Dr. Maher Elsawaf

الطريق إلي التقدم والتنمية يقوم علي العلم والمعرفة وحرية التعبير

 

الإحســاس بالخطــر سمات ثقافة التقدم
د. محمد كمال مصطفى
استشارى إدارة وتنمية الموارد البشرية

الخطر هو التهديد الناتج إما عن حسابات واختيارات شخصية خاطئة ، أو اختيارات وحسابات سياسية وإدارية وتنظيمية للغير تؤثر على آخرين يقعون فى إطار مسئوليتهم المباشرة وغير المباشرة ، وهو كذلك مواجهة لظروف محتملة ومؤكدة وقهرية سواء بفعل بشرى شخصى أو غير شخصى ، أو نتيجة ظروف خارجة عن إرادة البشر.


والتهديد موضوع الخطر قد يكون صحى واقتصادى وسياسى واجتماعى وثقافى بما ينعكس على الفرد والمجتمع سواء بفقدان القدرات الصحية ، والإمكانات والموارد الاقتصادية ، ووجود حالات الصراع الاجتماعى بين الفئات المختلفة على مستوى المجتمع، وافتقاد الحياة ذاتها أو افتقاد الحياة الكريمة وعدم التوازن النفسى على مستوى الفرد.


وأيا كان تعريف الخطر والتهديد ، فالمشكلة ليست فى دقة التعريف ولكن فى أن الناس والمجتمعات تنقسم استناداً إلى الخطر والتهديد والإحساس بهما إلى نوعين ، إما شعوب تحس بالخطر أو شعوب لا تحس بالخطر ، ومن ثم أفراد تحسن بالخطر أو افراد لا يحسون بالخطر .
فالإحساس بالخطر والتحسب له ، وقبول المخاطرة بمواجهته ، وإنشاء العديد من المنظمات ومراكز البحوث والدراسات التى تواجه الأنواع المختلفة منه بالبحث والدراسة والتصدى له ، هو أهم سمات ثقافة التقدم .. بينما ترك الأمور للصدفة والتواكل واللجوء إلى القوة الغيبية والتضرع لها للحماية من أخطار قد تكون مؤكدة أو شبه مؤكده هو أبرز سمات ثقافة التخلف .


هذه مقدمة لسؤال اسأله لنفسى قبل أن أسأله لكم هل نحن شعب يحس بالخطر ، ويشعر بالتهديد ، ويرفض العيش دون توتر فى ظل الخطر وعدم التأكد ؟


أم نحن أفراد متواكلين نترك الأمور للصدفة والحظ دون تحسب للخطر ؟
بالطبع ستكون إجابة البعض أننا شعب يستشعر الخطر ولا يترك الأمور للصدفة ، وأيضا ستكون إجابة البعض الآخر أن هذا الأمر يتوقف على مدى انتشار التعليم ، وستكون هناك إجابات ربما غالبة أننا بصفة عامة شعب لا يستشعر الخطر ، ويترك الأمور لتجرى كما هو مقدر لها .
وهنا ريما يسألنى البعض لماذا هذا السؤال وما أهمية طرح هذا الموضوع بالذات فى هذه الفترة التى تموج بالعديد من المشكلات ذات الأهمية التى تحتاج إلى التناول الفورى بالدراسة والتحليل والتفسير الموضوعى.


والإجابة ببساطة هى أننى قد اكتشفت أن معظم مشاكلنا الحالية تكمن فى قصور أو انعدام الإحساس بالخطر ، أو القصور فى حسابات مواجهة الخطر ، وفى الكثير من الأحيان تكون فى اختيار الحلول الوسط غير الحاسمة لمواجهة الخطر ، بل وحتى عند اختيار الحلول الوسط نختار الحلول الوسط الخاطئة التى تقربنا من احتمال حدوث الخطر، ولا نختار الحلول الوسط الصحيحة التى تبعدنا عن احتمال حدوث الخطر .
فهل تصدقون أن اللحظة التى سيكون فيها الإحساس بالخطر هو الأساس الحاكم فى كل اختياراتنا على كل المستويات وبالنسبة لكل الأفراد ، ستكون هذه اللحظة هى نقطة البدايات الصحيحة نحو استعاضة الزمن الضائع واختزال الزمن الحالى وصولاً إلى المستقبل الواعد أسرع من كل من حولنا.


فماذا لو كان شعورنا بالخطر من العدو لا يقتصر على الاعتداء المباشر علينا ومن ثم دراسة كل الحسابات والاحتمالات التى قد تؤكد حدوث أو عدم حدوث ذلك ، وكان شعورنا بالخطر منه بجانب ذلك هو أن يتقدم علينا علميا وتكنولوجيا واقتصاديا وسياسيا.ً


هل تصدقون أن شعور الأتراك بالخطر من تعايشهم بجوار الدول الأوربية دون أن يكونوا فى مستوى تقدمهم كان أهم دوافعهم نحو التقدم ، وهل يمكن أن تصدقوا أن شعورهم بالخطر من أن دول صغيرة تعيش بجانبهم كانت يوما تحت سيطرتهم قد اجتازت معايير الاتحاد الأوربى وانضمت إليه ، كان دافعاً قوياً نحو تقدمهم.


وهل يمكن أن تصدقوا أن ماليزيا ومن قبلها كوريا الجنوبية ومن بعدها فيتنام قد استشعرت الخطر من تقدم دول الجوار ، فكان ذلك دافعاً لهما ليس فقط نحو التقدم وإنما نحو ريادة التجارب التنموية .
أتعجب كيف نحن شعب لا يشعر بالخطر من أن كل الدول المحيطة به والتى كانت تتطلع إلينا بالأمس القريب كرواد فى كل المجالات ، والتى كان التقدم التى أحدثته فى مختلف جوانب الحياة فيها بمساهمة كوادرنا ، ولا يحرك هذا ساكنا لتعويض ما فاتنا من زمن مفقود ؟


كيف لا نستشعر خطر الزيادة السكانية والانفجار السكانى تحت دعاوى باطلة تماماً أننا نملك من الموارد ما يستوعب أضعاف أضعاف الحجم الحالى من السكان دون استشعار لخطر نقص الموارد المائية ونضوب الموارد البترولية مع الوقت ؟


كيف لا نستشعر خطر انتشار الأمية ، وارتداد من يكسر حاجزها بالعودة إليها ممن يجتازون المراحل الأولى من التعليم ؟
الأخطار كثيرة والمشكلة ليست فى تعددها وتعدادها ، ولكن فى الإحساس بها وبالأخطار المترتبة عليها ، والإحساس بها لن يكون إلا إذا كان أحد أهم سمات السلوك المعتاد وأحد محاور تفكير الإنسان المصرى ، هو الإحساس بالخطر والتحسب الصحيح والجاد له ، والبعد عن الاتكالية ، والأخذ بالعقلانية والجدية فى تحليل وتقدير وتنفيذ الأمور .
فأنا لا أفهم كيف أن الكثير من ذوى المؤهلات العليا وما فوقها يطلقون العنان لأنفسهم لإنجاب أكثر من طفلين تحت دعاوى باطلة دون أن يشعروا بخطر مواجهة عدم أو صعوبة توفير حياة كريمة ومستقبل واعد للعدد الكبير من الأولاد فى ظل محدودية الدخول ، وتزايد غلاء المعيشة،  ناهيك عن استشعار الخطر العام نتيجة الانفجار السكانى.


وأتعجب كيف للمسئولين فى هذه الدولة عدم الإحساس بالخطر عندما لا يضعون البحث العلمى والتعليم فى أولويات الإنفاق والاستثمار ؟ .. ويزداد عجبى وتزداد حيرتى عندما أجد اندفاع معظم إن لم يكن كل المستثمرين نحو أنشطة المال السهل ( العقارات والسياحة والاستيراد ...) دون اللجوء إلى أنشطة المال الصعب ( الصناعة والزراعة .. ) دون استشعار لخطر بناء دولة ومستقبل شعب على أنشطة المال السهل .
أم لك رأى آخـــر ...

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 406 مشاهدة

Dr.maher elsawaf الأستاذ الدكتور محمد ماهر الصواف

drelsawaf
نشرالثقافة الإدارية والسياسية والإجتماعية والإقتصادية »

عدد زيارات الموقع

278,577

ابحث