخَيْ حَمَامٍ، وَتَأْتِي بِهِمَا إِلَى الْكَاهِنِ إِلَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ. 30فَيَعْمَلُ الْكَاهِنُ: الْوَاحِدَ ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ، وَالآخَرَ مُحْرَقَةً. وَيُكَفِّرُ عَنْهَا الْكَاهِنُ أَمَامَ الرَّبِّ مِنْ سَيْلِ نَجَاسَتِهَا. 31فَتَعْزِلاَنِ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْ نَجَاسَتِهِمْ لِئَلاَّ يَمُوتُوا فِي نَجَاسَتِهِمْ بِتَنْجِيسِهِمْ مَسْكَنِيَ الَّذِي فِي وَسَطِهِمْ. 32«هذِهِ شَرِيعَةُ ذِي السَّيْلِ، وَالَّذِي يَحْدُثُ مِنْهُ اضْطِجَاعُ زَرْعٍ فَيَتَنَجَّسُ بِهَا، 33وَالْعَلِيلَةِ فِي طَمْثِهَا، وَالسَّائِلِ سَيْلُهُ: الذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالرَّجُلِ الَّذِي يَضْطَجِعُ مَعَ نَجِسَةٍ»".
ويقول المودودى فى هذا الصدد فى تفسيره للآية 27 من سورة "النساء" فى تفسيره للقرآن:
ونأتى إلى الخطيئة. والحق أن الأصل فى الإنسان طبقا لعقيدة الإسلام الطاهرة الكريمة هو البراءة، وهو ما لا تختلف فيه المرأة عن الرجل بشىء، فهما بريئان إلى أن يرتكب أحدهما إثما. ومتى استغفر الله وجد الله غفورا رحيما. أما إذا كانت الإشارة هنا إلى ما يسمى بـ"الخطيئة الأصلية" فهذا أمر لا يمت إلى ثقافة المسلمين بصلة، إذ الخطيئة الأولى التى اقترفها آدم وحواء قد فُرِغ منها فى التو واللحظة، وطُوِيَتْ صفحتها تماما بتوبة الله على أبينا وأمنا الأَوَّلَيْن، وأصبحت فى خبر كان: "وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ* فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ* فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ" (البقرة/ 35- 37). بل إن هناك شيئا يلفت النظر فى هذه القضية، ألا وهو أن القرآن، حين يتحدث عن عصيان الإنسان الأول ووقوعه فى الغَوَاية قبل هبوطه من الجنة التى كان يرتع هو وامرأته فى بحبوحتها وخيراتها، لا يذكر إلا آدم، وكأن حواء لا وجود لها، أو كأنها لم تشاركه تلك المعصية: "فعَصَى آدمُ ربَّه فغَوَى* ثم اجتباه ربُّه فتاب عليه وهَدَى" (طه/121- 122). وأنا، وإن كنت أعتقد أن آدم المذكور فى سياق العصيان والغواية هو الإنسان عموما لا الإنسان الذكر وحده، أرى أن لهذا الأمر مغزاه الذى لا ينبغى أن يفوت العين الفاحصة.
هذا ما يقوله القرآن، أما ما يقوله الكتاب المقدس عند اليهود والنصارى فى ذات الموضوع فموجود فى الإصحاح الرابع من سفر"التكوين"، وهذا نصه، ومنه يتبين أن الكتاب المقدس يدين المرأة ويلقى بكل المسؤولية على أم رأسها معفيا الرجل من كل ذنب، وهو ما يختلف فيه الكتاب المقدس عن كتاب الله: "1وَكَانَتِ الْحَيَّةُ أَحْيَلَ جَمِيعِ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ الَّتِي عَمِلَهَا الرَّبُّ الإِلهُ، فَقَالَتْ لِلْمَرْأَةِ: «أَحَقًّا قَالَ اللهُ لاَ تَأْكُلاَ مِنْ كُلِّ شَجَرِ الْجَنَّةِ؟» 2فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ لِلْحَيَّةِ: «مِنْ ثَمَرِ شَجَرِ الْجَنَّةِ نَأْكُلُ، 3وَأَمَّا ثَمَرُ الشَّجَرَةِ الَّتِي فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ فَقَالَ اللهُ: لاَ تَأْكُلاَ مِنْهُ وَلاَ تَمَسَّاهُ لِئَلاَّ تَمُوتَا». 4فَقَالَتِ الْحَيَّةُ لِلْمَرْأَةِ: «لَنْ تَمُوتَا! 5بَلِ اللهُ عَالِمٌ أَنَّهُ يَوْمَ تَأْكُلاَنِ مِنْهُ تَنْفَتِحُ أَعْيُنُكُمَا وَتَكُونَانِ كَاللهِ عَارِفَيْنِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ». 6فَرَأَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّ الشَّجَرَةَ جَيِّدَةٌ لِلأَكْلِ، وَأَنَّهَا بَهِجَةٌ لِلْعُيُونِ، وَأَنَّ الشَّجَرَةَ شَهِيَّةٌ لِلنَّظَرِ. فَأَخَذَتْ مِنْ ثَمَرِهَا وَأَكَلَتْ، وَأَعْطَتْ رَجُلَهَا أَيْضًا مَعَهَا فَأَكَلَ. 7فَانْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا وَعَلِمَا أَنَّهُمَا عُرْيَانَانِ. فَخَاطَا أَوْرَاقَ تِينٍ وَصَنَعَا لأَنْفُسِهِمَا مَآزِرَ. 8وَسَمِعَا صَوْتَ الرَّبِّ الإِلهِ مَاشِيًا فِي الْجَنَّةِ عِنْدَ هُبُوبِ رِيحِ النَّهَارِ، فَاخْتَبَأَ آدَمُ وَامْرَأَتُهُ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ الإِلهِ فِي وَسَطِ شَجَرِ الْجَنَّةِ. 9فَنَادَى الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ وَقَالَ لَهُ: «أَيْنَ أَنْتَ؟». 10فَقَالَ: «سَمِعْتُ صَوْتَكَ فِي الْجَنَّةِ فَخَشِيتُ، لأَنِّي عُرْيَانٌ فَاخْتَبَأْتُ». 11فَقَالَ: «مَنْ أَعْلَمَكَ أَنَّكَ عُرْيَانٌ؟ هَلْ أَكَلْتَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي أَوْصَيْتُكَ أَنْ لاَ تَأْكُلَ مِنْهَا؟» 12فَقَالَ آدَمُ: «الْمَرْأَةُ الَّتِي جَعَلْتَهَا مَعِي هِيَ أَعْطَتْنِي مِنَ الشَّجَرَةِ فَأَكَلْتُ». 13فَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ لِلْمَرْأَةِ: «مَا هذَا الَّذِي فَعَلْتِ؟» فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: «الْحَيَّةُ غَرَّتْنِي فَأَكَلْتُ». 14فَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ لِلْحَيَّةِ: «لأَنَّكِ فَعَلْتِ هذَا، مَلْعُونَةٌ أَنْتِ مِنْ جَمِيعِ الْبَهَائِمِ وَمِنْ جَمِيعِ وُحُوشِ الْبَرِّيَّةِ. عَلَى بَطْنِكِ تَسْعَيْنَ وَتُرَابًا تَأْكُلِينَ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكِ. 15وَأَضَعُ عَدَاوَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ، وَبَيْنَ نَسْلِكِ وَنَسْلِهَا. هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ، وَأَنْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَهُ». 16وَقَالَ لِلْمَرْأَةِ: «تَكْثِيرًا أُكَثِّرُ أَتْعَابَ حَبَلِكِ، بِالْوَجَعِ تَلِدِينَ أَوْلاَدًا. وَإِلَى رَجُلِكِ يَكُونُ اشْتِيَاقُكِ وَهُوَ يَسُودُ عَلَيْكِ». 17وَقَالَ لآدَمَ: «لأَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِ امْرَأَتِكَ وَأَكَلْتَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي أَوْصَيْتُكَ قَائِلا: لاَ تَأْكُلْ مِنْهَا، مَلْعُونَةٌ الأَرْضُ بِسَبَبِكَ. بِالتَّعَبِ تَأْكُلُ مِنْهَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ. 18وَشَوْكًا وَحَسَكًا تُنْبِتُ لَكَ، وَتَأْكُلُ عُشْبَ الْحَقْلِ. 19بِعَرَقِ وَجْهِكَ تَأْكُلُ خُبْزًا حَتَّى تَعُودَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُخِذْتَ مِنْهَا. لأَنَّكَ تُرَابٌ، وَإِلَى تُرَابٍ تَعُودُ»".
ثم إن الكاتبة الباكستانية المتأمركة تشير إلى ما تقول إنه ممارسة عنف ضد المرأة فى بلاد المسلمين من مشرقها إلى مغربها، لتنتهى إلى تأكيد أن الإسلام ليس دينا ذكوريا أو يكره المرأة، بل يقف مع حريتها بكل يقين. وإذا كان هناك، كما تقول، إسلامان: إسلام يقف فى صف المرأة، وآخر يقف معاديا لها، فإنها فى هذا الكتاب تقوم بما يجب أن تقوم به، ألا وهو قراءة القرآن قراءة سليمة تضع الأمور فى نصابها الصحيح، تلك القراءة التى تستعيد الصوت المساواتى العنيد فى الإسلام (ص2 وما بعدها).
وكنت أود لو أن د. أسماء بارلس لم تختص البلاد الإسلامية بالكلام عن العنف ضد المرأة، إذ إن هذا أمر لا ينحصر وقوعه فى بلاد المسلمين وحدها دون بقية بلاد المسكونة بل يعم العالم كله، وعلى رأسها الدول الغربية، التى ينتشر فيها أيضا، وعلى نطاق واسع، اغتصاب المرأة والمتاجرة بجسدها فى الإعلانات وبيوت الدعارة وشرائط السينما، والتحرش بها فى أماكن العمل رغم ما يشيع فى تلك البلاد من تفلت وشذوذ جنسى بجميع أنواعه، علاوة على أن الأب فى بلاد المسلمين عادة ما يحمل عبء ابنته حتى تتزوج، على عكس ما يجرى عليه الأمر فى بلاد الغرب، إذ تُتْرَك البنت لمصيرها متى بلغت الحلم فتكد وتشقى دون أن يفكر أحد فى مد يد العون لها. وقل مثل ذلك فى مسؤولية الابن تجاه أمه عندنا وعندهم. إلا أن آلة الدعاية الغربية الجهنمية، متى ما أرادت لسبب أو لآخر، وما أكثر أسبابها الإبليسية، قادرة على شيطنة الملائكة ومَلأَكَة الشياطين!
كذلك ليس الظلم فى الأسرة بمقتصر على الوقوع من الرجال ضد النساء، فكثيرا ما تظلم المرأة الرجل وتكيد له مثلما يظلمها هو ويكيد لها، وإن كان الرجال قد درجوا على عدم إثارة تلك المسائل. وما أكثر ما نسمع عن نساء قتلن أزواجهن أو جرجروهن فى المحاكم ظلمًا وافتراءً أو خُنَّ الأمانة التى وضعوها فيهن: سواء كانت أمانة مال أو أمانة عِرْضٍ وشرف. لكن النزعة النسوية تضخم للأسف كل ما يهم المرأة، وتقلل فى ذات الوقت من شأن كل ما يتعلق بحقوق الرجل. والشىء الثالث هو أن النسويات، وكذلك النسويين الذين يلهثون خلفهن، يحاولون أن يقلبوا كل الأوضاع رأسا على عقب متهمين الرجال على الدوام بأنهم يظلمون النساء. فإذا قال المسلم مثلا، طبقا لما يقوله القرآن، إن القوامة فى البيت للرجل ردت النسويات والنسويون بأن هذا إجحاف بحقوق المرأة وظلم لها. وعلى ذلك فَقِسْ.
وفى ضوء هذا يمكننا أن نفهم مغزى السؤال الذى طرحته السيدة بارلس قبل قليل حين قالت: هل يرى الله فى إدارة الذكور لشؤون الأسرة أمرا ينبغى استمراره بوصفه قاعدة خالدة كما يقول البطرياركيون؟ وجوابنا هو: نعم، فهكذا يقول النص الكريم. ألم يقل المولى:"الرجال قوامون على النساء" بألف ولام الماهيّة (لا بألف ولام العهد) بما يدل على أنه وضع دائم لا مؤقت؟ أما إن كان لها رأى آخر فلتبينه لنا، على ألا تلجأ فى تفسير الآية إلى الألاعيب التى يبرع فيها بعض ذوى النزعة النسوية المتطرفة وذواتها لنصرة مذهبهم وإفساد أوضاع الأسرة ونشر الاضطراب فى بنيانها، وكأنهم لا يَلَذّون إلا الصراع والشقاق بين الزوجين بحجة الوقوف إلى جانب المرأة والقضاء على أسباب شكواها، مع أن الشكوى فى كثير من الأحيان هى مجرد شقشقة فارغة تلوكها ألسنة النساء الفاشلات فى بناء أسر هانئة تتمتع بالسكينة والسلام، فهنّ يردن هدم كل الأسر، متلذذات بإضرام النار فى البيوت السعيدة من حولهن إرضاء لأحقادهن وشرور نفوسهن. وأود هنا أن أكرر أننى إنما أتكلم الآن على المتطرفات من ذوات النزعة النسائية لا اللاتى يعملن على تحسين أوضاع النساء المهضومات الحقوق فعلا لا ادعاء.
وقد تنبه د. محمد محمد حسين من قبل فى كتابه: "حصوننا مهددة من داخلها" إلى مثل هذا الذى ذكرناه فقال: "زعم أعداء المرأة المتسَمَّوْن بـ"أنصارها" أن لزومها للمنزل انتقاص لحقوقها وقتل لشخصيتها واعتداء على كيانها. ومِنْ قَلْب الأوضاع أن نسمى الـمَصُونَ المخدومَ المكفِىَّ حاجتَه: "سجينًا"... وقد عاشت المرأة ما عاشت مكرمة معززة مدللـة حاكمة على زوجها من خلف ستار، ولم تحس يوما أنها مهضومة الحق أو أنها مضطهدة أو سجينة أو مهدرة الكرامة والشخصية، حتى ظهر ذلك النفر من الكتاب فأحل الصراع والتنازع بين الجنسين محل التواد والتراحم. ومن عجبٍ أن الذين حملوا اللواء إلى ما يسمونه: "حقوق المرأة" كانوا من الرجال، ولم يكونوا من النساء. ولم يكن من صنيعهم إلا إفساد الحياة على المرأة والرجل كليهما. ذلك لأن الحياة تحتاج إلى طمأنينة توفر للناس السعادة والاستقرار. وثورة الرجال والنساء كل منهما على الآخر تُحِلّ القلق والبغضاء محل الطمأنينة والحب بين الجنسين، اللذين أراد الله سبحانه أن يجعل بينهما مودة ورحمة ينبنى عليهما عمران الكون وحفظ النوع البشرى. والمجتمع السليم يقوم على التواد والتراحم وعلى إخلاص كل عضو فيه لوظيفته وقيامه بها راضيا لا يملّ ولا يتذمر، فهو كالجسم الذى ينصرف كل عضو فيه إلى أداء عمله ووظيفته، لو توقف أحد أعضائه عن أدائها لتوقف واختل... والرجل الذى يكد ويجهد نفسه ويرهقها فى العمل خارج البيت محتاج إلى زوجة متزينة متعطرة ناعمة البال يأنس بها ويسكن إليها مما يجده من عناء، وتُسَرِّى عنه بعض ما يعتريه من السأم والإجهاد وما يترك فى نفسه عنف التعامل مع الناس من آثار الضيق والملل. وكدح المرأة فى ميادين الأعمال العامة يصرفها عن رعاية الزوج والولد كليهما لا شك فى ذلك لأنها تعود إلى البيت مكدودة مرهقة كالرجل. فأيهما هو الذى يُسَرِّى عن الآخر؟ وأيهما هو الذى سيتسع صدره لمداعبة البنين واحتمال ما لا بد أن يُحْتَمَل فى تربيتهم من ضجيج مرحهم وأنين ألمهم وصراخ أوجاعهم؟ وهل تصبح الحياة عند ذلك إلا عناء وشقاء للمرأة والرجل كليهما؟ وهل يصبح الفرد، رجلا كان أو امرأة أو طفلا، إلا تُرْسًا من تروس آلة صماء فى حياة لا سكن فيها ولا قرار؟ ويستطيع كل ذى لب وبصيرة أن يدرك آثار الفشل الذى حاق بتجارب المجتمع الأوربى والأمريكى فى هذه الناحية، مع أن هذه الآثار لم تبلغ بعدُ مداها، ولا تزال سائر عقابيلها فى الطريق. فهذا الجيل الغربى من التائهين والضائعين المحطَّمى الأعصاب المبلبَلى الأفكار القلقى النفوس، وهذه النسبة الآخذة فى الارتفاع حسب إحصاء الغربيين أنفسهم للانحراف والشذوذ بكل ضروبه وألوانه، هذه الظواهر والآثار كلها هى من آثار التجربة التى خاضها الغرب فى المرأة، لأن هؤلاء جميعا هم أبناء العاملات والموظفات الذين عانَوْا من إرهاق أمهاتهم وهم فى بطونهن، ثم تعرضوا لإهمالهن بعد أن وضعنهم. وماذا يبقى للناس من تجربة فاشلة كهذه؟ ألا يتدبرون؟" (د. محمد محمد حسين/ حصوننا مهددة من داخلها/ ط6/ مؤسسة الرسالة/ 1401هـ- 1981م/ 92- 94).
هذا، ولا أنكر أن المرأة قد تكون فى بعض ا لحالات أقوى من الرجل شخصية وأقدر منه على التصرف وتدبير الأمور. وأذكر فى هذا السياق أنه كانت تسكن بجوارنا فى يوم من الأيام أسرة مكونة من زوج وزوجة وأبناء. وكانت الزوجة أمية، والزوج خريج جامعة، ومع ذلك كان الزوج بوجه عام يخاف مواجهة الناس، وكانت الزوجة هى التى تدبر كثيرا من أمور الأسرة، وكل ما عليه هو أن يعطيها مصروف الشهر وما يحتاجه البيت، والله يحب المحسنين. وفى مثل هذه الحالة تسوّى الحياة أوضاعها حسب ما يجرى فى الطبيعة والواقع، فتكون الإدارة الفعلية بيد المرأة. إلا أن هذا قليل، ولا ينبغى أن يكسر القاعدة العامة التى قررها القرآن الكريم. فمن المعروف أنه ما من قاعدة عامة إلا وهناك حالات تشذ عنها، لكنها لا تهدمها، وإلا لبطلت جميع القواعد والقوانين فى الدنيا. بل قد تكون الزوجة قوية الشخصية، وزوجها قوى الشخصية أيضا، فيستشيرها ولا يجد غضاضة فى أن يأخذ برأيها كالذى كان بين أبى العباس السفاح الخليفة العباسى وزوجته أم سلمة بنت يعقوب بن عبد الله المخزومى، إذ كانت سيدة ذات عقل وحزم غلبت على أمر زوجها غلبة شديدة، فكان لا يقطع أمرا إلا بمشورتها. وكان قد حلف ألا يتزوج عليها أو يتسرى بأمة أو يغيرها، فوفى لها بما حلف عليه (انظر عمر رضا كحالة/ أعلام النساء/ مؤسسة الرسالة/ بيروت/ 2/ 235- 236).
وفى رأى السيدة بارلس أن المشكلة فى الظلم الواقع على النساء لا تعود إلى القرآن ذاته، بل إلى تفسير القرآن تفسيرا خاطئا بسبب الاعتماد على الأحاديث غير الصحيحة التى يظن المسلمون صحتها مع ذلك. ولا بد إذن من إعادة تفسير القرآن من قِبَل المرأة كما تقول. ذلك أنه لا يمكن تغيير وضع المرأة فى المجتمعات الإسلامية إلا إذا انطلقنا من القرآن وتعاليمه وتفسير تلك التعاليم تفسيرا تحرريا، وهو ما يفوت العلمانيين المنتسبين إلى الإسلام، إذ ينطلقون من منطلق آخر، ومن ثم يفشلون فى مهمتهم.
وأنا مع السيدة بارلس فى أن القرآن ينبغى أن يكون هو المنطلق السليم لا لمعرفة حقوق المرأة فقط، بل حقوق الرجل أيضا والأمّة، وكذلك الواجبات قبل الحقوق. ذلك أن الحياة ليست حقوقا وحسب، بل حقوقا وواجبات، بل واجبات قبل الحقوق، إذ كيف يحصل الإنسان فردا كان أو جماعة على حقوقه قبل أن يقوم بواجباته؟ ترى هل يمكن أن يتم أى إنجاز يطالب الشخص أو الجماعة بحقوقهما فيه قبل أن يقوما بواجباتهما فينحزاه فعلا وعلى نحو متقن؟ الواقع أن الواجب لا بد أن يسبق الحق، إذ إن هذا مترتب على ذاك بالبداهة. لكنى لست معها فى أن السبيل إلى ذلك بالضرورة هو قيام النساء بالتفسير، لأنه إذا كان الدافع لها إلى هذا القول هو اتهامها للرجال بالخطإ فى فهم النص القرآنى أو لَيّه عن مقاصده لسبب أو لغيره، فإن النساء لسن أفضل حالا من الرجال، فهن بشر مثلما أن الرجال بشر. وإذا قيل إن الرجال سوف ينحازون فى تفسيرهم إلى جنسهم فيظلمون المرأة من ثم، فإنه يمكن القول من نفس المنطلق بأن النساء سوف ينحزن إلى جنسهن فيزعمن لأنفسهن ما ليس من حقهن من ثم. لو أنها قالت إن المطلوب هو تعاون الجميع فى تقديم أفضل تفسير ممكن لما خالفناها فى شىء. فالأمر أولا وأخيرا هو أمر تعاون لا تخاصم ولا تطاحن بين الرجل والمرأة، إذ هما شقيقان كما قال رسولنا الكريم.
كذلك فإن قولها إن النساء المسلمات لا يهتممن بمعرفة حقوقهن ولا بالقراءة الصحيحة التحررية للنص القرآنى، بل يقبلن بالقراءة الأبوية لتلك النصوص، وهو ما يؤدى إلى استمرار المعاملة الظالمة لهن، ومن هنا كان لا بد من إظهار وجه الخطإ فى المنهج التقليدى لقراءة القرآن وتقديم منهج آخر تحررى لقراءته، إن قولها هذا يعنى أن جميع التفسيرات القرآنية حتى الآن هى تفسيرات خاطئة تقوم على ظلم المرأة وهضم حقوقها، لا لشىء إلا لأنها مثلا تقول بأن للرجال على النساء درجة، وهو الأمر الذى لا نوافقها عليه. كما أن النقطة الذى تبدأ منها هى أن الرجال يكرهون النساء ويعملون دائما على إيقاع الظلم بهن. وكلامها هذا مما ينشر التباغض بين الجنسين ويغرس النفور من الرجال فى نفوس النساء. ونحن فى غنى عن هذا كله، فالمرأة هى أم الرجل وبنته وأخته وزوجته وعمته وخالته وجدته... وليست واحدة من الأعداء. وإذا كان هناك تقصير من الرجال فى حقهن فليس شرطا أن يكون تقصيرا مقصودا، فضلا عن أن هناك أيضا تقصيرا، وتقصيرا كبيرا أحيانا، من النساء فى حق الرجال كما هو مشاهد فى كل مكان.
وتوضح بارلس دعوتها قائلة إن قراءة أى نص، وبخاصة النصوص الدينية كالقرآن مثلا، لا تعتمد فقط على النص بل على السياق الذى تمت قراءتها فيه. ومن هنا نراها تفرق بين النص القرآنى فى حد ذاته وبين تفسير المسلمين له متأثرين ببيئاتهم وقيمهم ونظرتهم للحياة. فهى إذن تدعو إلى التفرقة بين الإلهى والبشرى حسبما تقول. كذلك نراها تؤكد أن أى نص يقبل بطبيعته قراءات متعددة تبعا لتعدد نوعية القارئين. والواقع أن الإنسان يخضع فعلا لمثل تلك المؤثرات، لكن ليس من اللازم خضوعه لها، إذ باستطاعة المفسر عن طريق يقظته ووعيه بتلك المؤثرات ألا يقع فريسة لتأثيرها الضار. ولكن من ناحية أخرى نرجو أن تكون د. أسماء هى بدورها يقظة وواعية بالمؤثرات التى يمكن أن تمارسها البيئة الأمريكية عليها وهى تفسر القرآن. فنحن نعرف أن هناك صراخا عاليا بل مصما للآذان وجالبا للصداع فى الولايات المتحدة يندد بالإسلام وبنظرته إلى المرأة ويدعو إلى إعادة تفسير آياته المتعلقة بالمرأة من جديد. والمقصود بهذا التفسير الجديد هو تبنى الرؤية الغربية، والأمريكية بوجه خاص، لقضية المرأة. فالحذر الحذر حتى لا تسقط بارلس وغيرها ممن نشطن فى الآونة الأخيرة إلى تفسير القرآن الكريم من الوقوع فى هذا الفخ المنصوب. وهذه مهمة شاقة، بل هى أشق من مهمة المفسر القديم الذى تتهمه بارلس بالتجنى على المرأة وإنكار حقوقها، بغض النظر الآن عن أنها، فى اتهامها لذلك المفسر القديم، على صواب أو على خطإ. وكل ذلك بافتراض صلاحيتها الأخلاقية والعلمية للقيام بتلك المهمة الخطيرة، فهل تصرفاتها فى هذا المجال تصدّق يا ترى ذلك الافتراض؟
تعالوا نقرأ هذا الخبر الذى لا يمكن أن يخطئ أى إنسان فهمه ولا مغزاه، إذ نشرت "السفير" بتاريخ 17/8/2006 ما يلى: "دعا المفوض الأوروبي للشؤون الداخلية فرانكو فراتيني في لندن أمس، إلى تأسيس "إسلام أوروبي" وتنظيم "دورات تأهيل للأئمة على المستوى الأوروبي"، مطالبا في الوقت ذاته المسلمين باحترام "الحق في الحياة".وفي أعقاب اجتماع وزاري أوروبي بحث "السبل الكفيلة بمحاربة التشدد" قال فراتيني: "نريد إسلاما أوروبي"، موضحا أن أوروبا تريد "أن تثبت أنها تحترم الديانات الأخرى وتتوقع في المقابل أن تحترم "هذه الديانات" الحقوق والقوانين الوطنية والأوروبية وقبل كل شيء الحق في الحياة". كما أكّد فراتيني على ضرورة "إقامة تعاون وثيق مع المجموعات المسلمة"، مشددا على ضرورة "معاقبة الجريمة"...". يقول المفوض الأوربى هذا، وكأن المسلمين هم الذين كانوا يستعمرون البلاد الأوربية ويستنزفون ثرواتها ويقتلون أحرارها ويودعونهم غياهب السجون أو يعلقون
يتّهمن مفسرى القرآن بظلم المرأة
ويقدّمن تفسيرا نسويا بديلا!
د. إبراهيم عوض