رؤية أخرى للمعركة الفكرية بين فؤاد زكريا وعبد الحليم محمود حول اشتراك الملائكة فى حرب رمضان المجيد:
==========
هجوم فؤاد زكريا على عبد الحليم محمود بسبب رؤيا النصر 
د. إبراهيم عوض

يذكر د. أحمد عمر هاشم أن فضيلة الدكتور عبد الحليم محمود كان مهتما بإسهام الأزهريين في معركة العاشر من رمضان، وأنه استعان في هذا الصدد بأساتذة جامعة الأزهر ورجال الدعوة لتعبئة الروح المعنوية لأبناء قواتنا المسلحة، وأنه عند لقاء العلماء بأبناء الجيش في شهر رمضان أثناء الحرب أفتى بعض الدعاة للجنود بأنه، نظرا لحرارة الجو وحاجة الحرب إلى كامل طاقتهم، من المستحب الأخذ برخصة الفطر لتكون عونا لهم فى الانتصار على العدو الصهيوني، بيد أن بعض الجنود أجابوا قائلين: لا نريد أن نفطر إلا في الجنة!
ويذكر د. هاشم أيضا أن الشيخ عبد الحليم محمود، قبيل حرب رمضان المجيدة، قد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام يعبر قناة السويس ومعه علماء المسلمين وقواتنا المسلحة، فاستبشر خيرا وأيقن بالنصر، وأخبر الرئيس السادات رحمه الله بتلك البشارة ، واقترح عليه أن يأخذ قرار الحرب مطمئنا إياه بالنصر. ثم لم يكتف بهذا، بل انطلق عقب اشتعال الحرب إلى منبر الأزهر الشريف، وألقى خطبة عصماء توجه فيها إلى الجماهير والحكام مبينا أن حربنا مع إسرائيل هى حرب في سبيل الله، وأن الذي يموت فيها شهيدٌ وله الجنة، أما من تخلف عنها ثم مات فإنه يموت على شعبة من شعب النفاق. وكانت نتيجة الإعداد الجيد الذى قام به الجيش المصرى، مضافا إليه طمأنة د. عبد الحليم محمود لرئيس البلاد وحَفْزه إياه على شن الحرب ضد قوات الصهاينة، التى تحتل جزءا غاليا من تراب مصر، هى ما أسفرت عنه الحرب الرمضانية المجيدة من نصر كبير . وقد تطرق إلى تلك الواقعة د. محمود جامع أيضا فى كتابه: "كيف عرفتُ السادات؟"، إذ كتب قائلا: "لا ننسى أنه بشرنا بالنصر في أكتوبر 73 عندما رأى حبيبه رسول الله عليه الصلاة والسلام في المنام، وهو يرفع راية "الله أكبر" للجنود ولقوات أكتوبر".
ولا شك أن ما طرأ بعد ذلك من تهاون عسكرى أدى إلى اختراق بعض قوات العدو لخطوط جيشنا فيما سمى بـ"الثغرة"، وكذلك رضا القيادة السياسية بشروط معاهدة كامب ديفيد المجحفة، يمثل خصما واضحا من التألق البطولى الذى أحرزه أبطال حرب رمضان، بَيْدَ أن هذه حكاية أخرى . لقد بذلت القوات المسلحة كل جهودها، وكان د. عبد الحليم محمود خير مؤازر لتلك الجهود. ولا ريب أن ما صرح به الرجل كان عاملا من عوامل الإقدام والنصر. ومن هنا كان ما كتبه د. فؤاد زكريا فى جريدة "الأهرام" فى 18 نوفمبر 1973م من مقال مفعم بالهجوم على الأستاذ الدكتور، الذى لم يأل جهدا فى سبيل رفع الروح المعنوية للضباط والجنود وتحميسهم لبذل أقصى ما عندهم من عزم وشجاعة وطمأنتهم إلى أن الله ناصرهم وآخذ بيدهم إلى النصر والكرامة، هو من الأمور المخزية التى من شأنها تفتيت الروح المعنوية بشبهة محاربة الخرافة ومؤازرة التفكير العلمى، وبخاصة أن العمليات العسكرية بيننا وبين الصهاينة فى تلك الحرب لم تكن قد انتهت بعد. 
وكان أجدر بالدكتور فؤاد زكريا أن يوجه سنان قلمه مثلا لمحمد حسنين هيكل يوم كتب، قبل الحرب بسنة ونصف، مقالا فى "الأهرام" بعنوان "تحية للرجال" يبدو فى ظاهره وكأنه تقدير لجهود رجال القوات المسلحة وبطولاتهم، لكنه فى الحقيقة تعداد للعقبات الفظيعة التى تنتظرهم حين يحاولون عبور قناة السويس، والتى أبرزها إبرازا يوحى بأن مسألة العبور ضرب من الانتحار . وكان من ثمرته فى ذلك الحين انتشار الإحباط فى نفوس كثير من أفراد القوات المسلحة على ما قرأنا فى تلك الأيام، ذلك الإحباط الذى أتت بشرى د. عبد الحليم محمود معاكسة له تماما. لكن د. فؤاد زكريا لم ينبس ببنت شفة فى الرد على مقال هيكل المحبط، وحشد كل قوته فى تشويه صورة د. عبد الحليم وإظهاره بمظهر الرجل المتخلف الذى يطمس جهود القوات المسلحة والقيادة السياسية للبلاد، وكأن عبد الحليم محمود نادى بترك الاستعدادات السياسية والحربية والاستناد إلى ضرب الوَدْع وقراءة الفنجان، والتهور الانتحارى فى عبور القناة دون دراسة أو تدريب أو تخطيط. 
لقد لفت انتباهى بقوةٍ ما قرأته فى المادة المخصصة للشيخ فى النسخة الإنجليزية من موسوعة "الويكبيديا"، إذ جاء فيها أنه معروف باجتهاده فى تحديث التعليم فى الأزهر وإلحاحه على أنّ تعلُّم العلوم الحديثة فرض دينى . فكيف يمكن أن يدور بالذهن أن الرجل، حين قال ما قال عن رؤياه، أيا كان منطلقه فيها، إنما كان يروج للخرافة؟ وفى الفصل الخاص بمناقشة آرائه وأفكاره من هذا الكتاب سوف يتضح لكل ذى عينين أن الرجل كان فعلا يرى أن دراسة العلوم الطبيعية وإحراز التقدم الثقافى والحضارى واجب دينى مقدس لا يمكن المسلم أن يتفلت منه ويبقى مسلما جيدا. 
قال د. فؤاد زكريا ما نصه: "أستطيع أن أفهم، وإن لم أكن أستطيع أن أغتفر، انتشار ألوان من التفكير اللاعقلى بيننا بعد يونيه 1967. أستطيع أن أفهم ذلك لأن قسوة الهزيمة غير المتوقعة، والإحساس بالهوان والمذلة والعجز، والشعور بأن كل شئ يسير فى طريق مسدود، كل هذه كانت عوامل ساعدت على انتشار موجات من التفكير اللاعقلى، وجعلت الأذهان أكثر استعدادا لقبول تفسيرات غيبية للظواهر، وهيأت العقول لنوع من الاستسلام جعلها تفقد ملكاتها القديمة، وتركن إلى التصديق الساذج لكل بدعة وكل خرافة تجد فيها أى نوع من التعويض.
ومع ذلك فإنى لا أستطيع أن أغتفر انتشار هذا اللون من التفكير حتى فى ظروف الهزيمة، لا سيما وأن الكثيرين ممن عملوا على نشره كانوا يستطيعون، بقليل من الروية، أن يدركوا مدى الأضرار التى يعود بها مثل هذا التفكير على شعبنا أثناء تلك المحنة القاسية، فقد كنا فى حاجة إلى أن نستجمع كل قوانا المادية والذهنية لكى نهتدى إلى مخرج من المأزق الذى وجدنا أنفسنا فيه، وكنا فى حاجة إلى كل ذرة من عقلنا وعلمنا وفكرنا السليم حتى نحارب بها عدوا ماكرا يجيد استخدام كل أسلحة العصر فى المجال العسكرى والنفسى والعلمى من أجل تحقيق أهدافه فى وقف تقدمنا وإبقائنا فى حالة من التخلف الدائم. ومع ذلك فقد كان من أكثر التعليلات التى شاعت بصدد الهزيمة أنها قد حلت بنا لأننا ابتعدنا عن طريق التقوى مفهومةً بمعنى ساذج. ولم يكن ذلك بالتعليل الذى يمكن اغتفاره لأسباب عديدة أهمها أنه يعمى عيون الناس عن العوامل الأساسية التى كان لا بد أن يفهموا أنها شاركت كلها فى صنع هذه الهزيمة: كمؤامرات الصهيونية المتعاونة مع الإمبريالية، وكالأخطاء التى ارتكبناها نحن أنفسنا قبل حرب عام 1967 وأثناءها، والتى كان ينبغى أن نعيها جيدا إذا شئنا أن نمحو أثر الهزيمة.
وفضلا عن ذلك فإن نفس المنطق الذى كان ينطلق منه دعاة هذا التعليل يمكن أن يكون حجة عليهم لا لهم، لأننا إذا كنا قد ابتعدنا عن طريق التقوى فإن عدونا كان، طوال تاريخه، أشد منا ابتعادا عنه. فهذا العدو ذاته هو الذى شرد شعبا كاملا، وارتكب فى حقه أشد الفظائع والمظالم. فلماذا إذن يكتب النصر لعدو كهذا إذا كان مقياس النصر أو الهزيمة هو التقوى مفهومةً بهذا المعنى الساذج؟
على أنه إذا كان انتشار التفكير اللاعقلى أمرا مفهوما، بالرغم من أنه لا يغتفر، فى ظروف الهزيمة فإن الأمر الذى لا يمكن فهمه ولا اغتفاره هو أن تظهر ألوان جديدة من هذا التفكير بعد السادس من أكتوبر. فذلك لأننا كنا قد أعددنا العدة لكل شئ منذ زمن طويل، وحسبنا لكل عامل من العوامل حسابا، وأجرينا مئات التجارب علي العبور. وكان واضحا أن التدريب الشاق والحساب العلمى الدقيق والتوقيت الذكى والتضليل المخطط والمرسوم للعدو، وفوق ذلك كله حماسة الجندى المصرى وشجاعته، كل هذه كانت العوامل الرئيسية فى النجاح الباهر الذى أحرزناه فى العبور وفى معارك الضفة الشرقية. ومع ذلك فقد عادت التعليلات اللاعقلية تطل برأسها من جديد، وكان ما يثير الإشفاق فى هذه التعليلات هو أنها تهيب بقوى غير منظورة قيل إنها حاربت معنا. ولم يدرك مرددو هذه الأقاويل أن تصديقها معناه أن الذى انتزع النصر ليس هو الجندى المصرى الباسل بدمه وعرقه وشجاعته، ومعناه أن العلم والتخطيط والحساب الدقيق لم يكن له إلا دور ثانوى فى كل ما حدث. بل إن تصديق هذه الأقاويل يعنى ما هو أشد من ذلك وأخطر، إذ إن قائلها يفترض أن ما حدث كان "معجزة"، وأن الأمور لو تركت لكى تسير فى مجراها الطبيعى لما أمكن أن يحدث ما حدث. ولست أستطيع أن أتصور فى ظروف التضحية الهائلة التى مر بها جيشنا جحودا أشد من ذلك الذى ينطوى عليه هذا الافتراض الضمنى. 
إن الوقفة الصامدة التى وقفها الإنسان المصرى فى سيناء فى أول مواجهة حقيقية له مع العدو كانت بالفعل ثمرة العلم والإيمان. أما العلم فنحن نعرفه جيدا: فهو يتمثل فى ذلك الإعداد الصامت الدءوب ليوم المعركة، وتلك التدريبات الشاقة العميقة، وتلك القدرة الفائقة على استخدام أحدث الأسلحة، وذلك التخطيط الذى أصبح من ذلك الحين موضوعا للدراسة فى المعاهد العسكرية والإستراتيجية. وأما الإيمان فكان يتمثل فى تلك الرغبة الجارفة التى ازدادت فى كل يوم إلحاحا طوال ست سنوات فى تحرير قطعة عزيزة من أرض الوطن، وفى تبديد خرافة "الجيش الإسرائيلي الذى لا يقهر" و"الجيوش العربية التى تفر من أول طلقة"، وفى مسح عار 1967. والأهم من ذلك كله الإيمان بأن هناك قضية عادلة تستحق أن يضحى المرء بحياته من أجلها. هؤلاء جميعا كانوا "جنود الخفاء" الذين وقفوا يحاربون معنا، والذين رفرفوا بأجنحتهم البيضاء الناصعة محلقين فى سماء المعركة، والذين تمكنا بفضلهم من تقديم أروع الأمثلة فى الشجاعة، وتحقيق نتائج عسكرية لم يكن يتوقعها أشد أنصارنا تفاؤلا.
على أننى لا أعتقد أن أضرار التفكير اللاعقلى تقتصر على ما يؤدى إليه من إقلال من شأن الجهود التى بُذِلَتْ فى مرحلة الإعداد للمعركة، والبطولات التى ظهرت أثناءها، بل إن هذا اللون من التفكير يؤدى، فى رأيى، إلى إضعاف موقفنا العام تجاه إسرائيل ويفوت علينا سلاحا من أشد الأسلحة فعالية فى معركتنا الحالية، والمقبلة بوجه خاص، مع هذا العدو الجديد.
ذلك لأن إسرائيل، بالرغم من كل ما أحرزته من تقدم علمى وتكنولوجى مساير لأحدث تطورات العصر، هى فى الأساس مجتمع يقوم على وهم خرافى. ومعظم الحجج المعنوية التى يستند إليها كتاب إسرائيل ومفكروها تتضمن خلطا بشعا بين وقائع التاريخ اليهودى القديم منذ ألفى عام بعد تشويه هذا التاريخ لكى يلائم أهدافهم وبين حقائق العصر الحاضر. وفكرة إقامة دولة إسرائيل نفسها فكرة مضادة لكل المسار الحضارى الذى سلكه العالم المتمدين منذ نهاية العصور الوسطى حتى اليوم لأن هذه دولة تقوم علي أساس دينى عنصرى، وتتجاهل الاتجاه إلى الفصل بين الدين والدولة، الذى كافحت من أجله المجتمعات الغربية وأصبح دعامة أساسية من دعامات الفكر السياسى والاجتماعى فيها.
إسرائيل إذن فكرة تقوم أصلا على خرافة. وفى وسعنا أن نستغل الميول العلمانية القوية التى تسود المجتمعات الغربية فى محاربة إسرائيل بسلاح لن يكلفنا شيئا. ولكنه، فى نظر العقول المستنيرة، سلاح فعال إلى أقصى الحدود. أما إذا التجأنا نحن بدورنا إلى اللامعقول فإننا نضيع بذلك على أنفسنا فرصة رائعة للتفوق المعنوى على العدو فى نظر العالم المتحضر.
إن الأهداف الحقيقية التى نحارب من أجلها أهداف يستطيع أن يفهمها ويقدرها أشد الناس تمسكا بالعقلانية. فليس هناك ما هو أقرب إلى العقل من الكفاح من أجل استعادة جزء مغتصب من أرض الوطن، واسترداد حقوق شعب شرده غزاة دخلاء. وفى مقابل ذلك لا يقدم عدونا إلا مجموعة من الأساطير الخرافية لكى يبرر بها احتلاله للأرض واغتصابه للحقوق الشرعية لأهلها.
لذلك أعتقد أن تمسكنا بالارتكاز على أرض العقل الراسخة يعطينا سلاحا هائلا فى معركتنا، على حين أن عودتنا إلى ضباب اللامعقول وإلى التعليلات الخرافية والأسطورية يجعلنا نقف معنويا على نفس الأرض الهشة التى يقف عليها أعداؤنا. وما دام هدفنا العام الطويل الأجل متمشيا مع العقل فمن الواجب أن تكون تصرفاتنا الجزئية القصيرة الأجل منسجمة مع هذا الهدف العام. ولو حدث غير ذلك لكانت الصورة النهائية منطوية على مفارقة غريبة، إذ يكون أحد طرفى النزاع مسايرا فى أهدافه العامة لاتجاه التاريخ والتطور والتقدم، ومع ذلك يسلك فى تصرفاته اليومية مسلكا مضادا للعقل، على حين أن الطرف الآخر يتخذ لنفسه أهدافا مضادة للعقل ولمسار التاريخ ولكل ما شيدته حضارة الإنسان الحديث من قيم، ولكنه يخدم هذه الأهداف عن طريق مسلك يومى عقلانى علمى يرد كل حادث إلى أسبابه الحقيقة، ويعلل الظواهر بقوانينها الفعلية.
ولو ألقينا نظرة على المستقبل لوجدنا أن الوقت، خاصة على المدى البعيد، سيكون حتما فى صالحنا لو عرفنا كيف نتخذ من العقل مرشدا لنا فى صراعنا العسكرى والحضارى مع إسرائيل. فاحترام العالم للعقل يتزايد يوما بعد يوم، والمسافة التى تفصله عن التفسيرات اللاعقلية تتسع باطراد. ولا بد أن يأتى اليوم الذى تصبح فيه الأسطورة التى ترتكز عليها أمانى الصهيونيين وآمالهم مكشوفة ومفضوحة حتى فى نظر أصحابها. وعندما يأتى ذلك اليوم سيكون أعظم انتصار نحققه هو أن يدرك العالم أننا كنا على الدوام منحازين إلي صف التقدم والاستنارة، وأننا أعطينا العقل حقه ولم نتجاهل الروح من حيث هى طاقة مؤيدة للعقل وحافزة له لا من حيث هى قوة مضادة للعقل ومعوقة للتقدم" .
وبعد أن أوردنا مقال د. فؤاد زكريا كاملا نشرع فى مناقشة ما جاء فيه. يقول الدكتور: "أستطيع أن أفهم، وإن لم أكن أستطيع أن أغتفر، انتشار ألوان من التفكير اللاعقلى بيننا بعد يونيه 1967. أستطيع أن أفهم ذلك لأن قسوة الهزيمة غير المتوقعة، والإحساس بالهوان والمذلة والعجز، والشعور بأن كل شئ يسير فى طريق مسدود، كل هذه كانت عوامل ساعدت علي انتشار موجات من التفكير اللاعقلى، وجعلت الأذهان أكثر استعدادا لقبول تفسيرات غيبية للظواهر، وهيأت العقول لنوع من الاستسلام جعلها تفقد ملكاتها القديمة، وتركن إلى التصديق الساذج لكل بدعة وكل خرافة تجد فيها أى نوع من التعويض". نعم هو يستطيع مثلا أن يفهم شيوع القول بظهور العذراء عليها السلام على قباب بعض الكنائس بالقاهرة واحتشاد الآلاف المؤلفة من أفراد الشعب حولها ومواصلتهم الليل بالنهار هناك فى مشهد يبعث على الشعور بالأسف البالغ وترك مصالحهم وانتشار الخرافات التى ليس لها أساس على الإطلاق فى مصر بُعَيْد هزيمة يونيه 1967م، وبالتالى إغلاق فمه تماما وعدم التطرق بكلمة واحدة إلى هذا الموضوع الذى يتنافى تمام التنافى مع أى تفكير علمى، إلا أنه لا يستطيع الصمت ولو للحظة واحدة على ما قاله د. عبد الحليم محمود فى طمأنة القيادة السياسية وأفراد القوات المسلحة وتبشيرهم بأن الله ناصرهم ومؤيدهم وغير خاذلهم أبدا ما داموا قد بذلوا كل ما يملكون من جهد، ومستعدين للتضحية بالغالى والرخيص فى سبيل الفوز، وجاهزين للاستشهاد فى سبيل الله دفاعا عن الوطن والدين والكرامة والعزة والحرية بعدما نجح النظام اليسارى الناصرى الاستبدادى الخانق للأنفاس والناشر للرعب، الذى لم يُضْبَط زكريا يوما وهو يكتب أو يقول كلمة فى نقده ولا حتى بعد الهزيمة اليونيوية القاصمة للظهر، فى تحقيق واحدة من أبشع الهزائم العسكرية والسياسية فى مصر طوال عصورها. وغريب أن يحاول فؤاد زكريا إيهامنا بأن هجومه على بشارة النصر هو محاربة للخرافة ودعم للفكر العلمى، مع أن ما عمله هو، بالعكس من هذا، تكريس للفكر غير العلمى على أشنع صورة يمكن تخيلها.
فمن المعروف أن الدول تحرص على رفع روح جيوشها المعنوية، وتلجأ فى هذا السبيل إلى كل الوسائل الممكنة والمتاحة بما فيها بث الشائعات وترديد الأكاذيب وشراء ذمم من يمكن شراء ذمته من أفراد الأعداء المؤثرين فى مسيرة المعارك. وفى الإسلام أن الحرب خدعة، وأن الكذب مباح فى عدة مواطن منها الحرب، إذ لا يعقل أن تذهب إلى الأعداء وتدلى بحقائق الأمور كما هى فى جيش وطنك بحجة أنك رجل صادق ولا يمكنك أن تقول غير الحقيقة، مثلما لا يعقل أن يصارح أى أسير مسلم آسريه بكل ما يسألونه عنه استنادا إلى أن المسلم رجل صادق وأن الكذب يؤدى فى النهاية إلى النار . وكان الرسول عليه السلام يُوَرِّى عن الموضع الذى ينوى الاتجاه إليه للحرب: فإذا كان ناويا الذهاب إلى الشرق أعلن أمام الناس أنه ذاهب إلى الغرب... وهكذا. وهذا كله معروف ومعتمد فى كل الدول والجيوش. 
والآن فلنفترض أن د. عبد الحليم محمود، بالاتفاق مع قيادة الدولة والجيش، قد صرح بذلك دون أن تكون له حقيقة أصلا. فما وجه الخطر فى هذا؟ إن الجيوش جميعا تعلن أنها سوف تسحق عدوها سحقا وأنها قد أعدت له كذا وكذا دون أن تكون قد فعلت هذا حرفيا، كى تفت فى عضد جنود الأعداء وتدعم ثقة جنودها فى أنفسهم وتُحَمِّسهم وترفع طاقتهم على البذل والتضحية إلى أقصى درجة. أما إن جرت الأمور على غير ما يشتهى المبالغون فبالله عليك من يقف ساعتئذ عند هذه الأشياء؟ وذلك كله لو كان ما صرح به د. عبد الحليم محمود غير حقيقى، ومن باب رفع المعنويات القتالية عند الجندى المصرى ليس إلا. ذلك أننى لا أظن الرجل كاذبا أبدا، بل الذى أوقن به هو أنه رأى الرؤيا التى قصها علينا. ونحن بالخيار: إن شئنا عددنا ذلك بشارة، وإن شئنا قلنا إنها مجرد أحلام مما نحلمه جميعا فى مثل تلك الظروف التى تبعث على القلق وتذهب النفوس فيها تفتش عن بصيص من الأمل. وما ضرنا لو تمسكنا بهذا البصيص، وقد كان لا مناص لمصر فى تلك الأيام من خوض الحرب لا مخرج لها من ذلك، وبخاصة بعدما أكدت أمريكا أنه ليس من حق المهزوم أن يفتح فمه بكلمة مطالبا بالتفاوض؟ 
ومن هنا وجدنا محمد حسنين هيكل يكتب: "إننا لن نصل إلى حل لأزمة الشرق الأوسط حتى على أساس قرار مجلس الأمن إلا إذا خلعنا إسرائيل وبالقوة من المواقع التى تحتلها على أراضينا منذ سنة 1967، وبالتالى نكون قد غيرنا الأمر الواقع الذى فرضته إسرائيل علينا نتيجة لمعارك الأيام الستة، وفرضنا بدلاً منه وضعًا آخر أكثر ملاءمةً لحقوقنا" . لقد عملت القوات المسلحة كل ما فى وسعها، وكان لا يزال هناك قلق وخوف، وكان الشعب لا يكف عن مطالبة السادات بخوض المعركة. فهل يلام د. عبد الحليم محمود فى حكاية ما رآه فى منامه واتخاذه إياه دافعا إلى حسم قرار الحرب وطمأنة النفوس ورفع معنويات الجيش؟ 
أما الجعجعة بأن ذلك نشر للفكر الخرافى فإنى أحيل صاحبه إلى ما صنعه الاتحاد السوفييتى، ولا أظنه ينقد الاتحاد السوفييتى، فالرجل يسارى، والاتحاد السوفييتى هو قبلة اليساريين ومثلهم الأعلى. فماذا صنع الاتحاد السوفييتى فيما يتعلق بموضوعنا؟ لقد كان الاتحاد السوفييتى غارقا فى الحرب على أرضه مع ألمانيا، التى اكتسحت جيوشها دياره أثناء الحرب العالمية الثانية، فما كان منه، وهو الدولة القائمة على الكفر بالله واليوم الآخر والأديان، والتى تدرّس مادة الإلحاد كما ندرِّس نحن فى مدارسنا مادة الدين، والتى تعد الدين أفيونا للشعوب وتطارد الدين والمتدينين مطاردة لا هوادة فيها، والتى كانت قد أغلقت الكنائس منذ وقت طويل أو حولتها إلى مستودعات، ما كان منه إلا أن فتح الكنائس لجموع المؤمنين بالنصرانية من رعاياه لا لشىء إلا لكى يرفع معنويات الشعب السوفييتى، الذى يعرف أنه لا يزال يحن إلى الدين رغم كل ما فعله لقلع التدين من نفوس أفراده. ولما كان يريد من الناس أن يستبسلوا فى محاربتهم للنازيين، الذين يحتلون جزءا ضخما من أراضيه، ويعرف فى ذات الوقت أن طاقتهم على الكفاح والتضحية سوف ترتفع إلى مستويات عالية إذا ما أُطْلِقَتْ لهم حرية ممارسة الشعائر الدينية، فإنه قد اتخذ هذا القرار "المتخلف" (من وجهة نظر فؤاد زكريا وأمثاله) كى يكسب الحرب ويكسح القوات النازية من أراضيه. وهو ما كان، وهو أيضا ما تجاهله د. زكريا فلم ينبس بشأنه ببنت شفة، ولكنه رغم هذا نَبَسَ بكل بنات الشفاه إنكارا على شيخ الأزهر، الذى لم يفعل شيئا غير أن قال إنه شاهد فى المنام أن رسول الله قد عبر قناة السويس. فلا الشيخ قال: اتركوا التسليح والاستعدادات الحربية، ولا قال: انْدَفِعوا إلى محاربة الصهاينة اندفاعا أحمق لا يعرف التبصر ولا التخطيط، ولا يَأَّس المقاتلين وقنَّطهم من إحراز النصر كما فعل مقال هيكل الذى سلفت الإشارة إليه قبل قليل، والذى أخذ كاتبه يعدد فيه الموانع التى من شأنها أن تعرقل عبور الجيش المصرى لقناة السويس وخط بارليف، فضلا عن التوغل فى سيناء، وكذلك الخسائر الهائلة التى سوف نتكبدها كلما حاولنا التغلب على أى مانع من تلك الموانع المتتابعة مانعا وراء الآخر بحيث ساد الإحباط والسخط بين أفراد القوات المسلحة على خطوط النار عقب قراءتهم لذلك المقال. 
ولعله من المناسب فى هذا السياق أن ننقل السطور التالية من كتاب "المتروبوليت إيليا كرم والروسيا" : "في أثناء الحرب العالمية الثانية، وعلى أثر حصار هتلر للمدن الروسية، وجه بطريرك روسيا ألكسـي الأول نداءً إلى العالم بضرورة إنقاذ روسيا من براثن النازية. بلغ النداء لبنان، فتأثر به المتروبوليت، خصوصا وأن علاقة مميزة كانت تربطه بروسيا من خلال اهتمامه بعائلات روسية من سلالة القيصر كانت تقطن في بيروت، وكان يشملها بعاطفته ويقدم لها المأوى والعمل. وقد ساعد على بناء عدة منازل لهذه العائلات على أرض في الحدث تابعة لأبرشيته. بلغه النداء أوائل عام 1942، فبكى واعتُصِر قلبُه غَمًّا، فلجأ إلى أمه السيدة العذراء في مغارة دير سيدة النورية في شمال لبنان حيث اعتكف ثلاثة أيام أمضاها في الصلاة والصوم والتضرع أمام السيدة العذراء لتُجَنِّب روسيا كأس الموت. وفي اليوم الثالث استجابت السيدة العذراء لتضرعاته، فظهرت أمامه وأودعته رسالة من شأنها تجنيب روسيا المخاطر المحدقة في حال الأخذ بها. 
مُفَاد الرسالة أن على النظام الروسي الشيوعي، وكان يحكمه ستالين آنذاك، أن يعيد جزءا من الكنائس إلى البطريركية الروسية، ويفتح أبوابها أمام المصلين، وأن يحرر الإكليروس السجناء، وأن يسمح للإكليروس الذين يحاربون مع الجنود بممارسة الشعائر الدينية. على الفور استعان المتروبوليت بإحدى السيدات الروسيات، طالبا إليها ترجمة الرسالة إلى الروسية، ثم أرسلها إلى سـتالين وإلى القائمين على البطريركية الروسية آنذاك بواسطة الصليب الأحمر. وقد شاع أن ستالين تأثر كثيرا بالرسالة لدى استلامها، فأبلغها إلى السلطات العسكرية والكنسية، طالبا من الجنرال شباشنكوف، وكان رجلاً مؤمنًا، تطبيقها بحذافيرها، ولا سيما ضرورة الطواف بأيقونة "سيدة قازان" على كل الجبهات من أجل تبريكها. وبفضل هذه الرسالة السماوية اندحر الألمان على أبواب المدن الروسية، ولم يستطيعوا اختراق جبهاتها. وعندها ذاع صِيتُ المطران إيليا كرم في أرجاء البلاد، وسُمِّيَ على إثر ذلك: "منقذ روسيا". وفي عام 1947 زار المتروبوليت كرم روسيا بدعوة من ستالين ومن البطريرك أليكسي الأول حيث استقبل استقبال الملوك. وفي عام 1958 مُنِح أعلى وسام من الكنيسة الروسية مع البطريرك أليكسي الأول ومع الإمبراطور هيلاسيلاسى الأول، وهو وسام القديس فلاديمير من الدرجة الأولى".
وفى هذا الموضوع يكتب العقاد قائلا: "وجاء الامتحان الأول للعقيدة الراسخة الخالدة أيام الحرب العالمية الثانية، فنادى الكفار بالوطنية وبالدين أنها حرب الغيرة الوطنية، وأن المجاهدين أحرار فى العقيدة الدينية التى يُسِرّونها أو يعلنونها. ولم يكن جيل القيصرية هو الذى ألجأهم إلى التمسح بالوطنية أو بالحميّة الدينية فيقال إنه قديم شَبُّوا عليه وشَابُوا فلا مندوحة عنه فى إِبّان المحنة الداهمة، بل كان الجنود المقاتلون فى الصدمة الأولى من جيل بين العشرين والأربعين، أكبرهم لم يزد على الثالثة عشرة عند قيام الدولة الشيوعية، وتسعة أعشارهم على الأقل لم يتعلموا شيئا فى غير مدارسها، ولم يستمعوا كلمة من غير دعاتها. ولا تفسير لاستفزازهم إلا أنه إفلاس للمذهب المادى فى تكوين المجتمع وغرس الأخلاق فى نفوس لم يزاحمه عليها مزاحِمٌ من المهد إلى مُقْتَبَل الشباب" .
لقد لجأ د. فؤاد زكريا إلى الاتهامات الباطلة حين كتب يقول: "كان ما يثير الإشفاق فى هذه التعليلات هو أنها تهيب بقوى غير منظورة قيل إنها حاربت معنا. ولم يدرك مرددو هذه الأقاويل أن تصديقها معناه أن الذى انتزع النصر ليس هو الجندى المصري الباسل بدمه وعرقه وشجاعته، ومعناه أن العلم والتخطيط والحساب الدقيق لم يكن له إلا دور ثانوى فى كل ما حدث". ذلك أن الشيخ عبد الحليم محمود لم يَدْعُ يوما إلى إهمال الاستعدادات العسكرية أو غير العسكرية، بل المعروف أنه كان يحض الضباط والجنود على بذل أقصى طاقاتهم من أجل الفوز فى تلك المعركة، مبشرا الشهداء بأن مصيرهم الجنة، ومحذرا من يتقاعس بأنه من المنافقين. ومعروف أن المنافقين فى الدرك الأسفل من النار. وقد بذل الرجل جهودا كبيرة فى الطواف بمواقع القوات المسلحة المصرية المختلفة من طيران وبحرية وغيرها يحثهم على القتال ويرفع روحهم المعنوية ويحمسهم ويشحنهم بطاقة الإيمان والفداء، ويضع نصب أبصارهم الجنة التى وعد الله بها عباده المناضلين . ليس ذلك فحسب، بل إن د. فؤاد زكريا يحاسب الناس على نياتهم، التى يتهمها بما تشير كل الدلائل إلى أنها تمضى عكسه. ذلك أنه ينطلق كائلا التهم للدكتور عبد الحليم محمود كَيْلاً دون أن يتوقف لحظة ليفكر فى ضرر الخطة التى يتبعها فى اتهامه للرجل، فيقول إن "تصديق هذه الأقاويل يعنى ما هو أشد من ذلك وأخطر، إذ إن قائلها يفترض أن ما حدث كان "معجزة"، وأن الأمور لو تركت لكى تسير فى مجراها الطبيعى لما أمكن أن يحدث ما حدث". 
أرأيت، أيها القارئ العزيز، كيف "يفترض" فؤاد زكريا أن د. عبد الحليم محمود "يفترض" كذا وكذا، ثم ينطلق كالإعصار يحطم فى طريقه كل شىء فى سمعة الرجل وتفكيره وعقيدته وشخصيته بناء على افتراضاتٍ مؤسَّسةٍ بدورها على افتراضات لا وجود لها إلا على سن قلمه الجامح، وإن كانت ثمرة كل ما قال لم تزد فى نهاية المطاف على الصفر. وفى فتاوى د. عبد الحليم محمود نقرأ ما يلى: "والنتيجة التى أريد أن أنتهى إليها... إنما هى العودة إلى الإسلام: 1- ملاحظةً وتجربةً ومنهجًا وقوةً مادية: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة". العودة إلى الإسلام من تسخير الأرض وتسخير السماء وتسخير ما بين الأرض والسماء وتسخير الكواكب وتسخير الشمس والقمر وتسخير البحار والأنهار. العودة إلى الإسلام أقوى ما تكون فى الجانب المادى 2- والعودة إلى الإسلام والاعتزاز بالإسلام أقوى ما تكون فى الجانب الثقافى، سواء اتصل ذلك بالعقيدة أو اتصل ذلك بالتشريع أو اتصل ذلك بالأخلاق" . وهو يلح بكل قواه على أن المسلمين آثمون أشد الإثم إن لم يتداركوا ما هم من تخلف علمى وصناعى بحيث يصبحون أقوى الشعوب والأمم . ويفيض، رحمه الله، فى الإلحاح على واجب الجهاد فى سبيل الدين والوطن والاستعداد التام لملاقاة أى عدوان فى أى وقت، ويحض الشباب على أن ينخرطوا فى الدفاع عن الوطن ويفدوه ويضحوا من أجله بكل ما لديهم من عزيز وغال، مؤكدا أن الجزاء هو الجنة، وأن مقام الشهيد عند الله سامق لا يلحقه مقام آخر، وأن للمرأة دورا فى الحرب يناسب طبيعتها، ولها عليه أجر كريم .
ثم هأنذا أستمع الآن إلى تسجيل حديث متلفز للدكتور عبد الحليم محمود فى أحد المساجد يتعرض فيه لما يسميه: "قانون النصر"، الذى ضرب المثل عليه بانتصارنا فى حرب رمضان المجيدة، فيلخصه فى الإيمان بالله والعمل الصالح، محددا العمل الصالح بأنه كل عمل نافع للمجتمع لا الصلاة فحسب، ومنه الإنفاق فى سبيل الله وعلى المحتاجين والفقراء، ومنه الاستعداد التام للمعركة قبل التفكير فى اقتحامها. ليس ذلك فقط، بل هناك دعوته الملتهبة إلى استغلال أرض مصر كلها بحيث نتمكن من زراعة عشرات الملايين من الأفدنة، ونحوّل صفرة الصحراء إلى خضرة، على الأقل بزراعة أشجار الزيتون، التى لا تحتاج، كما يقول، إلى رى إلا كل ثلاث سنوات، وهو ما نستطيعه بكل سهولة، إذ ليست هناك فى مصر بقعة لا ينزل فيها المطر لمدة تزيد عن ثلاث سنوات. على أن دعوته إلى التصنيع لا تقل التهابا عن دعوته إلى التوسع الزراعى، عازيا الرضا بالملايين الخمسة التى تقتصر الزراعة عليها فى بلادنا إلى التبعية للفكر الاستعمارى، الذى يريد بقاءنا ضعفاء اقتصاديا حتى نظل مضعضعين محتاجين، ومن ثم يسهل على الدول الغربية السيطرة علينا . وهو ما ينسف ما قاله د. فؤاد زكريا عن الشيخ نسفا.
وحين يتكلم الشيخ عن حروب الردة وتفاؤل أبى بكر ويقينه بالنصر فى تلك الحروب رغم كل الظروف الصعبة آنئذ، وانشراح صدر عمر لقرار أبى بكر بخوض الحرب وثقته فى أنه هو الحق وأن النصر آت بمشيئة الله رغم اعتراضه على الأمر فى البداية، نراه يقول: "مما لا مِرْيَة فيه أن هذا التفاؤل وهذه الثقة كان يصحبهما الاستقرار الكامل والتدبير المحكم والملاحظة الدقيقة لكل صغيرة وكبيرة. حتى إذا ما انتهت التدابير إلى غايتها، وأُعِدَّت العدة على أكملها، فوَّض المؤمن من بعد ذلك الأمرَ إلى الله سبحانه واعتمد عليه" . وهو يلح دائما على الأهمية البالغة للاستعدادات المادية والمعنوية للحرب ووجوبها التام، تستوى فى ذلك الدولة المواجهة للعدو مباشرة والدول العربية والإسلامية الأخرى مهما بعدت الديار، مع التركيز الشديد على دور الإيمان الحاسم فى المعارك وثماره المذهلة. وله فى ذلك لمحة ذكية، إذ يؤكد أن الطائرات لا تبعد عليها أية مسافة، وأن من ينكل عن الجهاد فقد نكل عن الدين، وأن الجهاد ألوان لا لون واحد: فقد يكون جهادا بالنفس، وقد يكون جهادا بالمال، وقد يكون جهادا بالوقت، وقد يكون جهادا باللسان، وقد يكون جهادا بالعمل والإنتاج . 
وهو يقول فى هذا الصدد كلاما كبيرا لا يقوله إلا من يعرف قيمة الاستعداد للحرب، إذ بعد أن يستشهد بقوله سبحانه وتعالى فى سورة "التوبة": "لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ * إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ" يعقب قائلا فى شجاعة عاتية: "وأخرج الله سبحانه بهذه الآية الكريمة كل من تنكر للجهاد فردا كان أو دولة (يقصد أن الله أخرجهم من الإيمان). وتنكُّر الدول للجهاد إنما هو فى حقيقة الأمر تنكر من رؤسائها له. وإذا كانوا يبوؤون بالإثم قبل أن يبوء به شخص آخر فإن على شعوبهم أن تثور فى وجوههم ثورة تضطرهم إلى الدخول فى الجهاد بكل ما تملك الدولة من إمكانيات. فإذا لم يفعلوا فهم شركاء فى الإثم والخسران" . فكيف، بعد ذلك كله، يتهم د. فؤاد زكريا شيخَ الأزهر بأنه يعتمد على الخرافات؟ 
والآن هذه بعض كلمات من خطبة جمعة السادس عشر من رمضان 1393هـ الموافق الثانى عشر من أكتوبر 1973م ، وكانت خطبة ملتهبة الحماسة والإيمان تحرك الجماد ذاته وتدفعه دفعا إلى الحرب والتضحية والفداء. قال رحمه الله: "أيها الإخوة المؤمنون، لقد رأى أحد الصالحين رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاهبا إلى المعركة مع بعض علماء الإسلام، وكان مع هذا الرجل الصالح أحد الأصدقاء حين الرؤية، فقال له: أعلنها للملإ، بلغها للسيد الرئيس، وأعلنها لكل المسلمين... يا جنودنا البواسل، يا أمل الأمة ورجاءها، يا حماة كرامتها وشرفها، أنتم لا تواجهون العدو وحدكم، ولا تقاتلونه وحدكم. إنما يقاتل معكم ملائكة الله لأنكم تقاتلون فى سبيله وتنصرون دينه، وتردون المقدسات إلى أهلها. وكما قاتلت الملائكة مع صفوف المؤمنين يوم بدر فإنها اليوم تقاتل معكم، وتضرب أعداء الله معكم. وما يعلم جنودَ ربك إلا هو وحده سبحانه وتعالى. فإلى الأمام دائما، والله معكم موفقا ونصيرا" . فما الذى يمكن أن ينتقده أى منصف عاقل على الشيخ فى هذا الكلام حتى لو كان قد اخترعه اختراعا؟ أم تراه كان ينبغى أن يصنع صنيع القذافى المخبول حين خاطب، عبر الإذاعة المصرية، الجنود على خط النار فى بداية المعركة فأخذ يثبط من العزائم بحجج سخيفة سُخْفَ عقله، واصفا الحرب بأنها من أكبر خطايا السادات، ومشككا فى القيادة المصرية؟ ولا أدرى كيف أذن له المسؤولون المصريون آنئذ بمخاطبة الجيش على هذا النحو المتخلف الخبيث. وقد كتب د. يوسف إدريس مقالا عن القذافى بعنوان "ذلك الرجل المحيِّر للبَرِيَّة" جاء فيه أن "الخلاف بين السادات والقذافى ما لبث أن انفجر، وجاءت حرب 73 ليشكك القذافى فى أمرها ويعتبر أنها كارثة وأن مصر قد هُزِمَتْ" . ولعل السبب فى هذا الموقف الغريب والمريب من القذافى هو أن السادات لم يخطره بموعد بدء الحرب، فأرسل بعد بداية العمليات العسكرية بأيامٍ جِدِّ قليلةٍ يطلب سحب الطائرات الليبية التى كان قد سلمها بطياريها إلى مصر قبيل ذلك، وكأن الحرب لعب عيال فى الشارع! ولكن لماذا كان القذافى حريصا على معرفة ذلك الميعاد، وهو بعيد عنها، وليس متورطا فيها، ولا أرضه تحتلها إسرائيل؟ 
ولعل د. عبد الحليم محمود يشير إلى رأى هيكل وأمثاله من المثبطين حين قال فى مقال له بعد ذلك إننا "قد بدأنا معركتنا "باسم الله، والله أكبر"، وكان شعارنا فيها: "الله أكبر". وكان نداء "الله أكبر"، وما زال، يدوى فى سيناء أينما اتجه الإنسان فيها. ولقد أرانا الله سبحانه من آياته الكثير فى هذه المعركة: لقد وفقنا فى التوقيت، وكان التوقيت آية من لدنه. ولقد وفقنا فى العبور، وكان العبور آية ضخمة تفضل الله تعالى بها علينا. لقد كانت آية العبور آية عجيبة فاق توفيق الله فيها كل تقدير. لقد كان تقدير العقلاء الحاسبين فيما يتعلق بالاستشهاد فى العبور أن الاستشهاد يبلغ حوالَىْ ستين الفا، وأننا لو عبرنا مع هذه الآلاف من الشهداء نكون قد نجحنا نجاحا عظيما. وكان تقدير المتفائلين أن الاستشهاد حَوَالَىْ أربعين ألفا، وأننا لو عبرنا بهذا العدد من الشهداء كان ذلك نجاحا لا شك فيه. وكان تقدير الواهمين يقدر له خمسة عشر ألف شهيد، وكان هذا التقدير فى رأى الآخرين وهما من الأوهام. وهؤلاء وأولئك يَرَوْن بمنطقهم الحسابى أن العبور ضرورة ولو اسْتُشْهِد نصف الجيش. إنها معركة مصيرية، ولا بد أن نضحى فيها بكل ما تتطلبه من أجل العبور، والعبور نجاح على أى وضع من أوضاع الاستشهاد. 
إن خط بارليف أحكمه مهندسو الأمريكان. لقد أحكم صنعه عباقرة اليهود الأمريكان الذين تربَّوْا فى أرقى الأوضاع العالمية، وفى أرقى البيئات حضارة ومدنية، ولم يبخل اليهود عليه بمال، ولم يَدَعُوا صغيرة ولا كبيرة إلا وتدبروها. إنهم لم يتركوا شيئا للمصادفة، وسلحوا الخط: سلحوه بالعتاد، وسلحوه بالنابالم، وسلحوه بالرجال، وظنوا كعادتهم "أنهم مانِعَتُهم حصونُهم من الله"، وأعلنوا ذلك. لقد أعلنوا أن حصنهم خالد، وأنهم من ورائه لا يُقْهَرون، وأن كل تفكير لمهاجمته، مجرد التفكير، ضرب من الجنون. وأعلن الغرب معهم ذلك، وظن ذلك معهم الشرقيون والعرب، بل أيقنوا بذلك! ثم "فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا"، وكان توفيق الله سبحانه مكذبا لتقدير العقلاء الحاسبين! وكان توفيق الله تعالى مكذبا لتقدير أصحاب الخيال المتفائلين! وكان توفيق الله سبحانه وتعالى مكذبا لوهم الواهمين. وعبرنا بتوفيق الله، وكان العبور آية من آيات الله، وكان عدد الشهداء أقل من مائتين!" .
ومن الطريف، بل من المضحك، أن يقول د. زكريا إن "فكرة إقامة دولة إسرائيل نفسها فكرة مضادة لكل المسار الحضاري الذى سلكه العالم المتمدين منذ نهاية العصور الوسطى حتى اليوم لأن هذه دولة تقوم علي أساس ديني عنصري، وتتجاهل الاتجاه إلى الفصل بين الدين والدولة، الذى كافحت من أجله المجتمعات الغربية وأصبح دعامة أساسية من دعامات الفكر السياسى والاجتماعى فيها"، وإن "إسرائيل فكرة تقوم أصلا على خرافة. وفى وسعنا أن نستغل الميول العلمانية القوية التى تسود المجتمعات الغربية فى محاربة إسرائيل بسلاح لن يكلفنا شيئا. ولكنه، فى نظر العقول المستنيرة، سلاح فعال إلى أقصى الحدود. أما إذا التجأنا نحن بدورنا إلى اللامعقول فإننا نضيع بذلك على أنفسنا فرصة رائعة للتفوق المعنوى على العدو فى نظر العالم المتحضر". 
ووجه الطرافة، بل الإضحاك، فيه أن ذلك العالم المتقدم الذى يوهمنا د. فؤاد زكريا بأنه سوف يقف معنا (فى المشمش طبعا!) ضد إسرائيل متى ما بيَّنّا له أنها دولة تقوم على الأساطير والخرافات، هو نفسه العالم الذى خلق إسرائيل من العدم خلقا وساعدها على خلق أساطيرها وخرافاتها التى تدعم وجودها. فكيف بالله عليكم، أيها القراء، يحاول د. زكريا إقناعنا بأن هؤلاء القتلة الذين مَكَّنوا وما زالوا وسيظلون يمكِّنون إسرائيل من جَزْر رقابنا وبَقْر بطون نسائنا وهدم بيوتنا ومدارسنا ومستشفياتنا ومساجدنا وحقولنا وقتل شبابنا ورجالنا وأطفالنا هم أنفسهم الذين سيسارعون إلى نجدتنا والوقوف معنا ضد إسرائيل؟ هل يمكن أن يقف القاتل اللص ضد نفسه؟ الحق أن هذا كلام لا يمكن أن يصدقه إلا السُّذَّج الأغرار. والحمد لله ما نحن بسذج ولا أغرار. أما الفصل بين الدين والدولة فإنه كلام للتصدير لنا ولأمثالنا، وإلا فمن الذى يجيش جيوش التنصير فى بلاد المسلمين؟ أليست هى نفسها تلك الدول الغربية؟ ومن الذى يفرق فى التعامل بين دول العالم الثالث النصرانية ونظيرتها الإسلامية فيقف مع تلك ويقف ضد هذه؟ أليست هى نفسها تلك الدول الغربية؟ إن كلام د. زكريا ليذكرنى بالمثل الشعبى القائل: مُتْ يا حمار حتى يأتيك العَلِيق!
وأما محاولته اتهام الشيخ عبد الحليم محمود بأنه، بِقَصِّه رؤياه تلك، إنما يتجاهل جهود القوات المسلحة واستعداداتها للحرب ويعمل على نشر الفكر الخرافى اللامعقول فهى محاولة مقضى عليها بالفشل، إذ لم يقل أحد من القادة أو الضباط عن الشيخ ذلك ولا نظر إلى ما قاله هذه النظرة الزكرياوية. بل بالعكس رأينا بعض كبار القادة العسكريين المصريين يتحدثون عن الحرب فيذهبون إلى أبعد مما قاله. وهم، حين يؤكدون هذا، يستندون إلى أشياء يذكرون أنها حدثت لهم أثناء المعارك. ومن هؤلاء اللواء أركان حرب محمد الفاتح كريم، مساعد وزير الدفاع الأسبق وأحد قادة حرب أكتوبر، إذ سئل عن واقعة حدثت خلال إحدى المعارك التى دارت بين كتيبته وبين قوات العدو الصهيونى: ما قصة الرهط (الإسرائيلى) الذي هرب مذعورًا؟ فكان جوابه: هذا الرهط كان بالفعل متوجِّهًا إلينا، ولكنه وهو في طريقه لنا أحسَّ بأن هناك دعمًا مصريًّا، ففَرَّت الدبابات الصهيونية هاربةً! فعاد السائل يسأله: إذن هذا الدعم كان سببًا في نجاتكم واقتحام الجبل؟ فقال: لم يكن هناك دعم. هم ظنوا ذلك، وما حدث أن ما شاهدتْه دبابات العدو كانت بقايا الكتيبة اليمنى التي حاصرها العدو أثناء ذهابنا لاقتحام الجبل، وقد فَضَّل قائدها الاشتباك مع العدو عن الوقوع في الأسْر، فحدثت معركة حامية بينهم. وعندما جاء رهط دبابات العدو لم يشاهد إلا الدبابات المصرية التي كانت تحاول الاشتباك مع القوات التي كانت تحاصرها، فظنوا أنهم في طريقهم لدعمنا، ففروا هاربين. وهي آية من آيات هذه الحرب. فكان السؤال التالى: هل لهذا السبب أطلقت عليها: "حرب الملائكة"؟ فَرَدَّ قائلا: يحاسبني الله عز وجل على ما أقوله لك، فقد شاهدتُ بعيني قوات تحارب في صفنا، وأعدادًا غفيرةً ليست قليلةً، وكانت ترتدي ثيابًا بيضاء. ولست وحدي الذي شاهدهم، بل كان معي جنودي. وعندي الدليل على ذلك، فبعد أن قمنا بتعطيل رهط دبابات العدو حدثت اشتباكاتٌ مع قوات صهيونية أخرى. وكما أشرت فإن تسليحنا كان خفيفًا جدًّا: عبارة عن مسدسات ورشاشات متوسطة. ولأنه ليس باليد حيلة إلا الدفاع عن أنفسنا فكنا نضرب رصاصنا، ونحن نعلم أنه لن يصيب أحدًا، ولكنها المعجزة حيث كنا نشاهد جنود العدو يتساقطون قتلى وجرحى، ولا نعرف من الذي يضربهم. إنها الملائكة التي حاربت معنا كما حاربت مع نبينا صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر، وهو الموقف الذي تكرر بعد ذلك أثناء وجودنا في الجبل وقت الثغرة .
ومنهم اللواء يسرى عمارة، آسر عساف ياجورى، القائد الصهيونى الذى أحدث أسره ضجة فى العالم كله، إذ أبرز عمارة، فى لقائه بطلاب مدرسة ابن سينا الإعدادية ببور سعيد يوم الاثنين الموافق 25 أكتوبر 2010م، التدريبات القاسية التي كان الجنود يتدربون عليها وسط ظروف مناخية ونفسية صعبة، وخاصة بعد عودة الجنود من حرب اليمن وبعد حرب 1967م، والتدريبات على العبور ليل نهار، والروح المعنوية العالية للجنود بمجرد علمهم بالعبور، وكذلك القوة البشرية الخارقة التي يتمتع بها الجندي المصري، الذي كان يحمل مدفعا يفوق 120 كج بخلاف مهماته، التي تزن 50 كج ويصعد بها الساتر الترابي، الذي يفوق سبعة أدوار دون مساعدة من أحد. إلا أنه قد أضاف إلى ذلك كله البعد الإيمانى، إذ حين سئل: هل شاهد الملائكة تحارب مع الجنود وتعبر القناة؟ أجاب بأنه، عند بداية الحرب وأثناء عبورالجيش المصرى للقناة، شاهد جنودا يقفون وسط المعركة وقد أداروا ظهورهم للعدو ووجوههم إلى المقاتلين المصريين يهيبون بهم أن يتقدموا، كما كانوا يقرأون القرآن فوق التباب العالية والسواتر الترابية شرق القناة وسط زخات المدافع والطلقات، وكأنهم يصدون عن جنودنا هذه الطلقات بظهورهم دون أن يصابوا أو يقتلوا. 
وكان اللواء عمارة واضحا فى تأكيده بأنه، إلى جانب الأبعاد العسكرية من تخطيط وإعداد وشحن معنوي وعسكري لجميع طوائف الشعب المصري، كان هناك أيضا بُعْد إيماني تجلى فيما ذكره الدكتور أحمد عمر هاشم فى خطبته يوم الجمعة الثامن من أكتوبر 2010م من مسجد السيد البدوي حين أشار إلى أن فضيلة الشيخ عبد الحليم محمود كان قد طلب قبل المعركة مقابلة الرئيس السادات، وأنه عند المقابلة دار الحوار كالتالي: 
الرئيس السادات: فضيلتك طلبت مقابلتي لأمر هام. خير إن شاء الله؟ 
شيخ الازهر: يا سيادة الرئيس، الأمر خير إن شاء الله. وأنا أقول لك: اعبر قناة السويس علي بركة الله. 
فدهش الرئيس السادات مما قاله شيخ الأزهر وسأله: ما الذي دفعك إلى أن تطلب مني عبور القناة، وبهذه الثقة؟
فرد عليه الشيخ قائلا : يا سيادة الرئيس، لقد رأيت في منامي هذه الليلة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم يعبر القناة، ومن خلفه الجيش المصري" . 
فها هما ذان قائدان عسكريان كبيران من المحاربين الذين يؤكد د. فؤاد زكريا أن كلام د. عبد الحليم محمود من شأنه تحقير الجهود التى قاموا بها تدريبا واستعدادا وتضحية، يقولان بملء الفم شيئا قريبا جدا مما قاله الشيخ الجليل. والآن نحن أمام طريقين: إما أن نصدق أن ما قاله ذانك القائدان العسكريان الكبيران قد حدث فعلا فى الواقع الخارجى وأنه ليس هلاوس بصرية مثلا، وعندئذ فلا مشكلة، وإما أن نتهمهما بأنهما شخصان يهلوسان أو يؤمنان بالخرافات مثل عبد الحليم محمود، وفى هذه الحالة سيكون الرد بأن جيشنا إنما كان يتكون فى قمته من أمثال هذين القائدين، وهو الجيش الذى أنزل بإسرائيل هزيمة ساحقة، وكانت أولى هزائمها فى تاريخها، الذى نرجو أن يكون قصيرا بمشيئة الله. أى أن النصر المصرى قد تم على أيدى المهلوسين أو المؤمنين بالخرافات، ولم يتم فى عهد عبد الناصر على أيدى اليساريين المنكرين لتلك الخرافات، اليساريين الذين تتلمذوا على يد هنرى كورييل اليهودى وأشباهه. وفى ميدان الألعاب الرياضية مثل يقول: الذى تَغْلِب به العب به. وأتوقف هنا فلا أزيد. 
وقد أشار د. فؤاد زكريا إلى القيمة العظيمة لحماسة الجندى المصرى فى إحراز النصر فى حرب رمضان المجيدة، وجاءت إشارته فى سياق اتهام الشيخ عبد الحليم محمود بأنه يعمل على طمس الجهود العسكرية التى بذلها ضباطنا وجنودنا استعدادا للحرب مع الصهاينة، وفاته أن مقدارا كبيرا من تلك الحماسة مبعثه إيمان الجندى المصرى بالله واليوم الآخر، واعتقاده فى الجنة والنار، واقتداؤه برسول الله ورغبته فى أن يحشر معه يوم القيامة، وسعادته بوقوف الملائكة إلى جواره فى هذه الحرب، واستبشاره أن يكون الرسول قد عبر قناة السويس فى الرؤيا التى رآها الشيخ الجليل، حتى وجدناه يهتف وهو يعبر القناة ويحطم خط بارليف: "الله أكبر"، وهو ما انعكس بدوره فى كلمات أغانى تلك الفترة المجيدة. أما فى العهد السابق فقد قر�

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 74 مشاهدة
نشرت فى 7 أكتوبر 2015 بواسطة dribrahimawad

عدد زيارات الموقع

33,966