د.علاء البسيوني

يهتم الموقع بنشر الثقافة العلمية خاصة في مجال العلوم الاقتصادية والاجتماعية، والاقتصاد الإسلامي.

    بقلم د.علاء بسيوني

لقد ورد في القرآن الكريم والسنة المطهرة العديد من الآيات والأحاديث التي تحث على العمل والتكسب الذي هو طريق التملك مثل قوله تعالى: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الجمعة: الآية: 10)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: (لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ الْحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ)([1]) كما أن الأصل في المعاملات الحل والإباحة، ولا يحرم منها إلا ما قام الدليل على تحريمه وما عدا ذلك فيبقى على الأصل وهو الإباحة، وهذا مما يدل على سماحة الشريعة الإسلامية ويسرها.

وبالنظر في الأسباب التي شرعها الإسلام لاكتساب الملكية نجد أن آراء العلماء والمؤلفين قد تنوعت في تقسيمها، إلا أنه بالتأمل في تلك التقسيمات نجد أنها في الجملة لا تكاد تخرج عن الأقسام الآتية، مع العلم أنه يندرج تحت كل قسم منها فروع كثيرة:

القسم الأول: التملك مقابل عوض: ويدخل فيه المعاوضات بأنواعها، كالبيع، والإجارة، والسلم، ونحو ذلك.

القسم الثاني: التملك بغير عوض: ويدخل فيه عقود التبرعات كالوصية، والهبة، والميراث.

القسم الثالث: التملك بالاستيلاء أو بالعمل: فيدخل فيه إحراز المباح، وإحياء الموات، والصيد، والاحتطاب.

وفيما يلي نبذة موجزة لأهم أسباب الملكية:

<!--البيع: وهو مبادلة المال بالمال تمليكا وتملكاً. والبيع مشروع بالكتاب والسنة والإجماع: قال تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) (البقرة: الآية: 275)، وردت أحاديث كثيرة عن النبي ﷺ تدل على مشروعية البيع وأنه من أطيب المكاسب ومن ذلك؛ أن النَّبِيُّ ﷺ سئل: أي الكسب أطيب؟ قال: (عملُ الرَّجلِ بيدِهِ، وكلُّ بَيعٍ مَبرورٍ)(<!--)

<!--السَلَم: وهو في اللغة السلف، وشرعاً هو عقد على موصوف في الذمة، مؤجل بثمن مقبوض في مجلس العقد، أو هو بيع آجل (السلعة) بعاجل (النقود).

<!--الإجارة: وهي عقد على منفعة مباحة معلومة، بشروط معينة.

<!--الوصيـــة بالمال: وهي التبرع بالمال بعد الموت.

<!--إحراز المباح: وهو كل ما خلقه الله تعالى في هذه الأرض مما ينتفع به الناس على الوجه المعتاد ولا مالك له مع إمكان حيازته وملكه، وهو متنوع فمنه الحيوانات والنباتات والجمادات، فالأموال المباحة التي لم تدخل في حيازة معصوم جعلتها الشريعة الإسلامية محلاً للملك، فمن استولى عليها بالوجه الشرعي فقد ملكها، ويتنوع الاستيلاء عليها بتنوع تلك الأموال ، فمنها ما يكون الاستيلاء عليه بالصيد، ومنها ما يكون بوضع اليد عليه كالاحتطاب، ومنها ما يكون بالإحياء أو بالإقطاع من ولي الأمر مثل الأراضي، ودليل ما ورد سمر بن مضرس الطائي قال أتيتُ النَّبيَّ ﷺ فبايعتُه فقال: (من سبق إلى ما لم يسبِقْ إليه مسلمٌ فهو له)(<!--).

<!--إحيـاء المــوات: والموات هو الأرض المنفكة عن الاختصاص وملك معصوم. وإحياء الموات: يعني إحياء الأرض الموات التي لم يُسْبَق إليها أحد بزرع أو بناء.  أو مشروع تجاري أو سياحي يقام عليها. وإحياء الموات مشروع بأدلة من السنة والإجمـاع منها؛ ما ورد عن جابر رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال؛ (مَن أحيا أرضًا ميتةً فهي له وما أكَلتِ العوافي منها فهو له صدقةٌ)(<!--). ويشترط لصحة إحياء الموات؛ أن يكون الموات ليس ملكاً لأحد وليس من اختصاص أحد، وألا تكون الأرض الموات مرفقاً عاماً لأهل البلد كمرعى، ومحتطب، ومناخ إبل، ومطرح رماد، فلا يجوز إحياؤه.

أما عن كيفية إحياء الأرض الموات: فإن الإحياء الذي يملك به الإنسان الأرض يختلف حسب المقصود منها، وحسب أعراف أهل البلد، فيرجع فيه إلى العرف والمقصود، فإحياء الموات للسكن يكون بتحويط البقعة بالبناء وسقف بعض الأرض وإكمال ما يلزم للسكن عادة، وإحياء الموات للزراعة يكون بتحويط الأرض وتسويتها وإيجاد الماء والغرس ونحو ذلك، ولا يحصل الإحياء بمجرد الحرث والزرع؛ لأنه لا يراد للبقاء بخلاف الغرس، وإحياء الموات المغمور بالماء بكون بحبسه ونزحه، لتكون صالحة للبناء أو الزراعة. وإحياء الموات المملوء بالحجارة أو الحفر يكون بنقل الحجارة منه، وتسوية الأرض، لتكون صالحة للبناء أو الزراعة. ومن حفر بئراً، فوصل ماؤها فقد أحياها، وله حماها ومرافقها المعتادة إذا كان ما حولها مواتاً، وهكذا. ويُرجع في ذلك كله إلى العرف، فما عده الناس إحياءً فإنه تُملك به الأرض الموات، فمن أحياها إحياءً شرعياً ملكها بجميع ما فيها، كبيرة كانت أو صغيرة، ومن احتجز أرضا وعجز عن إحيائها فللإمام أخذها وإعطاؤها لمن يقدر على إحيائها، واستثمار منافعها.

أما عن حكم استئذان الإمام في الإحياء: فإنه يجوز تملُّك الأرض الموات بالإحياء وإن لم يأذن فيه الإمام؛ لأن إحياء الأرض مباح كالصيد والكلأ والماء، فلا يشترط فيه إذن الإمام، لكن إن كثر النهب وخُشي الفساد والنزاع فللإمام تنظيمه بما يحقق المصلحة، ويدفع المفسدة، فلا ضرر ولا ضرار، وذلك لما ورد عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: (مَنْ أعْمَرَ أرْضاً لَيْسَتْ لأحَدٍ فَهُوَ أحَقُّ)(<!--).

أما حكم من أحيا أرض غيره دون علمه: إذا أحيا الإنسان أرضاً فاتضح أنها مملوكة لأحد خُيِّر مالكها، فإما أن يسترد ممن أحياها أرضه، بعد أن يؤدي إليه أجرة عمله، وإما أن يحيل إليه حق الملكية بعد أخذ ثمنها منه.

أما عن حكم تحجير الأرض الموات: فإن التحجير يعني أن يتم عمل صور من الحجارة على الأرض، والتحجر لا يفيد التملك، وإنما يفيد الاختصاص والأحقية عن غيره كأن يحيط الأرض بأحجار، أو شبك، أو خندق، أو بحاجز ترابي، أو بجدار ليس بمنيع، أو يحفر بئراً ولا يصل إلى الماء، أو يبني الجدار من جهة دون الجهات الأخرى ونحو ذلك، فهذا التحجير لا يفيد التملك، وإنما تفيد اختصاصه بها دون غيره؛ لأن الملك بالإحياء، وهذا ليس بإحياء، لكن يصير أحق الناس به، فمن فعل ذلك ضرب له ولي الأمر مدة لإحيائها، فإن أحياها إحياءً شرعياً وإلا نزعها من يده، وسلمها لمن يرغب في إحيائها.

أما عن ما لا يصح الاختصاص به: فإنه يوجد أنواع من الموارد يجب أن تبقى مشاعة مباحة مبذولة لعامة المنتفعين منها، ولا يجوز لأحد أن يختص بها، ولا يَمنع منها المحتاج إليها، وهي الماء والكلأ والنار وما اشترك معها في خصائصها لأنها من الأشياء الضرورية للناس، وذلك لقوله ﷺ {الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ؛ الْمَاءِ وَالْكَلَإِ وَالنَّارِ{(<!--) وفيما يلي توضيح للمقصود بكل منها:

<!--الماء: فلا يصح تملك ماء السماء، وماء العيون، وماء الأنهار، ولا يجوز ولا يصح بيعه؛ لأن الناس شركاء فيه. أما إذا حازه الإنسان في بِرْكته، أو قِرْبته، أو في خزان، أو إناء، فيجوز بيعه.

<!--الكلأ: وهو الحشيش النابت في مشاع، سواء كان رطباً أو يابساً، وهو نبات البر، وعلف البهائم، فلا يصح بيعه، ولا يجوز منع الناس منه؛ لأن الناس شركاء فيه. فإذا جمعه وحصده تملَّكه، وجاز بيعه.

<!--النار: وهي من الأشياء المشاعة بين الناس، فلا يجوز بيعها، وإنما يجب بذلها لمحتاجها، سواء في ذلك وقودها كالحطب، أو جذوتها كالقَبَس. فهذه الثلاثة من المرافق العامة التي يجب بذلها، ويحرم منعها؛ لأن الله أشاعها بين خلقه، والضرورة تدعو إليها.

<!--الإقطـاع: هو إعطاء الإمام أرضاً مواتاً لمن يراه أهلاً لذلك، أو جعل الحاكم بعض الأراضي العامرة بالبناء أو الزراعة مختصة ببعض الأشخاص فيكون هذا الشخص أولى به من غيره بشروط معينة. والإقطاع مشروع إذا كان لمصلحة. والإقطاع ثلاثة أنواع:

<!--إقطاع التمليك: وهو إقطاع يقصد به تمليك الإمام لمن أقطعه.

<!--إقطاع إرفاق: وهو أن يقطع الإمام أو نائبه الباعة الجلوس في الطرق الواسعة والميادين ونحو ذلك مما ينتفعون به دون إضرار بالناس.

<!--إقطاع استغلال: وهو أن يقطع الإمام أو نائبه من يرى في إقطاعه مصلحة لينتفع بالشيء الذي أقطعه، فإذا فقدت المصلحة فللإمام استرجاعه.

وكل هذه الأقسام جائزة، ولا يُقطِع الإمام أي فرد إلا الشيء الذي يقدر على إحيائه؛ لأن في إقطاعه أكثر من ذلك تضييقاً على الناس في حق مشترك بينهم، ولا يُقطِع ما تعلقت به مصالح المسلمين كالملح، والنهر ونحوهما، فعَنْ وَائِلٍ بن حجر الحضرمي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (أَنَّ النَّبيَّ أَقْطَعَهُ أَرْضاً بحَضْرَمُوتَ)(<!--) وَعَنْ أسْمَاءَ بِنْتِ أبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالتْ: (كُنْتُ أنْقُلُ النَّوَى مِنْ أرْضِ الزُّبَيْرِ الَّتِي أقْطَعَهُ رَسُولُ الله عَلَى رَأْسِي، وَهِيَ مِنِّي عَلَى ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ. وَقال أبُو ضَمْرَةَ: عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أبِيهِ: أنَّ النَّبِيَّ أقْطَعَ الزُّبَيْرَ أرْضاً مِنْ أمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ)(<!--).


<!--[endif]-->

<!--))  محمد بن إسماعيل البخاري، صحيح البخاري، مرجع سابق، رقم الحديث: 1471.

<!--))  أحمد بن الحسين البيهقي، السنن الكبرى، دار المعرفة، بيروت - لبنان، 1413هـ، ج 5، ص263؛ محمد ناصر الدين الألباني، صحيح الترغيب والترهيب للمنذري، مكتبة المعارف، ط 1، 1421هـ، رقم الحديث: 1690.

<!--))  أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، مؤسسة الرسالة، بيروت - لبنان، ط 1، 1416هـ، ج 1، ص 338؛ سليمان بن الأشعث أبو داود السجستاني، سنن أبي داود، تحقيق: عزت عبيد الدعاس، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، ط 1، 1389هـ، برقم 2672.

<!--))  محمد بن حبان البستي، صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، مرجع سابق، برقم: 5025.

<!--))  محمد بن إسماعيل البخاري، صحيح البخاري، مرجع سابق، رقم الحديث: 2335.

<!--))  أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، هداية الرواة إلى تخريج أحاديث المصابيح والمشكاة، مرجع سابق، ج 3، ص214.

<!--))  محمد ناصر الدين الألباني، صحيح سنن الترمذي، مرجع سابق، رقم الحديث: 1381.

<!--))  محمد بن إسماعيل البخاري، صحيح البخاري، مرجع سابق، رقم الحديث، 3151.

المصدر: د.علاء بسيوني، مبادئ الاقتصاد الإسلامي، كلية التجارة (بنين)، جامعة الأزهر، القاهرة.
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 625 مشاهدة

dralaabasuony

dralaabasuony
يهدف هذا الموقع إلى تنشيط الثقافة العلمية وفتح المجال المناقشات العلمية البناءة من أجل إثراء المعرفة والعلمية وخدمة المجتمع، وذلك من خلال مناقشة العديد من الموضوعات الاقتصادية والاجتماعية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

20,478