من مظاهر التطور فى النثر العربى الحديث
د. إبراهيم عوض

الأسلوب:
مر النثر العربى فى العصر الحديث بألوان من التطور خَلّفَتْ وراءها مظاهر متعددة فى الأسلوب، وفى الفنون الأدبية، وفى المضمون، وغير ذلك. ونبدأ بالأسلوب، ومن مظاهر تطوره أن كثيرا من الألفاظ التى كانت منتشرة الاستعمال قبلا قد ماتت واحتلت مكانها ألفاظ أخرى لم يكن للعرب القدماء بها عهد. لقد اختفى مثلا  كثير جدا من المفردات البدوية وما إليها، وجدّت ألفاظ أخرى كثيرة تتعلق بمكتشفات الحضارة والعلوم، إذ لم يعد قلم الأديب الآن يجرى بألفاظٍ مثل "هِرْكَوْلَة وعُطْبول وخِنْذيذ وقَيْصوم وأُثْفِيّة وشِمْراخ ونُؤْى وعَرْصَة ووظيف وثَفِنَة وذَبْل وظَلِيم وسِرْحان ووُكْنة وبَتّ وحَيْس ولُهَام ومَجْر ومُخْرَنْبِق، وأَشْوَى وأَصْمَى وأجَافَ...إلخ"، وهو كثير يُعَدّ بالآلاف. كما اختفت أيضا صيغ كثيرة مثل: "خِفّ (أى خفيف)، ونَجِيّة (أى ناقة سريعة)، وتَعْدَاء (أى عَدْو)، وتَنْقَاد (أى نَقْد)، وغُيُوب (أى غِيَاب)، وخِياَط (أى إبرة)، وعُقَام (أى عقيم)، ومحتظِر (أى صاحب حظيرة)، وحُسّانة (أى شديدة الحسن)، وطُوَال (أى طويل)... وهلم جرا". ونفس الكلام يصدق على الأفعال، سواء منها الألفاظ أو الصيغ، مثل: "بَتِعَ، بَجَدَ، ثَحَجَ، دَئِصَ، شَتَرَ، فَحَثَ، تكأكأ، اثْبَجَرَّ، ابْذَعَرَّ، اسْلَنْطَأَ، احْمَارَّ، تَدَهْدَى، اخْرَنْبَق، ضَحْجَرَ، عَبْهَلَ، انْبَاعَ، تَلَجَّفَ، اسْبَطَرَّ...إلخ". وبعض هذه التطورات ليست وليدة العصر الحديث، بل تمت قبل ذلك بوقت طويل أو قصير.
وفى المقابل دخلت العربيةَ آلافُ الألفاظ الجديدة، وبعضها مستعار من هذه اللغة الأجنبية أو تلك دون تغيير، مثل "أوكسجين وهيدروجين وسينما وراديو وتليفزيون ومُوتُور وميكروكروم وفِلْم وإنترنت وكمبيوتر وسوبر ماركت"، وبعض هذا المستعار قد تم تعريبه، أى إعطاؤه شكلا عربيا بإجرائه على وزن من أوزاننا الصرفية، مثل "البترول والتلفاز والتقنية والقرصان والبنزين و(حيوان) الرنّة و(حيوان) اللامَة والفَكْس، وتَلْفَنَ فلانًا (أى كلمه فى الهاتف) ومَنْتَجَ (بتعطيش الجيم، أى قام بالموتناج) وتَمَكْيَجَتْ المرأة (بتعطيش الجيم أيضا، أى وضعت مساحيق الزينة على وجهها)...إلخ". وبعض ثالث تُرْجِم إلى العربية ترجمةً كـ"القطار والمذياع والمِرْنَاء والسيارة والباخرة والغواصة والدبابة والطيارة والحاسوب (أو الكاتوب كما أُوثِر أن أسميه) والهاتف والشطيرة والدارة وشمعة الاحتراق والكابح والتكييف والصحيفة والمجلة والمرْأَب والرأسمالية والاشتراكية والشيوعية والبِنْيَوِيّة والعَوْلَمة والخصخصة والتطبيع والرأى العام وتصادم الحضارات والكتلة الشرقية والكتلة الغربية والحرب الباردة والدُّبّ الروسى والتنّين الصينى والعمّ سام والتنويم المغناطيسى والتحالف الدولى والأصوليّة وألفاظ العقود كالعشرينات والثلاثينات والأربعينات"، وهو ما يصعب تقصيه وإحصاؤه. وبالمناسبة فقد يكون للمعنى الواحد أكثر من لفظ، مثل: "تليفزيون/ تِلْفاز/ مِرْنَاء".
كذلك عرفت ألفاظنا اشتقاقات لا وجود لها فى الصرف العربى كما فى الكلمات التالية: "أَسْلَمَ أسلمةً، وتأقْلَمَ تأقلُمًا، وتَمَرْكَزَ وتَمَدْيَنَ وتَمَحْوَرَ وتَمَفْصَلَ وشَكْلَنَ وعَقْلَنَ، ووحدوية وثوروية وتاريخانية وشكلانية، وبيضاوىّ وإسلاموىّ وفتحاوىّ". ويتصل بهذا أيضا التوسع فى ألفاظ المصدر الصناعى فى مجال المذاهب والأديان والاتجاهات الفلسفية والاجتماعية والأدبية وما أشبه، مثل: "الكونفوشيوسية والشنتوية والطوطمية والمحسوبية والتقليدية والرجعية والذرائعية والوجودية والماركسية والنازية والفاشية والصهيونية والمادية والمثالية والعقلانية والستالينية والناصرية والقومية والإنسانية والكلاسيكية والرومانسية والأسلوبية والأسطورية والبنيوية والشِّعْرية والنجومية"، وهلم جرا. وفوق هذا لم يعد هناك كبيرُ تحرُّجٍ من النسب إلى "فَعِيلة" وصيغة الجمع كما هما، مثل: "طَبِيعِىّ وطَلِيعِىّ وغَرِيزىّ وسَلِيقىّ وبَدِيهىّ"، و"أخلاقىّ وجماهيرىّ وطُلاّبىّ وعُمّالىّ وعقائدىّ وعجائبىّ وذرائعىّ وشوارعىّ وقُبُورىّ وكُتُبِىّ وأصولى". ومن هذه الاشتقاقات أيضا بدء بعض الأسماء والصفات بــ"لا"، مثل: لادينىّ ولا أدرىّ ولامركزىّ ولامبالاة واللامعقول واللاشعور واللاوعى واللاجدوى، وحالة اللاسلم واللاحرب، ونقطة اللاعودة، و(الجشع) اللامتناهى".
على أن الأمر لا يقف عند حدود الألفاظ والصيغ، بل تدخل فيه أيضا التعبيرات والصور التى لم تكن تعرفها لغة الضاد من قبل، مثل: "أعطاه الضوء الأخضر، والكرة الآن فى ملعبه، ويغرّد خارج السرب، ووضع فلانا على الرف، وشعر بالألم حتى النخاع، ودق طبول الحرب، ويصطاد فى الماء العكر، وينشر غسيله القذر أمام الناس، وأدار ظهره للمشكلة، وأعاره أذنا صماء، وانطلق كالصاروخ، ويحدث هذا فى أحسن العائلات، وسقط بين كرسيين، ويبحث عن الظهر فى الساعة الرابعة عشرة، ولَكَمه بقفاز من حرير، وألقى القفاز فى وجهه، ويحارب وظهره إلى الحائط، وفلان على الهامش، وآلة الحرب الجهنمية، والعمليات الاستشهادية، وغسيل الأموال، ونجوم الفن، وغَدَاء عمل، وابتسامة لَزِجة، والكرة الأرضية، والمياه الإقليمية، والفضاء الخارجى، وغزو الفضاء، وحقوق الإنسان...إلخ"، وهو بحر واسع وعميق. وكثير من هذه التعبيرات والصور منقول نقلا مباشرا أو مقاربا عن اللغات الأجنبية، ويمكن التحقق من ذلك إذا رجعنا إلى أى معجم إنجليزى (أو فرنسى أو ألمانى)- عربى، ولسوف نجد تلك  الأصول الأجنبية وترجمتها العربية. كما نستطيع التثبت أيضا بالمقارنة بين المعاجم العربية المعاصرة ونظيرتها القديمة حيث نقع فى الأولى على عشرات بل مئات التعبيرات التى تخلو منها الأخيرة. وهذه سُنّة كونية لا تختص بها لغتنا، بل تخضع لها جميع اللغات. وفى مقابل هذا ثَمّ تعبيرات وصور كانت تشيع على ألسنة القدماء واختفت الآن أو تكاد، مثل تشبيه قَوَام المرأة بغصن البان، وضفائر شعرها بالعناقيد، وأسنانها بالأقاحى، وكتشبيه الخطيب المفوَّه بسَحْبان، والبخيل البغيض بمادِر، وكالكناية عن شدة الكرم بكثرة الرماد أو جُبْن الكلب وهُزَال الفَصِيل، وقولهم: دَقُّوا بينهم عِطْر مَنْشِم، وأخذنى ما قَدُمَ وما حَدُث، وخَرَج بالصمت عن لا ونَعَم... وغير ذلك. كما أن كثيرا من الكتاب العرب الآن لم يعودوا يحرصون على ترصيع نثرهم بعبارة شعرية أو جملة مُقَفَّعيّة أو جاحظية مثلا.
ويصدق هذا أيضا على التراكيب، إذ ثمة عدد منها قد قَلَّ استعماله أو انتهى، وعدد آخر قد استجدّ أو على الأقل: قد انتشر بعد أن كان محصورا فى نطاق ضيق. فمن الضرب الأول نرى أنه لا يكاد أحد من الكتاب العرب الآن يقول: "تالله تَفْتَأ تهمل دروسك" (باستخدام تاء القسم وحذف "لا" النافية بعدها من الفعل: "تفتأ")، أو يصب عباراته فى التراكيب التالية: "أَكْثَرُ شُرْبِى السَّوِيقَ ملتوتًا" (بالاستغناء عن الخبر بالحال: "ملتوتا")، أو "كَرِبَ فلان أن يفعل كذا" (بل المستخدَم فى هذه الحالة "كاد" أو "أوشك")، أو "طفق يأكل" (بل نقول: "بدأ يأكل")، أو "إنْ كان أحمد لَفِى حيرة عظيمة" (بل الشائع الآن: "لقد كان فى حيرة عظيمة")، أو "لئن لم تكفّ عن هذا لأضربنّك" (بل يقال عادة: "إن لم تكفّ فسأضربك")، و"أَكْرِمْ به" (بل نقول: "ما أكرمه")، و"قد يعلم الله أنكم عاجزون" (بمعنى أنه سبحانه يعلم ذلك بكل يقين. فــ"قد" هنا للتحقيق رغم مجيئها مع المضارع، ونحن الآن إنما نستخدمها مع المضارع للاحتمال لا لليقين)، و"ما كان محمد لِيَفْعَلَ كذا" (بل نقول: "لا أظنه كان سيفعل كذا"). كما أننا تقريبا لم نعد نستعمل حاليًّا فى نثرنا "ألا" الاستفتاحية"، اللهم إلا فى قولنا مثلا: "عندى لك مفاجأة مذهلة، ألا وهى كذا وكذا"...
ومن الضرب الثانى يمكن أن نذكر التراكيب التالية: "لَعِبَ هو الآخَر" (أى لعب هو أيضا)، و"إذا جاء الآن لشاهد بنفسه كذا وكذا" (بإدخال اللام على جواب "إذا" قياسا على "لو")، و"قد يلعب وقد لا يلعب"، (والمتحرِّجون يقولون فى النفى: "وربما لا يلعب")، و"ضرب كلاهما الآخر" (بدلا من "تضاربا")، و"يتخاصمون مع بعضهم البعض" (والأسلوب القديم يكتفى فى هذا الموضع بــ"يتخاصمون")، و"كلما مررت به كلما وجدته مشغولا"، و"بقدر ما تتقن عملك بقدر ما تتفوق على زملائك" (بتكرير "كلما" و"بقدر ما" جريا على تكرير "the more" الإنجليزية و"plus" الفرنسية فى مثل هذا المعنى، مع أن الأمر عندنا يختلف عنه فى هاتين اللغتين)، و"رغم أنّ/ مع أنّ الساعة قد جاوزت الثانية صباحا إلا أنه كان لا يزال مُكِبًّا على دروسه" (والصواب حذْف "إلا أنه"، إذ لا يوجد هنا استثناء)، و"لا يجب أن تفعل كذا" (وصوابها: "يجب ألا تفعل كذا")، و"لم آكل تفاحا فقط، بل وعنبا أيضا" بدلا من "لم آكل تفاحا فقط، بل أكلت تفاحا وعنبا أيضا"، و"أنا معجب به كروائىّ"، و"سوف لا/ سوف لن أفعل ما تريد منّى" (وأغلب الظن أنها ترجمة حرفية لــ"not will" الإنجليزية)، وصوابها: "لن أفعل"، و"من أهم هذه الإجراءات هو إدخال الحاسوب فى المدارس" (بزيادة الضمير: "هو" حيث لا حاجة إليه، ولا مسوغ لوجوده إلا بتكلف كثير)، و"رأيته قبل أن مات بيوم" (باستخدام الزمن الماضى فى "مات" يدلا من "رأيته قبل أن يموت"، وأرجح الرأى أنه قياس على التركيب الإنجليزى فى أمثال هذه الجملة. وهذا التركيب يكثر لدى الكتاب اللبنانيين فيما لاحظت)، و"سأذهب لزيارته دون أن أخطره، وإن كانت اللياقة الاجتماعية تقتضى خلاف ذلك" (أى رغم أن اللياقة الاجتماعية تقتضى ذلك)، و"مصر السادات، وأمريكا بوش" (تأسّيَا بأساليب الغربيين فى إضافة أسماء الدول إلى حكامها)، و"لَوْن وحَجْم الكِتَاب" (وهو تركيب موجود فى العربية القديمة، لكن على استحياء، أما فى العصر الحديث فيستعمل كثيرا، وبخاصة فى الكتابات الصحفية والقصصية. والرافضون لهذا التركيب يقولون إن الصواب هو: "لون الكتاب وحجمه")، و"ضربوا بعضهم" (وصحتها: "ضرب بعضهم بعضا" أو "تضاربوا")، و"بين علىّ وبين سعيد" (بتكرير "بين" مع اسمين ظاهرين، وهو ما يخطّئه دون وجهِ حقٍّ بعضُ المتنطسين رغم وجود شواهد كثيرة عليه فى الشعر الجاهلى والإسلامى والأموى مما تناولتُه وأوردتُ بعض ما عثرت عليه من أمثلة له فى كتابى: "من ذخائر المكتبة العربية"، و"بين محمد وعلى وأحمد من جهة، وسعيد وزيد وخالد من جهة أخرى"، و"هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن..."، و"مَنْ/ ما / أين هو الطالب المثالى؟" (باستعمال الضمير بين اسم الاستفهام والمستفهم عنه)، و"لا أدرى إن/ ما إذا كان سيأتى أَوْ لا" (اقتفاءً للأسلوب الإنجليزى والفرنسى: "I do not know whether…, Je ne connais pas si…"، و"هو يتحدث لا عن تونس بل عن الجزائر" (بدلا من "يتحدث عن الجزائر لا عن تونس")، و"هو حريص على الذهاب إلى المدرسة لا لشىء إلا ليهرب من قسوة أبيه"، و"ليس ذلك فقط، بل هناك كذا وكذا أيضا". ويضاف إلى ما مرّ الإكثار من الجمل الاسمية حيث يستحسن الذوق العربى استعمال الجملة الفعلية، وكذلك كثرة الجمل الاعتراضية، وحذف "وقد" أو "وإنّ" من بدايات الجمل...
ومن مظاهر التطور فى الأسلوب الحديث كثرة الأخطاء اللغوية من صرفية ونحوية ومعجمية، وانتشار الركاكة فى كتابات بعض الأدباء. وهى ظاهرة مؤسفة، فقد ظل العرب فى عصور قوتهم يكتبون كتابة صحيحة، إلى أن تخلفوا حضاريا وعلميا فلوحظت هذه الظاهرة، وكان المأمول أن تختفى مع انتشار التعليم وكثرة المدارس والجامعات وتبسيط النحو والصرف وشيوع المعاجم من كل جنس ولون. والغريب أن الكتاب الذين يعانون من هذا العيب لا يجدون أية غضاضة فى هذا، ولا يشعرون بأى حرج. بل إن الواحد منهم لا يكلف نفسه إذا ألف كتابا مثلا أن يعهد به إلى من ينظر فيه ويصححه له قبل أن يَطْلُع به على القراء. وكثير ممن نقرأ لهم فى الصحف والمجلات فلا نجد فى كتاباتهم أخطاء لغوية هم من ذلك القبيل أيضا. كل ما فى الأمر أن مصححى الجرائد يعدّلون المائل، ويسوّون الهوائل. ومن بين هؤلاء أسماء لامعة ذات شهرة ودوىّ، وهو أمر لا يليق، وبخاصة بعد أن استفاض التعليم وبُسِّطت قواعد اللغة وانتشرت الوسائل التى تعين على إتقانها كما قلنا.
اختفاء السجع والمحسّنات البديعية:
النثر العربى الحديث الآن نثرٌ مُرْسَل لا سجع فيه ولا جناس ولا ازدواج ولا تورية إلا فى النادر. ولقد غَبَرَ على أدبنا النثرى زمان كانت المحسنات البديعية، وعلى رأسها السجع والجناس والازدواج، سمة سائدة فيه. كان ذلك فى أواخر العصر العباسى وطوال العصرين المملوكى والعثمانى، ثم لما وقعت النهضة الحديثة نهض الأدب العربى، وشرع النثر يتقلقل من هذا الوضع، وأخذ يتخفف من السجع والبديع قليلا قليلا حتى تخلص منه. على أن النثر، حتى فى أشد عصور التخلف حُلُوكةً، لم يكن كله سجعا وبديعا، بل كانت هناك كتب كاملة أفرغها أصحابها فى قالب النثر المرسل، مثل: "مقدمة ابن خَلْدون" والترجمة الذاتية التى كتبها الإمام السيوطى بعنوان "التحدث بنعمة الله"، وكذلك "نَفْح الطِّيب" للمَقَّرِىّ و"عجائب الآثار" للجَبَرْتِىّ إلى حد بعيد . ويصدق هذا بدرجة كبيرة على عدد من الكتب التى ظهرت فى بدايات العصر الحديث، مثل: "تخليص الإبريز فى تلخيص باريز" و"المرشد الأمين لتربية البنات والبنين" لرفاعة رافع الطهطاوى، وكتب أحمد فارس الشدياق بوجه عام، وكتابات محمد عبده المتأخرة. أريد أن أقول إن النثر المسجوع والنثر المرسل كانا يمشيان جنبا إلى جنب فى عصور التخلف وفى بدايات النهضة مع غلبة السجع فى عصور التخلف، والتخفف منه تدريجيا حتى انتهى الأمر إلى هجره فى العصر الحديث. بل كثيرا ما كان الكِتَاب الواحد يؤلَّف بالأسلوبين جميعا: السجع والمحسنات البديعية فى المقدمة، والأسلوب المرسل لسائر الكتاب.
الأمر إذن لم يتم بين عشية وضحاها ولم يحسمه كاتب واحد على خلاف ما يُفْهَم من كلام د. شوقى ضيف من أن محمد عبده قد تحول بالنثر من السجع والمحسنات إلى الأسلوب المرسل، مع أن الطهطاوى والشدياق مثلا قد سبقاه إلى هجران السجع والبديع فى كثير مما كتبا حسبما ذكرنا آنفا، كما أن الأسلوب البديعى ظل يستعمله الناثرون بعد محمد عبده، مثل أحمد شوقى فى "أسواق الذهب" وحافظ إبراهيم فى "ليالى سطيح" ومحمد المويلحى فى "حديث عيسى بن هشام" ومحمد توفيق البكرى فى "صهاريج اللؤلؤ" على ما هو معروف. على أنه لا بد من التنبيه إلى أن الكتب الثلاثة الأولى لم تؤلَّف من أولها إلى آخرها سجعا، بل ضمت، إلى جانب الأسلوب البديعى، شيئا من النثر المرسل: فشوقى فى آخر كتابه يهجر السجع ويرسل الكلام إرسالا، أما حافظ والمويلحى فيراوحان بين السجع والمحسنات فى مواضع وبين النثر المرسل فى مواضع أخرى. ولعله يمكن القول بأن هذه الكتب وأشباهها تمثل، بمعنًى من المعانى، الحلقة الوسطى بين النثر الذى كان يلتزم السجع والمحسِّنات والنثر الذى قطع علاقته بهما.
ويرجع شيوع الأسلوب المرسل فى نثرنا الأدبى الحديث إلى عدة  عوامل منها التأثر بالآداب الأجنبية التى أخذ كثير من كتابنا ينظر إليها على أنها هى الأسوة التى ينبغى الاقتداء بها، وبخاصة أن الأسلوب العربى على أيام ابن المقفَّع والجاحظ وابن المعتز وأبى الفرج الأصفهانى وابن حزم وابن طُفَيْل ومن إليهم كان هو الأسلوب المرسل. ومنها كذلك انتشار التعليم والطباعة واتساع دائرة القراء بحيث شملت أوساط المتعلمين وصغارهم والعامة أيضا، فكان لا بد من أسلوب يسهل فهمه ومتابعته حتى على القارئ العادى. ثم إن دخول الصحافة إلى الميدان وما ترتب على ذلك من وجوب مراعاة الكتّاب لعامل السرعة حتى يستطيعوا ملاحقة المطبعة وتغذية الصحف يوميا بحاجتها إلى المقالات والقصص والتحقيقات والدراسات قد دفعهم حثيثا إلى العمل على التخلص من الأسلوب البديعى القديم الذى كان يحتاج إلى تروية وعَصْر ذهن ومعرفة بدقائق الألفاظ والصيغ ومتعثكل التراكيب.
ومن أمثلة النثر المسجوع فى بدايات عصر النهضة قول عباس خماش (الفلسطينى) فى سنة 1870م يقرِّظ مجلة "الجنان"، التى كان يصدرها بطرس البستانى: "كيف لا ورضوانه البستانى، منشئ أغراسه ببديع المعانى؟ كم جلا علينا من حُورِ بنات أفكاره أبكارا، وطفقتْ أنواره ترقص بحكم المبانى وجميل نِكَات الفنون جِهَارا! فلَعَمْرِى إن الفكر بفكاهة ثماره تمتَّع، والسرور بكواعب أترابه تجمَّع، فلسانى لا يستطيع القيام بشكر ما أَوْلَى من الإنعام، على ذوى العقول والأفهام. فهو على كل حال قاصر، يقول: كم ترك الأول للآخر! وغاية مَقُولِى، على قدر معقولى"، وقول محمد توفيق بكرى فى وصف أبناء الطبقة المترفة فى مصر على عهده: "وأما أبناء السادة فإن أحدهم غادة ينقصها الحجاب، ينظر فى مرآة ولا ينظر فى كتاب. إنما هو لباس على غير ناس، كما تضع الباعة مبهرج الثياب على الأخشاب. رمادٌ تخلّف عن نار، وحوضٌ شُرِبَ أوّله ولم يبق منه غير أكدار. آباء وأحساب، وحال كشجر الشلجم أحسن ما فيه ما كان تحت التراب. ترى الفتيان كالنخل، وما يدريك ما الدخل؟ إلى رطانة بالعُجْمة بين الأعراب، أبرد من استعمال النحو فى الحساب. ولو كان ذا حيلة لتحوَّل، وهل عند رسمٍ دارسٍ من معوَّل؟"، وقول البشير الإبراهيمى (الجزائرى): "لا أقسم بذات الحفيف، والجناح الخفيف، المشارفة فى جوها للكفيف، وبالسرّ الـمُودَع فى التجاويف والتلافيف، وبالـمُغِيرات صُبْحًا عليها التجافيف، والمغيرين على الحق كالطاهر بن العفيف، وبالسابغات والسوابغ من الدروع والجلابيب، وبالآخذين أمس من تل أبيب كالتلابيب، وبالبحر والسفينة، والحَبْر والدفينة، إن المتنبى لمن موالينا، وممن تلقى الكهانة عن أَوَالينا، وإنه ما دُعِىَ بالمتنبى إلا لأنه كان شاعرا كاهنا ليناقض النبى الذى لم يكن كاهنا ولا شاعرا"، وقول عبد الرحمن بن صالح الخليفى (القطرى) من مقدمته لكتاب "بستان الأكياس، والأفراد من الناس"، الذى أصدره عام 1938م: "أما بعد فإن أشرف ما منح الله به العباد، وأقام به البلاد، العقول الراجحة، والبصائر الثاقبة الصالحة، فتفتقت عن ثمارها الألسن، فأوضحت بنورها ما لم تدركه الأعين. فأردت أن أجمع نبذة من الأدب، ودرجات أهل الحسَب، من مثلٍ سائر، وبيتٍ نادر، وقصيدةٍ مشتهرة، ولطيفةٍ مفتخرة، لى ولأبنائى، وأصدقائى وأحبائى، فأتى بعون الله وتوفيقه كُلَّ الصيد فى جوف الفَرَا، وإن كنتُ من المتأخرين إلى وَرَا".
الكتابة بالعامية:
كان الأدب العربى القديم كله يُكْتَب باللغة الفصحى شعرا ونثرا، اللهم إلا الخـَرجات العامية لبعض الموشحات الأندلسية، وإلا الزَّجَل وما إليه. أما النثر فلا أستطيع أن أذكر منه شيئا ذا بال سوى أن أسامة بن منقذ فى ترجمته لنفسه فى كتاب "الاعتبار" كان يخلط الفصحى بالعامية أحيانا، إذ كان يملى كتابه شفاها ولم يكتبه بيده، وإلا فإن مؤلفاته الأخرى التى سجلها بقلمه ولم يُمْلِلْها قد كُتِبَتْ، كما كُتِب النثر العربى كله، بالعربية الفصيحة. ومع ذلك لم يحدث أنْ دعا أحد، تحت أى ظرف أو لأى سبب، إلى نبذ الفصحى وإحلال العامية محلها. وظل هذا هو الوضع حتى العصر الحديث ووقوع معظم البلاد العربية فى قبضة الاحتلال الأوربى وقدوم المستشرقين إلى بلادنا للعمل والإقامة، فعندئذ ظهرت الدعوة إلى استبدال العامية بالفصحى فى الكتابة والأدب بذريعة أن ذلك أصدق فى التعبير عما بالنفوس وأن العامية أقدر على استيعاب العلوم العصرية، فضلا عن الزعم بأن هذا هو التطور الطبيعى للأمور. فكما حدث أن اللاتينية، التى كان يستعملها عدد من البلاد الأوربية فى العصور الوسطى، قد اختفت فى العصر الحديث من دنيا الاستعمال وحلت مكانها اللهجات المختلفة التى انشعبت منها كالفرنسية والإيطالية والإسبانية، فكذلك من الطبيعى أن تختفى العربية الفصحى لتأخذ مكانها اللهجات المتعددة التى تستخدمها الشعوب العربية فى أغراض حياتها اليومية.
ومن الذين دَعَوْا فى مصر إلى استخدام العامية فى الكتابة مجلة "المقتطف"، التىكانت تنزع منزعا غربيا واضحا، وذلك فى 1881م، ثم قاض إنجليزى فى محكمة الاستئناف المصرية اسمه وِلْمُور أصدر كتابا فى عام 1902م حاول فيه التقعيد للعامية القاهرية ودعا إلى اتخاذها أداة للكتابة بدل الفصحى، وتلاه بعد أربع وعشرين سنة إنجليزى آخر هو مهندس الرى وليم كوكس، الذى ترجم أجزاء من الإنجيل إلى العامية تطبيقا عمليا لتلك الدعوة المشبوهة. أما فى لبنان فممن توَلَّوْا كِبْرَ هذه الدعوة روفائيل نخلة، الذى كان يدعو إلى العامية وتزيينها لمن حوله، والذى يقول العالمون ببواطن الأمور إنه هو المؤلف الحقيقى للكتاب الذى عليه اسم مارون غصن فى قواعد العامية اللبنانية. ومنهم أيضا سعيد عقل، الذى أصدر صحيفة أسبوعية بالعامية اللبنانية المكتوبة بحروف لاتينية. ومنهم كذلك الشاعر يوسف الخال، الذى كان يسمى العامية: "اللغة المحكيّة" كى يغطى سوأتها خداعا منه لمن لا يوافقونه على رأيه وموقفه. وفى بلاد المغرب العربى قام بهذه الدعوة الأثيمة منذ العشرينات بعض الرهبان الفرنسيين المسمَّيْن بــ"الآباء البيض" كالأب فوكا والأب سلام، فضلا عن عدد من المستشرقين أمثال ماسينيون وكولون وفرساى. وقد وقف فى وجه هذه المخططات أبناء البلاد الشرفاء. ويذكر محمد مزالى أن كثيرا من المستشرقين قد أَفْنَوْا أعمارهم فى دراسة اللهجات العامية فى بلاد المغرب العربى ناعتين الفصحى بالجمود والقصور، وإن كان بعضهم تراجع عن رأيه كالمستشرق وليم مرسيه، الذى عاد فكتب يمجد لغة الضاد مؤكدا مقدرتها على التعبير عن أى رأى أو إحساس مهما دَقَّ أو لَطُف.
وكانت المسرحيات الهزلية هى السابقة فى اصطناع العامية، أما الآن  فكثير من المسرحيات، هزليةً كانت أم جادّةً، تصطنع هذه اللهجة كمسرحيات محمد تيمور ويوسف إدريس ومصطفى محمود وألفرد فرج ونعمان عاشور وعلى سالم وغيرهم فى مصر. وقس على ذلك نظراءهم فى البلاد العربية الأخرى. على أنه لا بد من القول بأن من كتاب المسرحيات من يؤثرون الفصحى ولا يَرْضَوْن النزول إلى مستوى العامية فى إبداعهم كمحمود تيمور وعلى أحمد باكثير وتوفيق الحكيم (من مصر)، ومحمد المسعدى (من تونس)، وسعد الله ونوس (من سوريا). أىأن هناك تيارين لغويين مختلفين فى ميدان التأليف المسرحى. أما فى ميدان القَصَص فثمة عدد من المؤلفين يزاوجون فى أعمالهم بين الفصحى فى السرد والوصف والتحليل وبين العامية فى الحوار بدعوى أن الناس لا يتحدثون فى حياتهم اليومية بالفصحى، فكيف يصح أن نُنْطِقهم بها فى الروايات والأقاصيص؟ وفاتهم أن الواقعية لا تعنى نقل الواقع كما هو لأن هذا مستحيل، بل العبرةُ بالإيهام بذلك، وهو ما يمكن جدا أن يتحقق من خلال الفصحى. والمهم أن يحسن الكاتب تصوير شخصياته والمطابقة بين مستواها الفكرى والاجتماعى والنفسى وبين لغتها فيجعل لغة العامة والخدم مثلا أبسط من لغة الرؤساء والمثقفين. وهذا هو المحكّ الحقيقى لموهبة القصاص وبراعته لا اللجوء إلى العامية، التى نعرف كلنا أنها ليست عامية واحدة للعرب جميعا ولا فى أى بلد على حدة، بل ولا فى أية مدينة، إذ هى تحتلف باختلاف الأحياء والطبقات والأجيال كذلك. وأين الكاتب الذى يجرؤ على الزعم بأنه يعرف كل تلك اللهجات العربية بدقائقها وشِيَاتها المختلفة؟
وعلى أية حال فإن استعمال العامية فى النثر العربى مقصور تقريبا على المسرح والقصة، أما فيما عدا هذا فليس ثمة شىء يستحق الإشارة إليه، ومنه كتاب "مذكرات طالب بعثة"، الذى ألفه لويس عوض فى بريطانيا أيام أن كان يدرس هناك للحصول على درجة الدكتورية فى الأدب الإنجليزى، وذلك رغبة منه فى كسر رقبة البلاغة العربية كما كان يقول، وهى غاية مريبة لا يترتب عليها إلا تفتيت العرب لغويا مثلما تم تفتيتهم سياسيا، فلا يكون ثَمَّ تفاهم بين بعضهم وبعض. كما تقوم بينهم وبين تراثهم وكتابهم الكريم حينئذ حواجز كَؤُود لا يسهل اختراقها ولا القفز فوقها إلا لقلة قليلة. وللعلم فإن العامية التى كتب بها لويس عوض كتابه ذاك هى عامية مصطنعة غير التى نتحدث بها أو نعرفها. بل إنها لأبعد عن تمثيل عقل صاحبها ونفسه من اللغة الفصحى التى يفترى عليها الافتراءات ويحسب أنه قادر على القضاء عليها. وقد نُسِىَ هذا الكتاب الثقيل الظل الآن وأصبح فى خبر "كان"، ورجع صاحبه من يومها إلى الفصحى فى كل ما يكتب، وإنْ وَضَع كتابا فى أوائل الثمانينات يحاول فيه التشكيك فى قِدَم اللغة العربية وأصالتها.
وقد قام توفيق الحكيم فى ميدان التأليف المسرحى بمحاولة البحث عن أسلوبٍ وسطٍ بين العامية والفصحى يمكن أن يُقْرَأ بهذه أو بتلك حسبما يريد القارئ، إذ قرّب الأسلوب العامى على قدر المستطاع من مستوى الفصحى نطقا وتركيبا وكتب به مسرحيته: "الصفقة" بحيث إذا أحب القارئ أن يقرأها بالعامية فما عليه إلا أن يقلب القاف همزة (أو جيما قاهرية)، والذال دالا، ويترك الإعراب، أما إذا تعامل معها على أنها من الأدب الفصيح فليقرأها كما هى مكتوبة. وقد ذكر المؤلف فى الخاتمة أنه إنما فعل ذلك للتقريب بين طبقات الشعب الواحد، وكذلك بين الشعوب العربية المختلفة، من خلال توحيده لأداة التفاهم بينها قدر الإمكان. لكن فاته أن العامية التى استخدمها فى "الصفقة" وأراد التقريب بينها وبين الفصحى إنما هى إحدى العاميات المصرية التى لا أظن أحدا من الكتاب المسرحيين العرب خارج مصر يستطيع استخدامها. أى أنه سيكون لدينا تجارب من هذا النوع بعدد الشعوب العربية على الأقل. أيا ما يكن الأمر فالذى يهمنا هنا هو أن هذا العمل المسرحى قد كُتِب بلغة لم يسبق للعرب أن فكروا فى استخدامها فى أى من إبداعاتهم الأدبية على كثرتها الكاثرة وتنوعها الهائل. ومبلغ علمى أن أحدا آخر من كتّاب المسرح لم يحاول أن يتابع هذه التجربة الحكيمية.
الكتابة بلغة أجنبية:
ومن مظاهر التطور فى نثرنا الحديث استخدام بعض الكتاب العرب للّغات الأجنبية فى إبداعهم الأدبى حَصْرِيًّا أو بجانب لغتهم العربية. وهناك عدة أسباب لذلك: فمثلا الكتاب الجزائريون الذين أنتجوا أدبهم باللغة الفرنسية كمحمد ديب وكاتب ياسين ومولود فرعون ومولود معمّرى ومالك حداد وإدريس الشرايبى وآسيا جبار إنما فعلوا ذلك لأن الفرنسيين فرضوا لغتهم فرضا على الجزائر وعملوا على فَرْنَستها، وكانت ثمرة هذا الوضع أن هؤلاء الكتاب الجزائريين وأمثالهم ممن تعلموا فى ظل الاحتلال الفرنسى لبلادهم قد أتقنوا لغة المحتلين فى الوقت الذى لم يحسنوا فيه تعلم لسانهم القومى والدينى أو لم يريدوا ذلك. كما أن لبعض الكتاب التونسيين أعمالا بلغة الفرنسيس مثل ألبير ممى والهاشمى البكوش وكلود بنعادى ومحمود أصلان ومصطفى الكعبى وصالح القرمادى، وكذلك الحال بالنسبة إلى فريق من الكتاب المغاربة كعبد اللطيف الكعبى والطاهر بن جلون وعبد الكبير الخطيبى تأثرا منهم بالاحتلال الفرنسى لبلادهم. أما مؤلفات جبران ونعيمة مثلا بالإنجليزية فقد أُلِّفَتْ فى الولايات المتحدة الأمريكية، ومن ثم استُخْدِمَتْ فيها لغة البلاد التى كانوا يقطنونها وأصدروا مؤلفاتهم كى تُقْرَأ هناك. وتشبه هذه الحالة حالة المصريين الذين غادروا أرض الكنانة إلى فرنسا وأضْحَوْا جزءا من نسيج المجتمع الفرنسى مثل جويس منصور وأندريه شديد، كما تشبهها حالة إدوار عطية اللبنانى الذى كتب ترجمته الذاتية بالإنجليزية، إذ كان قد تجنس بالجنسية البريطانية وأصبح يعيش فى جزيرة جون بول، وكذلك أهداف سويف المصرية التى صدرت لها بآخرةٍ بعض الأعمال القصصية بالإنجليزية بعد أن تركت مصر وتزوجت من رجل إنجليزى تعيش معه فى بلاده. بل إن أديبا كإبراهيم العريِّض البحرينى الذى لا يدخل تحت أى بند من هذين له مسرحية بالإنجليزية عن "وليم تل".
ويتصل بها نَوْعَ اتصالٍ ما درج عليه كثير من الناثرين العرب فى العصر الحديث من تطعيم كتاباتهم ببعض الألفاظ أو التعبيرات الأوربية لتوضيح ما يقولون أو تأكيده أو لمجرد الاستعراض. وهم فى هذا قد يكتبونه بالحروف العربية، وقد يسوقونه كما هو فى أصل لغته بالحرف اللاتينى. ويتصل بذلك أيضا ظاهرة وجود أدب عربى مكتوب باللغة العربية خارج ديار العرب. أقصد به الأدب المهجرى فى الولايات المتحدة الأمريكية وفى أمريكا الجنوبية، وهو الأدب الذى أنتج لنا جماعتين أدبيتين مشهورتين هما الرابطة القلمية فى أمريكا الشمالية، والعصبة الأندلسية فى البرازيل من أمريكا اللاتينية، وأخرج طائفة من أعلام النثر الحديث أمثال الريحانى ونعيمة وجبران وشفيق المعلوف ورشيد الخورى. ولهذا الأدب سماته التى تميزه عن غيره من الآداب داخل الخيمة الكبيرة للأدب العربى الحديث مما تناوله الدارسون فى بحوثهم وكتبهم، مثل البعد عن فخامة الأسلوب وجزالته، وهَجْر التعبيرات التقليدية، وافتراع كثير من الصُّوَر المجنَّحة، والهيام بالطبيعة، والدعوة بقوة  إلى الحرية، وسريان نفحة صوفية وإنجيلية فى كتاباتهم، وكثرة صفحات الشعر المنثور فى إبداعاتهم. وظاهرة الأدب المهجرى هى، بلا شك، ظاهرة جديدة لا عهد للأدب العربى القديم بما يشبهها.

 

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 1636 مشاهدة
نشرت فى 25 مارس 2015 بواسطة dribrahimawad

عدد زيارات الموقع

33,835