التعصب للمورثات والعادات المجتمعية
د. محمد ماهر الصواف
لا شك ان التعصب للمورث الثقافى دون إعمال العقل فى مدى منطقيتها قد يقيد حرية الفكر والرأى مما يؤثر سلباً على تقدم المجتمع، فرغم أن الموروث الثفافى وما نملكه من معتقدات يتضمن فى طياته عدد كبير من القواعد الأخلاقية المثالية التى استقر عليها المجتمع، إلا أن هناك بعض من هذه الموروثات أصبحت لا تتفق مع المتغيرات المحلية والعالمية، بل وتؤثر سلباً فى تنمية حياتنا الإقتصادية والسياسية والعلمية، ويرى البعض أن هناك بعض من تلك العادات المجتمعية تؤثر سلباً على عقولنا وعلى قدرتنا على حل مشاكلنا الصحية أوالمجتمعية أو الاقتصادية نظراً لما تتضمنه من خرافات وسلوكيات ضارة بالفرد والمجتمع، ومن الغريب ان هناك من الأفراد من يتعصب تعصبا أعمى لبعض هذه الموروثات ويرفض مجرد دراستها وتحليلها وتحديد الغاية منها وآثارها على الفرد والمجتمع، وقد تصل درجة التعصب إلى التعدى بالقول أو بالفعل على كل من يتجرأ بتقديم بعض الأفكار حول هذه الموروثات ويطلب دراستها والتعرف على مصادرها التاريخية وعلى السياق والظروف التى أدت إلى ظهورها . وكثيراً ما يتحول التعصب من الأفراد إلى تعصب بعض المجتمعات ويصبح من الصعوبة الخروج على هذا الموروث أو مجرد التفكير فى مدى سلامتها وإتفاقها مع الدراسات والنتائج العلمية أو حتى التفكير في مدى ملاءمتها للظروف المعاصرة.
وبحق يشير العالم جون ستيوارت ميل إلى إمكانية ظهور ما يمكن تسميته بالاستبداد الاجتماعى أى استبداد المجتمع نفسه، والذى اعتبره أقوى وأشد خطراً على الحريات وإعمال العقل من استبداد الفرد.
ويجب الإشارة أن المجتمعات الغربية عاصرت هذا الإستبداد الإجتماعى فى العصور الوسطى وحاكمت العلماء والمفكرين وعاقبتهم بأشد العقوبات، ومع عصر النهضة والتنوير تحررت العقول وانتشر العلم والإبحاث العلمية مما أدى إلى تقدم هذه المجتمعات ونهضتها، وفى هذا السياق يعرف (العالم كانت) التنوير بأنه : هو خروج الإنسان من القصور (قاصر) والعجز الفكرى الذى فرضه على نفسه. ويقصد بالإنسان القاصر: هو عدم قدرة المرء على استعمال عقله بفردة إنما يترك نفسه للأخر للتصرف له فهو لا يتمتع بالرشد الكامل ويعد مثل القاصر، وأن هذا القصور ليس نتيجة نقص فى العقل، بل نتيجة نقص فى القدرة على الإختيار والتمييز، ونقص فى الشجاعة لإستخدام العقل دون هداية الآخريين، وأضاف (كانت) أنه على كل شخص أن يفكر لنفسه أى عليه أن يسعى للإستنارة لينجو بنفسه من الخرافه التى تضعه تحت سيطرة الآخرين الذين يفرضون عليه أفكارهم ويجبروه على تقبل معتقداتهم بدون مساءلة. ويعتقد أن "الإنسان الخاضع لغيره لم يعد إنسانا، لقد فقد تلك المكانة ، أنه ليس إلا تابعا لذلك الآخر .
وهكذا نعتقد أنه من الأهمية تأمين ممارسة حرية التعبير عن الرأى للانتفاع بما تضفيه على الإنسان من تفتح وانطلاق، وكشف للسلبيات، وما تقدمة من مبادرات فكرية جديدة تفيد المجتمع وتعمل على نهضته، والله ولى التوفيق.